اتفاق «منقذ» لاستئناف أنشطة الحكومة الأميركية ورفع سقف الديون

وسط جدل وسباق ضد الزمن لتجنيب الاقتصاد العالمي سيناريو كارثي

عمال في عطلة إجبارية بسبب عدم الاتفاق حول الميزانية يتظاهرون أمس في واشنطن لمطالبة الساسة بالتوصل إلى اتفاق  لرفع سقف الدين واستئناف أنشطة الحكومة (أ.ف.ب)
عمال في عطلة إجبارية بسبب عدم الاتفاق حول الميزانية يتظاهرون أمس في واشنطن لمطالبة الساسة بالتوصل إلى اتفاق لرفع سقف الدين واستئناف أنشطة الحكومة (أ.ف.ب)
TT

اتفاق «منقذ» لاستئناف أنشطة الحكومة الأميركية ورفع سقف الديون

عمال في عطلة إجبارية بسبب عدم الاتفاق حول الميزانية يتظاهرون أمس في واشنطن لمطالبة الساسة بالتوصل إلى اتفاق  لرفع سقف الدين واستئناف أنشطة الحكومة (أ.ف.ب)
عمال في عطلة إجبارية بسبب عدم الاتفاق حول الميزانية يتظاهرون أمس في واشنطن لمطالبة الساسة بالتوصل إلى اتفاق لرفع سقف الدين واستئناف أنشطة الحكومة (أ.ف.ب)

أعلن السيناتور هاري ريد زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي، والسيناتور ميتش مكونل زعيم الجمهوريين في المجلس، عن توصل الحزبين إلى اتفاق أمس لرفع سقف الاقتراض الأميركي واستئناف الأنشطة الحكومية المتوقفة.
وقال السيناتور الجمهوري تيد كروز إنه لا يعتزم تعطيل نظر المجلس في الاتفاق الذي من المتوقع أن يوافق عليه مجلس النواب الذي يقوده الجمهوريون قبل ساعات من الموعد المحدد.
كان كروز أعلن من قبل رفضه لأي حل لا يتضمن خفض التمويل لبرنامج الرعاية الصحية الذي يتبناه الرئيس الأميركي باراك أوباما.
تزايدت الأنباء المتفائلة عن قرب توصل أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي إلى اتفاق حول رفع سقف الدين الأميركي وإنقاذ الولايات المتحدة من الوقوع في دائرة العجز عن سداد ديونها لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة.
وشهد أمس الأربعاء توترا ومناقشات ساخنة جعلت جميع الدوائر السياسية والاقتصادية وكافة الأسواق العالمية تترقب بمزيد من القلق والحذر نتائج المناقشات داخل الجلسات المغلقة لمجلس الشيوخ. وفتحت أسواق الأسهم الأميركية على ارتفاع أمس على وقع التوقعات بقرب التوصل إلى اتفاق سياسي ينقذ الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي من مخاطر ركود وأزمات مالية واضطرابات اقتصادية.
وحذر عدد كبير من الاقتصاديين من أن عجز الولايات المتحدة عن سداد ديونها سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة على سندات الخزانة خاصة السندات قصيرة الأجل، وأشاروا إلى التأثيرات المدمرة على الاقتصاد العالمي، خاصة أن معظم الديون الأميركية هي سندات، وهناك عدد كبير من الدول الأجنبية التي تمتلك سندات الدين الأميركي.
وحذرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني من أنها قد تضطر إلى تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من AAA إلى +AA بسبب المشاحنات السياسية في واشنطن التي أوصلت الحكومة الأميركية إلى هذه النقطة.
وأوضحت وزارة الخزانة الأميركية أنها بحلول صباح اليوم الخميس ستعجز عن سداد فواتير الديون والالتزامات القانونية الأخرى التي تقدر بنحو 30 مليار دولار نقدا من الديون غير المسددة البالغة 120 مليار دولار، وأنها سوف تفتقر إلى السيولة المالية للوفاء بالتزاماتها وتحتاج إلى الاستدانة لسداد ديونها القديمة.
وأوضح بعض الخبراء أن وزارة الخزانة ستكون قادرة على دفع بعض الفواتير لمدة قصيرة بعد اليوم الخميس، لكن مقدار تلك الفترة ليس واضحا ويقدرها الخبراء بأسبوع إلى أسبوعين.
وحذر الاقتصاديون من طول أمد الخلافات حول سقف الدين بما يؤدي إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد الأميركي والعالمي.
وأشار البيت الأبيض إلى اجتماع عقده الرئيس أوباما مع وزير الخزانة جاك ليو لبحث طرق مبتكرة لسداد الالتزامات المالية للولايات المتحدة ووضع خطط لكل الاحتمالات. واستخدام إجراءات استثنائية لدفع الفواتير في حال فشل الكونغرس في التوصل لاتفاق قبل صباح الخميس.
وبدا أن زعماء مجلس الشيوخ يتسابقون لإتمام صفقة لإعادة فتح الحكومة الفيدرالية وتجنب عجز الحكومة الأميركية عن سداد ديونها قبل حلول منتصف ليل الأربعاء وصباح الخميس. وأوضح أحد مساعدي الحزب الجمهوري بمجلس الشيوخ أن المناقشات قادها زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ هاري ريد وزعيم الأقلية ميتش ماكونيل.
وأوضحت تسريبات أمس أن قادة مجلس الشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري كانوا يضعون أمس اللمسات النهائية حول الاتفاق الذي تنص بعض بنوده على إعادة فتح الحكومة الفيدرالية، حيث يوافق الكونغرس على مشروع قرار لتمويل الحكومة بمبلغ 986 مليار دولار حتى منتصف ديسمبر (كانون الأول) مع استمرار المناقشات حتى 15 يناير (كانون الثاني).
ورفع سقف الدين الأميركي حتى السابع من فبراير (شباط) 2014 مع استمرار المفاوضات بين مجلسي الشيوخ والنواب حول الميزانية وخطط الإنفاق طويل الأجل والقيام بإجراءات إصلاحية لبرامج الإعانات الحكومية التابعة لبرنامج أوباما للرعاية الصحية. وهو ما يعني في النهاية إنقاذا مؤقتا للوضع الحالي وتأجيل المعركة إلى وقت لاحق.
كان مجلس النواب الأميركي قد فشل في التوصل إلى اتفاق مساء أول من أمس الثلاثاء، حول اتفاق لإنقاذ الحكومة الأميركية من العجز عن سداد ديونها ورفع سقف الدين قبل حلول الساعات الأولى من صباح اليوم الخميس، ووقف النواب الجمهوريون المحافظون من تيار حزب الشاي ضد أي اتفاق يزيد من ديون الولايات المتحدة دون أن يجري الاتفاق على تخفيض الإنفاق الحكومي والتفاوض حول إجراءات لتخفيض التكلفة العالية لبرنامج أوباما للرعاية الصحية.
يذكر أنه من دون موافقة الكونغرس على رفع سقف الدين قبل منتصف ليل أمس الأربعاء بالتوقيت المحلي (04:00 بتوقيت غرينتش)، ستعجز حكومة أكبر اقتصاد في العالم على اقتراض أي أموال أخرى لأنها ستكون قد وصلت إلى سقف سلطة اقتراضها القانونية عند 7.‏16 تريليون دولار.
وحذر وزير الخزانة جاكوب ليو من أن الوزارة سيكون لديها بحلول اليوم الخميس نحو 30 مليار دولار نقدا، وهو مبلغ غير كاف للوفاء بالالتزامات اليومية التي يمكن أن تصل إلى 60 مليار دولار.
وقد ارتفعت الأسهم الأوروبية أمس وسجل مؤشر للأسهم القيادية أعلى مستوى في عامين ونصف العام قبيل توصل الساسة الأميركيين إلى الاتفاق لتفادي التخلف عن سداد ديون كما كان متوقعا.
وارتفع مؤشر «يوروفرست 300» لأسهم الشركات الأوروبية الكبرى 2.‏0 في المائة إلى 66.‏1265 نقطة في حين تقدم مؤشر «يورو ستوكس 50» للأسهم القيادية بمنطقة اليورو 4.‏0 في المائة إلى 40.‏3015 نقطة، وهو مستوى لم يبلغه منذ مايو (أيار) 2011.
وصعد مؤشر «داكس» الألماني 5.‏0 في المائة بعد أن لامس مستوى قياسيا مرتفعا عند 28.‏8861 نقطة، لكن مؤشر «كاك 40» الفرنسي خالف الاتجاه الصعودي بانخفاضه 3.‏0 في المائة جراء تراجع سهم «إل في إم إتش» وهو من أكبر الأسهم القيادية في بورصة باريس.
وكان محللون قالوا أمس لرويترز إن تعثر الولايات المتحدة في سداد مدفوعاتها المالية قد يدفع الصين إلى تنويع احتياطاتها الهائلة البالغة تريليونات الدولارات والتي تعد الأكبر في العالم، مبتعدة عن الدولار الأميركي.
وأطلق المسؤولون الصينيون ووسائل الإعلام الصينية التحذيرات مع اقتراب الموعد النهائي لاتخاذ الكونغرس قرارا برفع سقف الدين وتجنب كارثة مالية.
وقال محللون إن الاحتمال المتزايد للعجز عن السداد من المرجح أن يدفع الصين إلى المزيد من تنويع احتياطياتها، وهو ما تفعله حاليا، وحتى تخفيض موجوداتها من السندات الأميركية، إلا أنهم استبعدوا تخلي الصين عن تلك الموجودات. ومعظم احتياطيات الصين من العملات الأجنبية التي وصلت إلى 3.66 تريليون دولار في نهاية الشهر الماضي، هي بالدولار الأميركي.
والصين هي أكبر مالك أجنبي لسندات الخزانة الأميركية حيث تبلغ قيمتها 1.28 تريليون دولار، تليها اليابان بمبلغ 1.14 تريليون دولار.
وستؤدي أي عملية بيع واسعة للديون الأميركية يمكن أن تقوم بها الصين إلى تقليص قيمة موجوداتها المتبقية من السندات الأميركية. وفي الوقت ذاته فإن القليل من فئات الأصول الأخرى في مناطق أخرى من العالم كبيرة لدرجة لا تسمح لها بتوفير هذه المبالغ الضخمة من النقد، ما يترك بكين أمام عدد قليل جدا من البدائل العملية.



«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه، يوم الأربعاء المقبل، مع احتمال أن يسلط المسؤولون الضوء على كيفية تأثير البيانات الاقتصادية الأخيرة على قراراتهم بشأن أسعار الفائدة في العام المقبل.

وتضع الأسواق المالية في الحسبان احتمالات بنسبة 97 في المائة أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح النطاق بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة، وفقاً لأداة «فيد ووتش».

ومع ذلك، تضاءل مبرر بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة مؤخراً بعد التقارير التي تشير إلى أن التضخم لا يزال مرتفعاً بشكل مستمر مقارنةً بالهدف السنوي لـ«الفيدرالي» البالغ 2 في المائة، في حين أن سوق العمل لا تزال قوية نسبياً. وكان البنك قد خفض أسعار الفائدة في سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بعد أن أبقاها عند أعلى مستوى في عقدين طوال أكثر من عام، في محاولة للحد من التضخم المرتفع بعد الوباء.

ويؤثر سعر الأموال الفيدرالية بشكل مباشر على أسعار الفائدة المرتبطة ببطاقات الائتمان، وقروض السيارات، وقروض الأعمال. ومن المتوقع أن تكون أسعار الفائدة المرتفعة في الوقت الحالي عقبة أمام النشاط الاقتصادي، من خلال تقليص الاقتراض، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد لتخفيف الضغوط التضخمية والحفاظ على الاستقرار المالي.

لكن مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي لا تقتصر فقط على مكافحة التضخم، بل تشمل أيضاً الحد من البطالة الشديدة. وفي وقت سابق من هذا الخريف، أدى تباطؤ سوق العمل إلى زيادة قلق مسؤولي البنك بشأن هذا الجزء من مهمتهم المزدوجة، مما دفعهم إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر. ورغم ذلك، تباطأ التوظيف، فيما تجنب أصحاب العمل تسريح العمال على نطاق واسع.

توقعات الخبراء بتخفيضات أقل في 2025

تدور الأسئلة المفتوحة في اجتماع الأربعاء حول كيفية موازنة بنك الاحتياطي الفيدرالي بين أولويتيه في مكافحة التضخم والحفاظ على سوق العمل، وكذلك ما سيقوله رئيس البنك جيروم باول، عن التوقعات المستقبلية في المؤتمر الصحفي الذي سيعقب الاجتماع. وبينما تبدو التحركات المتعلقة بأسعار الفائدة في الأسبوع المقبل شبه مؤكدة، فإن التخفيضات المستقبلية لا تزال غير واضحة.

وعندما قدم صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي آخر توقعاتهم الاقتصادية في سبتمبر، توقعوا خفض المعدل إلى نطاق يتراوح بين 3.25 في المائة و4.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025، أي بتقليص بنسبة نقطة مئوية كاملة عن المستوى المتوقع في نهاية هذا العام.

وتوقع خبراء الاقتصاد في «ويلز فارغو» أن التوقعات الجديدة ستُظهر ثلاثة تخفيضات ربع نقطة فقط في عام 2025 بدلاً من أربعة، في حين توقع خبراء «دويتشه بنك» أن البنك سيُبقي على أسعار الفائدة ثابتة دون خفضها لمدة عام على الأقل. فيما تتوقع شركة «موديز أناليتيكس» خفض أسعار الفائدة مرتين في العام المقبل.

التغيير الرئاسي وتأثير التعريفات الجمركية

يشكّل التغيير في الإدارة الرئاسية تحدياً كبيراً في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد، حيث يعتمد مسار التضخم والنمو الاقتصادي بشكل كبير على السياسات الاقتصادية للرئيس المقبل دونالد ترمب، خصوصاً فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية الثقيلة التي تعهَّد بفرضها على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في أول يوم من رئاسته.

وتختلف توقعات خبراء الاقتصاد بشأن شدة تأثير هذه التعريفات، سواء كانت مجرد تكتيك تفاوضي أم ستؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة. ويعتقد عديد من الخبراء أن التضخم قد يرتفع نتيجة لنقل التجار تكلفة التعريفات إلى المستهلكين.

من جهة أخرى، قد تتسبب التعريفات الجمركية في إضعاف الشركات الأميركية والنمو الاقتصادي، مما قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الشركات والحفاظ على سوق العمل. كما يواجه البنك تحدياً في فصل تأثيرات التعريفات الجمركية عن العوامل الأخرى التي تؤثر في التوظيف والتضخم.

وتزداد هذه القضايا غير المحسومة وتزيد من تعقيد حسابات بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يدفعه إلى اتباع نهج أكثر حذراً بشأن تخفيضات أسعار الفائدة في المستقبل. كما أشار مات كوليار من «موديز أناليتيكس» إلى أن التغيرات المحتملة في السياسة التجارية والمحلية تحت إدارة ترمب قد تضيف طبقة إضافية من عدم اليقين، مما يدعم الحاجة إلى نهج الانتظار والترقب من لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية.