* الأفلام الحديثة لن تُعلم طالب المعرفة السينما. هذا واقع وليس رأيًا. ما تعلّمه إياه هو النظر إلى متاهات من المؤثرات والخدع البصرية المصنوعة ببرامج كومبيوتر متطوّرة. البعض منا اكتفى من الكومبيوتر بالطبع عليه وإرسال الخطابات وتسلمها والانتقال بين المواقع. وهذا ليس تقليلاً من شأنه. في الحقيقة هو أذكى في هذا التعامل لأنه يكتفي بما يريده منه ولا ينضم إلى قافلة الذين يعتبرون أن كل جديد هو جيد بالضرورة وأن عليه أن يتعامل معه فقط لأنه متوفر.
* هناك زميل لي يجلس في صالة السينما وهاتفه في حضنه وكل عشر دقائق (وأحيانا أقل) يفتح الهاتف ليرى آخر ما ورد على «فيسبوك». ثلاثة أشياء تحدث هنا: الفيلم المعروض على الشاشة. الهاتف الذي باليد والعقل الموزّع بين مشاهدة الفيلم والتعامل مع الهاتف. الخاسر في هذه الجولة هو الفيلم (ومن ورائه من يفعل ذلك سواء أكان سينمائيًا محترفًا أو مجرد مشاهد عادي). الذي حصل منذ حين أن البعض عوّد نفسه على أن يشغل باله بين الفيلم والهاتف والأهم أنه عوّد نفسه أن يصبح إنسانًا قلقًا لا يقوى على تجاهل الألعوبة التي في اليد والاستمتاع بالفيلم.
* لكن بالعودة إلى المسألة الأهم الكامنة في أن الأفلام الحديثة لا تعلم السينما، يجب أن نضع في الاعتبار أن أهم مدرسة سينمائية هي تلك التي تؤمها داخل صالات السينما أو على أي شاشة كبيرة في البيت أو خارجه (طالما أن الاختلاف في الألوان ومستوى العرض محدود جدًا). معظم المخرجين الكبار الذين أداروا الرؤوس بأعمالهم لم يدرسوا السينما في معهد: هو إما مال إليها من المسرح (إنغمار برغمن) أو التقطها من الكتابة والرسم (فديريكو فيلليني) أو من مهنة سينمائية أخرى (هال آشبي ونورمان جويسون وفرد زنمان من المونتاج) أو عمل مساعدًا ثالثًا متدرجًا حتى وصل إلى الإخراج.
* بصرف النظر عن خلفية المخرج فإنه بالمثابرة على مشاهدة والتعامل مع أفلام كانت مثل الحياكة اليدوية في زمن مضى، فهم معنى اللقطة ومتى يقطع وكيف يؤطر وكيف يصمم المشهد وكيف ينفذ اللقطة. كيف يجعل من عشرات ألوف الأمتار التي صوّرها عملاً رائعًا.
* هذا ما عاد ممكنًا اليوم. كيف تستفيد من فيلم «ستار وورز: القوة تستيقظ» أو من «أليس من خلال المنظار» أو من «كابتن أميركا» أو أي فيلم مثل هذه؟ تتعلم من هيتشكوك وبيلي وايلدر ورومان بولانسكي وجون فورد وهوارد هوكس وأنطونيوني وتاركوفسكي وسواهم لكن لا تتعلم شيئًا من جون فافريو («آيرون مان») أو من برايان سينجر («رجال إكس») أو جوس ويدون («المنتقمون»). باختصار تتعلم من فرنسيس فورد كوبولا وأمثاله وليس من جورج لوكاس وتابعيه.
* وإذا كان مقصدك الرئيسي هو السينما المعروفة بـ«المستقلة» فماذا تجد فيها هذه الأيام من مزايا تتعلّمها؟ الكاميرا «النطناطة» التي يحملونها ويركضون بها وراء الممثلين أو أمامهم؟ السيناريوهات الخالية من الحبكة التي يعملون عليها؟ أو من زمرة الممثلين غير المحترفين الذين يسندون إليهم الأدوار تحت اسم الواقعية؟
* كذلك الحال بالنسبة لاستخدام كاميرات الديجيتال. أعلم أنها الأسهل. تضغط على زر وتصوّر. أسهل من هذا لا يوجد. لكن السينما هو الفيلم والفيلم هو صرح خاص عليك أن تتعلمه أولاً قبل أن تجيد التعامل مع كاميرا الديجيتال.
المشهد: كيف لا تتعلم السينما
المشهد: كيف لا تتعلم السينما
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة