شدد سياسيون ودبلوماسيون شاركوا في ندوة حول «الوحدة التربية والأمن الوطني..أي مآل لأفريقيا»، أولى ندوات أصيلة المغربية التي بدأت فعالياته مساء أول من أمس، على ضرورة التكتل في إطار إقليمي أو شبه إقليمي لمواجهة مخاطر النزاعات الحدودية والعرقية الطاحنة، التي عرفتها وتعرفها أفريقيا، ومخاطر الإرهاب والبلقنة التي تهددتها وتتهددها، ودعوا إلى «إبداع حلول مبتكرة ومتجددة، ومضاعفة الجهود والمقاربات الاستراتيجية على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية من أجل تحقيق حلم وأمل أفريقيا الناهضة».
في سياق ذلك، قال الرئيس الغاني السابق جون أجيكم كوفور، الذي مثله إسحاق أوسي المفوض السامي لغانا لدى المملكة المتحدة، على ضرورة تعزيز التشريعات والحكم الرشيد في القارة من أجل النهوض بالاقتصاد، وكذا تعزيز القطاع الزراعي، وإسقاط الحواجز الجمركية ومكافحة الفساد وتأهيل البنيات التحتية. وأضاف كوفور، وهو الرئيس المشترك للمنتدى الأفريقي العربي - اللاتيني - الأميركي في أصيلة، أنه يتوجب على الحكومات الأفريقية الإسراع بالاستجابة لاحتياجات شعوب بلدانها، وعلى المنظمات غير الحكومية توحيد صفوفها لإبراز قوتها.
من جهته، شدد مبوي واغاشا، المستشار الاقتصادي لرئيس كينيا، على دور المرأة في تنمية القارة، داعيا إلى التفكير في إيجاد فرص شغل للخريجين، وتحسين ظروف عيش الشباب واسترجاع، ولو نسبة من العقول الأفريقية المهاجرة إلى الخارج، كي تسهم في الدفع بعجلة التنمية في بلدانها الأصلية.
وأبرز النائب النيجري لاميدو مومني هارونا، الدور الأساسي للتربية والتعليم والصحة خاصة في بلدان جنوب الصحراء، ووجوب تضافر الجهود وتعزيز التعاون، مشيرا إلى أن الإرهاب، المتستر بعباءة الدين، يجد مرتعا خصبا في مناطق تم فيها اكتشاف موارد نفطية هائلة من قبيل وجود جماعة بوكو حرام المتشددة في منطقة حوض بحيرة تشاد.
أما الدكتور المصطفى رزرازي، المختص في الدراسات الاستراتيجية للعالم العربي وآسيا، والأستاذ في جامعة طوكيو، فقد عزا نشاط الحركات الإرهابية في بعض بلدان القارة الأفريقية إلى ضعف التنسيق الأمني بين بلدانها، وضعف التبادل بينها، ما يحول دون تسريع عملية التنمية والقضاء على الصراعات الداخلية التي تنهشها. فيما استعرض رئيس جمعية المؤرخين الأفارقة، دولاي كولاتي (مالي)، تاريخ الصراعات العرقية والهوياتية في القارة السمراء لأسباب داخلية وخارجية أيضا، داعيا إلى التصرف بواقعية ومتسائلا عن المستفيد من جريمة إعادة بلقنة أفريقيا.
من جانبه، تحدث الخبير الأميركي جون بتير فام، مدير المركز الأفريقي في المجلس الأطلسي بواشنطن، عن الآفاق المستقبلية للقارة الأفريقية، وقال إنها ممتازة إلا أنه أشار إلى ضرورة وجود الاستقرار من أجل اكتساب المشروعية، مذكرا بأن الاستراتيجية الأميركية إزاء أفريقيا في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون لم تكن تعترف بمستقبل للقارة قبل أن تغير موقفها الآن بسبب النجاحات التي حققتها هذه الأخيرة.
ويرى الخبراء أن القارة الأفريقية، التي تبلغ مساحتها 30 مليون كيلومتر مربع والمتوقع أن يتضاعف عدد سكانها البالغ اليوم 10.2 مليار نسمة بحلول 2050 وفقا لتوقعات الأمم المتحدة، تتمتع باقتصاد ديناميكي ومستقر منذ 15 سنة رغم تراجع الاقتصاد العالمي. وفي هذا السياق لخص بتير فام المحاور التي يمكن للمجتمع الدولي أن يشجعها دعما لأفريقيا في محور السلام والأمن، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية والمشروعية والاستثمار والتنمية الاقتصادية، والدمج وعدم إقصاء مكونات البلاد، مشيرا إلى أن الدستور المغربي لسنة 2011 يعد قدوة في هذا المضمار لكونه أبرز مكونات المملكة.
من جهته، قال يوسف العمراني، المكلف مهمة في الديوان الملكي المغربي والوزير المنتدب السابق في الخارجية، إنه «يتعين أن تكون أفريقيا، في ظل العولمة، أولوية في أجندتنا. لأننا نعتقد كأفارقة أننا نوجد وسط عالم معولم، وأن القارة التي تنمو بشكل أكبر ونتوفر على موارد ضخمة يمكن أن تشكل فرصة لجميع شركائنا». واعتبر العمراني أنه يجب أن يبقى الاستقرار والأمن في أفريقيا، بطبيعة الحال، في صلب الأولويات من أجل مواجهة عدد من الأزمات والنهوض بالسلام والاستقرار في القارة، بهدف إحداث أرضيات لتشجيع السلام والازدهار المشترك، مع السهر على احترام المبادئ الأساسية، من قبيل التسوية السلمية للنزاعات والوحدة الترابية للدول.
وقال العمراني إنه «ينبغي لنا كأفارقة أن نقوم بعملنا الخاص في مجالات الديمقراطية والحكامة الجيدة، والاندماج الإقليمي، والإصلاحات البنيوية، وفي مجال التربية، ومكافحة التغيرات المناخية»، مشيرا إلى أن «شراكتنا يجب أن تتجذر على مستوى التعاون الإقليمي والدولي، من أجل جلب مساهمات خاصة لازدهار قارتنا»، مؤكدا على الاهتمام الذي يوليه المغرب لتنمية التعاون جنوب - جنوب، ومشددا على أن «ضرورة تقاسم النمو، طبقا لمقاربتنا التضامنية، تنبثق من قناعتنا بأنها لا يمكن أن تكون فعلية إلا إذا كانت جماعية».
وقال العمراني بهذا الخصوص: «نحن ننبذ المفاهيم القدرية المتعلقة بأفريقيا. ونعتقد بالفعل أن قارتنا تتوفر على الموارد اللازمة لتحقيق نموها والاستجابة لحاجيات ساكنتها»، مضيفا أنه «يتعين علينا نحن، بلدان الجنوب، إيجاد الوسائل من أجل إعادة انطلاق إقليمية شاملة، عبر مجهود في الداخل وتشجيع أشكال التآزر في إطار مقاربة متعددة الأبعاد تستند إلى أربع ركائز».
ويتعلق الأمر بالركيزة السياسية من خلال تعزيز المسلسل الديمقراطي الوطني، والإصلاحات السياسية التي تسهم في توسيع حقل الحريات المدنية، والركيزة الاقتصادية عبر تكثيف الجهود لمكافحة الفقر، والفوارق والإقصاء الاجتماعي، والركيزة الأمنية من خلال المكافحة المنظمة والفعالة للإرهاب والجرائم العابرة للأوطان والجهات، والركيزة الإنسانية من خلال تطوير التعليم والنهوض بالقيم الدينية والثقافية.
واختتمت السفيرة فيرجيني أموكو كوفاح، المفتشة العامة للبعثات الدبلوماسية والقنصلية في وزارة الخارجية الطوغولية، الجلسة الأولى للندوة بالدعوة إلى التكتل ونبذ السلبية وتوحيد الصفوف داخل البلاد وخارجها، وعلى الصعيدين الإقليمي والقاري، داعية إلى تشجيع المبادلات البينية التي تعرف انحسارا هائلا (14 في المائة) بسبب اختلاف الأجندات بين البلدان الأفريقية أساسا.
وكان محمد الشيخ بيد الله، رئيس رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في أفريقيا والعالم العربي، اعتبر، في حفل افتتاح الدورة الحالية لموسم أصيلة الثقافي الدوليات 38، أن أغلب المشاكل التي يتخبط فيها العالم حاليا مصدرها ثلاثة مؤتمرات عقدتها أطراف دولية استعمارية في مراحل تاريخية متفاوتة.
وأوضح بيد الله، رئيس مجلس المستشارين سابقا، أن الأمر يتعلق بمؤتمر برلين (1884 - 1885) الذي مزق القارة السمراء واتفاقية سايكس- بيكو (1916) الذي شتت منطقة الشرق العربي ومؤتمر الجزيرة الخضراء (1906) الذي قرر في مصير المغرب كمستعمرة أوروبية.
وأكد بيد الله أن الحلول الناجعة لمشاكل أفريقيا تكمن، بالخصوص، في تعميق الديمقراطية والتعددية الحزبية ذات المصداقية، وإيلاء اهتمام خاص للشباب والنساء والمجتمع المدني والتعليم والبنيات التحتية، وتعزيز التعاون بين البلدان الأفريقية وإقامته على أساس الثقة المتبادلة في إطار احترام المصالح المشتركة.
وأشار بيد الله إلى قضية الصحراء، وقال: إن الأمر يتعلق بمشكل مغربي - جزائري، معربا عن أمله في أن تتم تسوية هذا النزاع الذي طال أمده ويعيق بناء المغرب الكبير الذي يمكنه، بسكانه البالغ عددهم مائة مليون نسمة، أن يمثل شريكا ذا مصداقية بالنسبة للضفة الأخرى للمتوسط.
منتدى أصيلة المغربي: دعوات للتكتل من أجل مواجهة مخاطر النزاعات في أفريقيا
سياسيون ودبلوماسيون يشددون على ضرورة إبداع حلول متجددة لتحقيق حلم القارة الناهضة
منتدى أصيلة المغربي: دعوات للتكتل من أجل مواجهة مخاطر النزاعات في أفريقيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة