تاريخ الفلسطيني المظلوم بعيون كاتبة يهودية أميركية

شجرة اللوز

تاريخ الفلسطيني المظلوم بعيون كاتبة يهودية أميركية
TT

تاريخ الفلسطيني المظلوم بعيون كاتبة يهودية أميركية

تاريخ الفلسطيني المظلوم بعيون كاتبة يهودية أميركية

بعد ستة عقود على مأساة الشعب الفلسطيني، بدأت بعض الأصوات الإسرائيلية ترى الآخر الفلسطيني كإنسان يستحق الحياة الكريمة، بل بدأ يعترف بأن الغزو الصيهوني لأراضي فلسطين، تسبب في آلام كبيرة لبشر حرموا من هذه الحياة الكريمة. من هؤلاء نتذكر ميكو بيلد في كتابه: ابن الجنرال، وهو الناشط الذي تحولت عائلته من متعصبة للصهيونية، إلى داعية سلام مع الفلسطينيين. لكن شخصيات يهودية من خارج إسرائيل أيضا، بدأت تسائل الدولة التي قامت على نفي الفلسطيني من أرضه لتحل مكانه، حول ممارساتها العنصرية حياله. وباتت هذه الأصوات مجتمعة، جزءا من حراك يدعو إلى السلام والعدالة.

من هذه الأصوات الروائية الأميركية ميشيل كوهين كوارسانتي المختصة بشؤون الشرق الأوسط، والتي استلهمت مضمون روايتها من تجربة معاشة لسبع سنوات قضتها في إسرائيل، عندما أرسلها والدها مع صديقه رجل الدين اليهودي، لتدرس مع ابنته في اسرائيل – أرض الميعاد – لتكون مثال البنت اليهودية الملتزمة، لكنها بدل أن تستنسخ الخطاب المعتاد عن العربي ” المخرب”، قرأت الواقع بعين ناقدة، وترجمته متأخرا عشرين سنة، عندما قبضت على أداتها الكتابية.

“هناك، في إسرائيل درست الثانوية والجامعة، لكني اكتشفت الكذبة التي كانت تمرر لنا”.. تقول الكاتبة في حوار مع “المجلة” تم عبر المراسلة. مضيفة “في ذلك القوت أفزعتني الوقائع الجديدة التي اطلعت عليها عن قرب، ولم أدر كيف يجب أن تكون ردة فعلي! أردت أن أكون ناشطة حقوقية، لكن هذه الصفة لم تكن متاحة كثيرا في إسرائيل قبل عشرين سنة”.
بعد سنوات عندما قرأت ميشيل رواية “الطيارة الورقية” للأفغاني خالد حسيني، لاحظت كيف يمكن أن تؤثر الكتابة على عدد واسع من البشر من خلال الوصول الى قلوبهم.. “لذا قررت أن أكتب رواية”.. في الحقيقة تكتب ميشيل رواية للمرة الأولى بعد أن التحقت بدورة في الكتابة الابداعية في الولايات المتحدة، واستعادت تلك التجربة مستوحية من تجربة شاب فلسطيني التقته في جامعة هارفارد، شاب فقير عانى كثيرا، إلا أنه وصل إلى أعلى الدرجات الأكاديمية. أما بقية التفاصيل فتركتها لخيالها ولتجربتها التي عاشتها هناك.

تتابع الرواية حياة “أحمد” ابن الثانية عشرة وهو أكبر أبناء عائلة فلسطينية تعيش تحت الاحتلال منذ العام 1948، سنة مولده وسنة النكبة معا. تفقد العائلة الابنة أمل منذ السنوات الأولى للاحتلال، عندما ذهبت لتلاحق فراشات في البستان الخلفي للبيت حيث وضع الاسرائيليون أسلاكا ومتفجرات شكلت حدود الأرض التي سيسيطرون عليها، لمنع سكان البيت من تجاوزها. كانت هذه الحكاية بداية جميلة للرواية رغم مأساويتها، فالبنت تتحول الى أشلاء يتم جمعها من البستان بتعاون من أفراد العائلة المفجوعين ليتم دفنها في الأرض المتبقية للأسرة، لكن حتى القبر لم تهنأ فيه الضحية ولا عائلتها، لينضم إلى الأراضي التي قررت إسرائيل أن تبني عليها بيوتا لليهود المهاجرين، طاردة العائلة باتجاه التلال المحيطة. تستقر عائلة أبو أحمد في بيت تتوسطه شجرة لوز. وفي رمزية معبرة لهذه الشجرة التي منحت الرواية اسمها، تصير ملجأ لأحمد ابن الثانية عشرة وشقيقه عباس، يتلصصان من فوقها على الأحياء الجديدة التي بنيت لمن احتلوا أراضيهم. حدائق وبيوت حديثة ومساحات للعب الأطفال، وبشر يرمون بأجسادهم في المسابح التي تتوسط المساكن في مياه حُوّلت من آبار القرى العربية المحرومة من المياه. إنه عالم من المباهج المحرومة على الفلسطينيين يتبدى للطفلين بفضل منظار ورقي بعدستي نظارة صنعه أحمد صاحب العقل الفذ في الرياضيات والفيزياء.

تمتلئ هذه الرواية بالمآسي التي حدثت للإنسان الفلسطيني، والتي ربما نسيها القارئ العربي في ظل مآس أخرى تحدث في المنطقة الآن. يهدم بيت العائلة الثاني ويعتقل رب البيت، ويحكم عليه بالسجن أربع عشرة سنة، لأن الأمن شك في تعاونه مع المقاتلين الذين يسميهم “مخربين”. تعيش العائلة في خيمة إذ لا يسمح لها بإعادة بناء البيت، وهي العقوبة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال، ردا على أي موقف معاد من قبل الفلسطيني. حتى عندما تحاول العائلة بعد عدة سنوات بناء غرفة لتلافي ظروف البرد والمطر والحر، يرسل الاحتلال من يدمر البناء بجرافة لتعود العائلة إلى العراء. مأساة انسانية تستعيدها الرواية بتفاصيل كثيرة، اذ يعمل الطفلان أحمد وشقيقه عباس في البناء مكان أبيهما، يحملان الأحجار التي ستبنى بيوتا لليهود المستوطنين، وهناك يواجهان كراهية عمال يهود مهاجرين حيال العرب، رغم أنهم يحصلون على أجرة أعلى واميتازات مثل بيت وطبابة. وتركز الرواية تحديدا على كراهية خاصة من قبل اليهود العرب، من المغرب والعراق واليمن، مثل العامل العراقي الذي يتسبب في وقوع عباس من أعلى البناء عندما يدفعه غضبا وإصابة جسمه برضوض كثيرة تحوله إلى شبه عاجز جسديا. بينما يجد الطفلان تعاطفا من عامل يهودي بولوني يحمله إلى المستشفى ويتوسط له ولوالدته، من أجل أوقات زيارة أطول!

تتطور شخصيتا الأخوين على نحو مختلف تماما، فبينما يؤمن أحمد مثل أبيه المعتقل في سجن الاحتلال بتهمة الإرهاب، وبأن الغضب والحقد لن يقود إلى شيء، يحقد عباس الذي بات أقرب إلى الشخص العاجز بسبب إصابته، على الإسرائيليين عموما ويتعاطف مع منظمة فلسطينية تلجأ للعمل العسكري ضد الاحتلال.
في المقابل وعلى الرغم من أن أحمد يصبح العائل الوحيد لأسرته، فإن عبقريته في الرياضات والعلوم تجعل معلمه الفلسطيني يصرّ على أن يكمل دراسته ليلا، وأن يمتحن نهاية العام، بل ويدفعه إلى التقدم لمسابقة تقيمها الجامعة العبرية في الرياضيات، حيث يفوز في التصفيات الأخيرة على عشرة طلبة متنافسين، ويحصل على منحة كاملة في الجامعة. لكن تسامح بعض الأكاديميين تواجهه عنصرية ورفض من قبل بعض الطلبة أو الأساتذة. غير أن نظرية والده في التسامح وعدم اللجوء إلى العنف تؤتي ثمارها، فيقرّبه من بعد كره، استاذه شارون الهارب من محرقة ألمانيا النازية، ويعملان معا على أبحاث علمية في الفيزياء والرياضيات. اسلوب حياة تغضب شقيقه عباس الذي يراه يعايش بصورة طبيعية الذين سرقوا أرضهم وأذلوهم.
ومن مرحلة الجامعة التي لم يكن يتخيل أحمد أنه سيعبرها بسبب عمله لإعالة أمه وإخوته، تبدأ مرحلة جديدة من حياة أحمد. التعامل مع الآخر المحسوب على العدو، والتعامل معه بصفة الزميل والصديق ثم الحبيب. فهو في انتقاله إلى أميركا يلتقي بنورا الناشطة الحقوقية التي تعرف عن فلسطين وقضيتها وزارت إسرائيل عدة مرات ضمن حملتها مع مجموعة من أميركيين يهود.
نورا مختلفة تماما عنه فهي ابنة وحيدة لأبوين ثريين ناشطين في مجال حقوق الإنسان أيضا. وهي مهتمة بالثقافة وتعرف الأدب الفلسطيني، وتدعوه مرة إلى أمسية احتفالية بمحمود درويش. معه، يكتشف قيمة الكلمة بعد أن كانت قيمة الأعداد هي الأهم عنده. يتهرب من حبها بسبب ثرائها ويهوديتها، إلا أنها تقنعه بزوال كل الحواجز بينهما. وعلى الرغم من ممانعة والدته وشقيقه عباس للزواج منها، غير أنه بمباركة والده الذي أنهى بعد أربع عشرة سنة فترة سجنه وعاد إلى أسرته، يتزوجها، ويزوران قريته لتقام لهما حفلة زواج على الطريقة الفلسطينية، ولكن الزوجة تقتل في رفح عندما كانت تشارك مع ناشطين أميركيين آخرين بينهم يهود في تحدي القوات الإسرائيلية، التي تدمر بيوت الناشطين الفلسطينيين. ويبدو في حادثة مقتلها ربط واضح مع واقعة مقتل الناشطة راشيل كوري قبل سنوات.

هل قاد التسامح أحمد إلى النجاح؟

لقد وصل هو وأستاذه اليهودي الإسرائيلي إلى جامعة هارفارد المرموقة، حيث الفرص أكبر لإجراء مزيد من الأبحاث وحيث سيحقق نجاحا سيغيّر لا حياته هو فقط، بل وحياة مجمل عائلته، التي ستنعم من تحسن مستواه المادي وتميزه العلمي.
في المقابل هل قادت رؤية عباس في عدم التسامح الى استعادة أي حق من حقوق شعبه؟
عباس يتشتت في الثورة الفلسطينية حتى ينتقل من فصيل يساري متشدد إلى فصيل إسلامي متشدد في غزة، والمقصود طبعا حماس. يتزوج وينجب أبناء بينهم واحد، خالد، يشبه عمه في عبقريته في الرياضيات والعلوم يحلم في أن يكمل دراسته في جامعة مرموقة وأن يخرج من حصار غزة وانغلاق أفق الحياة فيها. لكن إسرائيل تمنع عنه فرصة السماح بالخروج لاستكمال دراسته كما تفعل مع آلاف الطلبة. تكون النتيجة أن خالد يتحول إلى إنسان يائس فيقود عملية انتحارية ضد الإسرائيليين. اليأس يدفع الفلسطينيين إلى القتل، والعنف هنا ليس مجانيا.

تقودنا الرواية إلى نتيجة مفادها أن السلام يحتاج إلى أطراف متعددة تعتمده منهجا، ولا يكفي أن يؤمن به البعض. تنتهي الرواية التي تغطي ستين عاما كما بدأت، في عالم من القهر واللا عدالة، أجادت فيه الكاتبة ميشيل كوهين كوارسانتي جمع تفاصيل حياة البؤس والمعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني على مرّ العقود، فهي تبدأ من بعد النكبة وتمرّ على حروب مهمة مثل حرب حزيران، ومذابح صبرا وشاتيلا، وتنتهي بعد حرب غزة عام 2009. وهي مهمة شاقة لكاتبة قادمة من ثقافة معادية ومن مرويات ذاكرة مناقضة تماما لما تكتب عنه. لكنها نجحت في أن تقدم رؤية أكثر من طرف، ومن وجهة نظرها بالطبع كناشطة سلام ترى أن اسرائيل يمكن أن يمثلها العربي والإسرائيلي معا، أي أن يكونا أبناء دولة واحدة، كلاهما يكون قويا بالثاني. وهذا ما تشير إليه نهاية الرواية أو نهاية العلاقة بين أحمد وأستاذه شارون، حيث يحصل الاثنان على جائزة نوبل في الفيزياء مناصفة، نتيجة لتجارب مستمرة لسنوات. تقول ميشيل في حوراها مع “المجلة”: “يجب أن نحتفي بالاختلاف ونركز على المشتركات بيننا، بدل أن ندمر كل ذلك من دون هدف إيجابي”.

الرواية استقبلت بترحيب في الوسط الإسرائيلي أو اليهودي، المهيأ لهذه الأفكار التي تدفع باتجاه إحلال السلام محل الحرب مع الفلسطينيين على أسس عادلة. وتتمنى الكاتبة أن تصل روايتها إلى المتحمسين للصهيونية، لأنهم الداعمون لإسرائيل وسياساتها، وهي تعتقد أنها وصلت لبعضهم، لأنها سعت لأن تظهر القيم الإنسانية، ولم تدخل في جدل الحقائق التاريخية.
“لقد أظهرت ما فعلته الصهيونية بحق الفلسطينيين لا أكثر”.
هل تتوقع ميشيل أن تغير من مسلك إسرائيل حيال الفلسطينيين؟
“الرواية تركز على حالة الظلم واللاعدل الممارس على الفلسطينيين، على أمل تغيير سياسات الولايات المتحدة”: تقول ميشيل كوهين كوارسانتي، التي تقيم في نيويورك مع زوجها وابنتيها، وتكمل: “لأني اعتقد أن لا تغييرا كبيرا سنشهده في المنطقة إن لم تغير الولايات المتحدة سياساتها حيال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”.



مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
TT

مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

قالت قناة «الأقصى» الفلسطينية إن خمسة أشخاص لقوا حتفهم بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم السبت.

ولم تذكر القناة أي تفاصيل أخرى على الفور.

وفي وقت سابق اليوم، أفادت إذاعة «صوت فلسطين» بمقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي في شمال غربي قطاع غزة.

جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق دبابة متمركزة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

على الصعيد الآخر، ذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن قواته أطلقت النار على عدد من الأشخاص قال إنهم «اجتازوا الخط الأصفر وشكلوا تهديداً فورياً عليها»، مشيراً إلى أن القوات قتلت ثلاثة «لإزالة التهديد».

ومنذ بدء وقف إطلاق النار الهش، أفرجت «حماس» عن جميع الرهائن الأحياء وعددهم 20، وسلمت 27 جثة مقابل الإفراج عن نحو ألفي معتقل وسجين فلسطيني لدى إسرائيل.

ورغم تراجع وتيرة العنف، تواصل إسرائيل قصف غزة وتدمير ما تقول إنه بنية تحتية تابعة لـ«حماس». وتتبادل الحركة وإسرائيل الاتهامات بانتهاك الاتفاق.


اختيار المعارضة المالية قائداً جديداً يصبّ الزيت على نار الخلاف الجزائري - المالي

الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)
TT

اختيار المعارضة المالية قائداً جديداً يصبّ الزيت على نار الخلاف الجزائري - المالي

الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً الشيخ المالي المعارض محمود ديكو في 19 ديسمبر 2023 (الرئاسة الجزائرية)

بينما تشهد الأزمة بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي تصاعداً مستمراً منذ بداية 2024، يرجّح مراقبون أن تتفاقم الأحداث بعد اختيار المعارضة المالية، رجل الدين محمود ديكو اللاجئ في الجزائر، على رأس تحالف أطلق حملة لإطاحة الرئيس الانتقالي العقيد عاصيمي غويتا.

أطلقت تنظيمات «أزواد» الطرقية المالية، أمس الجمعة، تحالفاً سُمّي «ائتلاف القوى من أجل الجمهورية» بقيادة الشيخ محمود ديكو، الرئيس السابق لـ«المجلس الإسلامي الأعلى» في مالي، ودعت في بيان الماليِّين إلى «المقاومة والعصيان».

الشيخ محمود ديكو (موقع مالي ويب)

وكتب أعضاء «الائتلاف» في بيان: «تمرّ مالي اليوم بإحدى أخطر الأزمات في تاريخها المعاصر. دولتنا ضعيفة، وشعبنا يتألم، ومؤسّساتنا منحرفة، وسيادتنا مُهانة من طرف أشخاص يجمعون بين النهب الاقتصادي، والعسكرة القائمة على الفساد واستغلال الخوف».

ويرى محرّرو البيان أنه «في ظلّ الانهيار الأمني، وانهيار السلطة العامة، ومجازر المدنيين والعسكريين، والرقابة الشاملة، والاعتقالات التعسفية، وإغلاق الحياة السياسية بالكامل، لم تعد المقاومة خياراً أخلاقياً فحسب، بل أصبحت واجباً وطنياً»، وفق ما نشرته مواقع إخبارية مالية، اليوم (السبت).

ويصف هذا الائتلاف نفسه بأنه «حركة مقاومة جمهورية، سلمية وشاملة، أنشأتها القوى الحية في مالي، تهدف إلى جعل العودة إلى النظام الدستوري ممكنة، وحماية السكان، واستعادة الحريات، والتحضير لحوار وطني شامل مع جميع الفاعلين الماليين، بما في ذلك الجماعات المسلحة الوطنية، وفقاً لمخرجات كل الندوات ومؤتمرات السلام منذ 2017».

عنصر «مزعج» في المنطقة

يؤكد أصحاب البيان أنهم «يقاومون لأن مالي تختفي أمام أعيننا... لأن الدولة تقتل جنودها؛ بسبب عدم الكفاءة أو الإهمال أو الكذب، لأن مئات المدنيين يُقتلون في صمت مفروض بالخوف». ويتهمون السلطة العسكرية بأنها «حوّلت السيادة إلى مجرد شعار، وعرّضت أمن بلادنا للمرتزقة»، في إشارة إلى وجود «الفيلق الأفريقي» الروسي في البلاد، الذي يوفر الدعم اللوجيستي لنظام الحكم ضد المعارضة، التي تتحصن بمواقعها في الشمال الحدودي مع الجزائر.

الشيخ محمود ديكو مع عميد جامع الجزائر الشيخ مأمون القاسيمي (الجامع)

ودعا البيان أفراد الجيش إلى «العصيان الأخلاقي عندما يُؤمَرون بالموت في عمليات عبثية بلا وسائل، ولا استراتيجية، ولخدمة طموحات شخصية»، وإلى «وقف مجازر المدنيين والعسكريين عبر فتح حوار وطني مع الفاعلين المسلحين الماليين».

كما دعا القضاة إلى «المقاومة القضائية»، والعمال إلى «العصيان المدني المنظم، السلمي، والمنهجي»، وأيضاً أفراد الجالية في الخارج إلى «التعبئة الدبلوماسية والمالية واللوجيستية». وبحسب البيان نفسه: «لن يُنقذ مالي لا السلاح الأجنبي ولا أكاذيب الدولة ولا الخوف. سينقذها شعبها. ندعو كل مالية وكل مالي إلى الانضمام إلى (ائتلاف القوى من أجل الجمهورية)، ورفض الاستسلام للقدر».

ومن بين أبرز قياديي «الائتلاف»، إتيان فاكابا سيسوكو، وهو أستاذ جامعي يعيش في المنفى وكان مسجوناً في مالي. أما الشيخ محمود ديكو رئيس تكتل المعارضة الجديد، فقد غادر مالي إلى الجزائر نهاية 2021 «بحثاً عن الأمن والعلاج»، بحسب ما أعلن عنه يومها، ومنذ ذلك الحين لم يعد إلى بلاده.

