الحصار الدولي على «حزب الله» يتزايد.. وجعجع يراه معنيًا بدرء الخطر عن الاقتصاد

باحث لبناني: التلويح بالشارع تهويل لن يغيّر القرار الأميركي

الحصار الدولي على «حزب الله» يتزايد.. وجعجع يراه معنيًا بدرء الخطر عن الاقتصاد
TT

الحصار الدولي على «حزب الله» يتزايد.. وجعجع يراه معنيًا بدرء الخطر عن الاقتصاد

الحصار الدولي على «حزب الله» يتزايد.. وجعجع يراه معنيًا بدرء الخطر عن الاقتصاد

دفعت العقوبات المالية الأميركية ما يسمى «حزب الله» اللبناني للتصعيد بوجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وذلك مع بدء المصارف اللبنانية بتطبيق العقوبات وإقفال 100 حساب مصرفي. إذ لوح الحزب عبر تسريبات صحافية باستخدام الشارع، في وقت كان الخناق الأميركي يشتد أكثر، مع طرح مشروع قانون في مجلس الشيوخ الأميركي يدعو الاتحاد الأوروبي لاعتبار جميع أجنحة ما يسمى «حزب الله» إرهابية.
وفي مقابل التحشيد الدولي، أثار انتقاد الحزب لحاكم مصرف لبنان رد فعل داخليا، إذ قال رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع، ردا على الانتقاد الموجه لسلامة، بأن «النظام المصرفي اللبناني مرتبط ارتباطا وثيقا وعضويا ومصيريا بالمنظومة النقدية الدولية، ولذلك لم يكن من مفر أمام حاكم مصرف لبنان إلا أن يطبق القوانين الدولية، مع العلم أنه، وكما يتبين من متابعة تعاميم مصرف لبنان، اتخذ أقصى الإجراءات الممكنة حتى لا يأتي تطبيق العقوبات الأميركية عشوائيا».
وأشار جعجع، في بيان، إلى أن «المعني الأول والأخير بدحر الخطر الذي يحدق بالاقتصاد اللبناني في هذه الحالة بالذات، هو (حزب الله) من خلال تغيير جذري في سياساته الداخلية والخارجية، بما يتناسب مع مصالح اللبنانيين كافة ومن ضمنهم جمهوره بالذات». وأضاف: «ليس من المنطق أن يقوم الحزب بتحميل تبعات أعماله وأفعاله لحاكمية مصرف لبنان والحكومة»، قبل أن يتساءل «هل المطلوب أن يستمر اللبنانيون في دفع ثمن سياسات (حزب الله) الأحادية، والتي لم يكونوا يوما موافقين عليها؟».
هذا، وكانت كتلة الحزب البرلمانية، كتلة «الوفاء للمقاومة»، قد أعلنت أن «الموقف الأخير لحاكم المصرف المركزي جاء ملتبسا ومريبا وهو يشي بتفلت السياسة النقدية من ضوابط السيادة الوطنية ولذلك فإننا نرفضه جملة وتفصيلاً». وبموازاة التصعيد ضد المصارف وحاكم مصرف لبنان، أثبتت حركة الحزب السياسية منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي أنه يسعى للتخفيف من وطأة تنفيذ العقوبات.
وبينما قالت مصادر مطلعة على ملف العقوبات المصرفية ضد الحزب لـ«الشرق الأوسط» بأن الملف لا يزال في طور النقاش أكثر لمحاولة طرح تسويات، خصوصا أن تداعياته متصلة بمؤسسات وأفراد لا علاقة لهم بالحزب، لوّح الحزب بالتصعيد عبر استخدام الشارع، فنقلت صحيفة «الأخبار» المحلية المقربة من الحزب أن بعض جمهوره «يطالب قيادة الحزب بإعلان قائمة سوداء، تضم المصارف التي تكنّ العداء للمقاومة، لكي يجري التعامل معها بما يتناسب وارتكاباتها». وأشارت الصحيفة إلى أن البعض «اقترح المقاطعة، وسحب الودائع، ودعوة الناس إلى الضغط على المصارف المتآمرة. والبعض الآخر يقترح إجراءات أكثر إيلاما، كالتظاهر والاعتصام أمام مراكز فروع المصارف التي تريد استهداف جمهور المقاومة، وصولاً إلى منعها، شعبيًا، من فتح أبوابها».
