القبيلة في استراتيجيات المتشددين

من «القاعدة» إلى «داعش»

القبيلة في استراتيجيات المتشددين
TT

القبيلة في استراتيجيات المتشددين

القبيلة في استراتيجيات المتشددين

تتجاوز القبيلة بصفتها وحدة وهوية اجتماعية مستقرة وجامعة لأفرادها، مساحاتها الاجتماعية والاقتصادية والتكافلية الخاصة نحو ما هو سياسي وعام، سواء عبر التاريخ أم الحاضر الراهن، منذ أن بلور ابن خلدون في مقدمته عصبيتها بصفتها عاملا فاعلا في حركة التاريخ القديم ومسلسل التغلب والاستيلاء فيه، وحتى الآن، حيث يؤكد الكثير من المراقبين أهمية دور القبائل والعشائر في بؤر الصراع ضد الإرهاب سوريًا أو عراقيًا أو ليبيًا أو يمنيًا، أو غير ذلك دائما.
احتفظت القبيلة بمكانها دائما؛ لما تمثله لأفرادها من سلطة رمزية وثقافية ورابطة عرقية ممتدة وموحدة، فكانت محلا للاستهداف، ولاء أو عداء من قبل الطامحين للسلطة، كما كانت محط أنظار مختلف الجماعات المتشددة والتطرف العنيف في الاختراق والاحتواء وتغيير هياكل مشيخاتها عبر إبراز شخصيات ورموز موالية، وتهميش الشخصيات الفاعلة المعادية. ولقد فسر البعض بموقف بعض القبائل المتخلي عن نظام معمر القذافي في ليبيا وثورتها ضده أحد أهم أسباب سقوطه، كما أن ما تعرضت له القبائل الموالية له في سرت وبني وليد بعد سقوط نظامه من الثوار مثلت كذلك أحد أسباب توجه تنظيم داعش إلى سرت لإقامة ملاذه الآمن الجديد هناك، كما كان انبعاث الثورة السورية من براءة أطفال محافظة درعا العشائرية الطبيعة دالاً كذلك.
أيضًا دعم أهمية القبيلة ودورها الثقل السكاني والعددي الوازن لها في كثير من بلدان العالم العربي، وفي بؤر الصراعات تحديدًا، حيث تبلغ نسبة أبناء القبائل في سوريا البالغ تعدادها 24.504 مليون نسمة في إحصاء الأول من يناير (كانون الثاني) 2011 نحو 30 في المائة من عدد السكان. وفي العراق مثّلت كذلك القبائل والعشائر النسبة الأكبر من سكانه بأنواعها المختلفة المتحضرون وغير المستقرين، والوسط بينهما، حيث تقارب حسب بعض المراقبين ما بين 70 في المائة إلى 65 في المائة من بين عدد السكان، وكان لها الدور الأبرز مع تأسيس دولته الحديثة سنة 1921 حتى سقوط نظام صدام حسين في أبريل (نيسان) 2003، وهو ما عرف بدورها كذلك الكبير في ليبيا قبل وطوال عهد القذافي الراحل في أكتوبر (تشرين الأول) 2011.
ونظرا لما سبق؛ تسعى جماعات الإرهاب، «القاعدة» و«داعش»، للاستثمار فيها، عبر سياسة العصا والجزرة، شراءً للولاء أو قهرا للعداء، فالقبيلة لا تنصهر ولا تنمحي اختياريًا. وبالتالي، جرى تقريب بعض القبائل كما جرى اختراق البعض الآخر، وتم تأليف قلوب بعض رموزها، كما تم التضييق على بعض آخر، حسب درجة الولاء والدعم.
وهذه الاستراتيجية نفسها التي استخدمتها الأنظمة السابقة؛ إذ انتزع البعث وأنظمة الحكم الثورية في الخمسينات ملكيات عدد من القبائل الكبرى، وفككت اتحاداتها الرسمية في سوريا ومصر والعراق. لكن مع فارق وحيد في كلتا الاستراتيجيتين، هو أداة التجنيد الآيديولوجي التي تملكها جماعات التطرف العنيف، التي يمكن أن تفصم الروابط القرابية في كثير من الأحيان، بحسم الفصل بين الإيمان الكفر، ومفهوم الولاء والبراء الرائج عند هذه الجماعات ضد كل مختلف أيا ما يكن، حتى لو كانوا من أسرة واحدة كما شاهدنا في اغتيال شقيقين لأسرتيهما في المملكة العربية السعودية خلال يونيو (حزيران) الماضي، أو قتل عدد من عناصر الجماعات الإرهابية لأقاربهم من رجال الأمن في مصر والعراق وغيرهما، خلال السنتين الأخيرتين.
