التطورات الأمنية تغيّب مظاهر العيد عن مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان

الجيش اللبناني يكثف مداهماته لتجمعات النازحين بحثًا عن مطلوبين

عائلة سورية نازحة في مخيم بالبقاع اللبناني تنتظر العودة إلى سوريا إن توقفت الحرب («الشرق الأوسط»)
عائلة سورية نازحة في مخيم بالبقاع اللبناني تنتظر العودة إلى سوريا إن توقفت الحرب («الشرق الأوسط»)
TT

التطورات الأمنية تغيّب مظاهر العيد عن مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان

عائلة سورية نازحة في مخيم بالبقاع اللبناني تنتظر العودة إلى سوريا إن توقفت الحرب («الشرق الأوسط»)
عائلة سورية نازحة في مخيم بالبقاع اللبناني تنتظر العودة إلى سوريا إن توقفت الحرب («الشرق الأوسط»)

يمر عيد الفطر للعام الخامس على التوالي على اللاجئين السوريين في لبنان بحسرة وغصة بعيدا عن مدنهم وقراهم ومنازلهم، وفي ظل الأوضاع الصعبة التي يرزحون تحتها نتيجة عيشهم في مخيمات تفتقر للحد الأدنى من مقومات الحياة، لتأتي أخيرا التفجيرات الانتحارية التي هزّت بلدة القاع الحدودية مطلع الأسبوع الماضي فتفاقم أحوالهم، مع تكثيف الجيش اللبناني من عمليات الدهم التي ينفذها بحثا عن مطلوبين.
ويبدو معظم اللاجئين الذين التقتهم «الشرق الأوسط» في المخيمات المنتشرة في منطقة البقاع شرق لبنان، يائسين ومحبطين لعدم قدرتهم على شراء ثياب جديدة لأولادهم أو أحياء العيد، وفق التقاليد المعتادة التي اعتادوا الاستعداد لها قبل أيام من انتهاء شهر رمضان.
وحدها مظاهر البؤس والشقاء والفقر تطالعك على وجوه أطفال المخيمات الذين عانوا وأهلهم التهجير أكثر من مرة، ليستقروا أخيرا في أراض استأجرتها الأمم المتحدة، فأنشأوا عليها خيما بما توفر من مواد تمكنوا من الحصول عليها. حسين خلف (70 عامًا) المهجر منذ ثلاث سنوات من منطقة الحسكة رأس العين في سوريا، الذي اعتاد رعاية الماشية هناك، تساءل: «عن أي عيد تتحدثون لفقير مثلي؟ فالعيد يحتاج إلى أموال وراحة بال والأمن والأمان، وكل ذلك مفقود بالوقت الحالي». وأشار خلف إلى مداهمات شبه يومية يقوم بها الجيش اللبناني بعد التفجيرات الانتحارية التي هزّت بلدة القاع، بحيث بيّنت التحقيقات أن الانتحاريين الـ8 يحملون الجنسية السورية. وبحسب اللاجئ السبعيني، فقد «أوقف الجيش من مخيمنا 30 شخصا أفرج عنهم جميعًا وأعيدت لهم هواتفهم الجوالة بعد مصادرتها»، لافتا إلى أنّهم عوملوا «معاملة حسنة، فأمّنوا لهم الطعام، لكنّهم طلبوا من الموقوفين تجديد إقاماتهم».
حال فهد عبد العبو المهجّر من الرقة هربًا من اشتداد المعارك، ليست بأفضل من حسين خلف. فرب العائلة الخمسيني الذي يعمل مياوما فيتقاضى 10 دولارات يوميًا لقاء خدمات التحميل، ينتابه عند حلول كل عيد قلق على مستقبل طفلتيه ريم (6 سنوات) وريماس (ستة أشهر)، فهو لم يتمكن من الحصول على أي من بطاقات الأمم المتحدة التي تسمح له بشراء المواد الغذائية أو المازوت، ما يجعله يرزح تحت أحوال معيشية صعبة للغاية، ويشكو «تراكم الديون في محل السمانة ومحطة الضياء للمحروقات».
أما حياة عيسى الحنيش (30 عامًا)، فوصفت السكن داخل المخيم بـ«الصعب جدًا والمأساوي»، وعادت لتستدرك: «لكن لا مكان لدينا لنسكنه ولا أموال. منذ عامين تهجّرت وأطفالي وهذا هو العيد الثاني الذي يمر علينا وأنا غير قادرة على شراء ولو قطعة ملابس واحدة لأولادي تسعدهم وتُشعرهم بأن هذا اليوم مختلف عن سواه من الأيام». وتعيش هي وأولادها وزوجها، الذي يعاني من إعاقة في رجله، وغير القادر على العمل حسب ما تقول، على «تقديمات المحسنين».
ولا شك أن أحوال إبراهيم العبو الأب لـ16 ولدا، لا تشبه أحوال أي عائلة سورية لاجئة أخرى، خصوصا أنه يعاني أيضا من مرض السكري، وبالتالي يحتاج إلى تأمين الأدوية اللازمة إلى جانب إطعام العدد الكبير من الأولاد الذين لا يزال معظمهم يحتاجون إلى رعايته. ويؤكد العبو في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن أيا من أولاده لا يشعر بفرحة العيد بسبب الوضع الاقتصادي المتردي وعدم القدرة على تأمين الثياب والألعاب. ويضيف: «نحن لا نزال نرتدي الملابس نفسها التي هجّرنا فيها من سوريا منذ خمس سنوات».
وإذ وصف العبو الشعب اللبناني بـ«المضياف»، اعتبر أن الدولة تقوم بدورها عندما تداهم المخيمات بحثا عن مطلوبين، لافتا إلى أنّه تم توقيف أكثر من 60 شخصا في الأيام القليلة الماضية، إلا أنهم ما لبثوا أن أفرجوا عنهم مباشرة على أبواب العيد.
ويوقف الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية بشكل يومي عشرات السوريين للاشتباه بهم أو لعدم امتلاكهم أوراقا قانونية. وقد أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام»، أمس، أن مجهولين أقدموا ليلة عيد الفطر على إحراق أحد مخيمات اللاجئين السوريين، في بلدة الحصنية في عكار شمال لبنان، لافتة إلى أن النيران أتت على خيم عدة.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.