ليبيا.. محاولة جديدة لرأب الصدع

الخصوم يعودون إلى الحوار.. وبند «الجيش» يفرض نفسه

ليبيا.. محاولة جديدة لرأب الصدع
TT

ليبيا.. محاولة جديدة لرأب الصدع

ليبيا.. محاولة جديدة لرأب الصدع

خلال سيارة «الليموزين» خرجت من مطار القاهرة الدولي، متوجهة إلى فندق في وسط العاصمة المصرية. وبينما كان ضجيج شارع «صلاح سالم» يحيط بأحد ممثلي المجلس الرئاسي الليبي، الذي وصل حديثا إلى هنا، انبعث من مسجل السيارة صوت شاعر ليبيا الشعبي، سليمان الشرِّيمة، وهو يلقي قصيدة عن الحاجة إلى تقسيم بلاده إلى ثلاث دول. يقول الدكتور محمد الزبيدي، الرئيس السابق للجنة القانونية لمؤتمر القبائل الليبية، لـ«الشرق الأوسط»: هناك مؤشرات تدل على أن استمرار ليبيا دولة موحدة في خطر.
وتبدو مسألة التقسيم ذات حساسية لدول الجوار خصوصا مصر وتونس. ما بين مطار القاهرة ومقار فنادق العاصمة، حيث الشوارع مزدحمة، والرحلة بالسيارة تستغرق أحيانا أكثر من 90 دقيقة، يحرص كثيرٌ من القادة الليبيين على تزجية الوقت باصطحاب أسطوانات الشعراء الشعبيين ممن عبَّروا في قصائدهم عن صدمتهم من هول الفوضى بعد «ثورات الربيع العربي». يشير الشرِّيمة في مقطوعته، التي يلقيها بطريقة تشبه النّواح، إلى أن ليبيا، حين تتعرض لانتكاسة، فإنه من الحلال تقسيمها إلى ثلاثة أقاليم.
هذا بالطبع مستوحى من الفترة التي أعقبت استقلال بلاده في مطلع الخمسينات، وذلك حين كان التقسيم الإداري للمملكة الليبية يتكون من الأقاليم الثلاثة؛ طرابلس غربا وبرقة شرقا وفزان جنوبا. ويقول الدكتور الزبيدي إن استمرار الفوضى في ليبيا، في الفترة الأخيرة، ساعد على إيقاظ أصوات تدعو إلى تقسيم البلاد وإلى نظام الفيدرالية، بعد أن كانت قد تراجعت في الشهور الماضية.
اليوم تعود أطراف النزاع الليبي إلى طاولة الحوار مجددا. هذه محاولة أخرى لرأب الصدع الذي يهدد «المجلس الرئاسي» المقترح من الأمم المتحدة، في دولة لم تعد متماسكة، وتعاني من مشكلات أمنية تؤثر بالسلب على دول الجوار. احتضنت تونس جانبا من أحدث مفاوضات الخصوم، خلال الأسبوع الماضي.. أعقبتها لقاءات في القاهرة جرت قبل يومين وشارك فيها قادة كبار من الأفرقاء، من بينهم رئيس البرلمان عقيلة صالح (عن الشرق)، ورئيس المجلس الرئاسي فايز السراج (عن الغرب).
يأتي هذا وسط جدل يدور في خلفية الأحداث بشأن الفيدرالية، بوصفها حلا للخلافات التي راح ضحيتها، منذ 2011، عشرات الألوف من القتلى. الشاعر «الشرِّيمة» توفي أواخر العام الماضي، بعد أن استعرض شعره الحزين، ذا الطابع السياسي، في مناسبات ليبية عدة. قصيدته مستلهمة من حياة رعي الأغنام في هذا البلد الصحراوي المجدب رغم ثرواته النفطية. تقول القصيدة نصا باللهجة المحلية: «تقسيمة الضأن ثلاث.. حلال لأجل هذاك الجدب».
معنى القصيدة يشير إلى أنه حين يقل المطر ويحل القحط يكون المَخرج تقسيم الضأن إلى ثلاث مجموعات، كل مجموعة ترعى في مكان حتى يمكنها أن تجد ما يكفيها من الكلأ، لكي تعيش إلى أن تنتهي محنة الجفاف. حين ظهر الفيدراليون في بنغازي وإجدابيا، قبل عامين، كان الهاجس يدور حول الأحقية في عائدات النفط. يوجد نحو 60 في المائة من النفط في المنطقة الشرقية التي عانت من الشح في عهد القذافي. وباقي حصص البترول والغاز موزعة بين إقليمي الغرب والجنوب.
منذ بداية الانسداد السياسي في 2013، ظهرت قيادات قبلية وعسكرية تبنت فكرة «التقسيم في أوان الجدب هذا»، والدعوة للحكم الفيدرالي، خصوصا في المنطقة الشرقية، لكن جرى التقليل من شأن هذا الاقتراح من جانب قادة آخرين في المنطقة نفسها. وحين تمكن الفريق أول خليفة حفتر من جمع شتات الجيش الليبي في 2014، تراجعت الفكرة إلى حد كبير.
اعتقد البعض أن فكرة الفيدرالية طواها النسيان. يوضح الزبيدي قائلا عن الأرضية التي أعادت الحديث عن هذا الموضوع مجددا، إن «الإخوة الأمازيغ والتبو والطوارق، قاطعوا لجنة صياغة الدستور (معظم هذه القبائل تتركز في الجنوب والغرب).. أما في المنطقة الشرقية، فيسود شعور لدى أبنائها بأن منطقتهم تتعرض لهجمات متكررة من الميليشيات القادمة من المنطقة الغربية». ويضيف: لهذا «تعالت أصوات تدعو إلى حماية برقة أو خروجها من المشهد الليبي».
تبدو ورقة انفصال الشرق ورقة قوية للتفاوض السياسي. غالبية الليبيين، بمن فيهم أبناء الشرق، ضد التقسيم ومع دولة موحدة. ومع ذلك فـ«الورقة موجودة تحت الطاولة». بيد أن الجميع عاد إلى المربع صفر خلال اجتماعات تونس والقاهرة، قبل أيام. جرى طرح أسئلة مكررة لم تكن تجد إجابة قاطعة في الشهور الماضية. ولم يُحسم الأمر.
لهذا جاء أحد قادة المجلس الرئاسي إلى مصر، وأقام ليومين في فندق بوسط القاهرة، وغادر بعد أن قابل أطرافا ليبية ومصرية. كان يمهد للقاء الذي جرى لاحقا في العاصمة المصرية بين قادة من الشرق ومن الغرب. وقال لـ«الشرق الأوسط»: نحاول تقريب المسافات وإبعاد شبح تفتت الدولة.
وفي اليوم التالي ظهرت في القاهرة زعامات على رأسها عقيلة صالح. يعد كثيرٌ من هؤلاء خصوما لحكومة المجلس الرئاسي المقترحة. ثم جاء السراج نفسه. أهم أسئلة عالقة هي تلك التي تراوح مكانها على طاولة ممتدة من تونس إلى مصر، منذ توقيع اتفاق الصخيرات حتى الآن: «مستقبل الجيش بقيادة حفتر»، و«مستقبل الميليشيات» التي تقودها شخصيات جهوية ومذهبية. يقول أحد نواب البرلمان الليبي: يظل شبح الفيدراليات، في الخلفية، بوصفه حلا يمكن اللجوء إليه إذا تعقدت الأمور أكثر مما هي عليه.
الحرب في الصحراء الليبية لم تعد تجري، كما يقول أحد العسكريين، بين ليبيين وليبيين فقط. هذا كان يحدث بين الإخوة الأعداء منذ الانشقاق الكبير الذي تسبب في حرق مطار طرابلس الدولي في 2014، «كانت، وقتها، حربا تبدو محلية صرفة». لكن اليوم أصبحت هناك «عقول أجنبية» متخصصة تشارك في إدارة آلة الصراع وتزيد الانقسام. احتراب لا ينتهي.. سفك دماء.. تبديد ثروات. ومن بين حطام المدن ومرافئ النفط، يلتقط سياسيون وزعماء أوراقا للضغط يستمر مفعولها عدة أيام، ليبدأ البحث عن أوراق جديدة، باستثناء ورقة الانفصال باعتبارها الأقوى، إلى الآن.
آخر ورقة «هشة» يجري استخدامها بين الخصوم لكسب نقاط رابحة، هي ورقة «الجنود الفرنسيين». لقد ظهر وجود عدة خبراء أجانب على الأراضي الليبية، معظمهم من دول غربية.. بعضهم يرسم الخطط ويشارك في إدارة عمليات عسكرية في شرق البلاد، من أجل تعضيد الجيش الوطني الذي يقوده حفتر. هذه الورقة ظهرت قبل أسبوع، حين اعترف الرئيس الفرنسي بمقتل ثلاثة جنود فرنسيين كانوا في مهمة على جبهة القتال في غرب بنغازي.
يقول أحد القادة العسكريين في مقر قيادة الجيش الليبي جنوب شرقي بنغازي، ممن يتابع محاولات رأب الصدع بين الليبيين عبر تونس والقاهرة، إن «خصومنا، سواء في المجلس الرئاسي أو في ميليشيات طرابلس، حاولوا استخدام ورقة الجنود الفرنسيين لاستفزاز قادة الشرق، لكن لا أعتقد أنها ورقة رابحة. ضخموا الموضوع لكنه عاد إلى حجمه»، مشيرا إلى أن كثيرا من قوات الميليشيات في الغرب الليبي «تستعين هي الأخرى بخبراء أجانب، منهم عسكريون ورجال استخبارات».
ويعتقد عدد من نواب البرلمان، من بينهم رئيس لجنة العدل والمصالحة وخريطة الطريق، إبراهيم عميش، أن أحد أهداف التدخل الدولي في الشأن المحلي هو الحرص على استمرار الفوضى، لإضعاف الدولة وإنهاك الشعب، وذلك لوضع البلاد أمام أحد خيارين، إما الرضوخ لحكومة المجلس الرئاسي، وإما الدخول في نفق مظلم قد يفضي إلى تقسيم ليبيا. ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «الخيارات سيئة. الحل الوحيد يكمن في حوار داخلي بين الليبيين. الوضع لم يعد يحتمل».
يبدو أن حوارات الليبيين الجديدة، وفقا لأطراف شاركت فيها، واجَهت المعضلة نفسها المتعلقة بوضع الجيش ومستقبل الميليشيات. لا يبدو أن هناك تعويلا كبيرا، حتى الآن، عما يمكن أن يستجد في حال لم تنجح لقاءات الخصوم في القاهرة. يضيف القائد العسكري المشار إليه: «أوراق الضغط، هذه الأيام، تبدو متعادلة»، مشيرا إلى أنه، في الداخل الليبي، يزداد الوضع تعقيدا، وهو ما ينعكس على أحوال المواطنين في الشرق والغرب، من شُّح وغياب للأمن، و«لهذا تعود الأفكار الخاصة بالحكم الفيدرالي إلى الواجهة، ويجري استخدامها للضغط، لأن المجلس الرئاسي نفسه لا يحبذ هذه الفكرة».
مع ذلك تستمر مقترحات من هذا النوع. إنها تطل برأسها من جديد. ثلاثة أقاليم، كما كان الحال قبل تولي القذافي الحكم. ظهر ذلك قبل أيام في أروقة اجتماع تونس. لكن المقترح تغير إلى أفكار ترى أنه يمكن الاكتفاء بتقسيم الجيش نفسه إلى ثلاثة جيوش على الأقاليم المذكورة. وبحسب ما رشح من الاجتماع، رفض المبعوث الأممي، مارتن كوبلر، فكرة التقسيم برمتها. ووفقا لقيادات ليبية شاركت في حوار القاهرة، فإن «خيار الفيدرالية ليس وحده الذي ما زال مطروحا لدى البعض»، لكن ظهرت معه أيضا «أفكار عن العودة للعمل بالدستور الملكي». ويقول عميش إن مسألة العودة إلى دستور 1951 جرى التحدث عنها بالفعل، منذ البداية.
أيا ما كان الأمر، فإن النيات وحدها لا تكفي. كل يوم يسقط قتلى وجرحى من شباب العائلات. حروب بلا أفق داخل المدن وفي الصحراء. سعر الدولار أمام العملة المحلية ارتفع إلى مستويات قياسية. تسلم رواتب الموظفين يتأخر عن موعده. إذا أرادت أسرة أن تسافر من مدينة إلى مدينة فإنها تنتظر لأسابيع، أملا في خلو الطريق من نقاط تفتيش جهوية ومذهبية يغلب عليها طابع «الانتقام على الهوية». معتقلون وأسرى يجري استخدامهم دروعا بشرية أثناء الاقتتال.
يحدث هذا رغم أن الأمم المتحدة، حاولت عن طريق كوبلر، وعن طريق توقيع «اتفاق الصخيرات»، وضع حد للفوضى التي تضرب الأعمدة الرئيسية للدولة، أي: الأمن والاقتصاد والعدالة. لكن الآن، وبعد نحو مائتي يوم من توقيع «اتفاق الصخيرات»، وبعد نحو مائة يوم من دخول السراج ومجلسه الرئاسي إلى طرابلس، عادت النقطة الأساسية في الاتفاق، والتي تخص بند «الجيش»، لتفرض نفسها، وتعرقل التوافق السياسي، إلى جانب بنود أخرى غير مكتوبة، لها علاقة بالقوى القبلية وأنصار النظام السابق ممن لم يشملهم الحوار منذ البداية. ويقول الزبيدي: هناك أخطاء صغيرة تتراكم، وتتحول، في النهاية، إلى كارثة.
كثيرٌ من الليبيين كان يتوقع تعثر مجلس السراج منذ البداية. فالبرلمان الذي يضطر، منذ انتخابه في 2014، إلى عقد جلساته في مدينة طبرق، غير قادر على عقد جلسة لمنح الثقة للحكومة المقترحة. يقول عميش إن نوابا داخل البرلمان ممن يوالون رئيس المجلس الرئاسي هم من يعرقلون انعقاد الجلسة، ليستمر الجمود السياسي، دون أفق، بينما يرد الطرف الآخر بالقول إن قيادات في الشرق اختطفت البرلمان وترفض الإقرار بكامل مخرجات الصخيرات وتلوح بخيار التقسيم.
وفي إفادة بالبريد الإلكتروني قالت وزارة الخارجية المصرية إن استضافة القاهرة لاجتماعات ضمت «صالح» و«السراج»، على مدار يومين، تأتي في إطار المساعي المصرية لتعزيز الاستقرار في ليبيا ودعم الحلول السياسية على الساحة الليبية، وأن سلسلة الاجتماعات هذه تعد «بداية لاتصالات ولقاءات تهدف إلى دخول الليبيين في مرحلة جديدة من الوئام السياسي بين أبناء الوطن الواحد».
أما في تونس - كما يقول المصدر الذي كان في زيارة للعاصمة المصرية ضمن الوفد الليبي - فقد تطرقت أطرافٌ في الحوار عن إمكانية اللجوء إلى الخيار الذي يبدو سهلا، وهو، على الأقل، تقسيم الجيش، بحيث يظل حفتر بقواته في الشرق، وتستمر سلطة الميليشيات في الغرب، على أن يتم التوصل إلى شكل القوة في جنوب البلاد.
ويضيف المصدر أن هذا الطرح لم يناقشه أحد في لقاءات القاهرة، رغم أنه حين جرى فتحه في أروقة اجتماعات تونس قبلها بأيام، كان يبدو منطقيا لدى البعض، في هذه المرحلة، على أن يتم توحيد الجيش مستقبلا. لكن مصادر أخرى كانت قريبة من اجتماع تونس أيضا، قالت في المقابل إن «كوبلر لم يتطرق إلى مثل هذه الحلول التي من شأنها أن تزيد المسألة تعقيدا بين القوى الليبية. كما أن مصر تقف ضد فكرة التقسيم».
وأضاف أن كلا من القاهرة ورئيس البعثة الأممية لدى ليبيا، ليسا مع تقسيم الجيش الليبي على الأقاليم الثلاثة، بل إن كوبلر لديه رؤية تقول إن إنهاء المعضلة الليبية تتطلب وجود جيش موحد «تحت قيادة المجلس الرئاسي». وهنا يعود السؤال مجددا عن الكيفية التي يمكن بها تحقيق هذا «الأمل الكوبلري». أي «جيش موحد تحت قيادة المجلس الرئاسي»، فرغم لقاء السراج وحفتر قبل نحو خمسة أشهر، وجهود القاهرة لحلحلة هذه النقطة لاحقا، إلا أن فكرة أن يعمل حفتر تحت سلطة المجلس الرئاسي، لا تبدو مقبولة في المنطقة الشرقية وفي بعض المناطق الأخرى.
ظهر ذلك من نواب في البرلمان، حين أعلنوا رغبتهم في تعديل المادة الثامنة في «اتفاق الصخيرات». المعضلة تكمن هنا.. أي في «المادة الثامنة» التي تعطي لرئيس المجلس الرئاسي اتخاذ ما يراه من قرارات تخص الجيش والأمن. يقول الإعلان الدستوري الذي يجري العمل بناء عليه منذ سقوط نظام القذافي، إن رئيس مجلس النواب (البرلمان) - وهو (صالح) - يمثل أعلى سلطة في البلاد، أي بمثابة رئيس للدولة، وهو يتولى موقع القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وبينما كان البرلمان يسعى لعقد جلسة لتعديل المادة الثامنة، أعلن السراج نفسه قائدا أعلى للقوات المسلحة. وسارع المبعوث الأممي بتأييد هذه الخطوة. ويقول عميش إن «كوبلر منحاز إلى طرف على حساب الآخر».
بمجرد دخول السراج إلى طرابلس بدأت ميليشيات رئيسية في الغرب الليبي، في مساندته، والرضوخ لتوجيهاته بخصوص محاربة تنظيم داعش في مدينة سرت، في مايو (أيار) الماضي. حينذاك أعلن السراج، في ضربة استباقية، أنه، وليس أي أحد آخر في ليبيا، هو القائد الأعلى للجيش الليبي. ويقول الدكتور الزبيدي إن خطوات مثل هذه تتسبب في «صبّ الزيت على النار».
رغم كل شيء تحاول مصر تحقيق التوفيق بين «المجلس الرئاسي» والسلطات الشرعية ممثلة في البرلمان. يقول عميش إنه من دون منح البرلمان الثقة لحكومة السراج، فإنها تظل حبرا على ورق. بينما ترى وجهة النظر الأخرى الموالية للسراج، أن منح الثقة للحكومة، بالطريقة التي يريدها البرلمان، ومنها قضية «المادة الثامنة» الخاصة بالجيش، من شأنها أن تقلم أظافر المجلس الرئاسي ومخرجات حوار الصخيرات برمته.
هكذا يستمر الجدل السياسي بين الشد والجذب.. ما بين اجتماعات في تونس والقاهرة. في الخلفية تبدو العمليات العسكرية على الأرض، القادرة على التأثير على أي تسوية في المستقبل. تلعب «أوراق الضغط» السياسية والإعلامية دورا أيضا وإن كان ضعيفا. الضغط على «الشرق» لا يقتصر على موضوع اكتشاف وجود مقاتلين أجانب مع حفتر، ولكن يتجاوز ذلك إلى التلويح بإقدام المجلس الرئاسي على تصدير النفط من المرافئ الواقعة غرب بنغازي.
في المقابل، وأثناء بحث محاولات التوافق، أخرجت قيادات عسكرية تعمل مع حفتر، أوراقا مضادة. قدمت على الطاولة ما قالت: إنها أدلة على وجود خبراء عسكريين أجانب يقدمون مساعدات للميليشيات التي يعتمد عليها السراج. ولوحت هذه القيادات العسكرية بقدرتها على إغلاق حقول النفط التي تسيطر عليها بالفعل في الجنوب، قائلة إنه إذا حدث تصدير للنفط فسيكون ذلك من المخزون الموجود سلفا في مرافئ «السدرة» و«راس لانوف» و«البريقة»، وبالتالي لن تتمكن حكومة السراج من الوفاء بتوفير كل ما قد تتفق على بيعه من النفط الليبي للشركات الدولية.
من بين الاتهامات الجديدة التي أججت الخصومة بين الليبيين خلال الأيام القليلة الماضية، وقوف قادة في الغرب الليبي وراء القوات التي ظهرت فجأة على تخوم بنغازي، وتحمل اسم «سرايا الدفاع عن بنغازي». ويعتقد أنها السبب وراء إسقاط المروحية التي قُتل فيها الفرنسيون الثلاثة. يقول قائد عسكري ليبي إن المعلومات المتوفرة لدى الجيش عن قوات «سرايا الدفاع عن بنغازي»، أنها خرجت في الأساس من طرابلس، وتتكون من نحو 300 مقاتل، وكان معها أكثر من 50 سيارة دفع رباعي، وقطعت رحلة طويلة، نحو 900 كيلومتر، عبر الصحراء الجنوبية، للتمويه، حيث ظهرت قرب بنغازي، لمواجهة الجيش هناك، ولتخفيف الضغط عن المجموعات المتطرفة التي يحاربها داخل المدينة.
تشير تحقيقات أمنية في الواقعة إلى أن صاروخًا «أرض - جو» تابعا لـ«سرايا الدفاع عن بنغازي» هو الذي أسقط المروحية. ويتهم قادة قبائل وعسكريون في المنطقة الشرقية، خصوم حفتر في المنطقة الغربية، بمن في ذلك ميليشيات تدعم السراج، بالوقوف وراء قوات «سرايا الدفاع عن بنغازي»، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. هذا أمر من شأنه أن يزيد الأمور تعقيدا ويدفع بالقيادات في المنطقة الشرقية للتعامل بتوجس أكبر من السابق مع قيادات المنطقة الغربية، رغم المحاولات المصرية لتخفيف حدة التوتر بينهما.
يقول أحد العسكريين المقربين من حفتر، إن التشدد لدى قادة الغرب الليبي أصبح يؤجج مشاعر الخوف ويدفع إلى تفكير قيادات بالمنطقة الشرقية في الدفاع عن أنفسهم كـ«منطقة جغرافية وسكانية مهددة.. هذا يعيد أصحاب الدعوة للحكم الفيدرالي إلى الواجهة، ويحول الموضوع من ورقة ضغط إلى واقع. هذا خيار قد يبدو أنه لا بد منه، لكنه خيار سيئ»، أو كما قال الشاعر الشعبي الليبي: خيار يرتبط بوقت الجدب.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».