كذلك، ونظرا للأهمية ذاتها؛ حاولت بعض الدول توظيف القبيلة في الصراع والحرب على الإرهاب، من ذلك بدأ توظيف القبيلة في الحرب على الإرهاب في عدد من الدول، وإن اختلفت جوهرية وطبيعة الدور من دولة لأخرى. فقد تم تأسيس مجلس للقبائل العربية المصرية برعاية حكومية ورسمية في سبتمبر (أيلول) 2014، كما أعلنت هيئة تمثيلية للقبائل الليبية في مصر في 21 أكتوبر 2014، وما زالت الذاكرة قريبة في تذكر دور «الصحوات» ومجالس القبائل في الأنبار في القضاء على دولة «القاعدة» في العراق عام 2007 قبل أن ينجح - أو يسقط - نظام المالكي المخلوع في تفكيكها عبر سياسات التمييز الطائفي التي مارستها وما زالت تمارسها ميليشيات «الحشد الشعبي» الطائفية في عدد من المناطق؛ ما يجيّر كثيرا من أبناء القبائل لصالح «داعش» من جديد.
لا نتفق مع القائلين بتميز استراتيجية «داعش» في التعاطي مع القبائل عن استراتيجية «القاعدة»، فكلاهما اعتنى اعتناء كبيرا في أدبياته بهذه الوحدة الاجتماعية المؤثرة، وهو ما نجحت «القاعدة» في استغلاله في مناطق مختلفة في العراق وأفغانستان والصومال واليمن، ومنطقة ساحل الصحراء. ولقد أقر به أنور العولقي في حواره مع مؤسسة «صدى الملاحم» في 25 أبريل 2010، حين اعتبر القبيلة «الحاضن الأول للجهاد». وحقًا نرى في أفغانستان القبيلة، وفي العراق القبيلة، وفي الصومال القبيلة، بل حتى في باكستان هناك مناطق قبلية وغير قبلية، لكننا نجد أن الحاضن للتطرف في المناطق القبلية. ولعل تحالف «القاعدة» القديم والمستمر مع طالبان البشتونية يؤكد هذا التوجه المبكر.
أما في اليمن، فلقد سبق أن شارك في 13 يونيو 2010 رجال قبائل متحالفون مع تنظيم القاعدة في اليمن بتفجير خط أنابيب نفط يصل بين محافظة مأرب وساحل البحر الأحمر؛ وهو ما أوقع ضررًا كبيرًا، على صناعة النفط بها حينئذ. ويصور العلاقة هذا الصراع على القبيلة مستشهدا بتجربة «الصحوات» في العراق، حيث يصفهم بقوله «هم من أبناء القبائل واستغلوهم ضد المجاهدين، وهذه هي أيضًا كما كنا نسمع من بريطانيا من قبل سياسة (فرِّق تسود) هم الآن يحاولون أن يحيوا هذه السياسة في العالم الإسلامي».
أما أبو بكر ناجي، صاحب «إدارة التوحش» وأكثر الملهمين لـ«داعش» الآن، فيعتمد النظرة نفسها لأهمية القبيلة، فيؤكد في الفصل السابع من كتابه «ضرورة الصراع على القبائل مع الأنظمة» التي تعمد - حسب رأيه – إلى «تفتيت وتذويب العصبيات والعشائر ليحكم سيطرته عليها أو يحرف تلك العصبيات إلى وجهة جاهلية تخدم أهدافه». وبعدما يستثنى كثيرا منها، يبقى عليها الرهان قائلا: «ما زال في الأرياف والبوادي وبعض المدن التي بها تجمعات محافظة على تقاليدها ذلك النظام بدرجة ما».
ويدعو ناجي قيادات القاعدة للفهم المتعمق لسياسات كل من الأنظمة والقبائل، بل يوجب على العاملين في اللجان السياسية بجوار العمل العسكري من أعضاء القاعدة التوسع في «دراسة علم الاجتماع ويركز فيه على دراسة ما يتعلق بدور القبائل والعشائر في عالمنا العربي والإسلامي والفارق بين العصبية المحمودة والعصبية المذمومة، وما أحدثه النظام الجاهلي المعاصر في بنية القبائل وعمله على تفتيتها وتذويبها في المؤسسات المدنية المعاصرة أو الانحراف بها إلى العصبية الجاهلية» حتى يمكن استغلاله.
ويشدد صاحب «إدارة التوحش» أيضًا على التوازن والمرونة في خطاب هذه القبائل وعدم دعوتهم لنبذ عصبيتهم، التي هي مصدر قوتهم، ولكن استقطاب هذه العصبيات في صف «القاعدة»، وتحويلها لعصبية القضية التي تسعى وتؤمن بها «القاعدة». ويؤكد أن الأفضل هو تحويل مسار العصبية القبلية لتتحول لوسيلة في سبيل ما يؤمن به التنظيم، ويمكن في البداية تأليف قلوب زعماء القبائل عبر المال، وغير ذلك من وسائل الجذب والإغراء جاعلا استراتيجية احتواء القبائل على مرحلتين: الأولى مرحلة التأليف: يبدأ الأمر بتأليف المُطاعين فيهم بالمال، ونحو ذلك «وهو ما نظن أن (القاعدة) تسعى لتطبيقه الآن على أعضاء الصحوات في العراق بعد أن تخلت عنهم الدولة وتأخرت رواتبهم، بل ونزعت سلاحهم. والأخرى السيطرة: وهو ما يتحقق داخل أفراد القبيلة حين تغزوها أفكار التنظيم ويتأثرون بأعضائه وبقضيتهم»، وهي المرحلة التي يوصفها ناجي بقوله «يختلط أتباعهم بأتباعنا وتخالط قلوبهم بشاشة الإيمان سنجد أن أتباعهم لا يقبلون منهم أي أوامر تخالف الشرع، نعم تبقى العصبية، لكن تتحول إلى عصبية ممدوحة بدلاً عن العصبية المذمومة التي كانوا عليها».
من جهة أخرى، حرصت «القاعدة» دائما على استنفار مظلوميات بعض القبائل أمنيا وتهميشها اقتصاديا أو عمرانيا، أو التمييز الطائفي ضدها، احتواءً واختراقا وتجنيدا لأبنائها، كما يحدث في سيناء المصرية أو ما حدث في المحافظات السنّيّة في العراق، مثل استراتيجية ثابتة لدى «القاعدة» وفروعها قبل انتفاضات الربيع العربي، ثم مثل خطا ثابتا كذلك لدى تنظيم داعش و«جبهة النصرة»، وغيرهما.
ربما كان «داعش» أكثر توجها لنبذ القبيلة من القاعدة، تحسبًا عنده من تجربة «القاعدة» في العراق المريرة مع «الصحوات» التي أسقطت دولتها في السابق، رغم أن «دولته» الأولى عام 2006 كانت نتاج «حلف المطيبين» الذي شارك فيه بعض أبناء القبائل. وبعد دخول «داعش» سوريا وسيطرته على الموصل سعى لاعتماد الروابط القرابية كاستراتيجية للموالاة مع بعض القبائل هناك، فتم تزويج فتيات من أعضاء رفيعي المستوى في التنظيم، كما سمح بتسهيلات وسيطرة بعض القبائل على آبار نفطية وأراض أخرى شراءً لولائهم.
لكنه كما استخدم أداة التأليف والترغيب تجاه بعض القبائل التي بايعت أميره، استخدم الترهيب والقمع ضد القبائل غير الموالية، فقتل التنظيم وقتل من عشائر بونمر في الأنبار 500 شخص حتى أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، كما قتل العشرات من عشائر البوجبارة في نوفمبر من العام نفسه، وتبعتها في السلسلة عشيرة البوفراج التي قتل «داعش» 35 فردا منهم يوم الجمعة 10 أبريل 2015، كما خطف بعض شيوخ القبائل الأخرى وطرد بعض القبائل المعادية من مناطقها لصالح قبائل موالية.
أيضًا تعرضت عشائر الشعيطات في شرق سوريا خلال شهر أغسطس (آب) 2014 لحملات «داعش» ضدهم وتم اقتحام بيوتهم في 2 و3 أكتوبر 2014، واعتبرهم «داعش» طوائف ممتنعة مرتدة يجب قتالها. وفي ليبيا أعلنت مناطق ورشفانة وتاغوراء مناطق منكوبة في ليبيا دوليا في 20 سبتمبر (أيلول) 2014، بعدما استهدفتها ميليشيات المتشددين في هذا التاريخ، وقام «داعش» في سرت في أغسطس 2015 بتنفيذ إعدامات جماعية بحق قبيلة الفرجان بعد سقوط ما يزيد على مائة قتيل، أغلبهم من هذه القبيلة في صراع مع «داعش» هناك.
وهكذا يبدو الشك تجاه القبيلة لدى «داعش» - بصفتها مشروعا للدولة وللتوسع - أكبر منه عند «القاعدة»، الأقل غلوا وتشددا منه، كما أن منظري «داعش» أهملوا التنظير لهذا المفهوم، وزادوا اقتداء بسلفهم الزرقاوي لاستخدام الفظاعة والذبح المعلن بصفتها وسيلة للجذب والتحقق وإرهاب الخصوم؛ ما يجعل المرونة والحوار قيما مهمشة في ذهنية هذه الجماعة تجاه المختلف سياسيا أو اجتماعيا كلية.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.