قبل ثلاثة شهور، أرسلت رئاسة صحيفة «نيويورك تايمز» في نيويورك خطابا إلى دكلان والش، مدير مكتبها في القاهرة، ليستعد للعودة إلى الولايات المتحدة لتغطية الانتخابات الأميركية. تهدف الصحيفة من هذه السياسة الجديدة انفتاح القارئ العالمي على ما يجرى داخل الولايات المتحدة (والعكس بالنسبة للقارئ الأميركي).
لكن، منذ بداية الخطة، ظهرت تحديات أمامها؛ وذلك بسبب الاختلافات الكبيرة بين القارئ الأميركي والقارئ الأجنبي (ناهيك عن السياسات الأميركية وسياسات الدول الأجنبية). والش آيرلندي، وحصل على الجنسية الأميركية مؤخرا، وقضى سنوات كثيرة يغطي أخبار العالم للصحيفة، ومن القاهرة منذ ثلاث سنوات.
قال: «لا أعرف أي شيء عن الكلية الانتخابية، والأعضاء السوبر، وبرنامج الحزب».
عن هذه التجربة الجديدة، قال والش إن هناك هدفين:
أولا: مزيد من الانفتاح الأميركي على العالم الخارجي.
ثانيا: مزيد من استغلال تكنولوجيا المعلومات الحديثة.
وأضاف: «يريد القارئ الأجنبي متابعة ما يحدث داخل الولايات المتحدة. لكنه، أحيانا، خصوصا في موضوعات معقدة مثل ميكانيكية الانتخابات، يجد نفسه في حيرة. يجد نفسه وجها لوجه أمام ثقافة وتاريخ غير متعود عليهما. لحسن الحظ، توفر تكنولوجيا الاتصالات فرصا كثيرة لنستغلها لتحقيق هذا الهدف».
قبل عامين، دمجت «نيويورك تايمز» إليها صحيفة «إنترناشونال هيرالد تربيون» (كانت تملكها، بعد أن اشترتها من صحيفة «واشنطن بوست» التي كانت تقاسمها الملكية).
وفي فبراير الماضي، أصدرت «نيويورك تايمز أن إسبانول» (الطبعة الإسبانية) من المكسيك.
وفي أبريل (نيسان) الماضي، رصدت شركة «نيويورك تايمز» 50 مليون دولار لتوسيع خدماتها العالمية تحت اسم «نيويورك تايمز غلوبال». ليس حبا في القراء الأجانب، ولكن لزيادة دخلها منهم. تريد أن توسع نظام الاشتراك في موقعها، وفي خدماتها، كما تفعل في الوقت الحاضر داخل الولايات المتحدة.
في الأسبوع الماضي، نشرت الصحيفة نفسها أن الشركة المالكة تتوقع دخلا يصل إلى مائة مليون دولار كل عام بحلول عام 2020. لكن، قالت دورية «كولمبيا جورنالزم ريفيو» (تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولومبيا، في نيويورك) إن تحقيق هذا الهدف يواجه بعض العوائق:
أولا: تقل قدرة القارئ الأجنبي الاقتصادية، بالمقارنة مع القارئ الأميركي.
ثانيا: تتعقد عملية تحويل الاشتراكات من الخارج، خصوصا لأن البطاقات الائتمانية ليست متوافرة في كثير من دول العالم.
ثالثا: توجد منافسة من صحف ومؤسسات إخبارية تنشر محتوياتها مجانا عبر العالم. (حتى داخل الولايات المتحدة، لا تبيع صحيفة «واشنطن بوست» محتوياتها اليومية، كما تفعل «نيويورك تايمز»).
لكن، يبدو أن هذه المعوقات لا تخيف المسؤولين في شركة «نيويورك تايمز».
في الأسبوع الماضي، قال مارك طومسون، كبير المديرين التنفيذيين في الشركة: «نريد أن نجعل صحافتنا منفتحة على جمهور جديد». وأيده في ذلك دين باكيت، رئيس تحرير الصحيفة. وأيدته ليديا بولغرين، رئيسة تحرير الطبعة الإسبانية في المكسيك. وأيده جوزيف كان، رئيس التحرير الدولي. وأيده مايكل سلاكمان، مدير التحرير الدولي.
هكذا، ولهذا، نقلت الصحيفة والش من القاهرة إلى الانتخابات الأميركية. لكن، من يرأس والش؟ رئيس القسم السياسي الذي يشرف على التغطية الانتخابية؟ أو رئيس القسم الخارجي الذي يشرف على المراسلين في الخارج؟
قال والش إنه ينسق مع القسم السياسي، لكنه يرسل تقاريره إلى القسم الخارجي. وقال: إنه يركز على شرح تعقيدات السياسة الأميركية.
مثلا: عندما كان في ولاية وسكونسن، كتب عن أميركية ترتدي قبعة على شكل قطعة جبن عملاقة. وقالت له وهي فخورة بولايتها: «نحن أصحاب رؤوس الجبن». فشرح هو للقارئ الأجنبي بأن ولاية وسكونسن مشهورة بإنتاج الجبن. وبأن شعار فريق «باكرز» في غيرين باي (ولاية وسكونسن) يرمز إلى مصانع ميلواكي.
ليست صحيفة «نيويورك تايمز» هي الصحيفة الأميركية الوحيدة التي بدأت تنشر تقارير خاصة موجهة للقارئ الأجنبي. في العام الماضي، بدأت مجلة «سليت» كتابة تقريرين عن كل حدث كبير: واحد للقارئ الأميركي، والثاني للقارئ الأجنبي. مثلا: العناوين الآتية للقارئ الأجنبي:
أولا: «موت قاض محافظ يهدد حياد المحكمة العليا التي تفسر الدستور». (قال العنوان الأميركي: «موت القاضي سكاليا فجأة»).
ثانيا: «إسقاط الاتهامات ضد شرطة بولتيمور في قتل رجل أسود». (قال العنوان الأميركي: «مدعية بولتيمور تسحب بقية الدعاوى»).
ثالثا: «ترامب يدافع عن حق الأميركيين في شراء السلاح وحمله». (قال العنوان الأميركي: «ترامب يركز على التعديل الثاني (في الدستور)».
لكن، كما قالت دورية «كولمبيا جورناليزم ريفيو»، تظل هذه التجربة في بدايتها. خاصة بسبب عدم وجود اختلافات واضحة بين القارئين: الأميركي والأجنبي (الذي هو، في هذه الحالة قارئ أجنبي يجيد اللغة الإنجليزية، وربما درس في الولايات المتحدة، أو يتابع الأحداث الأميركية).
يعنى هذا أن «القارئ الأجنبي» المستهدف يمثل نسبة قليلة جدا من القارئ الأجنبي الحقيقي.
في بداية هذا العام، قال موقع «كوم سكور» (يتابع شعبية مواقع الإنترنت) إن 36 في المائة من التواصل مع موقع صحيفة «نيويورك تايمز» يأتي من الخارج. طبعا، يدخل في هذه النسبة الأميركيون الذين يعيشون في الخارج، بالإضافة إلى «الأجانب المتأمركين».
لا يقلل والش، وهو الذي يعيش في دولة أجنبية، من مثل هذه التعقيدات.
يبقى الجزء الثاني من مشروع «نيويورك تايمز غلوبال»، وهو استغلال تكنولوجيا الاتصالات. عن هذه قال والش إنه سيستخدم «فيسبوك لايف» (خدمة جديدة في موقع «فيسبوك» للإرسال المباشر). في بداية هذا العام، دفعت شركة «نيويورك تايمز» ثلاثة ملايين دولار لشركة «فيسبوك» للاشتراك في «فيسبوك لايف» لمدة عام واحد.
ويبقى الجزء الأهم الذي يبدو أن شركة «نيويورك تايمز» لم تضع أي اعتبار له. ربما بسبب الجهل، وربما بسبب النكران. هذا هو الشقة العريضة والعميقة بين رأي الأميركيين في شعوب العالم الثالث، ورأي شعوب العالم الثالث في أميركا. هنا، وبالنسبة لوالش، رأي العرب والمسلمين في السياسة الأميركية نحوهم، ورأي الأميركيين فيهم كلهم.
يعترف والش بهذه المشكلة، ويقول: «هاأنذا أغطي الانتخابات الأميركية، وفيها تصريحات كثيرة عن اللاجئين السوريين. يبدو لي أن هناك ظلما في تصريحات في الحملة الانتخابية بأن اللاجئين السوريين يمكن أن يكونوا عملاء لتنظيم داعش».
وأضاف: «مؤخرا، عدت من سوريا، وكنت في دمشق وفي حلب. ثم هاأنذا أغطي الانتخابات الأميركية، وفيها تصريحات تخون وتجهل أسباب هجرة السوريين».
وقال: «حتى الصحافيون الأميركيون» يشتركون في هذا الرأي.
لهذا؛ يبدو أن مشروع «نيويورك تايمز» لكسب القارئ الأجنبي سهل نظريا، لكن، صعب عمليا. (ناهيك عن در إعلانات بمائة مليون دولار كل عام).
الانتخابات الأميركية بعيون شرق أوسطية
«نيويورك تايمز» تخصص مراسلاً أجنبيًا لتغطية السباق الرئاسي
الانتخابات الأميركية بعيون شرق أوسطية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة