ابن صانع القنابل لأسامة بن لادن: «داعش» تريدني غنيمة حرب

نجل أبو خباب {كيميائي القاعدة» : لاسم والدي تأثير كبير ومعنى عميق بين المتشددين

محمد نجل أبو خباب اقترب من بن لادن وأيمن الظواهري خلال وجوده مع العائلة في أفغانستان ({الشرق الأوسط})
محمد نجل أبو خباب اقترب من بن لادن وأيمن الظواهري خلال وجوده مع العائلة في أفغانستان ({الشرق الأوسط})
TT

ابن صانع القنابل لأسامة بن لادن: «داعش» تريدني غنيمة حرب

محمد نجل أبو خباب اقترب من بن لادن وأيمن الظواهري خلال وجوده مع العائلة في أفغانستان ({الشرق الأوسط})
محمد نجل أبو خباب اقترب من بن لادن وأيمن الظواهري خلال وجوده مع العائلة في أفغانستان ({الشرق الأوسط})

كان لا يزال مراهقا عندما تجول في أحد المباني الواقعة في مجمع التلال لترابية القريبة؛ بحثا عن الأقفاص التي توجد فيها الأرانب. وفي الداخل، عثر على مختبر مجهز، مع أنابيب الاختبار، والأقنعة الواقية، وصفوف من الجرار السوداء.
وأثناء تجوال محمد نجل أبو خباب المصري في الغرفة ذات المحتويات المبعثرة، جاء والده ودخل الغرفة وراءه.
يقول المصري «سألت والدي، ما الذي تفعله هنا؟»، متذكرا حادثة وقعت قبل عشرين عاما في شرق أفغانستان. وكانت إجابة والده غامضة؛ إذ قال: «عندما تكبر إن شاء الله سوف تعرف بنفسك».
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) في عام 2001 كان والد المصري يعتبر أحد أهم الشخصيات البارزة في تنظيم القاعدة: المواطن المصري الذي يحمل درجة جامعية في الكيمياء والتي تولى مهمة الإشراف على جهود الشبكة الإرهابية لتصنيع الأسلحة التي تسبب الكثير من الإصابات بين الناس.
ثم أصبح أبو خباب المصري مطلوبا القبض عليه ووضعت الولايات المتحدة مكافأة تبلغ 5 ملايين دولار لمن يرشد عنه. وتظهر الفيديوهات المستردة من معسكر التدريب الذي أشرف عليه أن الكلاب تسقط في حالة إعياء شديدة عندما تتعرض لرذاذ من بعض المكونات الغامضة، كما أنه كان ضالعا في سلسلة من المؤامرات – بما في ذلك محاولة تنظيم القاعدة إسقاط طائرة ركاب مدنية بواسطة قنبلة مخبأة في حذاء – وذلك قبل أن تقتله الاستخبارات المركزية الأميركية في هجمة بطائرة من دون طيار.
وغادر محمد نجل أبو خباب، البالغ من العمر الآن 35 عاما، أفغانستان بعد وقت قصير من تلك الحادثة التي وقعت في منتصف التسعينات في المختبر المتواجد في مجمع معسكرات دارونتا، ولم ير والده مرة أخرى بعد ذلك. ولكن تلك السمعة السيئة قد ارتبطت بالشاب اليافع كمثل المخلفات السامة، حيث زادت من تعقيد جهوده ليضع بصمته الخاصة على صفحات التطرف، وكان آخرها في سوريا.
وساعده اسمه المعروف في بناء قاعدة من الأتباع بلغت مئات عدة من المقاتلين بعدما وصل إلى سوريا عام 2012، كما قال في واحدة من سلسلة مقابلات صحافية مع صحيفة «واشنطن بوست». ولكن منذ ذلك الحين، انشغل في صراع عنيف بين أولئك الموالين لتنظيم والده «القاعدة» وأنصار التنظيم الأكبر والأكثر وحشية والمصمم على أن يحل محل القاعدة – تنظيم داعش.
يجسد المصري حالة الصراع البارزة ما بين الأجيال ربما أكثر من أي مقاتل آخر في سوريا. بدأ تنظيم داعش ذراعا رافدة عن تنظيم القاعدة، ولكن كلا التنظيمين يدخل الآن في منافسة حادة وشرسة من أجل تحديد من منهما سيسود ويحوز العلامة التجارية الشهيرة للتطرف العالمي. على أحد المستويات، يجري القتال بينهما على الموارد والمجندين. ولكنهما لديهما أيضا الرؤية المتنافسة حيال كيفية إقامة عصر جديد من الحكم، ويحمل تنافسهم قدرا كبيرا من الجرأة الكافية لتغذية سباق التسلح الإرهابي واستهداف الغرب.
ونجل أبو خباب من بين القلائل الذين يزعمون بأنهم قضوا فترات مطولة في معسكرات «القاعدة» في أفغانستان إلى جانب العاصمة المزعومة للخلافة في الرقة بشمال سوريا، وهو الشخص الوحيد حتى الآن الذي مر بكل هذه التجارب ويمكنه الحديث عنها بالتفصيل.
ومن بعض النواحي، فإنه يمثل الحمض النووي المشترك بين هذين التنظيمين، فضلا عن الخلافات العنيفة حول التكتيكات والأهداف، التي جعلتها غير متوافقة. ويبدو مسار هذه المنافسة خلال العامين الماضيين مائلا وبقوة إلى صالح تنظيم داعش. ولكن تنظيم القاعدة، الذي نجا من الإبادة لمدة 15 عاما منذ هجمات سبتمبر، قد أظهر مرارا وتكرارا مقدرته على إعادة التجمع والتنظيم.
ولقد أعلنت جبهة النصرة، الذراع الوحيدة الموالية لـ«القاعدة» في سوريا، مؤخرا استقلالها عن التنظيم الأم، وهو القرار الذي قوبل بترحيب مشوب بالكثير من الشكوك من قبل الولايات المتحدة ومسؤولي الاستخبارات فيها.
وفي تسجيل صوتي نشر في مايو (أيار) الماضي، حث أيمن الظواهري زعيم «القاعدة» تنظيم جبهة النصرة في سوريا على إقامة محيطها الإقليمي الخاص بها لكي تتمكن من المنافسة مع تنظيم داعش، وهي الخطوة التي طالما قاومها تنظيم القاعدة من قبل. كما دعا الظواهري أيضا إلى «الوحدة الجديدة» بين مختلف الفصائل المعارضة، التي تقاتل جميعها تنظيم داعش والحكومة السورية على حد سواء، حيث وصفها بأنها مسألة «حياة أو موت».
ويحل محمد المصري، الذي تعرف إلى الظواهري في أفغانستان، محل القلب من الجمهور المقصود بخطاب زعيم القاعدة الأخير.
بعد فشله في تفادي ظهور تنظيم داعش، انحاز محمد نجل أبو خباب المصري إلى التنظيم الذي يحمل الفكر المتطرف العنيف في عام 2013، حيث جاء بالكثير من الأتباع وقبل الكثير من الامتيازات الممنوحة من قبل الخلافة المزعومة، بما في ذلك شقة سكنية في مدينة الرقة، ورواتب شهرية منتظمة، وزوجة جديدة.
غير أن التنظيم أصبح مدركا على نحو تدريجي بحدود الولاء الظاهر من جانب محمد المصري، كما قال بنفسه. بما في ذلك رفضه المشاركة في الهجمات التي يشنها «داعش» على ذراع القاعدة في سوريا، ورفضه أيضا الظهور في الفيديوهات الدعائية التي تشهّر بالتنظيم الذي كان والده عضوا فيه. وفي منتصف عام 2014 اتهم المصري بالخيانة، وتم نقله خارج مساكن الرقة في نسخة تنظيم داعش من الإقامة الجبرية.
كان ولاء المصري السبب الرئيسي في فترات السجن الطويلة خلال حياته، بما في ذلك ثماني سنوات من الاعتقال في مصر. ولكن كان هناك شخص موال لوالد محمد المصري، وهو تاجر من الرقة، ذلك الذي يعمل ضد «داعش» في الخفاء، هو الذي ساعد على ترتيب هرب المصري من قبضة «داعش».
يقول محمد المصري عن ذلك «كان لاسم والدي تأثير كبير ومعنى عميق بين المتشددين»، مشيرا إلى الآلاف من المقاتلين الذين هاجروا إلى أفغانستان في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وأضاف المصري يقول: «إن تنظيم داعش يحاول نزع العباءة من على أكتاف (القاعدة) ويريد أن يستخدموني غنيمة حرب».
تحدث المصري بشرط عدم الكشف عن موقعه أو انتماءاته الحالية، كما أنه رفض التصوير تماما، بسبب قوله: إنه يخشى استهدافه من قبل تنظيم داعش، كما أنها مخاطرة تعرضه للاعتقال من قبل مختلف الأجهزة الأمنية في المنطقة.
أكد الزملاء السابقون لوالده ولأسامة بن لادن على هوية المصري، وأنه استخرج جواز سفره باسم عائلته. وفي المقابلة الصحافية، «كان يرتدي قميصا منقوشا وقبعة سوداء».
وافق المصري على الحديث إلى صحيفة «واشنطن بوست»، كما قال، في جزء منه للتعبير عن رفضه الحكم الاستبدادي الذي يمارسه تنظيم داعش على السكان في العراق وسوريا، على الرغم من أنه أحجم عن إدانة وحشية التنظيم ضد الغرب.
وقال عن ذلك خلال المقابلة «ليس الأمر أنهم قطعوا رأس أحد الأشخاص ممن ارتكبوا إحدى الجرائم، لم تكن تلك هي قضيتي معهم، بل كانت في أسلوبهم للحكم».
وألقى المصري باللوم على سياسات الولايات المتحدة وحملاتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وأنها السبب وراء اندفاع الآلاف من المسلمين وراء دعاية «داعش». وأضاف يقول: «بالقدر الذي احتقر به (داعش) للطريقة التي يعاملون بها الناس، فإن أحد الأسباب الرئيسية في قوة هذا التنظيم هو الغرب نفسه».
إنها صدى إحدى المظالم الرئيسية التي أطلقها تنظيم القاعدة من قبل، وهو التنظيم الإرهابي الذي كان أعضاؤه المؤسسون في وقت من الأوقات بمثابة الأسرة الكبيرة بالنسبة إلى محمد المصري.
انتقل المصري بصحبة عائلته إلى باكستان وهو في سن التاسعة، على الرغم من مولده في الأردن، حيث قضى والده – واسمه الحقيقي مدحت مرسي السيد عمر – أغلب وقته عبر الحدود في أفغانستان بين كوكبة من معسكرات التدريب بالقرب من سد دارونتا على مسافة 70 ميلا إلى الشرق من كابل وبالقرب من جلال أباد.
وافتتح الوالد مطعما في بيشاور لكي يبقي أسرته منشغلة، وهي المدينة الباكستانية التي كانت بمثابة نقطة انطلاق للآلاف من الرجال المسلمين الذين يصلون من الشرق الأوسط لقتال القوات السوفياتية في أفغانستان.
عمل المصري برفقة والدته وأخواته الخمس في المطعم، والذي كان يحمل اسم مقهى «الإخوة». وكان رواد المطعم عبارة عن كبار رجال تنظيم القاعدة، كما يقول المصري، ومن بينهم أيمن الظواهري، الزعيم الثاني لفترة طويلة في التنظيم، الذي تولى زعامة التنظيم الإرهابي إثر مقتل أسامة بن لادن في عام 2011.
* خدمة: «واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}



تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
TT

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، اليوم (الجمعة)، أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً على مقربة منها.

وأضافت السفينة أنها لا تزال في حالة تأهب قصوى وأن القوارب غادرت الموقع.

وأفاد ربان السفينة بأن الطاقم بخير، وأنها تواصل رحلتها إلى ميناء التوقف التالي.

وتشن جماعة الحوثي في اليمن هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر تقول إنها مرتبطة بإسرائيل، وذلك منذ اندلاع الحرب في غزة بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل. وقالت الجماعة إن هجماتها للتضامن مع الفلسطينيين.


بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بعض المقترحات في خطة أميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، غير مقبولة للكرملين، مشيراً في تصريحات نُشرت اليوم (الخميس) إلى أن الطريق لا يزال طويلاً أمام أي اتفاق، لكنه شدد على ضرورة «التعاون» مع واشنطن لإنجاح مساعيها بدلاً من «عرقلتها».

وقال بوتين في التصريحات: «هذه مهمّة معقّدة وصعبة أخذها الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب على عاتقه».

وأضاف أن «تحقيق توافق بين أطراف متنافسة ليس بالمهمة بالسهلة، لكن الرئيس ترمب يحاول حقاً، باعتقادي، القيام بذلك»، متابعاً: «أعتقد أن علينا التعاون مع هذه المساعي بدلاً من عرقلتها».

وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أقوى دفعة دبلوماسية لوقف القتال منذ شنت روسيا الغزو الشامل على جارتها قبل نحو أربع سنوات. ولكن الجهود اصطدمت مجدداً بمطالب يصعب تنفيذها، خاصة بشأن ما إذا كان يجب على أوكرانيا التخلي عن الأراضي لروسيا، وكيف يمكن أن تبقى أوكرانيا في مأمن من أي عدوان مستقبلي من جانب موسكو.

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي في الوقت الذي يلتقي فيه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جاريد كوشنر، بكبير المفاوضين الأوكرانيين رستم أوميروف، اليوم، في ميامي لإجراء مزيد من المحادثات، بحسب مسؤول أميركي بارز اشترط عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل له التعليق علانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيات روسية سياسية واقتصادية يحضرون محادثات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قصر مجلس الشيوخ بالكرملين في موسكو بروسيا يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

محادثات «ضرورية»

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن محادثاته التي استمرت خمس ساعات، الثلاثاء، في الكرملين مع ويتكوف وكوشنر كانت «ضرورية» و«مفيدة»، ولكنها كانت أيضاً «عملاً صعباً» في ظل بعض المقترحات التي لم يقبلها الكرملين، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وتحدث بوتين لقناة «إنديا توداي تي في» قبل زيارته لنيودلهي، اليوم. وبينما لم تُبث المقابلة بأكملها بعد، اقتبست وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان «تاس» و«ريا نوفوستي» بعض تصريحات بوتين.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول في المقابلة، إن محادثات الثلاثاء في الكرملين تحتّم على الجانبين «الاطلاع على كل نقطة» من مقترح السلام الأميركي «وهذا هو السبب في استغراق الأمر مدة طويلة للغاية».

وأضاف بوتين: «كان هذا حواراً ضرورياً وملموساً»، وكانت هناك بنود، موسكو مستعدة لمناقشتها، في حين «لا يمكننا الموافقة» على بنود أخرى.

ورفض بوتين الإسهاب بشأن ما الذي يمكن أن تقبله أو ترفضه روسيا، ولم يقدّم أي من المسؤولين الآخرين المشاركين تفاصيل عن المحادثات.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول: «أعتقد أنه من المبكر للغاية؛ لأنها يمكن أن تعرقل ببساطة نظام العمل» لجهود السلام.


القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
TT

القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، زيارة رسمية إلى الهند تستغرق يومين. وتعد واحدة من الزيارات الخارجية النادرة له منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022. ومثلما حظيت زيارته إلى الصين قبل ثلاثة أشهر، وقبلها إلى كوريا الشمالية العام الماضي، بأهمية كبرى في إطار رسم ملامح استراتيجية الكرملين في السياسة الخارجية، تُشكل الزيارة الحالية لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين، خصوصاً على خلفية الضغوط الأميركية المتزايدة على الهند لتقليص تعاونها مع موسكو.

وفي أول زيارة له إلى العاصمة الهندية منذ أربع سنوات، يرافق بوتين وزير الدفاع أندريه بيلووسوف، ووفد واسع النطاق من قطاعي الأعمال، والصناعة. ومن أبرز الوجوه المرافقة لبوتين رئيسا شركتي الطاقة «روسنفت» و«غازبروم» اللتين تخضعان لعقوبات غربية، إلى جانب مسؤولي المجمع الصناعي العسكري، ومؤسسة «روس أبورون أكسبورت» المسؤولة عن الصادرات العسكرية. بالإضافة إلى رؤساء القطاع المصرفي الروسي الذي يخضع بدوره لعقوبات غربية. وتعكس تشكيلة الوفد المرافق أولويات أجندة الطرفين، وطبيعة النقاشات التي تم التحضير لها في موسكو، ونيودلهي.

برنامج حافل

على مدار يومي القمة، سيبحث الطرفان التعاون في مجالات الدفاع، والطاقة النووية، والهيدروكربونات، والفضاء، والتكنولوجيا، والتجارة.

تُشكل زيارة بوتين لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين (أ.ف.ب)

واستبق الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف الزيارة بإشارة إلى أن بوتين سوف يناقش مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي «القضايا الدولية، والإقليمية»، مشدداً على اهتمام الكرملين بتطوير التعاون الثنائي، وفتح مجالات جديدة للتعاون، وأشار إلى موقف واشنطن السلبي تجاه الزيارة، وتلويحها بمضاعفة التعريفات الجمركية في حال استمرت نيودلهي في تعزيز تعاونها مع موسكو، وخصوصاً في مجال الطاقة، موضحاً أنه «لا ينبغي أن تخضع العلاقات التجارية بين موسكو ونيودلهي لتأثير دول ثالثة»، وأعرب عن قناعته بأن «مسألة التعريفات الجمركية الأميركية تظل قضية ثنائية بين الولايات المتحدة والهند». ووصف بيسكوف الإجراءات المفروضة على قطاع النفط الروسي بأنها غير قانونية، مؤكداً أن روسيا تبذل كافة الجهود الممكنة لضمان استمرار تجارة الطاقة، وتدفقها دون انقطاع رغم التحديات. وأشار إلى أن الزيارة ستشهد توقيع حزمة مهمة من الوثائق الثنائية، دون الإفصاح عن تفاصيل محددة.

تعزيز التعاون في مجال الطاقة

قبل زيارة بوتين، أجرى مسؤولون من الجانبين محادثات في مجالات واسعة من الدفاع، إلى الشحن، والزراعة، وفي أغسطس (آب) الماضي، اتفق الطرفان على بدء محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بقيادة روسيا.

وكرست هذه الخطوات مسار تعزيز العلاقة رغم بروز بعض المخاوف لدى مسؤولين في الهند أعربوا عن قلق من أن أي صفقات طاقة ودفاع جديدة مع روسيا قد تُثير رد فعل من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ضاعف الرسوم الجمركية إلى 50 في المائة في أغسطس على السلع الهندية، عقاباً على مشتريات نيودلهي من النفط الخام الروسي.

بوتين يتحدّث خلال مؤتمر في موسكو يوم 3 ديسمبر (رويترز)

ويُشكّل ملف تعزيز التعاون في مجال الطاقة إحدى أولويات الكرملين، الذي أكد أن الهند سوف تواصل الحصول على معاملة تفضيلية.

زادت واردات النفط الروسية على مدار سنوات اتفاقية التجارة الحرة بنسبة 600 في المائة، مما جعل الهند المشتري الرئيس لصادرات النفط الروسية (38 في المائة). كما تشتري الهند الأسمدة، والزيوت النباتية، والفحم، والمعادن.

تُنقل هذه الشحنات عبر الممر البحري الشرقي الذي افتُتح مؤخراً بين فلاديفوستوك وميناء تشيناي الهندي، وهو طريق بطول 10300 كيلومتر يربط بين موانٍ استراتيجية في المحيطين الهادئ والهندي. كما يعمل ممر النقل بين الشمال والجنوب فإن هذا الممر يتيح الاستقلال عن اللوجستيات الغربية، والتسويات بالعملات الوطنية تجاوزاً للعقوبات الغربية بنسبة تصل إلى 90 في المائة. وأكد الطرفان مجدداً هدفهما المتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 (من 67 مليار دولار حالياً). وتطلب الهند دعماً لصادراتها إلى روسيا، لا سيما في مجالات الأدوية، والهندسة، والمنتجات الزراعية، ولتوفير فرص عمل للعمال الهنود المهاجرين، ويأتي ذلك تقديراً لإنجازات الهند في الالتفاف على العقوبات الغربية، خصوصاً في مجال تجارة النفط.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضران اجتماعاً على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند - أوزبكستان يوم 16 سبتمبر 2022 (رويترز)

في المقابل، تسعى موسكو إلى الحصول على مساعدة الهند للحصول على قطع غيار، ومعدات تقنية لأصولها النفطية، حيث عرقلت العقوبات الوصول إلى الموردين الرئيسين.

ووفقاً لمصدر حكومي في الهند، فإن نيودلهي تسعى على الأرجح إلى استعادة حصة 20 في المائة لشركة التنقيب عن الغاز الحكومية في مشروع «سخالين-1» في أقصى شرق روسيا.

وتسعى موسكو أيضاً إلى تطوير تعاملها في القطاع المالي والمصرفي مع الهند، وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، بأنه ستتم خلال الزيارة مناقشة إمكانية إطلاق نظام الدفع الروسي «مير» في الهند، والذي من شأنه أن يُسهم في زيادة السياحة الروسية. ووفقاً له، فقد طُرحت هذه المسألة سابقاً خلال اجتماع بوتين مع وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار. وستُناقش الآن على أعلى مستوى في نيودلهي.

الصفقات العسكرية

ورغم الضغوط الأميركية، لا تخطط الهند لتجميد علاقاتها الدفاعية مع موسكو، لأنها تحتاج إلى دعم مستمر للعديد من الأنظمة الروسية التي تشغّلها.

وقال مسؤولان هنديان مطلعان على الأمر لـ«رويترز» إن طائرات «سوخوي-30» الروسية تشكل غالبية أسراب المقاتلات الهندية البالغ عددها 29 سرباً، وعرضت موسكو مقاتلتها الأكثر تطوراً «سوخوي-57» والتي من المرجح أن تكون جزءاً من المحادثات.

بوتين يلتقي المتطوعين المشاركين في جائزة #WeAreTogether الدولية في مركز التجارة العالمي في موسكو يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ولم تتخذ الهند قراراً بعد بشأن النسخة المحدثة من «سوخوي»، لكن الكرملين أعلن أن هذا الموضوع سيكون مطروحاً للنقاش. ومن المرجح أن تناقش نيودلهي شراء المزيد من وحدات نظام الدفاع الجوي «إس-400» وفق تصريحات لوزير الدفاع الهندي راجيش كومار سينغ، الأسبوع الماضي. وتمتلك الهند الآن ثلاث وحدات، مع انتظار تسليم وحدتين إضافيتين بموجب صفقة عام 2018.

لكن الحديث عن تعاون دفاعي لا يقتصر على بيع الأسلحة، والمعدات، إذ قطعت موسكو ونيودلهي شوطاً مهماً لتوطين صناعات دفاعية في الهند لتصبح أبرز شريك عسكري لروسيا. وأفاد ديمتري شوغاييف مدير الهيئة الروسية للتعاون العسكري التقني بأن القمة الحالية سوف تبحث مشاريع عسكرية تقنية جديدة، وتوسيع العقود القائمة بين البلدين.

وتشير مصادر إلى أنه يمكن توطين إنتاج ما يقرب من نصف نظام «إس-400» في إطار سياسة نقل التكنولوجيا التي توليها الهند أولوية قصوى. وفي حال تم الاتفاق على شراء طائرات «سوخوي-57» المقاتلة، فسينتقل طيارو القوات الجوية الهندية بسهولة إلى الطائرات الروسية من الجيل الجديد، مع تأكيد أن شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة المملوكة للدولة قادرة على صيانة الترسانة الروسية.

وأفادت تقارير بأن اتفاقيات قيد التطوير -أو وُقِّعت بالفعل- لإنتاج مشترك لنظام الدفاع الجوي «بانتسير»، واحتمال شراء الهند لنظام رادار الإنذار المبكر «فورونيج»، الذي يتجاوز مداه 6000 كيلومتر.

وأكد شوغاييف أن العلاقات العسكرية التقنية بين روسيا والهند تشهد تطوراً ملحوظاً رغم التحديات الدولية الراهنة، مشيراً إلى أنه لم يغلق أي مشروع عسكري تقني خلال عام 2025.

بوتين خلال تقديمه جائزة #WeAreTogether الدولية في موسكو، يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووفقاً للمسؤول الروسي ينتظر أن ينصب الاهتمام بشكل أساسي على الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والتعاون في تقنيات الطائرات المسيرة، والمساعدة في بناء سفن جديدة في أحواض بناء السفن الهندية. وأضاف: «تبدو آفاق الصادرات العسكرية إلى الهند في عام 2026 إيجابية للغاية، وأعتقد أن حجمها في العام المقبل سيتجاوز مستوى عام 2025»، مؤكداً أنه تم حل المشكلات المتعلقة بالجوانب اللوجستية، وتوريد المكونات للمشاريع المشتركة، بما في ذلك صيانة المعدات الموردة سابقاً.

وأشار شوغاييف إلى أن روسيا تسعى إلى تعاون عسكري تقني واسع النطاق مع الهند في مجال التقنيات الجديدة، حيث تتزايد حصة المشاريع المشتركة، والتقنيات التكنولوجية المتقدمة عاماً بعد عام.

وتنفذ روسيا والهند حالياً عشرات المشاريع العسكرية التقنية واسعة النطاق، ومن أهمها إنتاج الهند المرخص لطائرات «سوخوي-30»، ومحركات الطائرات، ودبابات «تي-90 إس»، والتعاون في إطار مشروع «براهموس» المشترك للصواريخ، وتحديث المعدات العسكرية التي سبق توريدها، والعمل المشترك في مجال تكنولوجيا الدفاع.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» في كازان شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وأشارت مصادر إلى أن الطرفين يُعدّان «بيانات مهمة» ستحدد التوجهات الرئيسة للمرحلة المقبلة من شراكتهما. ومن المتوقع أن تُمهّد الاتفاقيات الجديدة للتعاون العسكري الصناعي الطريق لمرحلة جديدة من التعاون الدفاعي بين البلدين، ما يتيح للهند الوصول إلى أحدث تقنيات التخفي، والدفاع الصاروخي. وتتوقع المصادر أن يُعزز هذا مكانة الهند في المنطقة الآسيوية.

من المتوقع توقيع عقود عسكرية لتوريد وإنتاج أنظمة دفاع جوي من الجيل الجديد، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي إس-500. وقد لاقى نظام إس-400 الروسي استحساناً من الجيش الهندي خلال عملية سيندور، حيث أُشير إلى سرعة نشره في أقل من خمس دقائق لتكون ميزة كبيرة. ويُعتبر دمج نظام إس-400 في نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات الهندي على طول الحدود مع الصين وباكستان تعزيزاً أمنياً.

توازن بين الهند والصين

وتواجه موسكو -التي طورت علاقاتها مع الصين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وغدت بكين حليفاً رئيساً لها- تحدياً جدياً في إقامة توازن دقيق في العلاقة مع البلدين الخصمين.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وأكد الكرملين أن موسكو تنطلق من أهمية المحافظة على علاقات مع «الشركاء التقليديين»، مشيراً إلى «تقدير خاص لاستعداد نيودلهي للمساهمة في البحث عن تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا».

وفي إشارة مهمة، قال الناطق الرئاسي الروسي: «نحن مستعدون لتطوير علاقاتنا مع الهند في جميع المجالات الممكنة، إلى الحد الذي تكون فيه الهند مستعدة لذلك»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن روسيا «تواصل تطوير علاقاتها مع الهند، والصين».

وتابع: «نحن نحترم العلاقات الثنائية بين الهند والصين، وليس لدينا شك في أن أقدم دولتين، الدولتين الأكثر حكمة في هذا العالم، ستكونان حكيمتين بما يكفي لتسوية جميع المشكلات من أجل الحفاظ على الاستقرار العالمي».

تحدي الضغوط الأميركية

رأت تعليقات في وسائل إعلام حكومية روسية عشية الزيارة أن نيودلهي سارت خطوات لتحدي الضغوط الأميركية المفروضة عليها بسبب علاقاتها مع موسكو. ومن ذلك، ألغت الهند مناقشات اتفاقية التجارة الهندية-الأميركية، وقالت الصحافة الروسية إن تلك الاتفاقية «تراجعت أهميتها الاستراتيجية مقارنة بالنتائج المتوقعة بعد زيارة بوتين». وزادت أن «الهند ردت عملياً على الهجوم على سيادتها».

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

كانت الحكومة الأميركية حملت نيودلهي مسؤولية تعزيز الجيش الروسي في أوكرانيا، واصفةً تصرفات الهند لاستيراد النفط الروسي بأنها «مزعزعة للاستقرار». ووصف الرئيس دونالد ترمب الهند بأنها «مغسلة للكرملين»، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المائة على الواردات الهندية إذا واصلت نيودلهي هذا المسار.

بدوره عارض الاتحاد الأوروبي مشاركة الهند في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، بحجة أن صداقة نيودلهي مع موسكو تُشكل عقبة أمام تعميق التعاون الاستراتيجي مع أوروبا.

ورأت التعليقات الروسية أن «الهجوم السافر على السيادة الهندية من قبل الغرب فقد أثره. لقد اتُخذ القرار: التعاون مع روسيا أهم للهند منه مع الغرب، كما يتضح من زيارة بوتين. وقد اكتسبت روسيا والهند خبرة واسعة في العمل معاً ضمن مجموعة (بريكس)، ومنظمة شنغهاي للتعاون».