شاشة الناقد: مطاردة في ريف لاووس

روسيف سذرلاند في مشهد «نهر»
روسيف سذرلاند في مشهد «نهر»
TT

شاشة الناقد: مطاردة في ريف لاووس

روسيف سذرلاند في مشهد «نهر»
روسيف سذرلاند في مشهد «نهر»

River
إخراج: جايمي م. داغ
دور أول: روسيف سذرلاند
تشويق | 2016
تقييم الناقد:(3*)

خذ رجلاً شابًا من بلد غربي (أميركي في هذا الفيلم) وضعه في بلد آسيوي شرقي (لاوس هنا) ثم ادلف به إلى وضع يجد فيه نفسه مطاردًا من قِبل رجال القانون ما يضطره للهرب طوال الوقت وتحصل على هذا الفيلم الأول لمخرجه جايمي م. داغ.
ليس الفيلم الأول بالنسبة لحبكة الرجل الغربي المطارد في بلد أجنبي، لكنه بالتأكيد أول فيلم من أميركا الشمالية يتم تصويره في لاوس و(الأهم) أن الأفلام السابقة التي دارت حول غربي مطارد من قِبل سلطات بلد ما دارت في المدن حيث سمات المدينة وما تفرضه على الفيلم التشويقي من أضواء معتمة وشوارع ضيقة. أما في «نهر»، فالبيئة الاجتماعية مختلفة وتضاريسها المدنية والعمرانية وبالتالي طبيعة المشاهد المستخرجة منها.
جون (روسيف سذرلاند) طبيب أميركي يعمل في أحد مستشفيات مدينة فينتيين عاصمة لاووس. يختار المخرج التمهيد بإظهار جانب من مهنة الطبيب الشاب في عمله. لكن مهمة هذه المقدّمة هي التمهيد لما سيأتي، فخلال العملية الجراحية يخطئ الطبيب في إغلاق جرح نازف مما يهدد حياة المريض. تؤنبه رئيسته دكتور ستيفاني (سارا بوتسفورد) وينتهي به الأمر إلى أخذ إجازة في بلدة صغيرة في الريف. بعد أن يستأجر شقّة وضيعة (أحسن ما هو موجود) ويعمد إلى بعض القراءة، يخرج في الليل إلى حانة تقع بدورها على بعد من القرية، ويشرب نخب إحباطه. لكنه يلاحظ وجود شابين أستراليين بصحبة فتاتين من أهل البلد. حين يترك الحانة بعد انصراف المجموعة يكتشف وجود إحدى الفتاتين بجانب النهر مغمًى عليها وأحد الشابين يغتسل في النهر القريب. ينزل الطبيب من على دراجته ويسأل الشاب ماذا فعل مستنكرًا. معركة تقع بين الاثنين. يفقد الطبيب محفظته في مكان الواقعة وفي الليلة ذاتها يتم اكتشاف جثة الأسترالي. أمر لم يكن الطبيب مستعدًا له، فهو لم يقتله لكن محفظته والفتاة ستقولان العكس.
بسبب هذه العقدة المفاجئة لبطل الفيلم، ينطلق جون هاربًا من البوليس ومنتقلاً من بلدة صغيرة إلى أخرى في سلسلة مطاردات الجديد فيها أنها تقع في بلدات ريفية مفتوحة وليس في شوارع وأزقة صغيرة. هذا يمنحها طابعًا مختلفًا خصوصًا في النصف الأول الذي هو عبارة عن مطاردات شبه متواصلة.
في النصف الثاني يتحوّل الفيلم إلى وضع الباحث عن نتيجة من وراء كل هذا الركام من الأحداث. سيجتاز جون النهر الكبير الفاصل بين لاوس وتايلاند حيث سيلقي البوليس القبض عليه حال وصوله إلى الشاطئ. ستتدخل السفارة الأميركية وسيوضع في الحبس قبل أن تكتشف السلطات أنه بريء.
هناك طاقة وحيوية يعمل بهما كل من المخرج وبطله روسيف سذرلاند بنجاح معظم الوقت. التصوير خارجي في غالبه وبضوء طبيعي وما هو مختلف فيه أكثر أنه ليس مع الضحية لكونها أجنبية بريئة كانت أم لا، بل يقدم الصورة متوازنة وصالحة للجميع دون أن يفقد تشويقه.

(1*) لا يستحق
(2*) وسط
(3*) جيد
(4*) ممتاز
(5*) تحفة



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.