غير أن إجراءات شبيهة، لا تبدو أنها ستغيّر في الواقع أي شيء. ورأى لقمان سليم، رئيس مركز «أمم للأبحاث والتوثيق»، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن ما تسرب عن «التوسل بالشارع»، يبدو تهويلاً «ولا يقدم ولا يؤخر في مسار أزمة الحزب مع العقوبات المالية الأميركية». وتابع سليم، وهو شخصية شيعية معارضة للحزب في لبنان، أن «الخط البياني الذي اعتمده الحزب منذ أصبحت العقوبات على وشك الدخول حيز التنفيذ في منتصف أبريل الماضي، يظهر أن الحزب اعتمد استراتيجيتين متوازيتين، الأولى تتمثل في رفع الصوت والابتزاز البلاغي سواء من خلال تصريحات أمينه العام وبيانات كتلته البرلمانية، وفي الوقت نفسه كان يتوسّل التفاوض، إذ حكي عن اجتماعات مع شخصيات في جمعية المصارف، وطُلب لقاء مع حاكم مصر لبنان، كما كُلف وزير المالية علي حسن خليل بمتابعة القضية».
وأضاف سليم أن «استراتيجية التهويل بالشارع لن تنفع»، لافتًا إلى أن حاكم مصرف لبنان «كان يغض الطرف خلال السنوات السابقة قبل القرار الأميركي عن اختراقات تعرض لها القطاع»، وذلك قبل أن تتبدل المعطيات مع صدور القرار الأميركي الذي بات يلزم المصارف بالتقيد بقراراتها. ثم أردف «يحاول مصرف لبنان أن يمتص النقمة عبر الهيئة الاستئنافية التي شكلها، لكن ما يقوم به المصرف لا يمكن أن يغيّر في الوقائع، كما أن المصارف اللبنانية لا تريد تسجيل أي خطأ يؤخذ عليها في أميركا، علما بأن مصرف لبنان لا يحمي المصارف اللبنانية من قرارات وزارة الخزانة الأميركية، بدليل أنه اضطر للاستجابة لقرار وزارة الخزانة الأميركية في وقت سابق، وإغلاق البنك اللبناني الكندي عبر صفقة بيعه لصالح مصرف (سوستيه جنرال)».
من جهة أخرى، فإن إلزام المصارف اللبنانية بتطبيق القانون الأميركي لا يعني أن أبواب الحلول مغلقة، ذلك أن هذا القانون الأميركي «هو جزء من العقوبات التي تطاول أداة إيرانية في المنطقة»، كما قال سليم، مشددًا على أن «العقوبات هي أداة من أدوات التفاوض». وتابع: «بين ما هو مكتوب بالنص وما يمكن أن يطبق، هناك مساحات رمادية، بمعنى أن العقوبات تُطبق بصرامة بالغة في بلدان العالم، بينما يمكن التحكم بمقدار صرامتها في الداخل اللبناني، وفي النهاية سيكون تطبيقه في لبنان متأرجحًا ويخضع تطبيقه للمدى الذي تريد واشنطن أن يُطبق في لبنان».
في غضون ذلك، تضاعفت العقبات الدولية أمام الحزب، إذ كشفت وسائل إعلام عن أن السيناتورة الأميركية الديمقراطية جين شاهين، تقدمت يوم 6 يونيو (حزيران) الجاري، بمشروع قانون إلى مجلس الشيوخ الأميركي ينص على دعوة الاتحاد الأوروبي «إلى اعتبار جميع أجنحة ما يسمى (حزب الله) إرهابية، وزيادة الضغط عليه وعلى أعضائه إلى الحدود القصوى»، علما بأن الاتحاد الأوروبي يصنف الجناح العسكري للحزب على قائمته للمنظمات الإرهابية، بينما لا يتبع التصنيف نفسه بالنسبة للجناح السياسي.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.