تدابير سودانية لحل مشكلة الحظر الأميركي على التحويلات

خدمة «تأجير الدولارات» تظهر حول المصارف.. والبنوك الكبرى تلتزم بالتعليمات

البنك المركزي السوداني (رويترز)
البنك المركزي السوداني (رويترز)
TT

تدابير سودانية لحل مشكلة الحظر الأميركي على التحويلات

البنك المركزي السوداني (رويترز)
البنك المركزي السوداني (رويترز)

كشفت جولة ميدانية لـ«الشرق الأوسط» في الخرطوم في محاولة لفتح حساب بالعملات الحرة بالبنوك السودانية، أن الحظر الأميركي لمنع أي تحويلات مالية إلى الخرطوم يطبق بالكامل، بل إن هناك تشددا أعلن مؤخرا على البنوك غير السودانية، التي كانت تعمل في السابق وسيطا ماليا لتحويل الأموال، بألا تتعامل مع المصارف السودانية والعربية التي لديها تراخيص هناك، مهما كان حجم استثمارها أو جنسيتها أو سمعتها، مما ينذر بتدهور أكبر للاقتصاد السوداني وزيادة معاناة المواطنين.
وفي حين شملت جولة «الشرق الأوسط» خمسة بنوك سودانية وبنكين عربيين، أعلن في الخرطوم أمس عن تدابير وحوار «سوداني - أميركي» لحل هذه الأزمة الممتدة منذ نهاية تسعينات القرن الماضي، حيث فرضت الولايات المتحدة الأميركية حظرا وحصارا اقتصاديا كبيرا نتج عنه تدهور في كل مرافق الدولة والحياة، مستمر حتى اليوم. وجاء في التصريحات التي نقلتها الصحافة المحلية، على لسان الدكتور بدر الدين محمود، وزير المالية والاقتصاد، قبيل مشاركته في أعمال القمة العربية السابعة والعشرين التي تنطلق اليوم بنواكشوط في موريتانيا، أن هناك حوارا سودانيا - أميركيا يجري حاليا لحل مشكلة التحويلات المالية، وأن الحكومة السودانية اتخذت تدابير جديدة لحل أزمة التحويلات البنكية.
وقد أعرب الوزير في تصريحاته التي أبرزها الإعلام أمس عن تفاؤله بأن تثمر هذه الحوارات، نتائج إيجابية لحل هذه الأزمة، التي أقعدت اقتصاد البلاد خلال العشرين عاما الماضية، يضاف إليها كثير من السياسات وظواهر الفساد التي اعتلت أجهزة الدولة وموظفيها حتى اضطر البرلمان السوداني للمطالبة بآلية تشريعية لمكافحة هذا الفساد الخفي، وشكلت مفوضية لهذا الغرض.
وبدأت جولة «الشرق الأوسط» بالبنوك السودانية الشهيرة المعروفة بقدراتها المالية العالية ولديها علاقات دولية وتتعامل مع وسطاء مصارف في منطقة الخليج تتيح لها استقبال التحويلات المالية من خارج السودان، ثم تودعها البنوك السودانية، إلا أن هذه البنوك لم تخف التطورات الأخيرة في العقوبات الأميركية، وأكدت أن هناك «تعليمات وتوجيهات وإنذارات» صدرت لمن كانوا يتعاملون معهم من الوسطاء، بألا يواصلوا في هذا النشاط، وإلا طبقت عليهم جزاءات مالية ومصرفية، مثلما حدث لأحد البنوك البريطانية خلال العامين الماضيين.
وعلى الرغم من تأكد البنوك بما سيحدث ومصير أي تحويلات مالية من الخارج للبنوك في السودان، فإن هذه البنوك لا تمانع في فتح حسابات للشركات والأفراد بالعملات الحرة، بل إن بعض البنوك تتفاخر وتروج لهذه الخدمات. ويفرضون على مقدم الطلب توريد مبلغ من الدولارات متفاوت، يتراوح بين ألفين وعشرة آلاف دولار أميركي وفقا لرؤى البنك وطريقة جذبه للعملاء، وبعض البنوك يفرض مائة دولار فقط لفئة محدودة من العملاء. ويستطيع الراغب في فتح حساب بالعملات الحرة «تأجير دولارات» من تجار السوق السوداء المنتشرين دوما حول مباني تلك البنوك في قلب العاصمة السودانية الخرطوم، ليكمل به عملية فتح الحساب ثم يعيده للتاجر بأرباح متفاوتة حسب حجم المبلغ المستأجر.
وأكد مسؤولان كبيران في بنكين معروفين بقدراتهما المالية وعلاقتهما الدولية، أحدهما محلي والآخر عربي، لـ«الشرق الأوسط» أن الأمر واقع مفروض منذ سنين ولا خيار لديهم سوى نصح الأفراد والمواطنين الذين لديهم مصالح أو رواتب تأتيهم من الخارج، بفتح حساباتهم في دول الجوار، خاصة مصر وإثيوبيا التي يسهل السفر إليها وفتح الحسابات بالعملات الحرة، نظرا للعلاقات الحميمية المتجذرة بين شعوب تلك الدول الثلاث.
يذكر هنا أن عددا كبيرا من مراسلي الصحف ووكالات وفضائيات العالم في الخرطوم قد اهتدوا بتلك النصائح، وتنساب تحويلاتهم حاليا بشكل منتظم.
وكانت الحكومة السودانية قد أعلنت في مايو (أيار) الماضي عن اتخاذ إجراءات استثنائية للمغتربين السودانيين، بأن تسلم لهم أموالهم من العملات الحرة داخل السودان بالعملة نفسها التي حولوا بها. ووجد القرار ترحيبا واسعا من المغتربين السودانيين المقدر عددهم بنحو خمسة ملايين شخص، إلا أن كثيرا منهم تفاجأ باعتذار البنوك السودانية التي فتحوا فيها حسابات بالعملات الحرة، ووردوا مقدما لذلك، بأن البنك ليست لديه سيولة من الدولارات، وإنما تأتيه الدولارات من بنك السودان المركزي، وعليهم إما الانتظار أو صرفها لهم بالسعر الرسمي، الذي يمثل نصف سعره في السوق الموازية (6.6 جنيه و14.6 جنيها)، مما أفقد المغتربين الثقة مجددا في النظام المصرفي السوداني، الذي تحاول فيه الدولة جهودا كبيرا لإعادة ثقة السودانيين المغتربين بالنظام المصرفي والاستثمار في البلاد، حيث يوجد ما لا يقل عن 40 ألف سوداني يستثمرون مدخراتهم خارج أوطانهم.
ويرى مراقبون في تحليلهم لهذا الوضع المصرفي أنه «لم يعد محتملا، وتسبب في ضرر بالغ للاقتصاد»، مؤكدين أنه ينبغي على الدولة اتخاذ التدابير والتضحية من أجل رفع هذه العقوبات والحصار.



إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
TT

إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)

أعلن وزير النقل والخدمات اللوجيستية السعودي، المهندس صالح الجاسر، عن تحقيق الموانئ تقدماً كبيراً بإضافة 231.7 نقطة في مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية، وفق تقرير «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)» لعام 2024، إلى جانب إدخال 30 خطاً بحرياً جديداً للشحن.

كما كشف عن توقيع عقود لإنشاء 18 منطقة لوجيستية باستثمارات تتجاوز 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار).

جاء حديث المهندس الجاسر خلال افتتاح النسخة السادسة من «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»، في الرياض، الذي يهدف إلى تعزيز التكامل بين أنماط النقل ورفع كفاءة الخدمات اللوجيستية، ويأتي ضمن مساعي البلاد لتعزيز موقعها مركزاً لوجيستياً عالمياً.

وقال الوزير السعودي، خلال كلمته الافتتاحية في المؤتمر، إن «كبرى الشركات العالمية تواصل إقبالها على الاستثمار في القطاع اللوجيستي؛ من القطاع الخاص المحلي والدولي، لإنشاء عدد من المناطق اللوجيستية».

يستضيف المؤتمر، الذي يقام يومي 15 و16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عدداً من الخبراء العالميين والمختصين، بهدف طرح التجارب حول أفضل الطرق وأحدث الممارسات لتحسين أداء سلاسل الإمداد ورفع كفاءتها. كما استُحدثت منصة تهدف إلى تمكين المرأة في القطاع من خلال الفرص التدريبية والتطويرية.

وأبان الجاسر أن منظومة النقل والخدمات اللوجيستية «ستواصل السعي الحثيث والعمل للوصول بعدد المناطق اللوجيستية في السعودية إلى 59 منطقة بحلول 2030، من أصل 22 منطقة قائمة حالياً، لتعزيز القدرة التنافسية للمملكة ودعم الحركة التجارية».

وتحقيقاً لتكامل أنماط النقل ورفع كفاءة العمليات اللوجيستية، أفصح الجاسر عن «نجاح تطبيق أولى مراحل الربط اللوجيستي بين الموانئ والمطارات والسكك الحديدية بآليات وبروتوكولات عمل متناغمة؛ لتحقيق انسيابية حركة البضائع بحراً وجواً وبراً، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، ودعم العمليات والخدمات اللوجيستية وترسيخ مكانة المملكة مركزاً لوجيستياً عالمياً».

وخلال جلسة بعنوان «دور الازدهار اللوجيستي في تعزيز أعمال سلاسل الإمداد بالمملكة وتحقيق التنافسية العالمية وفق (رؤية 2030)»، أضاف الجاسر أن «الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار)» تعمل على تنفيذ ازدواج وتوسعة لـ«قطار الشمال» بما يتجاوز 5 مليارات ريال (1.3 مليار دولار)، وذلك مواكبةً للتوسعات المستقبلية في مجال التعدين بالسعودية.

إعادة التصدير

من جهته، أوضح وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، أن السعودية سجلت في العام الحالي صادرات بلغت 61 مليار ريال (16.2 مليار دولار) من قطاع إعادة التصدير، بنمو قدره 23 في المائة مقارنة بالعام الماضي، «وهو ما تحقق بفضل البنية التحتية القوية والتكامل بين الجهات المعنية التي أسهمت في تقديم خدمات عالية الكفاءة».

وأشار، خلال مشاركته في جلسة حوارية، إلى أن شركة «معادن» صدّرت ما قيمته 7 مليارات ريال (1.8 مليار دولار) من منتجاتها، «وتحتل السعودية حالياً المركز الرابع عالمياً في صادرات الأسمدة، مع خطط لتحقيق المركز الأول في المستقبل».

جلسة حوارية تضم وزير النقل المهندس صالح الجاسر ووزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف (الشرق الأوسط)

وبين الخريف أن البلاد «تتمتع بسوق محلية قوية، إلى جانب تعزيز الشركات العالمية استثماراتها في السعودية، والقوة الشرائية الممتازة في منطقة الخليج»، مما يرفع معدلات التنمية، مبيناً أن «قوة السعودية في المشاركة الفاعلة بسلاسل الإمداد تأتي بفضل الموارد الطبيعية التي تمتلكها. وسلاسل الإمداد تساهم في خفض التكاليف على المصنعين والمستثمرين، مما يعزز التنافسية المحلية».

وفي كلمة له، أفاد نائب رئيس «أرامكو السعودية» للمشتريات وإدارة سلاسل الإمداد، المهندس سليمان الربيعان، بأن برنامج «اكتفاء»، الذي يهدف إلى تعزيز القيمة المُضافة الإجمالية لقطاع التوريد في البلاد، «أسهم في بناء قاعدة تضم أكثر من 3 آلاف مورد ومقدم خدمات محلية، وبناء سلاسل إمداد قوية داخل البلاد؛ الأمر الذي يمكّن الشركة في الاستمرار في إمداد الطاقة بموثوقية خلال الأزمات والاضطرابات في الأسواق العالمية».

توقيع 86 اتفاقية

إلى ذلك، شهد «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية» في يومه الأول توقيع 86 اتفاقية؛ بهدف تعزيز أداء سلاسل الإمداد، كما يضم معرضاً مصاحباً لـ65 شركة دولية ومحلية، بالإضافة إلى 8 ورشات عمل تخصصية.

جولة لوزيرَي النقل والخدمات اللوجيستية والصناعة والثروة المعدنية في المعرض المصاحب للمؤتمر (الشرق الأوسط)

وتسعى السعودية إلى لعب دور فاعل على المستوى العالمي في قطاع الخدمات اللوجيستية وسلاسل التوريد، حيث عملت على تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية والإنجازات التشغيلية خلال الفترة الماضية، مما ساهم في تقدمها 17 مرتبة على (المؤشر اللوجيستي العالمي) الصادر عن (البنك الدولي)، وساعد على زيادة استثمارات كبرى الشركات العالمية في الموانئ السعودية».