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير خارجية مالي في 16 يناير 2023 (الرئاسة الجزائرية)

لكن تبيَّن لاحقاً أنه قرَّر البقاء في الجزائر «خوفاً من الاعتقال، أو ربما القتل لو عاد إلى مالي»، وفق ما أكده مقربون منه في الجزائر لـ«الشرق الأوسط». وبكلام آخر، تُعدّ الجزائر «أفضل مكان له في الوقت الحالي»، بحسب ما نقل هؤلاء المقربون، الذين أشاروا إلى أن السلطة في مالي «تخشى تأثيره وقدرته على حشد السخط، ما يجعله قوة احتجاجية قد تهدد سلطة المرحلة الانتقالية، وربما تقوضها».

ضغط «جماعة النصرة»

حسب مراقبين لتطورات الأزمة بين الجزائر وباماكو، قد تحمل قيادة ديكو مسعى التغيير في البلاد، الذي تم إطلاقه الجمعة، مزيداً من التوترات، وفي أفضل الحالات يبعد انفراجة محتملة بين البلدين، خصوصاً أن وجوده في الجزائر يعني أن اجتماعات مرتقبة لـ«الائتلاف» المعارض ستكون على أرضها، وهو ما سيُعدّ بحسب مراقبين عملاً موجهاً بشكل مباشر ضد العقيد غويتا وقياديي المجلس الانتقالي العسكري، الذي يواجه منذ أكثر من شهر، ضربات متتالية من طرف «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، المُصنَّفة «جماعةً إرهابيةً»، بقيادة الطرقي إياد آغ غالي.

اجتماع لوزير خارجية الجزائر السابق مع ممثلي المعارضة المالية في سبتمبر 2022 (الخارجية الجزائرية)

وتفيد مصادر جزائرية بأن الإمام ديكو لا يخضع لأي مذكرة توقيف أو حكم قضائي، في حين تشير بعض التسريبات إلى أن «ذنبه» الوحيد ربما كان إقامته الطويلة في الجزائر، حيث يُشاع أنه التقى خلالها أشخاصاً على خلاف مع السلطة في مالي، بمَن فيهم المتمردون الذين تصفهم بـ«الإرهابيين»، وحتى بعض المسؤولين الجزائريين.

أخذت العلاقات بين الجزائر ومالي ضربةً قويةً مطلع 2024، عندما أعلن العقيد غويتا انسحابه من «اتفاق السلم والمصالحة»، الذي وقَّعته السلطة مع المعارضة في الجزائر 2015. وانبثقت من الاتفاق «لجنة دولية لمتابعة تنفيذه» ترأَّستها الجزائر، لكنها لم تحقق أي تقدم؛ نتيجة انعدام الثقة بين طرفَي الصراع.

الحاكم العسكري في مالي مستقبلاً وفداً دبلوماسياً وأمنياً جزائرياً في أبريل 2023 (الخارجية الجزائرية)

وبرَّر غويتا انسحابه من الاتفاق بـ«تدخل الجزائر في شؤون مالي الداخلية»، مشدداً على أنها «توفر الرعاية للإرهابيين». وعلى أثر ذلك عدّت الجزائر أن مبررات الانسحاب «غير صحيحة، ولا تمتّ للحقيقة بصلة»، محذِّرة من أن هذا القرار «قد يُهدِّد وحدة مالي واستقرار المنطقة برمتها، ويحمل بذور حرب أهلية».

بعد ذلك دخلت العلاقات في حالة احتقان شديد، فجَّرتها حادثة تحطيم سلاح الجو الجزائري طائرةً مسيّرةً مالية على الحدود، ليلة 31 مارس (آذار) إلى 1 أبريل (نيسان) 2025. وأكدت الجزائر أن الطائرة اخترقت مجالها الجوي لمسافة كيلومترين في «مناورة عدائية»، وبرَّرت تحطيمها بـ«تكرار انتهاكات حدودها من طرف الطائرة، التي كانت في منحى عدائي».

بقايا الطائرة المسيّرة المالية بعد تحطيمها من طرف سلاح الجو الجزائري (المعارضة المالية المسلحة)

في المقابل، نفت مالي أن تكون الطائرة قد اخترقت الحدود، وزعمت أنها تحطَّمت في الأراضي المالية؛ بسبب «عطل تقني»، وعدّت إسقاطها «عملاً عدائياً». وانضمت النيجر وبوركينا فاسو إلى باماكو في إدانة الحادث، في إطار «تحالف دول الساحل» الذي يجمع الدول الثلاث، مما زاد من حدة التوتر.


هل تُضخِّم «الوحدة» الليبية أرقام «المهاجرين» سعياً للتمويل الأوروبي؟

الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)
الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)
TT

هل تُضخِّم «الوحدة» الليبية أرقام «المهاجرين» سعياً للتمويل الأوروبي؟

الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)
الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)

أعاد وزير الداخلية المكلف بحكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عماد الطرابلسي، الحديث عن أزمات ملف المهاجرين غير النظاميين في بلاده، بعدما قدّر عددهم بثلاثة ملايين، مما أثار مخاوف تتعلق بالوضع الأمني والاقتصادي.

مهاجرون سريون جرى توقيفهم في طرابلس بعد حملة تفتيش أمنية (متداولة)

وكان الطرابلسي قد حمَّل المهاجرين الموجودين في ليبيا مسؤولية «ارتفاع معدلات الجريمة». كما حذَّر من «منافستهم الليبيين في سوق العمل، وإضرارهم بالاقتصاد الوطني من خلال تحويل أموال بالعملة الأجنبية لبلادهم بقيمة تتجاوز 600 مليون دولار شهرياً». (الدولار يساوي 5.44 دينار).

إلقاء اللوم على المهاجرين

رغم اتفاق كثير من الليبيين على أن الملف يمثل تحدياً كبيراً لليبيا، ويتجاوز قدراتها، خاصة في ظل الانقسام السياسي والمؤسسي، رأى سياسيون وحقوقيون أن تصريحات الطرابلسي اتسمت بـ«المبالغة»، واقتربت من تحميل المهاجرين مسؤولية أزمات صنعتها الحكومات، التي تعاقبت على إدارة البلاد، بما فيها حكومته.

ووصف عضو المجلس الأعلى للدولة، أحمد بوبريق، تصريحات الطرابلسي بأنها «بهرجة إعلامية»، وقال إنها «تفتقر إلى الإحصائيات وغياب أي تصور للمعالجة»، معتبراً أن «تكرار الحديث عن تعداد المهاجرين يعزز الشكوك حول أن الهدف هو البحث عن تمويل خارجي».

مهاجرون تم توقيفهم على الحدود الليبية (متداولة)

وأكد بوبريق لـ«الشرق الأوسط» أن «معظم المهاجرين يعتبرون ليبيا نقطة عبور إلى أوروبا، لكن فشل محاولاتهم يدفع بعضهم للاستقرار والعمل داخل البلاد». ورأى أن هذا الوضع يفرض على السلطات «تعزيز تأمين الحدود والسواحل، والبدء بحصر شامل للمهاجرين، عبر تسجيل منظم وتحديد جنسياتهم، تمهيداً لترحيلهم، بالتنسيق مع دولهم الأصلية والدول الغربية، التي استفادت تاريخياً من القارة السمراء». ونوه «بإمكانية الاستفادة من خبرات بعض المهاجرين التي تفتقدها السوق الليبية، بعد التأكد من أوضاعهم الأمنية والصحية».

وخلال مؤتمر صحافي حضره بعض سفراء الاتحاد الأوروبي، استعرض الطرابلسي نتائج برنامج وزارته لترحيل المهاجرين لبلادهم، داعياً الأوروبيين لدعمه «إذا أرادوا حماية سواحلهم»، ومؤكداً رفضه «إعادة المهاجرين من البحر إلى ليبيا في ظل رفض شعبي للتوطين».

وانتقد بوبريق «تحميل المهاجرين كامل المسؤولية عن الأزمات، سواء ارتفاع الجريمة أو نقص السيولة»، معتبراً ذلك «هروباً من المسؤولية، وتشويشاً على غياب معالجة علمية». وشدد على أن «جذور هذه الأزمات تعود لازدواج السلطة، وما نتج عنه من ضعف الرقابة وازدهار جرائم التهريب» متسائلاً عمّا إذا كانت داخلية «الوحدة» تملك إحصائيات تثبت تورط المهاجرين في الجرائم، وسبب عدم إعلانها.

وتشهد ليبيا ازدواجية في السلطة بين حكومة «الوحدة» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تتخذ من العاصمة في غرب البلاد مقراً لها، وحكومة أسامة حماد المكلفة من البرلمان وتحظى بدعم قائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.

إحصائيات مشكوك في صحتها

شكك رئيس مركز بنغازي لدراسات الهجرة واللجوء، طارق لملوم، في «دقة أرقام الطرابلسي»، خصوصاً أن الوزير أقر بعدم امتلاك إحصائيات رسمية لعدد المهاجرين.

واعتبر لملوم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تقديرات الوزير حول التحويلات المالية غير دقيقة»، وقال إنه «جمع العناصر الأجنبية كافة من مهاجرين وعمالة وافدة، ولاجئين من الصراعات في بلدانهم في حزمة واحدة».

وأضاف موضحاً: «لقد افترض الطرابلسي أن الجميع يعملون في السوق الليبية، مقدراً متوسط تحويل كل فرد 200 دولار، مما يجعل الحصيلة نحو 600 مليون دولار شهرياً، أي 7 مليارات سنوياً».

قارب مهاجرين سريين جرى اعتراضه من قبل خفر السواحل الليبية (الوحدة)

وأشار لملوم إلى أن «الطرابلسي تعمّد ربط ملف المهاجرين بأزمة نقص السيولة، وارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية، في ظل وطأتهم على الأسر الليبية»، واتهمه بـ«السعي للسيطرة على ملف الهجرة عبر برنامج الترحيل، لتحقيق مكاسب من ورائه، من خلال عقود إعاشة المهاجرين ونقلهم بالطائرات». كما توقع عدم استجابة الأوروبيين لمطالب الطرابلسي بدعمه، نظراً لوجود برنامج العودة الطوعية منذ سنوات بدعم المنظمة الدولية للهجرة، موضحاً في هذا السياق أن سيطرة حكومة «الوحدة» تقتصر على الغرب الليبي فقط، فضلاً عن عدم إعلان الوزير عن أعداد من تم ترحيلهم وفق برنامج وزارته.

تعزيز الحدود

قدَّرت المنظمة الدولية للهجرة بداية العام الحالي أعداد المهاجرين في ليبيا بـ«867 ألفاً من 44 جنسية».

ورغم تزايد أعداد المهاجرين، فإن الناشط المدني محمد عبيد رأى أن الحل يكمن في «تعزيز تأمين الحدود وتنظيم وجودهم، لا في إثارة فزع المواطنين بالأرقام». واعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تنظيم سوق العمل ودمج العمالة الوافدة قانونياً يحد من الوجود غير المشروع».

وشهدت ليبيا حملات احتجاجية ومظاهرات ضد ارتفاع أعداد المهاجرين، مع التحذير من المخاطر الصحية لتجمعاتهم العشوائية، وملاحظة البعض لانتشار السلاح بين صفوفهم.

قوات الأمن الليبي خلال اعتقال مهربين للبشر جنوب ليبيا (مديرية الأمن)

من جانبه، يعتقد الباحث في الشؤون الأفريقية، موسى تيهوساي أن «أعداد المهاجرين تفوق ما أعلنه الطرابلسي، نظراً لدخول أعداد كبيرة يومياً من الحدود الجنوبية الوعرة، إضافة إلى من تتم إعادتهم من البحر تحت ضغط أوروبي». ويرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «شبكات التهريب تنسج علاقات مع متنفذين في الأجهزة الأمنية شرق ليبيا وغربها»، مقللاً من جدوى «العودة الطوعية» للمهاجرين، معتبراً أنها لا تتجاوز 1 في المائة من العدد الإجمالي للمهاجرين.

ورهن معالجة الملف «بتوحيد السلطة التنفيذية والمؤسسات الأمنية والعسكرية»، مؤكداً أنه «لا يمكن وضع استراتيجية موحدة في ظل وجود حكومتين متنازعتين». واعتبر أن «بعض الأطراف توظف الهجرة وتدفقاتها لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية».