ذاكر نائق.. من الطب إلى الخطاب الديني التحريضي

عملية دكا الإرهابية سلطت عليه الأضواء

ذاكر نائق.. من الطب إلى الخطاب الديني التحريضي
TT

ذاكر نائق.. من الطب إلى الخطاب الديني التحريضي

ذاكر نائق.. من الطب إلى الخطاب الديني التحريضي

في مطلع يوليو (تموز) الماضي، هاجم 6 شبان بنغلاديشيين مسلحين مطعمًا راقيًا في العاصمة البنغلاديشية دكا، وارتكبوا مجزرة قتل فيها 22 شخصًا، معظمهم من الأجانب، بعدما أخذوهم رهائن. واكتشف لاحقًا في حساب روهان امتياز، أحد الجناة، على موقع «فيسبوك»، صورة لداعية إسلامي هندي متشدد، هو الدكتور ذاكر نائق، المقيم في مدينة ممباي (بومباي سابقًا)، وادعى في الحساب أنه كان تحت تأثير خطب نائق وأفكاره لدى مباشرته تنفيذ العملية.
الكشف عن تأثير الداعية الدكتور ذاكر نائق، أحد ألمع الوجوه التي تبث خطبها ورسائلها الدينية في الهند، على جيل الشباب، ودفعه الشبان إلى تنفيذ عمليات إرهابية، جعل حكومة بنغلاديش تحظر خطبه في بداية الأمر، ثم اضطرت الحكومة الهندية لفتح تحقيق في نشاطاته.
الجدير بالذكر أن نائق، مؤسس شبكة تلفزيون السلام (بيس تي في)، وجد نفسه تحت أعين المتابعين والأجهزة الأمنية، بسبب خطبه ودعواته التي توصف بأنها تحض على الكراهية. ولذا، منع من دخول بريطانيا وكندا وماليزيا، وحظر بث شبكته التلفزيونية في كل من الصين وكندا وبريطانيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الهند.

التحقيق القضائي الهندي
الأكثر من هذا، وجد الداعية المثير للجدل نفسه متهمًا بموجب دعوى لشرطة ممباي بالتورط في تصرفات مخالفة للقانون، وقد يكون لها صلات بالإرهاب، وفق كلام ديفيندرا فادنافيس رئيس حكومة ولاية مهاراشترا (إحدى كبريات ولايات الهند، وعاصمتها ممباي)، خلال لقاء مع الإعلام.
وتابع فادنافيس أن القضية المعدة بحق نائق محكمة تمامًا، وموثقة بالقرائن والإثباتات ضد الداعية الذي أخضعت مؤسسة أخرى تابعة له، وهي «مؤسسة البحث الإسلامية» (آي آر إف)، للتحريات، والمساعي تبذل الآن على قدم وساق لتسليمه إلى العدالة، علما بأنه حاليًا خارج الهند.
ووفق شرطة ممباي، المخولة بالتحقيق في خطب نائق التي يُزعم أنها «تحريضية»، قال تقرير مكون من 72 صفحة إنه بالقول والفعل «داعم للإرهاب» و«يؤثر في العقول الهشة». ويذهب التقرير، الذي أتيح لـ«الشرق الأوسط» الاطلاع عليه، إلى أن نائق عبر مؤسسته (الآي آر إف) وشبكته التلفزيونية وفّر منصة لـ«العقول الإرهابية» للترويج لفكره، ثم يقول: «ليس من الخطأ القول إن الشباب المسلم ينجذب إلى الأفكار العقائدية التي يروجها الدكتور ذاكر نائق، وأن تعاليمه الدينية تلهب المشاعر الدينية عند هذا الجيل من الشباب».
وفي الوقت نفسه، أعدت وكالة التحقيقات الوطنية الهندية (نيا) لائحة تضم أسماء أكثر من 50 إرهابيًا ومشتبهًا بتورطه بأعمال إرهابية، تدعي أنهم وقعوا تحت تأثير ذاكر نائق وخطبه ووسائط إعلامه ودعايته.
الطبيب ـ الداعية
ولكن من الدكتور ذاكر نائق؟ إنه طبيب، يبلغ عمره 51 سنة، لكنه صرف اهتمامه عن الطب، وكرس وقته للدعوة الدينية التي يعتبرها كثر مثيرة للجدل، عبر شاشة التلفزيون. وهو وجه مألوف بملبسه الغربي الأنيق، مع ربطة عنق، ولكن مع غطاء رأس إسلامي (طاقية)، عندما يخطب أمام مريديه وأتباعه. وهو في هذا يخالف الدعاة التقليديين الذين يرتدون أزياء شرقية تقليدية. ثم إن نائق غالبًا ما يتواصل مع جمهوره باللغة الإنجليزية، أيضًا بخلاف معظم الدعاة الإسلاميين الآخرين الذين يستخدمون اللغة الأوردية. وهناك فارق ثالث يميز هذا الداعية الاستثنائي هو أنه لا يتحرّج من الاقتباس من مصادر ومراجع غير إسلامية، وعندما يستوقفه بعض مستمعيه لطرح سؤال ديني أو سياسي محرج أو حساس، فإنه يلجأ إلى إجراء مقارنات ومقابلات للنصوص الدينية، ويسعى إلى إقناعهم بأن الإسلام يقدم لهم الإجابة الشافية. ولذا، عليهم اعتناق الإسلام.
أما بداية اهتمامه بالدعوة الدينية، فتعود إلى عام 1987، عندما حضر في ممباي خطبة للداعية الإسلامي الشهير أحمد ديدات، فتأثر به بشدة، وقرر تغيير مجرى حياته. ومن ثم، انكب على حفظ القرآن الكريم، وأخذ يتعمق في الدراسات الدينية والتفاسير، والنصوص المقارنة، ثم باشر العمل الدعوي، وإلقاء المحاضرات الدينية، معتمدًا أسلوب ديدات في مخاطبة الشباب، واجتذابه إلى الدين، مستفيدًا من إتقانه اللغة الإنجليزية، وإلمامه بالعلوم والتكنولوجيا. وحقًا بمرور الوقت، نجح نائق في كسب أكثر من 14 مليون متابع على «فيسبوك»، ونحو 200 مليون مشاهد لشبكته التلفزيونية التي تبث بعدة لغات، منها اللغات الأوردية والبنغالية والصينية. وتجدر الإشارة إلى أن الشبكة التلفزيونية «بيس تي في» هذه تديرها مؤسسته «آي أر إف» - ومقرها ممباي - التي كان نائق قد أسسها عام 1991.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.