رواية «الفهرس».. ذاكرة تقاوم النسيان

سنان أنطون يروي مأساة مواطن عراقي بعد الاحتلال الأميركي

مشهد من أحد شوارع بغداد
مشهد من أحد شوارع بغداد
TT

رواية «الفهرس».. ذاكرة تقاوم النسيان

مشهد من أحد شوارع بغداد
مشهد من أحد شوارع بغداد

تنضم رواية «الفهرس» لسنان أنطون (دار الجمل، 2016) إلى قائمة من ثلاث روايات سابقة لفتت الانتباه لكاتبها بوصفه روائيا على قدر عال من الثقافة والتمكن السردي. استرعت انتباهي له روايته الأولى «إعجام» بما طرحته من أسئلة حول طبيعة الكتابة السردية في بيئة قمعية؛ حيث تمثلت الرواية أو تصورت وضعًا يضطر فيه الكاتب إلى تمرير أفكار يمنعها الرقيب من خلال عملية الإعجام، أو وضع النقاط على الحروف، حيث إن الرواية الضمنية، وهي رواية افتراضية، كتبت من دون نقاط وتركت في السجن بعيد خروج السجين.
هذه الثيمة الأساسية تستمر في «الفهرس» وإن باختلاف واضح، فهي رواية تحدثنا عن نص عثر عليه الصوت الروائي الرئيس ويضمنه حكايته هو. أي أننا أمام حكايتين تتقاطعان ويفترض بالقارئ أن يقرأ إحداهما مع الأخرى أو بالأحرى أن يملأ فراغات إحداهما بما تقوله الأخرى. نحن إذن أمام متنين سرديين نكتشف أن أحدهما، وهو النص الضمني، يحمل عنوان «الفهرس»، أي عنوان الرواية نفسه. الذي يخبرنا عن «الفهرس» وينقل أحداثه هو نمير، الأكاديمي العراقي المهاجر إلى أميركا. أما صاحب «الفهرس» فهو ودود، شاب عراقي آخر لم يهاجر ويمثل الجانب الأشد إيلامًا من المأساة العراقية في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي. نعرف من نمير أنه بعد خروجه من العراق موجود في أميركا، ويسعى إلى الحصول على الدكتوراه أثناء عمله محاضرًا في إحدى الجامعات الأميركية. حكاية ودود ونصوصه التي تحمل عنوان «الفهرس» هي ما يكتشفه نمير في زيارة قصيرة له إلى بغداد. يتضح له أن ودود كاتب مثقف ومبدع، يعيش بين الكتب يجمعها ويحمل هموم المعرفة إلى جانب هموم المكان والظروف المحيطة. ولا يمضي وقت طويل دون أن يتضح أن ودود ليس ودودًا فقط وإنما قريب جدًا من نمير، إنه نمير نفسه لو لم يهاجر هذا الأخير. بتعبير آخر يبدأ الاثنان بالتماهى عندما نتخيل أن حياة ودود سيناريو محتمل لنمير (وربما لأنطون نفسه) لو لم يهاجر.
تبدأ الرواية باقتباسات من التراث العربي ومن كتاب غربيين تشكل مفاتيح للنص منها اقتباس من «فهرست» ابن النديم الذي يشير إلى نص مليء بالبياض، البياض الذي يفترض أن يملأه القارئ، كما ينبغي أن نخمن. لكن الرواية نفسها مليئة بالمفاتيح، وأحد تلك يوضح مدى القرب بين الكاتبين، ودود ونمير. يتضح ذلك مع اقتراب الرواية من نهايتها. ففي «منطق الفهرس» (وفي فهرس ودود منطق لأشياء كثيرة يتيح لها أن تتحدث أو تتضح هويتها: الجدار، الألبوم، الصور السالبة، إلخ) نقرأ لودود: «مهمتي بالضبط عكس مهمة القابلة أو طبيب الولادة الذي يقص الحبل السري بعد الولادة. فإنا أعيد نسج الحبال السرية بين الأشياء وأمهاتها. أعيد الأوتار إلى الأعواد المحترقة. أعيد الدمعة إلى العين». هي مهمة الكاتب نفسه في استعادة مأساة الوطن البعيد، نسج حكاياته وأبرزها هنا حكاية ودود نفسه، ثم تتضح الصلة أكثر حين يقول نمير هذه المرة إنه أثناء قراءته لفهرس ودود صار يشبهه: «أقلب الدفتر وأكتشف أن كلماتي صارت تشبه كلمات ودود في كثير من المواضع». الرواية بل الكتابة عامة تتحول إلى ذاكرة تقاوم التصالح والنسيان، ولذا يجد نمير نفسه متماهيًا أيضًا مع صديقته الأميركية السمراء حين تقول إن البيض يتحدثون «عن ضرورة أن يصل المرء إلى حالة سلام مع ماضيه»، لتضيف: «أنا لا أؤمن بهذا المنطق. هناك أشياء لا يمكن القبول بها وهناك ذكريات يجب أن تظل حية».. «آمين» يقول لها نمير مجيبًا.
رواية «الفهرس»، سواء التي بين أيدينا أو تلك التي تخيلها سنان أنطون نصًا آخر يروي مأساة مقيم في العراق، هي تلك الذكريات التي تصر على البقاء. لكن هذا أسهل في القول منه في العمل. فكيف لوطن ينهار أن يستعيد أجزاءه، كيف لبناية تناثرت أحجارها أن تجمع بددها؟ «وعليك أن تقنع أولئك الذين كانوا يسكنون في البناية أنهم يمكن أن يعودوا إليها ليعيدوا إليها الحياة ويواصلوها». المسألة إذا ليست كما تخيلها نمير: ليس من السهل إعادة الأوتار إلى العود أو الدمعة إلى العين. ما يكتبه أنطون وغيره من الكتاب العراقيين، وقد اغتنت الرواية العربية بكثير من منجزاتهم، هي أعمال تحاول ملء فضاء الغياب، إشغال مساحات الهجرة والابتعاد، أو التطشر، كما في رواية إنعام كججي «طشاري». وهي من هذه الزاوية أعمال واجهت منذ البدء سؤال وجودها ثم كيفيته. هل تكفي الكتابة لملء فراغات الغياب؟ ثم ما الذي بمقدورها أن تفعل وهي تواجه قدر الكلمات والحكايات، أي أن تكون كلمات وحكايات ليس إلا؟ وإذا كان قدر الأدب أن يظل أد.ب.ا في نهاية المطاف، فالسؤال ينتقل إلى كيفية الوجود. كيف يمكن لهذه الروايات أن تكتب. يطرح ودود السؤال على نفسه، معبرًا عن مأزق نمير، ومن خلفهما سنان: «كيف يمكن أن أكتب ما جرى؟.. وكيف يمكن لما أدونه أن يفلت من شراك الزيف ومن هيمنة التاريخ الرسمي؟» سؤال مهم؛ لأن الرواية في نهاية الأمر تاريخ وما التاريخ إلا رواية، لكن كتابة رواية زائفة غير كتابة رواية مستخلصة من تعب الناس وحريق الشوارع.
يستدعي ودود في فهرسه، ليؤكد دور الرواية بوصفها شهادة تاريخية، مثلاً أفريقيًا سبق أن استشهد به النيجيري تشينوا أتشيبي في رواية «الأشياء تتداعى»: «سيظل تاريخ الصيد يمجد الصيادين حتى يجيء اليوم الذي يكون فيه للأسود مؤرخون». ومع صعوبة تخيل الأسد في موقع الضحية؛ لأنه المفترس عادة، فإن تذكر دور الإنسان الصياد سيتغلب على تلك الصعوبة، فلا وحشية تعادل وحشية الإنسان ليس بفتكه المادي الدموي المباشر فحسب وإنما بفتكه الروحي المعنوي أيضًا، من خلال التاريخ الزائف. وهنا تأتي الرواية تأريخًا ينقض تأريخ، تأريخًا لما ينكره التاريخ، إحياءً لنص عراقي لكاتب مغمور قتلته قنبلة في شارع المتنبي ببغداد. وهي أيضًا حكاية الشاب العراقي الذي أفلت من ذلك المصير الدموي ليقع في مصير الذاكرة والضمير اللذين يلاحقانه، وهو يحاول بناء حياة جديدة في نيويورك؛ حيث تحقيق الأحلام العلمية والحياة الاجتماعية المحتملة. تلك الملاحقة لا تختلف كثيرًا عما يعيشه روائي وأكاديمي عراقي غير متخيل تحققت له أحلام نمير، ولكن دون أن تتخلى عنه معاناة ذلك الشاب، فهو برواياته الأربع ودواوينه الشعرية وأعماله المترجمة يحمل العراق إلى تخوم جديدة من المعرفة والإبداع لكنه يظل مثقلاً بمأساة الضحية، بمسؤولية كتابة تاريخها، بودود حمله أمانة الحلم بعراق مختلف.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.