ينفصل فيلم «على حلّة عيني»، المعروض في مهرجان ترايبيكا في مدينة نيويورك عن باقي الأفلام العربية الحديثة بأنه فيلم غنائي بقدر ما هو دراما اجتماعية. هذا ليس شأنه وحده بل هو أيضًا شأن فيلم «يا طير الطاير» أيضًا الذي ينطلق لعروض تجارية أميركية ولو على نحو محدود خلال الأيام القليلة المقبلة.
بذلك، هما أول فيلمين موسيقيين - غنائيين عربيين منذ سنوات بعيدة. بل إن سنوات أكثر تفصل بينهما وبين الفترة التي كانت فيه السينما الغنائية تصدح بإنتاجات متوالية من القاهرة لتوزّع حول العالم العربي حاملة أصوات محمد فوزي وليلى مراد وصباح وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وسواهم.
لابد أنها صدفة هي التي تجمع بين الفيلمين في مدينة نيويورك خلال فترة واحدة. الفيلم التونسي «على حلّة عيني» كان مر على شاشات عدة مهرجانات سينمائية منذ أن عرض أولاً في مهرجان فينسيا في سبتمبر في العام الماضي. أما «يا طير الطاير» فهو انتقل من تورنتو إلى دبي ليحط الآن تجاريًا في صالات نيويورك ولوس أنجليس وبضعة مدن رئيسية أخرى.
لكن حديث الصدف يمتد لما قبل ذلك. كلا الفيلمان حديثا العهد. فيلم ليلى بوزيد «على حلّة عيني» انتهى تصويره في مطلع العام الماضي ودخل مرحلة ما بعد التصوير مسبقًا لعرضه العالمي الأول في المهرجان الإيطالي، بينما كان «يا طير الطاير» (الذي يعرض عالميًا بعنوان مختلف هو «المحبوب»، The Idol) في التصوير في قطاع غزة في النصف الأول من 2015 ذاته، وكان جاهزًا مع خريف السنة ذاتها.
الموسيقى والغناء في كلا الفيلمين ليس من باب الترويح عن النفس. هذا وحده يناقض معظم الأفلام الغنائية العربية في الخمسينات والستينات سواء المصرية أو اللبنانية أو تلك المشتركة بين البلدين، حيث الغناء هو زر توقف الدراما ريثما ينتهي المغني من غنائه والراقصة من رقصها وضارب الطبل من نقره. الغناء هنا، في هذين الفيلمين، داخل في صلب الحكاية وعلى نحو لا يمكن فصلهما عنها.
ذلك لأن كلا الفيلمين يتناول حياة وموهبة مغن. هي حياة متخيلة في «على حلّة عيني» وحياة واقعية (سيرة) في «يا طير الطاير». بذلك لا مجال للنظر إلى العملين كما لو كان الغناء فيهما فعلا مضافا، بل هو من صلب العمل.
الفيلم الأول لليلى بوزيد يقص حكاية فتاة اسمها فرح (بايا مظفر) عاشت في بيت متحرر إلى حد مريح. تهوى الغناء وتمارسه في بعض المرابع التي يؤمها الشباب. متحررة إلى حد أنها تستطيع العودة للبيت متأخرة على الرغم من قلق والدتها (غالية بنعلي) عليها، فأغانيها تسبح ضد النظام (تقع الأحداث في تونس العام 2010) ما يؤلب عليها رجال الأمن لكن فرح تمعن ولا تكترث. هي مؤمنة بالأغاني التي ترددها ما يؤدي بها إلى مشكلات مع السلطة التي بعثت من يخطفها لتحذيرها. بمثل هذا الموضوع فإن ما يقوم به الفيلم هم مزج الغناء بالموقف السياسي وتوفير حكاية تعكس لمشاهديها (خصوصًا في الغرب) براءة بطلة الفيلم من أي فعل سوء وقيامها بمواجهة التطرّف كما الفساد السلطوي بطريقتها الخاصة.
من ناحيته، فإن «يا طير الطاير»، للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، مشبع بالغناء لأنه سيرة حياة محمد عسّاف، الشاب الفلسطيني الذي فاز قبل سنوات بمسابقة «أراب أيدول» ولحق نجاحه ذاك بالمزيد منه على المستوى الفني، على الأقل.
يولي المخرج الرحلة الطويلة للموهوب عساف من الطفولة إلى سن الشباب اهتماما جيّدًا ويختار منها المحطات الأهم. بعض هذه المحطات متوقع الحدوث، لكن المعالجة الكلية التي يختار لها المخرج شكل الفيلم النضالي على صعيد الفرد الواحد، ووسط كل الظروف المناوئة ينقذ الفيلم من مشكلات في هذا السياق. ومن دون أن يرصد المخرج الأوضاع السياسية في الداخل الفلسطيني أو في خارجه القريب (الاحتلال) يوعز دومًا أن كل الأحلام صعبة التحقيق لكن حلم بطله كان أصعب.
كلا الفيلمان ينجز في عروضه العالمية إقبالاً نقديًا جيدًا.
مهرجان ترايبيكا نشر عن الفيلم التونسي ما مفاده أنه العمل الذي يتحدّث عن آمال وأحلام الناس العاديين منددًا بالعداء العنصري البادي في المجتمعات الغربية حيال ما قامت به قلّة. فيلم «يا طير الطاير» يستفيد من حضور مخرجه أبو أسعد في الوسط السينمائي والنقدي منذ أعوام طويلة، ويرى فيه النقاد الأميركيون عملاً جديرًا بالإعجاب من «مخرج يملك القدرة على توظيف مهارته لإبقاء الأحداث متوالية بتشويق عال»، كما ذكر الناقد جوستين شانغ في مجلة «فاراياتي».
على صعيد السوق المحلية، ونسبة لغياب التوزيع التجاري العادل لمثل هذه الأفلام فإن احتمال أن يكون الفيلمان بداية لظاهرة ما، هو أمنية بعيدة التحقيق.
الفيلم الغنائي العربي يصدح في نيويورك
بين «يا طير الطاير» و«على حلّة عيني»
الفيلم الغنائي العربي يصدح في نيويورك
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة