«سينما كون» يبحث في تقنيات الفيلم والمشاريع المستقبلية

يحضره لفيف كبير من أصحاب القرارات النافذة في لاس فيغاس

«سينما كون» يبحث في تقنيات الفيلم والمشاريع المستقبلية
TT

«سينما كون» يبحث في تقنيات الفيلم والمشاريع المستقبلية

«سينما كون» يبحث في تقنيات الفيلم والمشاريع المستقبلية

في هذا الشهر من كل عام تستقبل مدينة لاس فيغاس جمهورًا غفيرًا من السينمائيين يختلف عن جمهور أي محفل آخر.
على امتداد أربعة أيام فقط. تتلألأ السينما كما تفعل المدينة الشهيرة بمرابعها الليلية طوال العام. هنا في هذه المدينة التي تحيط بها الصحراء، والتي أوى إليها رجل العصابات بنجامين بغزي سيغل في مطلع الأربعينات بانيًا إمبراطورية مالية من وراء طاولات القمار. أسس الكازينو الكبير الأول («فلامينغو») وسرعان ما ألهب الحماس فإذا بالمدينة تتحوّل إلى عاصمة القمار منذ ذلك الحين يقصدها كل من يريد أن يدفن ثروته (أو بعضًا منها) تحت الأضواء.
لأربعة أيام يختلف المقصود بالنسبة لهذه المدينة. فالجمعية الوطنية لمالكي صالات السينما (NATO) تقيم في الأسبوع الثاني من كل أبريل (نيسان) تظاهرة سينمائية كبيرة لا تشببها أي تظاهرة أخرى. هذا الشهر امتدت من الحادي عشر إلى يوم أمس الرابع عشر من الشهر. واسمها المعلن والمتداول هو «سينما كون» (Cinema Con اختصارًا لكلمتي Cinema Conference) وهو اسم حديث نسبيًا (لبضع سنوات فقط)، إذ سبق لهذا المؤتمر أن انطلق، سنة 2001 تحت اسم «شو وست» لكن الجمعية، وبعد عشر سنوات من انطلاقه، قررت تغيير اسمه إلى هذا الحالي.

هوارد هيوز
الاسم فقط هو الذي تغيّر. الباقي ما زال على حاله وهو ضخم وكبير: من مؤتمرات صحافية وإعلامية تتضمن دراسات عن الأسواق المحلية والعالمية، إلى معرض لآخر المنتجات التقنية الخاصة بالعروض، إلى حفلات من العروض السينمائية الخاصة للجديد القادم ومن استعراض شيق وموجز للسينمائيين الذين تدعم شركات هوليوود الكبرى أعمالهم المقبلة إلى الحفلات الساهرة التي تشمل حضور ولائم ضخمة تتسع لألوف الشخصيات الحاضرة.
معظم من يحضر هذا المؤتمر، لا يحضر مهرجانات السينما التقليدية. لن تجد، مثلاً، نقاد سينما (باستثناء هذا الناقد)، لأن معظمهم فصل بين سينما الفن وسينما الترفيه. ولن تجد مخرجين كثيرين ولا منتجين صغارًا يسعون لبيع أفلامهم (كما يحدث في صندانس مثلاً). ما تجده جوقة من كبار المسؤولين في شركات واستديوهات هوليوود الرئيسية. رؤساء الأقسام الكبرى في كل استديو ومديرو مجالس الإدارة وكثير منهم يتردد في السفر حتى إلى «كان» الكامن على بعد شهر واحد أو نحوه.
الممثلون الحاضرون مرتبطون أيضًا بما في جعبة الاستوديوهات من أفلام. هذا العام حضر الممثل والمخرج وورن بايتي بعد غياب سنوات مديدة عن الظهور. السبب المباشر أنه محور تكريم الجمعية الذي يتم سنويًا بانتخاب سينمائي أمضى دهرًا في العمل وحقق وضعًا يشبه الأسطورة. بيتي، الذي لعب دور بنجامين سيغال في فيلم «بغزي» في العام 1991، هو من أفضل من يستحق هذا التكريم بالفعل. لكن السبب الآخر هو أنه يعمل على إنجاز فيلمه الجديد (الأول له منذ 2001 عندما ظهر في فيلم عادي الأثر هو «تاون أند كإنتري») الذي ما زال بلا عنوان لكن موضوعه هو المنتج الثلاثيناتي والأربعيناتي هوارد هيوز الذي كان موضوع فيلم مارتن سكورسيزي «الملاح» قبل عدة سنوات.
سألته قبل أن يخطفه المنتج أرنون ميلشان بعيدًا عن السبب الذي من أجله طال أمد عودته إلى الشاشة، فقال: «لم أعن أن يستمر غيابي طويلاً. ليس أنني لم أدرس مشاريع خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، لكن لا شيء استهواني بالفعل. هذا المشروع (عن هوارد هيوز) أعمل عليه منذ أربع سنوات، وهو بات جاهزًا الآن للبدء بتصويره. أعتقد أننا سنصوّر في سبتمبر (أيلول) المقبل».
الغالب، كما علمت من مصدر آخر، أن الشركة التي يرأسها ميلشان (نيو ليجندري) هي من ستقوم بإنتاجه، بينما تقوم فوكس بتوزيعه تبعًا لعقد مبرم بين شركة الإنتاج وفوكس التي كانت حاضرة هنا عبر أعمال منجزة عرضت منها مقتطفات مختلفة لمن يريد التوقف عند آخر إنتاجاتها.
والحقيقة أن لا أحد يشعر بالتنافس على الحضور في أي مهرجان أو تظاهرة أو مؤتمر كما يتبدّى الأمر هنا. كل استديو وشركة كبيرة رمت سهامها النارية في استعراض قوّة يثير محب السينما ولو أنه يدرك أن معظم الإنتاجات لن تحقق مراميها الفنية جيّدًا.

عودة السينيراما
لذلك حين يقول توم روثمان، رئيس مجلس إدارة صوني، إن «التكنولوجيا تأتي في المرتبة الثانية بعد القصّة» فإن المستمع له لا بد أن يتساءل عما إذا كانت هوليوود تعني ذلك، كون معظم الإنتاجات حاليًا تحتفل بالتقنيات المبهرة بينما تحط القصص التي من المفترض بها فعلاً أن تأتي فوق كل الاهتمامات الأخرى، في موضع ثانوي وأحيانا (كحال فيلم «دَدبول» مثلاً) بلا موضع على الإطلاق.
صوني هنا لتعزيز فيلم آنغ لي المقبل «مسيرة بيلي لين نصف الزمنية». المخرج الذي قدّم، فيما قدّم، «حياة باي» قبل سنين حضر المؤتمر وتحدث قليلاً عن المشروع بينما تولّى رئيس صوني غالب الحديث. السبب في قول توم روثمان أن التقنية تأتي بعد القصّة يعود إلى أن الفيلم الذي يدور حول مجنّد اسمه بيلي لِن، ويقوم بدوره ممثل جديد اسمه جو ألوين، جاء من مصدر أدبي وُضع كمذكرات تحت العنوان نفسه، واستهوى المخرج لي الذي لم يجهد طويلاً قبل أن يجد في صوني البيت الذي سينقل الرواية إلى الشاشة. المؤلف بن فاونتين قصّ حكاية مجنّد شاب خدم خلال الغزو الأميركي للعراق قبل عودته إلى الولايات المتحدة برؤية مختلفة عن نفسه والعالم عن تلك التي كان يكتنزها قبل اشتراكه في الحرب.
عرضت الشركة نحو 20 دقيقة من الفيلم بعضها ليس جاهزًا تمامًا ليتبين أن التقنية لا تأتي هنا بعيدة عن الاهتمام الأول. فالفيلم مصوّر بنظامي 3D و4D، وعلاوة على ذلك تم تصويره بسرعة كادرات تبلغ 124 كادرًا في الثانية (عوض 24 كادرًا في الثانية). هذا ما يذكر أن فيلم «حياة باي» تمتع بحكاية قويّة الجانب، لكنه حفل برغبة المخرج توفير ما استطاع توفيره من تفاصيل تصويرية ومؤثرات بصرية.
هذا يؤكد أنه بصرف النظر عن موضع القصّة في أي فيلم فإن التأكيد على التقنيات يسبق كل شيء آخر هذه الأيام ويتبدّى في «سينما كون» كما لا يتبدّى في أي مكان آخر على هذا النحو الجامع. فمن بين ما اكتشفناه هنا أن الفيلم المقبل للممثل إيثان هوك «24 ساعة للحياة» سيعود إلى نظام سينيراما الذي قام، حين ابتداعه في الخمسينات ثم انتشاره في أواخر الستينات، على عرض الفيلم على شكل نصف دائري. منذ ذلك الحين تم تطوير هذه القدرات و«24 ساعة للحياة» هو أحد الأفلام التي يتم تحضيرها على هذا النحو (فيلم جديد آخر ينتهج الطريقة ذاتها هو «هروب باركو»).
لا ننسى أن فيلم كوينتن تارنتينو «الكارهون الثمانية» أعاد للحياة نظام الـ70 ملم بعد غياب عقود. والواضح أن السينما إنما باتت تدافع عن نفسها كما هي العادة سابقًا إزاء كل بدعة مضادة. فالحديث عن «سكرينينغ روم» (نظام تجاوز صالات السينما مباشرة إلى البيت لقاء 50 دولار للفيلم) ما زال جاريًا بين حفنة مؤيدة وغالبية معارضة. وهذه الغالبية تشمل بالطبع جمعية «ناتو» التي تبذخ على هذه التظاهرة الثرية.

وورن بيتي كما يبدو اليوم و آنغ لي خلال تصوير فيلمه الجديد



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.