كان كايل ووكر رجل المباراة بالنسبة إلى إنجلترا في مباراتها التي انتهت بفوز صعب على ويلز في لانس، وكان هذا مكافأة لاعب يلعب بإخلاص حقيقي. برز ووكر على ملعب ستاد بولار - ديليس، وهذا يعود جزئيا إلى دفاعه شديد الكثافة، لكنه يعود كذلك إلى أدائه الهادئ وغير العصبي في مباراة عصيبة. هذا لاعب لا يقوم فقط بمجرد حراسة أو تمشيط جبهته، ولكن يركض من البداية إلى النهاية بسرعة هائلة وعينين مذعورتين، كرجل يطارده حصان في أروقة أحد الأسواق.
عند مشاهدة ووكر وهو يواصل تقديم أفضل ما عنده، لا يجد المرء مفرا من أن يتخوف قليلا في حال أصبحت خطوط الملعب غير واضحة أو تم ترك إحدى البوابات مفتوحة في المكان الخطأ، فربما بسبب سرعته الزائدة ينتهي به المطاف خارج الملعب متجاوزا محطات توقف الحافلات، والاستراحات، لكنه ما زال يحاول بشراسة إيجاد المساحات، وما زال جاهزا لتقديم المساعدة، وعمل التداخل مع الزملاء «أوفرلاب». تمثل تحركات وانطلاقات ووكر ورقة في غاية الأهمية، وكان في لانس لاعبا شديد التركيز والالتزام. لكن الرجل الذي اخترته أنا كأفضل لاعب في المباراة، كان إريك داير، الذي كان ممتازا حتى الآن في فرنسا وكان اختيار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا» في المباراة السابقة في مرسيليا. وداير الذي يمتاز بالسرعة والشخصية القوية، وفي بعض الأحيان يقوم بعمله بمجرد التواجد في الأماكن الصحيحة، يعتبر لاعبا من طراز غير عادي بحق في الكرة الإنجليزية، ولو أنه، بحس رياضي، ليس لاعب كرة قدم إنجليزي فعليا على الإطلاق. في البرتغال كانت فترة مراهقته. وكان تعليمه في مركز وسط الملعب الدفاعي أرجنتينيا. ولم يكن مفاجئا كثيرا أن يبزغ داير في هذه البطولة، ففي مرسيليا ولانس تولى مسؤولية خط وسط دفاعي ظل يعاني طويلا.
وإذا تألق داير في هذا، فربما لأنه اللاعب الوحيد ضمن اللاعبين الـ6 الأساسيين في الخط الأمامي، الذي لا خلاف على مركزه، ولا شك بأنه أفضل لاعب متاح لأداء هذه المهمة. وأي لاعب آخر يكون إلى حد ما اختيارا مؤقتا أو مناورة. أما داير فهو شيء آخر، ولاعب تحول إلى أداء مهمة الساتر الدفاعي في وسط الملعب، يعطيك الانطباع هذه الأيام بأنه متمرس على هذا الدور، وهو لاعب يبلغ 22 عاما وما زال يتحسن ويتمتع بالذكاء. ويتجه داير لأن يكون أول لاعب من هذا النوع الذي تنجبه إنجلترا منذ وفاة طريقة 4 - 4 - 2.
وقبل أن يقول أحد إن هذا الحديث ينطوي على مبالغة، أو أننا نضخم من حجمهم لنتسبب في سقوطهم بعد ذلك، فلنكن واضحين. لا أحد يقول إن من أفضل لاعبي العالم في هذا المكان، إنسان آلي بقدرات ماكيليلي، مع إضافات من مهارات بكنباور. لكنه لاعب مثير للاهتمام ولا شك في هذا. وهذا ناهيك عن كونه الأكثر ثقة والذي لا خلاف على دوره في هذا المنتخب الإنجليزي.
لا تأخذ كلامي كشيء كأمر مسلم به فحسب. خلال كتابة هذا المقال، كان داير رقم 8 على مقياس «باروميتر اللاعبي»، وهو نوع من القياس لتحديد أفضل منتخب في البطولة، كما وكان الثاني بعد نغولو كانتي مباشرة، في مركزه. سجل ذلك الهدف الرائع من ضربة ثابتة ضد روسيا، ومرة أخرى، وبفضل محرك البحث «غوغل» يتبين أنه نسخة كربونية من أول أهدافه مع سبورتينغ لشبونة. كانت تمريراته محكمة عند قاعدة وسط الملعب، ولم تكن هذه التمريرات غير خطيرة دائما، بل كانت في بعض الأوقات تحرك الفريق وتقوده إلى الأمام.
لكن الأفضل في كل هذا كان اختياره للأماكن التي يتواجد فيها. لا يتدخل داير كثيرا جدا لاستخلاص الكرة عن طريق الزحلقة. يتحرك عرضيا، ويقوم بالتغطية، ويملأ الملعب بتحركاته ونشاطه. وهو الوحيد في تشكيل إنجلترا الأساسي الذي لم يرتكب بعد أي خطأ في هذه البطولة، وهو عمل رائع من لاعب دوره توفير التغطية الدفاعية. وهذا على رغم حقيقة أن إحدى الهدايا الحقيقية لهذا الفريق هي قوته البدنية المطمئنة إلى حد بعيد، وقدرته على الفوز بالمواقف الدفاعية المباشرة من دون أن يستنفد ذلك من طاقته، ومن حاجة لارتكاب خطأ، وهو دليل إضافي على أن أهمية شبه التداخل تطغى على أهمية استخدام قوة الجزء العلوي من الجسد.
كما وكان داير اللاعب الإنجليزي الذي يميل إلى احتلال المساحات التي يجيد فيها غاريث بيل، وتعطيل انطلاقاته، ومجاراته في المواجهات التي يبدأ منها بيل انطلاقاته السريعة، عبر تخطي أقرب مدافع له. وربما جاءت أفضل لحظات داير في الشوط الأول عندما أبعد الكرة برقبته بعيدا عن بيل قرب المرمى، ثم تدخله السليم ضد أرون رامزي، وفي لحظة من لحظات المدرسة القديمة، ولكن في حالات الطوارئ القصوى فقط.
ربما كان هذا أفضل ما قدمه داير. فهو يكون جيدا أيضا عندما لا يفعل شيئا، ولا يقوم بأي شيء سوى التواجد في المكان السليم. وقد تكون السنوات التي قضاها بعيدا عن أسلوب مطاردة المنافسين كما يتعلم ناشئو كرة القدم الإنجليزية، قد تكون ساعدته، بجانب ثقته في التدريبات التفصيلية لماوريسيو بوكيتينو مع توتنهام، والخاصة بالتواجد في المساحات. وعلى أي حال، فإن داير يملك قوة رائعة على الوقوف ساكنا، وهو أمر مختلف تماما عن الفكرة المجهدة للاعب الذي يسعى دائما وراء الكرة ويتوقع كل الاحتمالات.
إن أفضل اللاعبين من أصحاب الرقم 10. يخلقون المساحات في كثير من الأحيان بالوقوف ساكنين. كان أليساندرو ديل بييرو خبيرا في التوقف الذي له معنى. وبنفس الطريقة، فإن أفضل لاعب يحمل القميص رقم 4. يمكن أن يقوم بالتغطية بمجرد الوقوف، وغلق المساحات وعدم القيام بأي تحركات عصبية من شأنها أن تفتح ثغرات لهجمات مرتدة. مرة أخرى يبدو داير كشيء جديد هنا. لقد قدمت كرة القدم الإنجليزية في أحيان كثيرة لاعبين من طراز رفيع يتمتعون بطبيعة بدنية قوية، مثل ديفيد باتي، وهو لاعب كان يصول في الملعب، وهو هادئ لكنه فعال بشكل مثير، كما لو كان حارسا ضخما في ملهى ليلي، يحتفظ بسكاكين تقطيع اللحم وكيسا من الأسنان البشرية في صندوق سيارته.
وكان بول إنس يؤدي بشكل جيد لفترة من الفترات عندما بدأ يلعب كلاعب وسط على مستوى متميز في الدفاع والهجوم معا. كما أدى ستيفن جيرارد هذا الدور عندما كانت تراجعت قدرته على الجري، ونفس الحال مع جيمس ميلنر، الذي كان لاعب كرة قدم رائع وذكي، لكنه بالنسبة إلى المدربين الإنجليز المتلاحقين كان خيارا مضمونا. في المقابل، فإن داير يتدرب على القيام بهذا ولا شيء غيره، على يد مدرب النادي الذي يدرك أن وسط الملعب الدفاعي غاية مهمة في حد ذاته في عصر الأجنحة المتبدلة، والمهاجمين المتأخرين وحتى الكثافة العددية الأكبر في المساحات.
داير.. لاعب يؤدي مهمة الساتر الدفاعي وسط الملعب
ينفذ أحيانًا واجباته بمجرد التواجد فقط في المكان السليم
داير.. لاعب يؤدي مهمة الساتر الدفاعي وسط الملعب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة