فنزويلا الغنية بالنفط.. فقيرة بالأساسيات اليومية

«مشكلاتها هيكلية» لكنها ما زالت تدار آيديولوجيًا من خلال مشروع الرئيس الراحل شافيز

طوابير من الناس في العاصمة كراكاس من أجل شراء الأساسيات اليومية من الغذاء في بلد من أغنى دول أميركا اللاتينية (رويترز)
طوابير من الناس في العاصمة كراكاس من أجل شراء الأساسيات اليومية من الغذاء في بلد من أغنى دول أميركا اللاتينية (رويترز)
TT

فنزويلا الغنية بالنفط.. فقيرة بالأساسيات اليومية

طوابير من الناس في العاصمة كراكاس من أجل شراء الأساسيات اليومية من الغذاء في بلد من أغنى دول أميركا اللاتينية (رويترز)
طوابير من الناس في العاصمة كراكاس من أجل شراء الأساسيات اليومية من الغذاء في بلد من أغنى دول أميركا اللاتينية (رويترز)

بلد لا يجد الغذاء ولا الدواء ولا أي شيء من أساسيات الحياة اليومية، مثل ورق المرحاض، يرسم صورة متناقضة مع ما تم تداوله حول العالم وظل عالقًا بالذاكرة لبلد يعتبر واحدًا من أغنى بلدان أميركا اللاتينية على مدار العقود الماضية، بفضل النفط.
الوضع الإنساني والاجتماعي وصل إلى مستوى درامي اضطر معه مئات الآلاف من الفنزويليين إلى قطع حدود الجارة كولومبيا، بشكل شبه سري، لسد احتياجاتهم من منتجات ليست متوفرة في بلدهم، وقد اصطفوا في طوابير لا نهاية لها في المتاجر الكبيرة لشراء السلع الأساسية، كالبيض واللبن وغيرها من الأساسيات اليومية.
قبل بضعة أيام قليلة، وفي أعقاب اجتماع الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، ونظيره الكولومبي، خوان مانويل سانتوس، تم الاتفاق على إعادة فتح الحدود التي أقدمت الحكومة الفنزويلية على إغلاقها لما يقرب من عام، في تصرف أحادي الجانب.
الساعات الأولى لهذا الإجراء القانوني، أي فتح الحدود، أظهرت المستوى الذي وصلت إليه الأزمة. مئات الآلاف من الفنزويليين، كانوا يترقبون متلهفين سماح السلطات لهم بعبور الحدود إلى كولومبيا. ووفقًا للسلطات الكولومبية، عبر الحدود خلال اليوم الأول لإعادة فتحها، 90 ألف شخص، من أجل شراء المواد الغذائية والدواء. ومر معظم هؤلاء عبر جسر سيمون بوليفار، فوق نهر تاتشيرا، قرب بلدة كاكوتا الكولومبية.
قال فابيان أكونيا، خبير شؤون أميركا اللاتينية في جامعة جافيريانا الكولومبية في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، إن إعادة فتح الحدود كان «إجراء في أمس الحاجة إليه»، لأن مشكلات الاقتصاد الفنزويلي، هي مشكلات هيكلية. وأضاف أكونيا: «في كل وقت تتعرض فيه فنزويلا لأزمة داخلية، تتجه لاستخدام كولومبيا سبيلاً لتشتيت الانتباه، ومن هنا كانت عمليات إغلاق الحدود أداة دائمة».
وتبين آخر القرارات التي أعلنها الرئيس نيكولاس مادورو، بزيادة الحد الأدنى من الأجور بواقع 50 في المائة بداية من الأول من سبتمبر (أيلول) المقبل، وإعادة فتح الحدود مع كولومبيا، أنه يحاول استعادة الثقة المفقودة خلال سنوات الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وبالإضافة إلى هذا، يسعى الرئيس مادورو إلى كسب أنصار بهدف عبور استفتاء سحب الثقة الذي تضغط من أجله المعارضة، والذي يسأل الفنزويليين ما إذا كانوا يريدون بقاء مادورو في السلطة أو استقالته.
وبحسب الإعلان، فإن الحد الأدنى للأجور، الذي يتضمن علاوة غذائية، سيرتفع من 33.636 بوليفار إلى 65.056 بوليفار (ما يوازي 105 دولارات أميركية)، بحسب سعر الصرف الرسمي. ومع هذا، فبدلاً من أن يكون هذا حلاً، فإن مقدار الزيادة من الممكن أن يصبح مشكلة كبرى للبلاد، إذ ستضاف إلى معدل تضخم خرج عن السيطرة بالفعل.
تقول وسائل الإعلام الفنزويلية إنه خلال النصف الأول من 2016، كان معدل التضخم في البلاد 176.2 في المائة. وبلغ الوضع من الخطورة بمكان أن توقع صندوق النقد الدولي أن تتجاوز نسبة التضخم في البلاد 700 في المائة بحلول نهاية العام. ويعني هذا «أسوأ أداء للنمو والتضخم حول العالم»، بحسب ما نقلت صحيفة محلية عن صندوق النقد.
وفي نفس الوقت، فإن ائتلاف أحزاب المعارضة، «طاولة الوحدة الديمقراطية المستديرة»، قالت إن قرار زيادة الحد الأدنى للأجور يأتي مدفوعًا بحملة استفتاء سحب الثقة.
الأمين العام للمعارضة خيسوس توريالبا، قال: «الحكومة قالت إنه لن يكون هناك استفتاء على سحب الثقة من الرئيس، ولكنهم يستعدون للحملة. يعرف الشعب أن هذه الزيادة في الأجور لن يكون لها أي معنى من دون حكومة جديدة».
كما أعلن المجلس الانتخابي الوطني أنه سيقيم طلب المعارضة لجمع توقيعات من أجل استفتاء على سحب الثقة من الرئيس. ويجب الحصول على توقيعات نحو 4 ملايين فنزويلي من أجل تحريك عملية طلب الاستفتاء، وإذا قبل المجلس الطلب، فمن الممكن جمع التوقيعات في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وقال البروفسور أكونيا: «تخضع أفرع السلطة في فنزويلا لسيطرة الجهة التنفيذية، والمجلس الانتخابي الوطني ليس استثناء في هذا، وبسبب هذا فقد سعوا إلى إبطاء العملية. إذا تأخر الاستفتاء حتى فبراير (شباط) من العام المقبل، فإن مادورو، في حالة خسارته، سيتنازل عن السلطة ببساطة لنائبه، من دون أن تجري انتخابات عامة، وهو ما يبقي على الوضع البيروقراطي القائم».
كل شيء في فنزويلا يتحرك بأمر الرئيس مادورو كما يبدو. سيكون إجراء الاستفتاء قبل نهاية 2016 مخاطرة كبيرة للحزب الحاكم، وخصوصًا لمادورو شخصيًا. وفي حال عقد الاستفتاء هذا العام وخسر الرئيس، فسيدعو المجلس الانتخابي الوطني إلى إجراء انتخابات رئاسية جديدة، لكن في حال حدث هذا في 2017، فعندئذ سيتولى نائب مادورو السلطة حتى 2019. وبمعنى آخر، سيظل واحد من الموالين لنظام وفكر الرئيس الراحل هوغو شافيز في السلطة.
أجلت هيئة الانتخابات العملية بهدف تجنب الاستفتاء، فأعلنت أنه بعد جمع التوقيعات ستطلب الهيئة شهرًا لمراجعتها. يمكن أن يعقد الاستفتاء عندئذ في غضون 90 يومًا بعد عملية المراجعة. وفي حال الالتزام الدقيق بهذه المواعيد، فإن الاستفتاء سيجري في مارس (آذار) 2017.
فيما يمر البلد بأزمة اجتماعية واقتصادية على يد مشروع سياسي مدفوع آيديولوجيًا، أيدت المحاكم الفنزويلية إدانة وحكمًا بالسجن 13 عامًا، لواحد من زعماء المعارضة، هو ليبوبولدو لوبيز. وقد أمضى لوبيز بالفعل عامين في السجن، وهو يعاني في ظروف تنتهك حقوقه الإنسانية، بعد القبض عليه في مظاهرة للمعارضة في فبراير 2014. لم يكن البلد يتوقع أي شيء آخر، فنظام القضاء يهيمن عليه أنصار الرئيس الراحل هوغو شافيز.
وكان لوبيز، 45 عامًا، مؤسس حزب الإرادة الشعبية، أدين على خلفية اتهامات بالتحريض العلني، والتآمر، والإضرار بالممتلكات والحرق العمدي، بعد أن نظم مسيرة ضد الحكومة. ولدى النطق بالحكم، الصادر عن محكمة الاستئناف الفنزويلية، أبدى عدد من اللاعبين السياسيين على المستويين الوطني والدولي، أسفهم لتأييد هذا الحكم، معتبرين إياه انتهاكًا للقانون وبرهانًا على أن القيم الديمقراطية ما زالت مهددة في فنزويلا.
وقد عبرت هيئات مثل منظمة الدول الأميركية «أو إيه إس» عن أسفها حيال الوضع الصعب في فنزويلا. إن فنزويلا الغنية والقوية، كما ارتبطت في الذاكرة، لن تعود مرة أخرى، قبل حدوث تغيير كبير في الحكومة.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.