حتى لحظة دخوله مع عدد من كبار الضباط مبنى البرلمان العراقي صباح أمس لغرض استجوابه بشأن شبهات فساد، مثلما أعلنت النائبة عالية نصيف التي صممت طلب الاستجواب، لم يكن يدور بخلد أي من أعضاء البرلمان ما الذي يخفيه وزير الدفاع خالد العبيدي (ينتمي إلى كتلة متحدون وهي جزء من تحالف القوى العراقية) في جعبته من قنبلة فجرها بوجه البرلمان بدءا من رئيسه سليم الجبوري وعدد آخر من نواب ونائبات البرلمان.
وبينما بدأ العبيدي بتلقي الأسئلة ويفجر بوجه السائلين قنابله المسيلة لشتى أنواع التهم والاتهامات، بادر رئيس البرلمان إلى ترك رئاسة الجلسة، بعد أن تحول إلى متهم، إلى نائبه الثاني الكردي آرام شيخ محمد ليغادر قبة البرلمان لنحو نصف ساعة ثم يعود ليأخذ مكانه بين النواب لا على منصة الرئاسة.
الجبوري لم يكتف بذلك بل أمر بتشكيل لجنة بالاتهامات التي وجهها وزير الدفاع (ينتمي العبيدي والجبوري إلى نفس الكتلة وهي تحالف القوى العراقية وكلاهما سني) بحقه وعدد آخر من النواب بينما هدد باللجوء إلى القضاء في حال لم تثبت التحقيقات ضلوعه بما ورد على لسان الوزير.
القصة لم تنته بعد بل وطبقا لما قاله مسؤول رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» على هامش ما جرى في البرلمان أمس، طالبا عدم الإشارة إلى اسمه، إن «القصة ربما لم تبدأ بعد لا سيما أن وزارة الدفاع تعد من بين مناجم الفساد في العراق». المسؤول الرفيع المستوى وفي معرض سؤاله عن قيام الوزير بتوجيه اتهامات لأعضاء بارزين من طائفته (العرب السنة) وكتلته (تحالف القوى) بمن في ذلك أبرز قيادييها رئيس البرلمان قال: «أولا إن تجارب السنوات الثلاث عشرة الماضية أثبتت حقيقة ربما لا يعرفها الكثيرون، وهي أن الخلافات بين أطراف العملية السياسية كمكونات شيعية وسنية وكردية لا تطال أبدا قضايا الفساد حتى لتجد قياديين سنة كبارا مستشاروهم التجاريون أو لنقل وكلائهم من الشيعة بينما تجد قياديين سنة كبارا وكلاؤهم ومستشاروهم من الشيعة بحيث لا توجد مشكلة فيما بينهم على الإطلاق».
وقبل المضي مع المسؤول الرفيع المستوى في سرد وقائع سرية عما جرى على هامش استجواب وزير الدفاع فإن رئيس الوزراء حيدر العبادي وجه من جهته هيئة النزاهة في تشكيل لجنة تحقيق مع كل من وردت أسماؤهم في اتهامات العبيدي ومنهم رئيس البرلمان وهو ما يتطلب إجراء معقدا وهو رفع الحصانة عنه وعن باقي النواب.
العبيدي من جانبه وقبل بدء استجوابه أعلن أنه «سيحاسب كل من يحاول تمرير عقود فساد في وزارة الدفاع مهما كانت سلطته»، مؤكدا أنه «لن يساوم على قوت الشعب العراقي». وقال المكتب الإعلامي لوزير الدفاع في بيان له إن «تصفيقًا حارًا من النواب لوزير الدفاع خالد العبيدي بعد إعلانه إنه لن يساوم على قوت الشعب». واتهم العبيدي النائبة عالية نصيف، بابتزازه من خلال طلبات تعيين، فيما كشف عن ملفات فساد خطيرة في الحكومتين السابقة والحالية.
وبالعودة إلى المسؤول الرفيع المستوى فقد أكد أن وزير الدفاع حضر مساء أول من أمس إلى البرلمان «واجتمع بعدد من الأطراف ومن بينهم أعضاء في لجنة الأمن والدفاع وقال لهم إنهم في حال إصرارهم على استجوابه فإنه سيكشف كل المستور وبالأسماء، غير أنهم أعلنوا مضيهم في استجوابه لقناعتهم إنه لن يكشف كل ما لديه وبالأسماء بل إن كل ما يسعى إليه هو التخلص من سحب الثقة منه من خلال دعمه من كل الكتل بحيث لا تبقى في مواجهته سوى النائبة التي أصرت على الاستجواب، وهي عالية نصيف، وهي بالنسبة للوزير متهمة بقضايا فساد ويملك عليها أدلة ووثائق كما قال».
وحول اتهامات العبيدي لرئيس البرلمان، قال المصدر المطلع إن «وزير الدفاع قد يكون تسرع في هذه النقطة لأن المعلومات التي لدي أن أحد النواب من تحالف القوى (لم يشأ ذكر اسمه) هو من تكلم مع الوزير باسم الجبوري عن الشركات التي تتولى إطعام الجنود وذلك بسبب سوء التغذية الذي تقدمه هذه الشركات إلى الجيش العراقي اليوم بالقياس إلى الشركات السابقة»، مبينا أنه «في الوقت الذي تخصص فيه الدولة 18 دولار يوميا لكل جندي كوجبات طعام فإن الوجبة الواحدة وبعد التفتيش ظهر إنها لا تعادل دولارين وهو ما يعني وجود فساد يصل إلى 16 دولارا لكل جندي وهي مبالغ طائلة».
وردا على سؤال عما يتعلق بأبرز ملفات الفساد في وزارة الدفاع، قال المسؤول المطلع إن «هناك ثلاثة أشياء سيئة، وهي المشتريات والوقود والذخيرة والأخيرة تعد هي الأسوأ حيث تقوم جهات نافذة باستبدال الذخائر الجيدة الأميركية الصنع بذخائر سيئة من مناشئ رديئة وتبيعها في السوق السوداء».
من جهته، نفى عضو لجنة الأمن والدفاع عن تحالف القوى العراقية محمد الكربولي الذي ينتمي إلى نفس كتلة العبيدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الاتهامات التي وجهها العبيدي له قائلا إن «العبيدي ورط نفسه في هذه القضية وأراد من كل ما أورده من اتهامات، لا سيما ضد النواب السنة، التهرب من الاستجواب ورمي الكرات شمالا وجنوبا لكي يظهر بمظهر البطل أمام الكتل الأخرى، وهي طريقة ليست ناضجة في التعامل مع الأزمات». وأضاف أن «العبيدي لن يثبت شيئا من اتهاماته لأنه لا علاقة لي بالأمر بل بالعكس كنت أمارس دوري الرقابي في لجنة الأمن والدفاع وأنا من أصررت على استجوابه لأن هناك ملفات كثيرة ضده ليس بوسعه إنكارها».
بدوره، أعلن رئيس البرلمان في مؤتمر صحافي أنه قرر «رفع دعوى قضائية ضد وزير الدفاع بتهمة التشهير». وقال الجبوري «لن أعتلي منصة رئاسة البرلمان قبل إعلان براءتي»، مؤكدا مباشرته الذهاب إلى هيئة النزاهة والقضاء لهذا الغرض. وكان العبيدي كشف عن مقاولي الربط الذين كان يرسلهم رئيس البرلمان للتفاوض بشأن صفقات الفساد وهم كل من مثنى السامرائي وهيثم شغاتي. بينما اتهم النائبة التي تولت استجوابه عالية نصيف بابتزاز الوزارة من خلال طلبات تعيين تقدمت بها الأخيرة للوزير.
وزير الدفاع العراقي يفجر قضية الفساد في البرلمان.. والعبادي والجبوري يشكلان لجانًا للتحقيق
مصدر مطلع: جهات تتاجر بإطعام الجنود وأخرى تستبدل ذخائرهم
وزير الدفاع العراقي يفجر قضية الفساد في البرلمان.. والعبادي والجبوري يشكلان لجانًا للتحقيق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة