لبنان يوقف استيراد المنتوجات الزراعية السورية .. ووزراء «الاشتراكي» يصعّدون ضد دمشق

أبو فاعور: لا خلفية سياسية للخطوة.. والتجار يتخوفون من تداعياته

مزارعون سوريون يحصدون القمح في موسم الحصاد في حمورية بريف دمشق (إ.ب.أ)
مزارعون سوريون يحصدون القمح في موسم الحصاد في حمورية بريف دمشق (إ.ب.أ)
TT

لبنان يوقف استيراد المنتوجات الزراعية السورية .. ووزراء «الاشتراكي» يصعّدون ضد دمشق

مزارعون سوريون يحصدون القمح في موسم الحصاد في حمورية بريف دمشق (إ.ب.أ)
مزارعون سوريون يحصدون القمح في موسم الحصاد في حمورية بريف دمشق (إ.ب.أ)

تحوّل القرار اللبناني بوقف استيراد المنتوجات الزراعية من سوريا إلى مشكلة سياسية - اقتصادية بين البلدين ما استدعى ردود فعل تصعيدية من مسؤولي الطرفين، ولا سيما من وزيري «الحزب التقدمي الاشتراكي»: «الزراعة» أكرم شهيب الذي أصدر القرار و«الصحة» وائل أبو فاعور. وفي وقت رحّب المزارعون بخطوة كهذه وإن جاءت متأخرة، طرح التجّار علامة استفهام حول إمكانية تنفيذه في ضوء عمليات التهريب المستمرة على الحدود وغياب مراقبة دقيقة من الجهات المعنية، متخوفين كذلك من خطوات تنعكس سلبا عليهم، من قبل سوريا.
وفيما جاء الرد السوري على قرار شهيب الموجود في موسكو، بما يشبه التهديد باتخاذ إجراءات مماثلة من قبل السلطات المعنية، ردّ أبو فاعور، قائلا: «النظام السوري اعتاد أن يصدر الموت وأعلى ما في خيلهم يركبوه».
وكان شهيب قد أكد أن أي أضرار بالمصالح اللبنانية من قبل السلطات السورية سيقابل بالمثل، مهددا بمنع تسهيل تصدير البضائع السورية عبر مطار رفيق الحريري الدولي، فيما قالت مصادر رئيس الحكومة تمام سلام، لـ«الشرق الأوسط»، إن «وزير الزراعة قام بواجبه لجهة حماية المنتوجات اللبنانية في ظل المنافسة التي تواجهها من قبل تلك التي تستورد من سوريا مقابل انخفاض الصادرات نتيجة الأزمة والأوضاع السورية».
وقبيل جلسة الحكومة، أمس، أكد أبو فاعور أن قرار وزير الزراعة منع إدخال شاحنات الخضار والفاكهة من منشأ سوري إلى لبنان، هو قرار تقني هدفه حماية الإنتاج اللبناني وليس له خلفية سياسية. وقال إن هناك «أربعة آلاف تنكة جبنة بيضاء تدخل يوميا إلى البلد من سوريا وصرخة مربي الأبقار ومنتجي الحليب سببها إغراق السوق بالجبنة واللبنة السورية التي تدخل بشكل غير شرعي إلى البلد، في حين أن كلفة الإنتاج في سوريا للفاكهة والخضار أقل بكثير من لبنان، واللبناني لا يستطيع تصريف إنتاجه».
ونظرا لوجود شهيب، خارج لبنان، طرح موضوع القرار في نهاية جلسة مجلس الوزراء، حيث كان إجماع من الوزراء، على ضرورة عدم إقفال الحدود بشكل نهائي، إنما العودة إلى ما يعرف بـ«إجازة الاستيراد» أي السماح باستيراد أنواع محددة من المنتوجات ليس فقط من سوريا، إنما من مختلف الدول، بما لا يؤثر سلبا على المنتوجات المحلية ولا يتعارض مع المواسم الزراعية اللبنانية، بحسب ما قال وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، نبيل دو فريج، لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أنّه سيتم طرح الموضوع في الجلسة المقبلة بشكل دقيق أكثر بحضور وزير الزراعة. وأكّد دو فريج في هذا الإطار، أهمية أن تقوم كل من الدولتين، السورية واللبنانية بدورهما لجهة مراقبة الحدود ومنع التهريب.
وفي حين وصف رئيس الجمعية التعاونية لمزارعي البطاطا في عكار عمر الحايك، القرار، بـ«الممتاز بالنسبة إلى المزارعين اللبنانيين»، متمنيا أن تشمل مفاعيل هذا القرار «كل المعابر غير الشرعية لضبط الحدود البرية والحد من التهريب أيضا»، اعتبر رئيس جمعية المزارعين أن النتيجة المباشرة لوقف استيراد المنتوجات الزراعية جيدة في المرحلة الأولى ولكن على المدى البعيد ستنعكس سلبا على الاقتصاد اللبناني، لا سيما إذا كان هناك ردة فعل من قبل السلطات السورية. وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نحن أول من يطالب بحماية الإنتاج اللبناني، لكن هذا الأمر يجب أن يكون مبنيا على شروط وخطوات دقيقة لا تضرّ التجار، وذلك عبر وضع معايير محددة للاستيراد تسمح بها القواعد التجارية من شأنها ضبط هذه العملية بما يحافظ على مصالح كل الأطراف وتمنع إغراق السوق»، مشيرا إلى أن لبنان كان قد صدّر العام الماضي إلى سوريا، نحو 35 ألف طن من الحمضيات والموز فيما استورد منها 95 ألف طن من الخضار والفاكهة.
وفي ظل التوجّه إلى إعادة فتح المعبر بين سوريا والعراق في الأيام القليلة المقبلة، وهو الأمر الذي من المفترض أن يستفيد منه المزارعون اللبنانيون لتصدير منتوجاتهم ولا سيما الموز والحمضيات، تخوّف الحويك من أن تعمد السلطات السورية إلى إقفال هذا الباب أمام لبنان، بوصفه رد فعل على قرار شهيب. واستبعد رئيس جمعية المزارعين، إمكانية الاستمرار في تنفيذ إجراءات عدم الاستيراد من سوريا، وذلك بناء على ما قال إنها تجارب سابقة، اتخذ خلالها شهيب قرارات مماثلة قبل أن يعود ويتراجع عنها بناء على ضغوط سياسية.
من جهته، اعتبر نقيب الشاحنات المبردة عمر العلي أنه من الصعب تنفيذ القرار في غياب قدرة الجمارك والقوى الأمنية على التحكّم أو الحد من عمليات التهريب التي يتم من خلالها إدخال المنتوجات إلى لبنان، لا سيما في مناطق البقاع، إلا إذا كان هناك قرار حاسم بالمواجهة. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إضافة إلى الأرباح التي يحصل عليها التجار من استيراد الخضار والفاكهة هناك فرق كبير بالأسعار بين السورية منها واللبنانية، إذ إن أسعار الثانية تبقى مرتفعة مقارنة مع الأولى.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.