لبنان: أزمة «أمن الدولة» تهدد بإلغاء جلسات الحكومة وتحيي التكتلات الطائفية

المطران مظلوم لـ «الشرق الأوسط»: الغبن واقع يعيشه المسيحيون في لبنان

لبنان: أزمة «أمن الدولة» تهدد بإلغاء جلسات الحكومة وتحيي التكتلات الطائفية
TT

لبنان: أزمة «أمن الدولة» تهدد بإلغاء جلسات الحكومة وتحيي التكتلات الطائفية

لبنان: أزمة «أمن الدولة» تهدد بإلغاء جلسات الحكومة وتحيي التكتلات الطائفية

يكشف التفتت الذي تعيشه مؤسسات الدولة في لبنان والذي بلغ أوجه مع شغور سدة الرئاسة قبل عامين، حجم الاحتقان الطائفي الذي لم تنجح التكتلات السياسية التي قامت في المراحل الماضية بوضع حد له، فإذا به ينفجر عند كل منعطف مهددا ما تبقى من هذه المؤسسات وعلى رأسها الحكومة الحالية.
وقد أحيت الأزمة المستمرة منذ نحو عام في جهاز أمن الدولة والتي وصلت حديثا إلى طاولة مجلس الوزراء، ما تتفق أحزاب مسيحية على تسميته بـ«شعور بالغبن»، بعدما تكتل معظم الوزراء المسيحيين المنقسمين سياسيا في الجلسة الأخيرة للحكومة للدفاع عن صلاحيات مدير عام الجهاز المسيحي بوجه نائبه المسلم وللمطالبة بمعاملته أسوة بباقي مديري الأجهزة الأمنية.
ويأتي اعتراض المسيحيين في قضية جهاز أمن الدولة، بعد تعبير مسؤولين مسيحيين عن مخاوفهم من وجود مخطط لتوطين اللاجئين السوريين في لبنان، إلى جانب الحديث الدائم عن «تحسين موقع المسيحيين في الدولة» واختيار رئيس قوي، وهي العبارة التي يواظب مسؤولون في التيار الوطني الحر الذي يتزعمه النائب ميشال عون، على ترداده.
وجهاز أمن الدولة، هو أحد الأجهزة الأمنية اللبنانية الكثيرة التي تتشابك صلاحياتها بشكل كبير، وقد أنشئ هذا الجهاز بعد اتفاق الطائف للحفاظ التوازن الطائفي في المجال الأمني، بسبب ارتباط جهاز المخابرات وقيادة الجيش والأمن العام بالطائفة المارونية، ووجود قيادة قوى الأمن الداخلي وحدها بيد المسلمين إذ يترأس قيادتها مسلم من الطائفة السنية، فكان أن أنشئ هذا الجهاز وتم تكريسه لشخصية من الطائفة الشيعية. غير أن هذا الواقع تغير مع تعيين اللواء جميل السيد المقرب من رئيس الجمهورية إميل لحود بعد وصول الأخير إلى السلطة، فكان أن أنيطت رئاسة هذا الجهاز بشخص من الطائفة الكاثوليكية التي ترى في الحفاظ على هذا الجهاز حاليا مسألة «حياة أو موت».
وتعطل «أمن الدولة» بعد خلاف شخصي نشب بين قائده اللواء جورج قرعة ونائبه العميد محمد الطفيلي ما انعكس تلقائيا على الجهاز المذكور باعتبار أن الصلاحيات المعطاة لنائب المدير بحسب النظام الداخلي، توازي تلك المعطاة للمدير العام، ولأن النظام الداخلي للمديرية يشترط توقيع المدير ونائبه على معظم القرارات القيادية المهمة.
ويُطالب الوزراء المسيحيون حاليا وبالتحديد وزراء «التيار الوطني الحر» وحزب «الكتائب» ووزير السياحة ميشال فرعون، بتحرير صلاحيات مدير عام الجهاز المسيحي من نائبه الشيعي وبإرسال الاعتمادات المالية اللازمة إليه، وينبهون مما يقولون: إنها محاولة لـ«إخلاء المسيحيين من الدولة اللبنانية».
وكانت الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء شهدت خلافا حادا بين الوزراء المسلمين والمسيحيين على خلفية أزمة الجهاز، وقد أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق أنه طلب سحب «الكلام الطائفي» الذي أدلى به وزير الخارجية جبران باسيل من محضر الجلسة. ورد الوزير المشنوق أمس، تلميحًا، على تصريحات المسؤولين في تيار عون، رافضا رفع «فزاعة الحضور المسيحي في الدولة»، ورأى أن «الدولة لا تقوم أيضًا والأوطان لا تستمر بتحويل كل معركة سياسية إلى معركة وجود وحرب مصير». وقال: «كلّي رجاء أن لا يبالغ المسيحيون في التعبير عن المظلومية، بما يجعل من موظّف في وزارة عنوانًا للوجود المسيحي في بلد أو في المنطقة، كما أرجو ألا يبالغَ المسلمون في القفز فوق موجبات الحدّ الطبيعي الذي يُشعِر المسيحيين بشراكة عادلة».
أما وزير المال علي حسن خليل، المقرب من رئيس مجلس النواب نبيه بري، فقد نفى وجود موقف ضد «الطائفة». وفي كلمة ألقاها أمس توجه لإخوته في الطائفة الكاثوليكية الكريمة قائلا: «إياكم أن تعتقدوا بأن الموقف من أمن الدولة له علاقة بموقف من طائفة أو مذهب أو تيار، المسألة عكس ذلك تماما، الموضوع هو موضوع انتظام عمل المؤسسة، ومدى التزام المؤسسة بالقانون، ومدى التزام القيمين على المؤسسة بالأصول التي ترعى تنظيم عملهم مع بعضهم البعض. نحن لا ندافع عن أحد ولا نغطي أحدا، نحن ندافع عن القانون ونغطي القانون، ولهذا قلنا وما زلنا نقول إننا مستعدون لأن نمارس الدور الذي يجب أن يرسم في إطار المؤسسات».
وتتقاسم الطوائف والمذاهب في لبنان المواقع السياسية الرئيسية والأمنية تبعا لأعراف معتمدة لا ينص عليها الدستور الذي يلحظ فقط المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. ويتولى عُرفا مسيحي رئاسة الجمهورية فيما يتولى سني رئاسة الحكومة وشيعي رئاسة مجلس النواب. أما أمنيا، فتقود الجيش شخصية مسيحية وقوى الأمن الداخلي شخصية سنية، فيما تقود مديرية الأمن العام شخصية شيعية.
وبعد شغور سدة الرئاسة في العام 2014. ارتفعت أصوات الأحزاب المسيحية التي تتحدث عن «مصادرة الحقوق المسيحية»، إن كان من خلال اتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب الأهلية في العام 1989 أو من خلال قانون الانتخابات ومؤخرا من خلال طريقة إدارة ملف انتخابات رئاسة الجمهورية.
واعتبر النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم أن «ما نحن بصدده ليس شعور بالغبن لدى المسيحيين بقدر ما هو واقع يعيشونه عمليا»، معربا عن أسفه «لما وصلت إليه الذهنيات الحاكمة التي تتطلع إلى المحاصصة ولا تأبه لأسس بناء الدولة». وقال مظلوم لـ«الشرق الأوسط»: «كل يسعى لزيادة حجم حصة حزبه وطائفته ويعمل لمصالح آنية وفردية بعيدا عن المصلحة العليا للوطن الذي نتمادى بتمزيقه وتفتيته». وأشار مظلوم إلى أن «الوضع لا يمكن أن يستقيم إلا بإعادة النظر بالذهنيات والعقليات القائمة وليس بالنظام، فنخرج من أنانياتنا لنتلاقى حول الخير العام وعلى كيفية النهوض بدولة للجميع».
وتُكبّل أزمة جهاز أمن الدولة عمل مجلس الوزراء المرجح أن يتم تأجيل جلسته التي كانت مقررة يوم الثلاثاء المقبل لتعذر الوصول إلى الحلول المطلوبة. وأعرب وزير الصحة وائل أبو فاعور عن أسفه لـ«اتخاذ الخلاف طابعا طائفيا»، منبها من أنّه «كلما أوغلنا باعتبار المشكلة طائفية أصبحت الحلول أكثر صعوبة». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ليس مقبولا أن تعلق الدولة في حفرة أمن الدولة، فيتحول الخلاف التقني لمكايدة وخلاف سياسي يُضاف إلى ملفات أخرى بات يتم السعي لحلها خارج إطار المؤسسات».
واستغرب أبو فاعور «الإغداق في تطييف كل القضايا»، منبها من «خطورة الموضوع إذا استمر على هذا النحو خاصة أن لا أسباب واقعية للتطييف». وأضاف: «هناك من يسعى لادعاء بطولات أمام الرأي العام وكأن الانتخابات النيابية حاصلة غدا».
من جهته، شدد وزير الصناعة والتجارة آلان حكيم على وجوب معاملة مدير عام أمن الدولة كما يُعامل مديرو سائر الأجهزة، لافتا إلى أن «القانون يقول: إن هناك صلاحيات للمدير العام والنص واضح في هذا الشأن ويجب السماح له بممارستها». وتساءل «كيف يمكن أن نساوي منصب المدير العام بمنصب نائبه؟». ونبّه حكيم من أن «هناك نية باطنيّة لإلغاء جهاز أمن الدولة، وما يحصل يؤكد ذلك»، مشددا على أن «المس بالمدير العام لجهاز أمن الدولة مرفوض مسيحيا». ولفت إلى أن «الحل يكون بتطبيق القانون من خلال حلول إيجابية تحافظ على كرامة الجميع وتوقف القصاص عن 3000 عنصر». وأضاف: «أتمنى أن يكون هناك تعاون وتكاتف بين الأحزاب المسيحيّة حول هذا الموضوع»، متحدثا عن «قسم صغير من منظومة كبيرة عنوانها إخلاء المسيحيين من الدولة اللبنانية».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.