التيسير الكمي.. سياسة «طبع الأموال» غير مجدية لاقتصادات الدول

لم تأت بالنتائج المرجوة في أوروبا واليابان.. وتعافٍ متواضع في أميركا

آلة طبع النقود في اليابان (رويترز)
آلة طبع النقود في اليابان (رويترز)
TT

التيسير الكمي.. سياسة «طبع الأموال» غير مجدية لاقتصادات الدول

آلة طبع النقود في اليابان (رويترز)
آلة طبع النقود في اليابان (رويترز)

زاد المعروض النقدي في معظم الدول الكبرى، عن مثيله خلال السنوات الماضية، إلا أن نسب الإنفاق وبالتالي معدلات التضخم فيها ما زالت دون المستهدف وأقل مقارنة بمعدلات الأعوام السابقة، فيما كشفت حجم تأثيرات وتداعيات الأزمة المالية العالمية الأخيرة على الاقتصاد العالمي.
وجاء ارتفاع المعروض من النقود في دول مثل: الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي واليابان والصين، نتيجة التيسير الكمي أو التحفيز النقدي - طبع أموال لضخ سيولة في السوق مباشرة أو من خلال شراء أصول حكومية - في محاولة لإنعاش اقتصاداتها، بعد التباطؤ الاقتصادي الذي ضرب الأسواق العالمية، إلا أنها لم تأت بالنتائج المرجوة –منذ اتباعها في 2008 - حتى الآن، وإن اختلفت نتائجها العامة من دولة لأخرى.
فبينما حذت الولايات المتحدة الأميركية طريق التعافي الاقتصادي التدريجي (حققت معدل نمو 2.4 في المائة العام الماضي)، لم تفلح حتى الآن في تحقيق معدلات إنفاق تستطيع من خلالها ضبط معدل التضخم الذي يضمن معدل النمو المستهدف، وبالتالي تقل معه نسب البطالة.
أما الاتحاد الأوروبي الذي ينتهج سياسة التيسير الكمي أيضًا، ما زال يعاني من نسب نمو ضعيفة ومعدلات تضخم قليلة، وقد يكون السبب أن الاتحاد الأوروبي لديه سياسة نقدية واحدة - متمثلة في البنك المركزي الأوروبي - بينما تتعدد السياسات المالية للدول الأعضاء، مما يتطلب توحيد السياسة المالية لدول الاتحاد. وهناك بعض الجدل في أوروبا حول فعالية التيسير الكمي، بينما فشلت اليابان في تحقيق الأهداف التضخمية المنشودة من البرنامج.
والتسهيل الكمي هو سياسة نقدية غير تقليدية تستخدمها البنوك المركزية لتنشيط الاقتصاد عندما تصبح السياسة النقدية التقليدية غير فعالة. حيث يشتري البنك المركزي الأصول المالية لزيادة كمية الأموال المعروضة في الاقتصاد.
وقد ذكر رؤساء البنوك المركزية في اليابان والمملكة المتحدة وأوروبا - بعد أزمة 2008 - أن سياسات التيسير الكمي ستزيد من الإقراض والمعروض النقدي، وبالتالي تمكنهم من الوصول إلى أهداف التضخم الخاصة بهم.
وقال بول فيشر، وهو مسؤول في بنك إنجلترا، عندما كشفت إنجلترا عن برنامج التيسير الكمي في مارس (آذار) 2009، إن سياسة التيسير الكمي كان المقصود منها أن تؤدي إلى الانتعاش الاقتصادي عن طريق زيادة الإقراض المصرفي وزيادة المعروض من النقود. كذلك صرح هاروهيكو كورودا محافظ بنك اليابان - في 12 أبريل (نيسان) 2013 في أول خطاب له بعد أن أصبح محافظًا للبنك - بأن سياسة التيسير الكمي من شأنها أن تُزيد الإقراض، ومن ثم تسمح بالوصول لمعدل التضخم المستهدف عند 2 في المائة في غضون عامين. وبالمثل، قال ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، الذي تأخر حتى أعلن عن التيسير الكمي في 22 يناير (كانون الثاني) من عام 2015، إن هذه السياسة سوف «تدعم المعروض النقدي والنمو الائتماني، وبالتالي تسهم في عودة معدلات التضخم نحو 2 في المائة».
رغم ذلك لم تؤت سياسة التيسير الكمي التي انتهجها البنك المركزي الياباني على مدى ثلاثة أعوام، ثمارها المرجوة - يعتبر ثلاثة أضعاف برنامج التيسير الكمي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (نسبة إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي) - ولا يزال المسؤولون لم يصلوا إلى النتائج المستهدفة؛ وفي موازاة للعمل بالبرنامج، ضعفت قيمة العملة المحلية «الين» من 80 ين مقابل الدولار إلى 125 ين مقابل الدولار في عام 2015.
وخفض البنك المركزي الياباني توقعاته للنمو الاقتصادي للعام المالي 2016، وسط مخاوف حول ارتفاع قيمة الين وتباطؤ النمو في الصين، ويتوقع البنك المركزي أن يشهد ثالث أكبر اقتصاد في العالم نموا بنسبة 1 في المائة حتى مارس 2017، متراجعًا عن تقييمات سابقة بمعدل نمو نسبته 1.2 في المائة في أبريل.
وأظهرت توقعات الحكومة اليابانية، أنها لن تتمكن من تحقيق هدفها المتمثل في الوصول إلى ناتج محلي إجمالي اسمي يبلغ 600 تريليون ين ياباني في السنة المالية 2020، وقد لا يتحقق ذلك حتى بحلول السنة المالية 2024، إذا بقي النمو البطيء مستمرًا على الوتيرة ذاتها، مما يزيد من الضغوط على صناع السياسات الذين يجاهدون لإنعاش الاقتصاد. ووفقًا لتقارير - تم نشرها من مكتب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي - فإن الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لليابان سيبلغ 551 تريليون ين في السنة المالية التي تبدأ في أبريل 2020 على افتراض الوتيرة الحالية للنمو.
وكان الناتج المحلي الإجمالي لليابان في عام 2015 نحو 500 تريليون ين ياباني، وهذا يعني أن اليابان لديها هدف بزيادة الناتج المحلي الإجمالي بنحو 100 تريليون ين على مدى السنوات الأربع المقبلة لتلبية هدف آبي. ويستتبع ذلك الحفاظ على معدل نمو سنوي قدره نحو 3 في المائة، ومع ذلك، في عام 2015، تمكنت اليابان فقط من زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5 في المائة.
وتتوقع الحكومة أيضًا أن تحقق اليابان عجزًا أوليًا يبلغ 9.2 تريليون ين، إذا ظل النمو ضعيفًا، وبالتالي ستفشل في الوصول إلى هدفها المتمثل في تحقيق فائض أولي في الميزانية حتى في السنة المالية 2024. وعلى الرغم من انتهاج الحكومة اليابانية سياسة التيسير الكمي الضخم، والتحفيز المالي والإصلاحات الهيكلية، قامت الحكومة بتقليص توقعاتها للناتج المحلي الإجمالي الاسمي ثلاث مرات متتالية منذ أواخر عام 2012.
وقالت الحكومة اليابانية: «إن أسعار المستهلكين تراجعت بنسبة 0.5 في المائة خلال يونيو (حزيران) مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، في تراجع للشهر الرابع على التوالي على الرغم من إجراءات التيسير النقدي». وأظهرت قراءة يونيو مجددًا أن الاقتصاد الياباني عاد إلى الانكماش وسط تراجع أسعار الطاقة. كما كانت القراءة بعيدة عن المستوى المستهدف للتضخم الذي حدده بنك اليابان منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وكانت اليابان قد اتخذت إجراءات التيسير النقدي للتغلب على الانكماش المزمن في أبريل 2013، بعد أربعة أشهر من تولي شينزو آبي رئاسة الحكومة، وقرر البنك المركزي الياباني في يناير الماضي اعتماد أسعار فائدة سلبية للمرة الأولى على الإطلاق لتنشيط ثالث أكبر اقتصاد في العالم.
وأظهر تقرير حكومي أيضًا أن معدل الإنفاق الاستهلاكي للأسر اليابانية، مؤشر رئيسي للإنفاق الاستهلاكي الخاص، تراجع بنسبة 2.2 في المائة في (يونيو) مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، في تراجع للشهر الرابع على التوالي. وأظهر تقرير حكومي أيضًا أن معدل الإنفاق الاستهلاكي للأسر اليابانية، مؤشر رئيسي للإنفاق الاستهلاكي الخاص، تراجع بنسبة 2.2 في المائة في يونيو مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، في تراجع للشهر الرابع على التوالي.
وفي ضوء البيانات الاقتصادية السلبية، تعهد بنك اليابان المركزي بمراجعة برنامجه للتحفيز النقدي في سبتمبر (أيلول) بالتوقعات بأن يتبنى أحد أشكال سياسة طبع النقود للإنفاق الحكومي، بما يقود إلى تحفيز التضخم. ويتوقع الاقتصاديون أن تصدر الحكومة سندات لأجل 50 عامًا، وإذا تعهد البنك المركزي بالاحتفاظ بها فترةً طويلة فسيكون ذلك شكلاً من أشكال طبع النقود، لكن بعض الاقتصاديين يخشون أن تقود هذه الخطوة إلى بلوغ التضخم مستويات مرتفعة جدًا، وبالتالي خفض غير محكوم لقيمة العملة. ووسع بنك اليابان المركزي برنامج التحفيز النقدي بزيادة طفيفة في مشتريات صناديق المؤشرات، في استجابة لضغوط من الحكومة وأسواق المال لاتخاذ إجراء أكثر جرأة، من أجل تحفيز النمو، وتسريع وتيرة التضخم صوب المستوى المستهدف البالغ 2 في المائة.
فمن المفترض اقتصاديًا أن يقوم البنك المركزي بطبع كميات من النقود تتوازى مع النمو في حجم المعاملات التي تتم في الاقتصاد المحلي، بحيث يحدث البنك المركزي التوازن المناسب بين النمو في عرض النقود والنمو في حجم المبادلات في الاقتصاد. بالتالي يُفترض طباعة النقود باعتبارها وسيلة لضمان عدم تأثر مستويات النشاط الاقتصادي، وحدوث ضغوط انكماشية نتيجة نقص العرض في السيولة عن احتياجات المبادلات. لكن في حال أصدر البنك المركزي مزيدًا من النقود دون أن تكون هناك حاجة حقيقية في الاقتصاد لها، فذلك يؤدي بالتبعية إلى انخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية بفعل ارتفاع الأسعار.



وزير المالية السوري: السياسات الاقتصادية للدولة ستعزز استقرار العملة الجديدة

مركبات في أحد ميادين دمشق التي ستشهد قريباً طرح عملة جديدة (رويترز)
مركبات في أحد ميادين دمشق التي ستشهد قريباً طرح عملة جديدة (رويترز)
TT

وزير المالية السوري: السياسات الاقتصادية للدولة ستعزز استقرار العملة الجديدة

مركبات في أحد ميادين دمشق التي ستشهد قريباً طرح عملة جديدة (رويترز)
مركبات في أحد ميادين دمشق التي ستشهد قريباً طرح عملة جديدة (رويترز)

أكد وزير المالية السوري محمد يسر برنية، السبت، دعم وزارته الكامل والمساندة لمصرف سوريا المركزي في إجراءاته وجهوده قبل وأثناء وبعد عملية استبدال العملة الوطنية. مؤكداً أن «السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية التي تنتهجها السلطات السورية، ستعزز بعون الله من استقرار العملة الوطنية، لتكون ركناً مهماً من أركان دعم التنمية والنمو الاقتصادي في سوريا».

وقال برنية في منشور على حسابه في «لينكد إن»، إن هذه الخطوة تأتي في إطار تعزيز السيادة الوطنية واستقرار الاقتصاد، مشيراً إلى أن «العملة الوطنية رمز مهم من رموز السيادة الوطنية التي نعتز بها، وهي عملة الدولة السورية وعملة كل مواطن سوري».

وأوضح أن الهدف من هذه العملية، ومن السياسات النقدية والمالية المصاحبة، هو تعزيز استقرار العملة الوطنية، لتكون ركناً أساسياً لدعم التنمية والنمو الاقتصادي في سوريا.

وأضاف أن «ما نحتاجه أيضاً هو مشاركة قطاع الأعمال والمجتمع والمواطنين جميعاً للتمسك والاعتزاز بالعملة الوطنية كعملة أساسية للتعاملات والتداول والادخار»، داعياً إلى التعامل معها بالاعتزاز ذاته الذي يتعامل به مع العلم الوطني.

وحث برنية المواطنين والقطاعات الاقتصادية كافة على التقيد بالتعليمات والإجراءات التي سيعلن عنها المصرف المركزي لضمان سير عملية الاستبدال بسلاسة، وعدم الانجرار وراء الشائعات، مؤكداً أن المصرف المركزي قد وضع كل السياسات اللازمة لمواجهة التحديات وضمان نجاح العملية.

وأكد أن هذه الإجراءات تأتي ضمن رؤية شاملة لتعزيز الاقتصاد الوطني واستقراره، داعياً المواطنين إلى الافتخار والاعتزاز «بليرتنا الجديدة» والتفاؤل بمستقبل سوريا واقتصادها.

كان حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، أعلن أن إطلاق العملة الوطنية الجديدة ليس مجرد طرح لنقود ورقية، بل هو احتفاء بسيادة البلاد وهويتها الوطنية، معتبراً أن الليرة تمثل رمزاً لنجاح الثورة وانتماء الشعب وثقته بقدرته على النهوض.

وأشار برنية إلى أن الجهود الكبيرة التي بذلها مصرف سوريا المركزي، «تستحق الشكر والتقدير»، في الشهور الماضية للتحضير لاستبدال الليرة السورية.

لكنه أضاف: «ما نحتاجه أيضاً هو مشاركة قطاع الأعمال والمجتمع والمواطنين جمعياً للتمسك والاعتزاز بالعملة الوطنية كعملة أساسية للتعاملات والتداول والادخار. كما نعتز بعلمنا، سنعتز بعملتنا الوطنية. ولنحرص جميعاً على التقيد بالتعليمات التي سيصدرها المصرف المركزي بشأن إجراءات الاستبدال وعدم الالتفاف للشائعات».

وأكد أن هناك «تحديات كبيرة رافقت التحضير وتحديات سترافق الاستبدال، مصرف سوريا المركزي وضع السياسات والإجراءات اللازمة لنجاح عملية الاستبدال، لنكن على مستوى الوعي المطلوب...».


ألمانيا: تحول الطاقة مهدد بالفشل إذا لم يتم خفض أسعار الكهرباء

مزرعة رياح في ألمانيا وسط دعوات لاستخدام الطاقة المتجددة بشكل إقليمي (رويترز)
مزرعة رياح في ألمانيا وسط دعوات لاستخدام الطاقة المتجددة بشكل إقليمي (رويترز)
TT

ألمانيا: تحول الطاقة مهدد بالفشل إذا لم يتم خفض أسعار الكهرباء

مزرعة رياح في ألمانيا وسط دعوات لاستخدام الطاقة المتجددة بشكل إقليمي (رويترز)
مزرعة رياح في ألمانيا وسط دعوات لاستخدام الطاقة المتجددة بشكل إقليمي (رويترز)

حذر مسؤولون وخبراء من فشل سياسات تحول الطاقة في ألمانيا، نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة في أكبر اقتصاد بأوروبا.

وفي هذا الصدد، حذر رئيس حكومة ولاية براندنبورغ الألمانية، ديتمار فويدكه، من أن التحول إلى اقتصاد محايد مناخياً في ألمانيا مهدد بالفشل إذا لم يتم خفض أسعار الكهرباء بشكل ملموس.

وقال السياسي، الذي ينتمي للحزب «الاشتراكي الديمقراطي»، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية»: «إذا لم ننجح في خفض أسعار الكهرباء، فإن التحول في ألمانيا سيفشل».

وأوضح فويدكه أن التحدي الأكبر أمام الحكومة الاتحادية هو ضمان أسعار كهرباء تنافسية، مؤكداً أن ذلك يمنح الأمان للاستثمارات، خاصة في القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل صناعة الصلب، والكيمياء، والدواء.

وأضاف: «اتخذت الحكومة قرارات صحيحة، مثل تحديد سعر الكهرباء الصناعي، وخفض رسوم الشبكة، لكن هذه الخطوات غير كافية. نحتاج إلى مزيد من الإجراءات».

ودعا فويدكه إلى استخدام الطاقة المتجددة بشكل إقليمي، قائلاً إن سكان براندنبورغ يستحقون الاستفادة من التوسع في الطاقة الخضراء عبر أسعار كهرباء منخفضة، مشيراً إلى أن ذلك سيكون أيضاً ميزة لولايات شمالية أخرى مثل ميكلنبورج-فوربومرن، وشليزفيج-هولشتاين، وسكسونيا السفلى، لكنه أشار إلى وجود عقبات قانونية تحول دون ذلك حالياً.

ورحب فويدكه بقرار المفوضية الأوروبية السماح بمزيد من الدعم الحكومي للصناعات كثيفة الطاقة، لكنه شدد على أن الهدف يجب أن يكون تحقيق أسعار تنافسية من دون دعم دائم.

وفي الوقت نفسه، دافع فويدكه عن أداء الحكومة الاتحادية في وجه الانتقادات الموجهة إليها، قائلاً: «تعمل الحكومة أفضل بكثير مما توحي به سمعتها»، مؤكداً أن المهمة الأساسية لحزبه هي إعادة النمو الاقتصادي، وضمان الحفاظ على الوظائف في القطاع الصناعي.


الأصول الرقمية في 2025... من فوضى النمو إلى مرحلة النضج المؤسسي

تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)
تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)
TT

الأصول الرقمية في 2025... من فوضى النمو إلى مرحلة النضج المؤسسي

تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)
تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)

شهد عام 2025 منعطفاً مفصلياً في مسار أسواق الأصول الرقمية؛ إذ انتقل القطاع من مرحلة «النمو العشوائي» إلى مرحلة «النضج المؤسسي والتنظيمي». وجاء هذا التحول نتيجة تفاعلٍ معقّد بين تسارع الابتكار التكنولوجي، وتوسع مشاركة المؤسسات المالية الكبرى، وصعود الأطر التنظيمية الفيدرالية التي أعادت رسم حدود العلاقة بين العملات الرقمية والنظام المالي التقليدي.

وفي المقابل، لم تخلُ هذه المرحلة الانتقالية من اضطرابات؛ إذ تعرضت الأسواق لهزات مضاربية وأحداث أمنية كشفت هشاشة بعض الشرائح، ولا سيما عملات «الميم» والعملات المستقرة مرتفعة المخاطر، ما عزّز القناعة بأن مرحلة «إعادة التوازن الهيكلي» باتت جزءاً لا يتجزأ من رحلة تحوّل القطاع نحو نموذج أكثر انضباطاً واستدامة.

جاء اسم «عملات الميم» (Meme Coins) من نكت أو ميمات الإنترنت، وهي عملات مشفرة تعتمد بشكل أساسي على الضجيج على وسائل التواصل الاجتماعي والمجتمعات الرقمية لجذب المستثمرين، أشهرها «دوجكوين» (Dogecoin) و«شيبا إينو» (Shiba Inu). وتتميز بتقلبات سعرية عالية جداً لقلة قيمتها الأساسية وغياب المنفعة الملموسة أحياناً، مما يجعلها استثماراً مضارباً عالي المخاطر.

الربع الأول: الانطلاقة وأولويات السيادة الرقمية

افتُتح عام 2025 بإطلاق عملة «ترمب» في 17 يناير (كانون الثاني)، والتي مثلت أكثر من مجرد أداة مضاربية؛ فقد عكست التغلغل الثقافي والسياسي للعملات الرقمية، وأظهرت كيف يمكن للأحداث السياسية أن تخلق ديناميات سعرية مؤثرة. اعتبر البعض أن الإطلاق سحب سيولة من النظام البيئي، في حين رأى آخرون أنه يمثل علامة على تقبل العملات الرقمية على نطاق واسع. وبعد ثلاثة أيام، مع تنصيب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، بدأت الأسواق تشهد تحولاً استراتيجياً في موقف المؤسسات تجاه العملات الرقمية؛ إذ تزايد اعتمادها تدريجياً، مما ساهم في تقليل التقلبات السعريّة وتعزيز النضج السلوكي للأسواق.

