شلل «دبلوماسي» غير مسبوق في إسرائيل

إضراب شامل لموظفي الخارجية يعطل السفارات والاتصالات ويتسبب في إلغاء زيارات

شلل «دبلوماسي» غير مسبوق في إسرائيل
TT

شلل «دبلوماسي» غير مسبوق في إسرائيل

شلل «دبلوماسي» غير مسبوق في إسرائيل

دخل إضراب موظفي وزارة الخارجية الإسرائيلية مرحلة الشلل الكامل أمس، بعدما أغلق العاملون في الوزارة كافة المكاتب والسفارات الإسرائيلية في كل العالم بشكل كامل، لأول مرة منذ تأسيس إسرائيل عام 1948.
واضطر مسؤولون إسرائيليون لإلغاء سفريات كانت محددة سلفا، بعدما ألغى مسؤولون أجانب زيارات لإسرائيل، في الوقت الذي توقفت فيه الاتصالات الإسرائيلية مع كافة دول العالم، وتعطلت فيه مصالح ملايين من الإسرائيليين.
وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون، أمس، عن إلغاء زيارته للعاصمة الإيطالية روما، بعد الإضراب العام الذي أعلنت عنه لجنة العاملين في الخارجية الإسرائيلية، كما ألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعض زياراته، وأرجأ مسؤولون غربيون زيارة إسرائيل.
ويهدد الإضراب بتأجيل زيارة البابا فرنسيس لإسرائيل، المقررة في مايو (أيار) المقبل، وهي واحدة من 25 زيارة لمسؤولين أجانب تأثرت بسبب تباطؤ في إنجاز العمل من جانب الدبلوماسيين، والذي بدأوه في الخامس من مارس (آذار) الجاري عندما انهارت المحادثات المتعلقة بالأجور.
وأدى الإضراب الشامل أمس إلى إغلاق 103 سفارات إسرائيلية في كل أنحاء العالم. وقال بيان للجنة موظفي الخارجية إن الإجراء اتخذ احتجاجا على ظروف عمل الدبلوماسيين الإسرائيليين وبسبب قرار وزارة المالية تقليص أجور الموظفين. وحسب تعليمات اللجنة يتوقف مكتب وزارة الخارجية عن العمل تماما، بالإضافة إلى سفارات إسرائيل في العالم، في خطوة هي الأولى من نوعها على الإطلاق في تاريخ إسرائيل.
وجاء في بيان اللجنة: «سيغلق مكتب وزارة الخارجية أبوابه ولن يُؤذن لأحد بالدخول إليه، ما عدا القيادة السياسية وإدارة المكتب. سيكون مقر وزارة الخارجية مغلقا بصورة مطلقة لأي عمل وكذلك السفارات الـ103 لإسرائيل في أنحاء العالم، من ضمنها سفارات مهمة في نيوزيلندا شرقا، إلى باريس ولندن وبرلين، حتى واشنطن وسان فرانسيسكو وممثلية إسرائيل في الأمم المتحدة».
ويعني الإضراب الإسرائيلي (لحين انتهائه) قطع علاقة إسرائيل مع المنظمات الدولية، ومع أصحاب القرار والجهات المؤثرة في دول العالم، ووقف الأنشطة التوضيحية في وسائل الإعلام الأجنبي، إضافة إلى وقف إصدار جوازات سفر وتأشيرات قنصلية وتجديد الجوازات للإسرائيليين في الداخل والخارج، حتى للمضطرين لذلك، والامتناع عن ترتيب زيارات حكومية في إسرائيل وخارجها، والإضرار بشكل كبير بالاقتصاد من خلال وقف موافقات التصدير الأمني ومنح الأختام للوثائق المطلوبة لتنفيذ صفقات دولية كبيرة.
وبرر رئيس لجنة موظفي الخارجية، يائير فرومر، اللجوء إلى إضراب مفتوح، بقوله إن «مكتب وزارة المالية أعلن حرب حرمان على خدمات (وزارة) الخارجية لدولة إسرائيل، وعلى الدبلوماسيين المخلصين الذي يكافحون من أجل مستقبل الإسرائيليين يوما بيوم، وساعة بساعة»، مضيفا: «لن نرضى بهذا الإهمال الذي لا يطاق لمسؤولي وزارة المالية، الذين يضرون بالمصالح الحيوية لدولة إسرائيل. مسؤولو المالية هم أناس لا مسؤولية لديهم لا يأخذون مواطني إسرائيل بعين الاعتبار ويقضون بأيديهم على الاقتصاد الإسرائيلي، الأمن القومي ومستقبلنا كلنا».
وبدأت الاحتجاجات في الخارجية الإسرائيلية قبل عام تقريبا، بسبب عدم رفع الأجور خلال عقد كامل، ومع بداية هذا الشهر شرَع الموظفون بخطوات تصعيدية. ووصف وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الإضراب بأنه إجراء «غير مسؤول» و«قرار بائس ويظهر فقدان السيطرة من جانب النقابة». وقال ليبرمان «سنفعل كل ما هو ممكن لتقليص حجم الأضرار (التي سيلحقها الإضراب) بالدولة ومواطنيها».
ويشمل الإضراب نحو 1200 موظف، وهو مفتوح المدة. ويطالب الدبلوماسيون بزيادة الرواتب الشهرية بما يتراوح ما بين 6000 و9000 شيكل (نحو ما بين 1700 و2600 دولار) ويريدون تعويضا للأزواج الذين أجبروا على ترك وظائفهم بسبب التكليف بالعمل خارج إسرائيل.
وهاجمت وزارة المالية الإسرائيلية لجنة العاملين في وزارة الخارجية بقوة، وقالت: إن اللجنة تقوم باحتجاز الإسرائيليين كرهائن، على خلفية تنظيمهم إضرابا عاما عن العمل. وجاء في بيان للوزارة إن «لجنة الموظفين في وزارة الخارجية، عبر إضرابهم، احتجزوا مواطني إسرائيل كرهائن، ومسوا بالمصالح الحيوية للدولة، برغم أن حلولا مختلفة عرضت عليهم، ولكنهم رفضوها».



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»