شاشة الناقد

سفيان خميس (اليسار) وفؤاد نبّا في لقطة من «شوف»
سفيان خميس (اليسار) وفؤاد نبّا في لقطة من «شوف»
TT

شاشة الناقد

سفيان خميس (اليسار) وفؤاد نبّا في لقطة من «شوف»
سفيان خميس (اليسار) وفؤاد نبّا في لقطة من «شوف»

- شوف Chouf (***) من خمسة
- إخراج: ‪كريم دريدي‬
- دراما اجتماعية
- تونس / فرنسا | 2016
الدراما التي يوفرها المخرج التونسي كريم دريدي تنطلق مثل فوهة أحد الرشاشات المستخدمة في الفيلم لتصيب أهدافها حتى وإن كانت بعض رصاصاتها طائشة. «شوف»، هو «حمى الغابة» لسبايك لي أو «فتيان الحارة» لجون سينغلتون إنما في مارسيليا وفي فيلم انطلق - إنتاجيًا - من تونس واستثمرت فيه جهات فرنسية بإشراف من المخرج ذي الأصل الجزائري رشيد بوشارب، أحد منتجي هذا الفيلم.
التشابه ليس في الحكاية بل في تصنيفها، كما في حقيقة أن الموقع (نيويورك، لوس أنجليس وضواحي مارسيليا هنا) يشترك في البطولة كأي من الشخصيات التي تتقدّم العمل. الوضع الاجتماعي والاقتصادي والأبواب المقفولة أمام الأقليات (السود في الفيلمين السابقين والمهاجرين من عرب وأفارقة في الفيلم الحالي) هو واحد. كذلك العصابات التي تتكوّن بهدف القفز وراء السياج المعيشي الصعب لتحقيق ما سيعجز الجميع عن تحقيقه إذا ما ابتعد عن شغل العصابات وتجارتها.
أحد الراغبين في مستقبل نظيف هو سفيان (سفيان خميس)، الذي يعيش مع عائلته في منزل في تلك الضواحي الخطرة. يدرس الاقتصاد وفي نيته أن يصبح رجل أعمال. لكن عندما يقوم أحدهم بقتل شقيقه يقرر أن يحيد بوجهته والبحث عن القاتل. ليس أن الفيلم يتحوّل هنا لأحجية بوليسية، بل يدخل عبر هذا الوضع إلى الكشف عن الحياة الحاضرة في تلك البيئة المؤلفة من تجار المخدرات ورجال العصابات المتناحرة على الزبائن والشخصيات العابثة بمصائرها ومصائر سواها.
يحاول رئيس العصابة الشبابية التي انتمى أخوه إليها رضا (فؤاد نبّا) ردعه. يقول له إنه سينتقم له بنفسه من العصابة المنافسة التي قتلت أخاه، لكنه لن يرضى بأن ينضم سفيان إلى عصابته لأنه أفضل وأنظف من أن يفعل ذلك. على رحى الأحداث الممتدة لنحو ساعة ونصف الساعة، سنجد أن رضا سيغير رأيه عندما يتعرّف على بعض تكتيكات سفيان الخاصة بتنظيم تجارة المخدرات وكيف يمكن له المساهمة في إدارة الشؤون المالية على الأقل. لكن هدف سفيان البحث عن القاتل لا يخبو في باله ولو أنه يوجهه أكثر من مرّة صوب أبرياء بعضهم يعرف القاتل الحقيقي وبعضهم بريء تمامًا من القضية.
عندما يدرك سفيان هوية القاتل، إذا به أحد أقرب الناس إليه، ينفذ خطّة نراها عادة في أفلام الأكشن الأميركية. على ما يحمله ذلك من هنّات في الفيلم، فإن إحاطة المخرج دريدي بالبيئة التي صوّر فيها الفيلم، وإدراكه التام بظروف وسلوكيات الشخصيات التي يوفرها (وحسن أداء ممثليها) يحمي الفيلم من الانحدار صوب التصنيف السريع. هذا لجانب أن الأحداث تبقى مشوّقة لسببين: الأول هو أن الفيلم مقنع في أسبابه وفي واقعيته بحيث تصبح شخصياته جزءًا محسوسًا ومتفاعلاً، والثاني لأن المشاهد يريد معرفة هوية القاتل وعما إذا كان سفيان سيصل إليه وما سيحدث له من بعد اكتشافه الحقيقة.
هناك مشاهد محسوبة اعتدنا مشاهدتها في أفلام فرنسية تدور في رحى هذا الموضوع، لكن هناك أيضًا تلك الرغبة لدى المخرج في الكشف عن كل شيء ممكن كشفه في حياة شخصياتها. وهو يؤمن للفيلم عرضًا أمينًا وناجحًا، في عناصره الإجمالية، لها.

(*)لا يستحق
(**)وسط
(***)جيد
(****)ممتاز
(*****)تحفة



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.