وفي 23 يناير من العام، وقع ترمب أمراً تنفيذياً لإنشاء استراتيجية وطنية للأصول الرقمية واحتياطي «بتكوين» استراتيجي، مؤكداً وضع الأصول الرقمية ضمن الاستراتيجية المالية والسيادية الأميركية. تضمن الأمر تعزيز الحفظ الذاتي للأصول الرقمية، ودعم العملات المستقرة المدعومة بالدولار، ورفض العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)، وهو ما عزز الشفافية التنظيمية، وأرسى مفهوم «الاحتياطي الوطني الرقمي» لأول مرة على المستوى المؤسسي والدولي.

الاضطرابات الأمنية وانهيارات السوق

مع هذا الانطلاق، لم يكن الطريق مفروشاً بالاستقرار. ففي 14 فبراير (شباط)، شهدت الأسواق انهيار عملة الميم «ليبرا» المدعومة سياسياً؛ إذ فقدت أكثر من 90 في المائة من قيمتها السوقية في ساعات قليلة بعد إعلان الرئيس الأرجنتيني دعمها. أظهرت الحادثة هشاشة سوق عملات «الميم» أمام المضاربة والسيولة المرتبطة بالمبادرات السياسية المفاجئة؛ إذ تكبد 86 في المائة من المستثمرين خسائر تجاوزت 250 مليون دولار. وفي 21 فبراير، واجهت منصة «بايبت» أكبر اختراق أمني في تاريخها؛ إذ سرق قراصنة مرتبطون بكوريا الشمالية نحو 1.5 مليار دولار من الأصول الرقمية. على الرغم من ضخامة الرقم، ساعدت الاستجابة المؤسسية الشفافة في الحد من عدوى مالية واسعة، مؤكدة أهمية إدارة الأزمات في الأسواق اللامركزية.

النصف الأول من العام: تحديثات تقنية واكتتابات عامة

شهد مايو (أيار) 2025 ترقية «بيترا» لشبكة «إيثيريوم»، والتي حسنت من كفاءة تنفيذ المعاملات واستقرار البروتوكول، مؤكدة مكانة «إيثيريوم» كبنية تحتية مؤسسية قابلة للاعتماد. في 5 يونيو (حزيران)، أكملت شركة «سيركل» اكتتابها العام في بورصة نيويورك، محققة طلباً مؤسسياً قوياً مع ارتفاع أسعار السهم أكثر من 150 في المائة في يوم التداول الأول، وهو ما يعكس رغبة المستثمرين المؤسساتيين في الدخول إلى السوق الرقمي ضمن أطر منظمة وواضحة.

وفي 17 يونيو، أقر مجلس الشيوخ الأميركي قانون «جينيوس»، ليصبح الإطار الفيدرالي الشامل الأول للأصول الرقمية في الولايات المتحدة. قدم القانون قواعد واضحة لإصدار العملات المستقرة والإشراف عليها، ووضع معايير للبنية السوقية للوسطاء، ما قلل بشكل كبير من عدم اليقين القانوني وعزز الثقة المؤسسية في الأسواق الرقمية.

نهاية يونيو شهدت إطلاق منصة «إكس ستوكس» للأصول المرمّزة، والتي أتاحت تداول أكثر من 60 سهماً أميركياً على «البلوكشين» بشكل مباشر، مما وفر للمستثمرين أداة جديدة للوصول إلى الأسهم التقليدية في بيئة رقمية، مع ضمان التغطية الكاملة للأصل الأساسي. وسرعان ما ارتفعت القيمة الإجمالية للأصول على الشبكة من 35 مليون دولار إلى أكثر من 100 مليون دولار خلال أسبوعين، ما أبرز الاهتمام المبكر بالأسهم المرمّزة.

الربع الثالث: المنافسة والتوسع المؤسسي

في 18 يوليو (تموز)، وقع ترمب قانون «جينيوس» ليصبح نافذاً، مؤكداً تحويل الأطر التنظيمية من غموض إنفاذ القوانين إلى تنظيم واضح وقائم على القواعد، ما عزز دمج الأسواق الرقمية ضمن النظام المالي الأميركي التقليدي.

وشهد شهر سبتمبر (أيلول) إطلاق منصة «أستر» على شبكة «بي إن بي تشاين»، بدعم علني من «سي زد»، مع ارتفاع رموز «أستر» عشرة أضعاف خلال أسبوعها الأول. جذب هذا النشاط الكبير انتباه المحللين، الذين أشاروا إلى ضرورة مراجعة مصداقية البيانات المتعلقة بأحجام التداول وتركيز توزيع الرموز.

الربع الرابع: تسجيل الأرقام القياسية واختبارات السيولة

في 6 أكتوبر (تشرين الأول)، بلغت «بتكوين» أعلى مستوى تاريخي عند 126,038 دولاراً، مدفوعة بتدفقات صناديق المؤشرات المتداولة وضعف الدولار خلال فترة عدم اليقين السياسي. ومع إعلان تعريفات على الصين، عادت العملات الرقمية إلى مرحلة تصحيح؛ إذ شهدت عمليات تصفية كبيرة في الأسواق المركزية واللامركزية، مؤكدة الترابط بين الأسواق الرقمية والاقتصاد العالمي.

وفي 7 أكتوبر، جمعت منصة «بولي ماركت» تمويلاً بقيمة مليارَي دولار عند تقييم 9 مليارات دولار، ليصبح إجمالي التمويل 2.28 مليار دولار، مما يعكس الطلب المؤسسي المتزايد على أدوات التنبؤ الرقمية. وفي 11 أكتوبر، شهدت الأسواق أكبر انهيار منذ «إف تي إكس»، مع موجة بيع حادة تضمنت الأسهم والعملات الرقمية والسلع، ما أبرز أهمية إدارة المخاطر والسيولة في البيئات عالية التقلب.

في 28 أكتوبر، أُطلق أول منتجات «سول إي تي إف»، لتوفير وصول منظم للمستثمرين المؤسساتيين إلى نظام «سولانا» البيئي. وسجلت التدفقات الصافية في اليوم الأول نحو 69.5 مليون دولار، وتراكمت حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) إلى نحو 750 مليون دولار، ما يعكس الطلب المستمر على الأصول الرقمية ضمن أطر منظمة.

تحديات العملات المستقرة

شهدت أسواق «ديفاي» في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) صدمة كبيرة عندما انفصلت العملة المستقرة «إكس يو إس دي» عن قيمتها المرجعية بنسبة تجاوزت 43 في المائة بعد الكشف عن خسارة بقيمة 93 مليون دولار مرتبطة بمدير أصول خارجية. أدى ذلك إلى تجميد السحوبات والاستردادات مؤقتاً، مع انعكاسات على أصول مرتبطة مثل «دي يو إس دي» و«إس دي دي يو إس دي»، مؤكداً أهمية الأطر التنظيمية واستقرار السيولة للحفاظ على ثقة المستثمرين.

اتجاهات 2026

مع نهاية عام 2025، بات جلياً أن أسواق الأصول الرقمية تجاوزت مرحلة المضاربة البحتة، لتتحول إلى مكوّن محوري في البنية المالية العالمية، مدعومةً بتوسع الحضور المؤسسي وتبلور الأطر التنظيمية. ومع دخول عام 2026، يُرجَّح أن يتمحور مسار النمو حول ترسيخ الصلة بين قيمة الرموز الرقمية والتدفقات النقدية الحقيقية التي تولدها البروتوكولات، إلى جانب تطوير آليات الحوكمة، وتعزيز الشفافية، وترسيخ استدامة نماذج التمويل اللامركزي.

وفي هذا السياق، تتشكل ملامح مرحلة جديدة تجمع بين مرونة ابتكارات «البلوكشين» وانضباط الأسواق التقليدية، بما يعيد تعريف دور الأصول الرقمية كأدوات مالية ناضجة، لا مجرد رهانات عالية المخاطر.