الإعلام الروسي من الولادة مرورًا بحقبة يلتسين وصولاً إلى بوتين

تأثر بالتغيرات السياسية في البلاد.. ومن سيطرة الدولة انتقل إلى سيطرة «الأوليغارشية»

بوتين في زيارة مسائية للقناة الروسية الأولى التي استعاد سيطرة الدولة عليها من أيدي بيريزوفسكي
بوتين في زيارة مسائية للقناة الروسية الأولى التي استعاد سيطرة الدولة عليها من أيدي بيريزوفسكي
TT

الإعلام الروسي من الولادة مرورًا بحقبة يلتسين وصولاً إلى بوتين

بوتين في زيارة مسائية للقناة الروسية الأولى التي استعاد سيطرة الدولة عليها من أيدي بيريزوفسكي
بوتين في زيارة مسائية للقناة الروسية الأولى التي استعاد سيطرة الدولة عليها من أيدي بيريزوفسكي

يمكن وصف الإعلام الوطني بأنه مرآة للوضع الذي تمر به البلاد في هذه المرحلة أو تلك، ولعل الإعلام الروسي والتغيرات التي طرأت عليه خير مثال يؤكد ذلك، ففي السنوات الأولى لاستقلال روسيا نهاية القرن الماضي وحتى مطلع القرن الحالي، أو في حقبة الرئيس الروسي الأول بوريس يلتسين، حيث كانت روسيا وإعلامها في حالة أقرب إلى الفوضى أثناء عملية البحث عن الذات، كلاهما استنشق لأول مرة منذ عقود طويلة مفاهيم الحرية والديمقراطية، بينما كانا في مرحلة لم يتأقلما معها بعد على العيش كما يجب وفق تلك المفاهيم المستجدة، لذلك «اختلط الحابل بالنابل»، وإلى جانب البرامج التلفزيونية التي كانت تعكس تجسيدًا حقيقيا لممارسة الحرية الإعلامية، كانت هناك كثير من البرامج، أو صحف بأكلمها جسدت مفهوم الحرية بمعنى الفوضى وتجاوز الحدود في كثير من المجالات بأسلوب وطبيعة الخطاب الإعلامي الموجه للرأي العام. ولم يخل الأمر من إعلام مسيطر عليها حكوميا وآخر يخضع لسيطرة كبار ممثلي طبقة الأوليغارشية التي نمت في روسيا أسرع من نمو الفطر في الغابات، وأحكمت قبضتها على كثير من المفاصل في البلاد، بما في ذلك فرض سيطرتها على مساحات واسعة من الإعلام. لكن لو لم تكن تلك المرحلة وما حملته من تجارب استخلص كثيرون العبر والدروس منها، لما تمكن الإعلام الروسي من الانتقال إلى حاله اليوم.
تعود الولادة الأولى للإعلام الروسي إلى السنوات الأخيرة من عهد الاتحاد السوفياتي، عندما كان ميخائيل غورباتشوف زعيم الكرملين وأعلن «البيريسترويكا». قبل تلك المرحلة كان الإعلام خاضعًا كليًا للحزب الشيوعي وجهاز الكي جي بي، وكان الإعلام يركز على إنجازات الدولة السوفياتية والمواجهة الكونية بين الإمبريالية والشيوعية، فضلا عن البروبغندا الشيوعية. أما الإشارة إلى خطأ ارتكبه المسؤول الفلاني أو توجيه نقد لعضو ما في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي أو أي مسؤول في الحزب، فكان هذا بمثابة الجريمة. جاء غورباتشوف وأطلق ما يُعرف باسم مرحلة «الغلاسنوست»، التي تعني الانفتاح والشفافية في نشاط كل المؤسسات الحكومية مقابل حرية وسائل الإعلام في الوصول إلى المعلومة. وكان هدف غورباتشوف من هذه الخطوة مواجهة الفساد وتضييق الخناق على فئة تهيمن على شؤون البلاد دون رقيب، ويبدو أن آخر الزعماء السوفيات كان يحتاج إلى الرأي العام كي يدعم نهجه «البيرسترويكا»، لذلك أطلق العنان تدريجيا لوسائل الإعلام، التي تمكنت مع أواخر الثمانينات من توجيه نقد للحكومة السوفياتية واتهامها بالفاشلة، كما تجاوزت حينها بعض وسائل الإعلام الحظر المفروض على انتقاد أفكار لينين وحقبة ستالين، وما إلى ذلك من مواضيع كانت محرمة إعلاميًا.
ويمكن القول إن الانفجار الإعلامي الحقيقي وقع تحديدًا في السنوات الأخيرة من حكم غورباتشوف، لدرجة بدا معها وكأن الإعلام خرج عن السيطرة، فبدأ يكشف كل ما خفي من مشكلات اجتماعية واقتصادية تعصف بالبلاد، وسوء الظروف المعيشية للمواطنين، والإدمان على الكحول، وغيره من مؤشرات الحياة السوفياتية التي لم يكن بوسع أحد عرض وضعها الحقيقي قبل عهد غورباتشوف. في هذه المرحلة لعب الإعلام دورًا كبيرًا عن غير قصد بفقدان الرأي العام السوفياتي ثقته في القيادات السوفياتية، من جانب آخر شعر المواطن بطعم الحرية وبأنه أصبح بوسعه أن يقول ما يشاء ويسمع ما يشاء بعد عقود من الكبت، وهنا بدت الأمور أقرب إلى الفوضى.
وفي عام 1990 تم إقرار أول قانون يحظر الرقابة على الإعلام، الذي تنفس حينها الصعداء وكثف من نشاطه المعادي للحقبة السوفياتية. وما أحدثه الإعلام حينها كان أقرب إلى حالة التمرد الشعبي التدريجي، بالمقابل، كانت هناك النخب السوفياتية التي شعرت بغضب شديد إزاء ما يجري. إلى أن جاء اليوم الفيصل الذي أنهى الحقبة السوفياتية ودشن عهد تفكك تلك الدولة الكبرى. ففي صباح التاسع عشر من أغسطس (آب) عام 1991. كان الملايين من المواطنين السوفيات ينتظرون بفارغ الصبر متابعة حلقة جديدة من أول مسلسل مكسيسكي تعرضه الشاشات السوفياتية حينها، بعنوان «حتى الأغنياء يبكون»، إلا أنهم تفاجأوا بأن قناة التلفزيون تبث عوضا عن ذلك عرض باليه بحيرة البجع فقط، واستمر العرض إلى أن أطل أعضاء ما أصبح يُعرف باسم «لجنة الدولة لحالة الطوارئ» وهم قياديون من الحزب الشيوعي السوفياتي الذين قرروا الانقلاب على غورباتشوف، وكانت إطلالتهم تلك آخر مشهد يعكس واقع الإعلام السوفياتي، ذلك أن الانقلاب فشل، وعوضًا عنه بدأت عملية تفكك الدولة السوفياتية وولادة روسيا المستقلة، ومعها ولادة إعلامها المستقل من رحم المراحل السابقة.
في عهد الرئيس الروسي الأول بوريس يلتسين تمتع الإعلام الروسي بحرية غير مسبوقة، وكان بوسع الإعلام تناول أي قضية. لكن التوجهات العامة للإعلام حينها كانت من توجهات الدولة التي تبنت نهج التكامل مع الغرب، ووضعت شاهدة على نعش العلاقات مع الحلفاء القدامى للاتحاد السوفياتي من دول اشتراكية ودول في العالم الثالث. إلا أن النظرة في أعلام حقبة يلتسين إلى الغرب بدأت تتغير بعد أن كشف الغرب عن عدم نيته التعامل مع روسيا شريكا بل طرفا خسر الحرب وعليه دفع الثمن.
في الشأن الداخلي، سياسيا، انقسم الإعلام بين مؤيد ليلتسين ومعارض له، هذا في الوقت الذي تمكن فيه كبار ممثلي «الأوليغارشية» أو من يطلق عليهم في روسيا «الروس الجدد» الذين جنوا ثروات طائلة بقدرة قادر، خلال وقت قياسي من الزمن، وأسسوا إمبراطوريات إعلامية، وفي مقدمتهم اليهوديان بوريس بيريزوفسكي الذي سيطر على «المؤسسة العامة للتلفزيون» وتضم أهم قنوات التلفزيون الروسي، وفلاديمير غوسينسكي صاحب مؤسسة «موست» التي تضم قنوات تلفزة وعددا من الصحف والمجلات، وكلاهما يحمل الجنسية الإسرائيلية إلى جانب الروسية. الأول كان من داعمي يلتسين، وكان معروفا أنه من «العائلة»، وهو اللقب الذي كان يُطلق في عهد يلتسين على مجموعة من الشخصيات التي كانت تحكم البلاد فعليًا. وكان بيريزوفسكي يستنفر كل وسائله الإعلامية خلال الحملات الانتخابية الرئاسية لصالح يلتسين، لا سيما انتخابات عام 1996. حين أظهرت استطلاعات رأي تدني شعبية يلتسين إلى 12 في المائة. لكنه فاز حينها بالرئاسة، والفضل يرجع في ذلك إلى حد كبير لبيريزوفسكي وإمبراطوريته الإعلامية. أما غوسينسكي فوجه إمبراطوريته الإعلامية ضد يلتسين في أغلب الأحيان. وأثناء التحضيرات لانتخابات عام 2000 قدم غوسينسكي الدعم لتحالف (بريماكوف - لوجكوف)، الأول المستشرق الشهير، والثاني محافظ موسكو، بينما كان بيريزوفسكي يستعد لدعم خليفة يلتسين، وهو على عداء مع بريماكوف، الذي كاد يقضي عليه لو لم يتخذ يلتسين قرارًا بعزل بريماكوف عن رئاسة الحكومة الروسية.
لم يواصل بريماكوف معركته الانتخابية عام 2000 وانسحب قبل انطلاقها، بينما قرر يلتسين التنحي عام 1999. وتم اختيار فلاديمير بوتين قائما بأعمال الرئيس حينها، بانتظار الانتخابات عام 2000. وفيها فاز بوتين ليصبح رئيسًا للبلاد. ومنذ ذلك الحين دخلت روسيا ومعها إعلامها أيضا مرحلة جديدة. الخطوة الأولى التي قام بها بوتين هي ملاحقة «الإمبراطورين» بيريزوفسكي وغوسينسكي بتهم مالية، وانتهى الأمر بفرارهما خارج البلاد. في غضون ذلك استعاد بوتين سيطرة الدولة على أسهم القناة الروسية الأولى التي كانت من أهم أدوات بيريزوفسكي الإعلامية. أما مؤسسة غوسينسكي وقنواتها فقد سيطر عليها أشخاص موالون لنهج بوتين، وبهذا الشكل أصبح الإعلام الروسي كله تقريبًا بقبضة الكرملين. واليوم لا يمكن تجاهل حقيقة أن تلك المساحات من الحرية التي كانت متاحة للإعلام الروسي سابقًا قد تلاشت تقريبًا، حيث يعرض معظم الإعلام الروسي وجهة النظر الرسمية فقط ويدافع عنها ويروج لها، بينما تبقى مساحات لا تذكر للإعلام الخارج عن سيطرة الكرملين. وينقسم جمهور الخبراء والرأي العام اليوم، بين من يرى أن وضع الإعلام الروسي اليوم يشبه نوعا ما الإعلام السوفياتي، حيث كل شيء لخدمة الكرملين، وآخرين يرون أن تجربة «الإعلام الحر» في الفترات السابقة أدت إلى نتائج سلبية مست هيبة البلاد، وانتقصت من التاريخ العريق لروسيا وتضحيات شعوبها، فضلا عن أنها روجت لأخلاق غريبة عن الأخلاق والقيم الروسية الأصيلة.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.