تثير جولة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في ست من دول أميركا اللاتينية، عددًا من التساؤلات أكثر مما طرحت من أجوبة. وقد يجري النظر إلى الزيارة باعتبارها ترمي إلى تحسين العلاقات بين إيران ودول هذه القارة، بعد الكثير من المحاولات الفاشلة فيما مضى.
أثناء الزيارة، التي يقوم بها وزير خارجية النظام الإيراني إلى فنزويلا وكوبا والإكوادور وبوليفيا ونيكاراغوا وتشيلي، ويشكل أغلبها تكتل «ألبا» (البديل البوليفاري لشعوب أميركا)، الذي أسسه الرئيسان السابقان هوغو شافيز (فنزويلا) وفيدل كاسترو (كوبا) عام 2004، وتتشارك هذه المجموعة من الدول في المشروع السياسي والآيديولوجي الاشتراكي ذاته. ورغم عدم امتلاكها اقتصادات قوية بما يكفي لأن تصبح حليفا لإيران، فإن بناء صداقات وثيقة بينها وبين إيران قد يتسبب في زعزعة استقرار المنطقة.
الملاحظ أن حكومة فنزويلا كانت واحدة من أقرب حلفاء إيران بأميركا الجنوبية. وقد زارت وزيرة الخارجية الفنزويلية ديلسي رودريغيز إيران للإعداد لجولة ظريف.
بيد أن مفاجأة الجولة تكمن في تشيلي لما تتمتع به هذه الدولة من ديمقراطية قوية واقتصاد مزدهر على مستوى المنطقة، وعدم مشاركتها في تكتل «ألبا»، علاوة على ذلك، فإنها جارة للأرجنتين التي شهدت عام 1994 هجوما إرهابيا أسفر عن مقتل 85 شخصا كانت الحكومة الأرجنتينية قد اتهمت طهران وجماعة «حزب الله» رسميا بالوقوف خلف الهجوم.
وفي إطار مقابلة أجرتها معه «الشرق الأوسط»، أعرب ماركوس بيكيل، المستشار في الخارجية الكولومبية والخبير المعني بشؤون الشرق الأوسط الذي يحاضر في عدد من الجامعات الكبرى بكولومبيا، عن اعتقاده بأن إيران تحاول تحسين صورتها داخل أميركا اللاتينية بعد الهجوم الذي وقت في بيونس أيريس؛ الأمر الذي لم تنجح فيه تمامًا حتى الآن.
* ما رأيك في زيارة وزير الخارجية الإيراني ظريف؟
- أعتقد أن ظريف يحاول إخراج إيران من عزلتها التي نسجتها حولها العقوبات. ومع ذلك، فإنه عند إمعان النظر في الدول التي تشملها الجولة، نجد أن أربعا منها ارتبطت بإيران بالفعل بعلاقات حتى في خضم العقوبات: فنزويلا، والإكوادور، ونيكاراغوا، وبوليفيا. أما الوجهة التي تشكل مفاجأة بالنسبة إليَّ فهي تشيلي، التي قرر رئيسها توجيه الدعوة إلى ظريف رغم ما جابهه من معارضة قوية داخل بعض قطاعات المجتمع التشيلي. ورغم الضجة التي أثيرت حول العلاقات بين إيران وفنزويلا، وبدرجة أقل بالنسبة إلى نيكاراغوا وبوليفيا والإكوادور، فإن حجم التبادل التجاري بين طهران وهذه الدول يبقى صغيرا، إضافة إلى أن غالبية المشروعات التي أعلنت عنها طهران من مصانع للجرارات والدراجات لم تظهر على أرض الواقع. وأعتقد أن إيران تحاول إعادة إطلاق العلاقات بينها وبين دول القارة.
* ما المصالح الإيرانية بأميركا اللاتينية؟ هل تسعى إيران إلى زعزعة استقرار المنطقة؟
- تواجه إيران مشكلة كبرى في أميركا اللاتينية تتمثل في ضرورة أن تتعامل مع قضية التفجير الذي وقع في بيونس أيريس عام 1994، الذي اتهمت إيران بالضلوع فيه. وقد وجهت اتهامات لعدد من الإيرانيين وعملاء «حزب الله»، وهم مطلوبون الآن لدى «الإنتربول»، ولا تقتصر المشكلة على الأرجنتين، وإنما تمتد إلى دول أخرى بالمنطقة.
إلى جانب ذلك، خسرت إيران عدة شركاء محتملين داخل أميركا اللاتينية، بدءًا من البرازيل التي بدت خلال العام الأول من رئاسة ديلما روسيف غير متحمسة حيال المضي في العلاقات مع إيران على النحو الذي كانت عليه في عهد سلفها لولا دا سيلفا. وعليه، أخفقت الكثير من المحاولات الإيرانية للتقارب مع دول القارة، وما يحاول ظريف عمله الآن البدء من جديد في بناء علاقات دبلوماسية مع دول القارة والتمتع بدعمها وتعزيز العلاقات التجارية معها.
ومثلما سبق وأن أشرت، فإن العلاقات التجارية بين الجانبين ضئيلة للغاية، وتتركز في الجزء الأكبر منها على النفط والمنتجات البترولية، إضافة إلى القليل من المنتجات الزراعية. والواضح أن طهران لا تملك كثيرا من عناصر الجذب التي يمكنها تحفيز دول أميركا اللاتينية على التعاون معها تجاريًا. ورغم ضخامة السوق الإيرانية، فإن المجتمع هناك ما يزال يعاني تداعيات العقوبات، ما يعني أنه لا يملك كثيرا من القوة الشرائية.
وعليه، فإن هذه الجولة ينبغي النظر إليها في إطار محاولات كسر العزلة، وإعادة إطلاق بعض العلاقات التي لم تزدهر فعليا أبدا على النحو الذي يصوره البعض. لكن الأرجنتين تبقى عقبة كبرى وما تزال بعض الدول تنظر نحو إيران بارتياب.
* هل إيران سخية حقا أما أنها تحمل نوايا خفية؟
- أعتقد أنه ينبغي دوما النظر إلى إيران باعتبارها مزدوجة النوايا. ظاهريا، يبدو أن طهران تسعى إلى بناء علاقات مع القارة، لكن خلف السطح أعتقد أنها تحاول كذلك الإفلات بما اقترفته في بيونس أيريس منذ 23 عاما ماضية، لكن ما دامت إيران متجاهلة لمسؤوليتها عن الحادث، فستبقى أمامها مشكلة على مستوى القارة بأكملها. ويجدر بالذكر أنه حتى عندما وقعت إيران مذكرة مع الأرجنتين في عهد الرئيسة كريستينا كريشنر تتعهد خلالها بالتعاون مع السلطات الأرجنتينية، فإن الأمر لم يتحقق قط؛ لذا أعتقد أن إيران تواجه مشكلة كبرى في أميركا اللاتينية، ما يفسر المجهود الكبير الذي تبذله لتحسين صورتها لكن من دون طائل.
* في اعتقادك، ما حقيقة نوايا إيران؟
- أعتقد أن إيران تسعى في حقيقة الأمر إلى الخروج من عزلتها، لكن عندما نمعن النظر في الشرق الأوسط، نجد أنها تتدخل في شؤون الدول الأخرى - في اليمن وسوريا - وتساند الرئيس بشار الأسد الذي ارتكب إبادة جماعية بحق شعبه. وربما ينفر الكثيرون داخل أميركا اللاتينية من طهران لما توليه من دعم لـ«حزب الله» رغم كونه منظمة إرهابية.
* لماذا برأيك تقتصر الجولة على دول «ألبا»، ولا تضم دولًا أخرى مثل كولومبيا أو الأرجنتين أو المكسيك رغم أنها تبدو أكثر جاذبية من المنظور الاقتصادي؟
- لأن تلك هي الدول التي ارتبطت إيران بعلاقات بها لسنوات كثيرة، حتى خلال فترة العقوبات. لقد أبدت دول «ألبا» انفتاحها على إيران، وإن كان بدرجات متفاوتة. من ناحيتها، شكلت فنزويلا نقطة الدخول إلى القارة بالنسبة إلى الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، وجرى توقيع الكثير من الاتفاقات بين الجانبين، التي أؤكد أنها لم تتجسد قط على أرض الواقع. كما أن إيران وفنزويلا أعضاء في منظمة «أوبك»، وبالتالي تجمعهما الكثير من القضايا المشتركة. لكنه مثلما ذكرت بالبداية، فإن المفاجأة الوحيدة بالنسبة إلى تشيلي. ومن الأسباب وراء ذلك وقوف إيران إلى جانب بوليفيا فيما يخص النزاع بينها وبين تشيلي على أحقية السيادة على أجزاء ساحلية تطل على المحيط الهادي؛ لذا فإن تشيلي ربما لا ترغب في أن تتحرك إيران، التي تملك بعض النفوذ الدبلوماسي بآسيا الوسطى، نحو دفع دول أخرى ضد تشيلي لصالح بوليفيا. ربما يكون هذا التفسير الوحيد وراء توجيه تشيلي الدعوة لظريف لزيارتها.
* ما الذي يمكن أن تتمخض عنه هذه الزيارة؟
- أعتقد أنها لن تثمر الكثير، وإنما سيجري التوقيع على الكثير من الاتفاقات التجارية، وربما لا يتحقق منها الكثير، وذلك لأنه مثلما سبقت آنفا، فإن طهران لا تتمتع بجاذبية اقتصادية كبيرة بالنسبة إلى دول أميركا اللاتينية.
* هل من الممكن بناء علاقات جديدة بين دول «ألبا» وإيران؟
- لا، لأن هناك علاقات بين الجانبين بالفعل. لقد سبق وأن زار جميع رؤساء دول «ألبا» إيران. وتمتع أحمدي نجاد بعلاقات ممتازة مع شافيز، وبعلاقات جيدة مع لولا، لكنه بطبيعة الحال ستسعى إيران إلى تقويض العلاقات الممتازة بين أميركا اللاتينية وأي دول معادية لها في القارة؛ الأمر الذي قد يجعل زيارة ظريف غير مرحب بها في بعض الدول.