الكزبرة.. استخدمت لتحسين مذاق الطعام منذ بدايات العصر الحجري الحديث

قبل أن يحولها أهل اليونان إلى عطر

الكزبرة.. استخدمت لتحسين مذاق الطعام منذ بدايات العصر الحجري الحديث
TT

الكزبرة.. استخدمت لتحسين مذاق الطعام منذ بدايات العصر الحجري الحديث

الكزبرة.. استخدمت لتحسين مذاق الطعام منذ بدايات العصر الحجري الحديث

لطالما استخدم الناس الكزبرة الخضراء في مختلف الأطباق لتحسين مذاق الطعام ومنحه بعدا آخر.
وكانت والدتي كالكثير من أبناء جيلها - وكما يفعل الهنود مثلما اكتشفت مؤخرا - تعمل على تنظيف الكزبرة، وغسلها قبل تقطيعها وفرمها وقليها مع فصوص الثوم المشرحة بالزيت مع الملح والفلفل الأسود المطحون. وبعد القلي كانت تضيفها إلى اليخنة نهاية عملية الطبخ أو قبل خمس دقائق أو عشر دقائق من الانتهاء من الطبخ، وخصوصا يخنة الفاصوليا والأرز الملوخية والبامية والسبانخ وغيره من اليخنات الفلسطينية واللبنانية التقليدية الطيبة.
وتعتبر هذه الطريقة باختتام وتتويج طبخ الأطباق التقليدية من أحد أعمدة المطابخ الآسيوية وخصوصا المطابخ الهندية والبنغالية والباكستانية. ويطلق عليها عادة اسم «تادكا - Tadka وأحيانا شونك - Chaunk باللغة الهندية (مثلا قلي الزنجبيل مع حبوب الكمون والخردل الأسود والفلفل الأخضر الحار والطازج والقرنفل والثوم وأوراق الكاري والشمرة والحلبة والبصل بالسمنة). وتعني كلمتي تادكا وشونك بالإنجليزية تامبرينغ - Tempering، أي ضبط درجة النغم بالعربية أو لطف أو عدل. وبكلام آخر أن هذه العادة التي نستخدم فيها الكزبرة في بلداننا هي اللمسات الأخيرة على أطباقنا المفضلة كما يفعل الفرنسيون وغيرهم مع الفلمبيه Flambé نهاية الطبخ لتلهيب وتنشيط الطعم إلى أقصى حد.
الكثير من دول العالم تستخدم الكزبرة في مآكلها، مثل دول جنوب شرق آسيا، دول جنوب آسيا، دول أميركا اللاتينية، الدول الأفريقية، الهند، الصين، البرتغال، دول القوقاز، ودول وسط آسيا، دول حوض البحر الأبيض المتوسط. وقد انتشر استخدامها مؤخرا في الكثير من البلدان الأوروبية الشمالية، ويمكن العثور عليها في الكثير من المحلات التجارية بسبب العولمة واتساع رقعة التجارية العالمية. ومع هذا فإن أكثر ما تستخدم الكزبرة، في الشوربة الصينية وخلطة بهارات الماسالا الهندية والسلسا المكسيكية.
وعادة ما يستغل الناس كل عناصر النبتة، أي أوراقها وجذوعها وحبوبها، لكن الأوراق والحبوب ما يستخدمه الناس عادة للطبخ رغم الفرق الكبير في طعم كل منها. ويكثر استخدام الأوراق في دول جنوب آسيا والمكسيك والصين وتايلاند وخصوصا في السلطات والصلصات التي تعرف باسم تشاتني - Chutney (أنواع من الأطباق المصنوعة من خليط من الخضار والتوابل الحارة التي تستخدم كمادة مرافقة للطبق الرئيسي لتساعد على ترطيب الطعم أو تغييره - ومنها ما هو حلو ومنها ما هو حار). وفيما يستخدمها الكثير من الناس في تزيين الأطباق، يستخدمها الهنود في صناعة أطباق الدال - Dal المصنوعة من العدس والحبوب، ويستخدمها البعض بكثرة في الأطباق التقليدية قبل التقديم.
وكما هو معروف فإن لجذور الكزبرة طعم قوي أقوى من الأوراق، ومه هذا تستخدم كثيرا في الأطباق الآسيوية وخصوصا في تايلاند وفي تحضير معجون الكاري في الأطباق الهندية.
يكثر استخدام حبوب الكزبرة أيضا قبل طحنها في الأطباق الآسيوية والهندية وخصوصا أطباق الكاري وعمليات تحضير الغرام ماسلا (تضم أيضا الكمون والقرنفل وجوز الطيب والقرفة والفلفل الأسود وورق الغار وحب الهال). ويفضل أن تستخدم الحبوب طازجة لأنها تفقد طعمها بشكل سريع. ويكثر استخدام حبوب الكزبرة في طبقي السامبار والراسام في جنوب الهند وهما طبقان يعتمدان على التمر الهندي والكثير من التوابل. وفيما يلجأ البعض إلى تناول الحبوب محمصة، يستخدمها البعض في تصنيع المخللات أو الكبيس وفي صناعة الخبز والنقانق.
الاسم العلمي للكزبرة هو «كورياندوم ستافيوم» - Coriandum Sativum ويطلق على الكزبرة اسم «كورياندا» باللغة الإنجليزية (coriander)، ويعود أصل الكلمة الإنجليزي إلى الفرنسية القديمة - coriander الذي يتدرج نفسه من اللغة اللاتينية –«كورياندروم» - coriandrum المأخوذ عن اليونانية القديمة κορίαννον - koriannon. كما يتدرج الاسم الإسباني سيلانترو - Cilantro من الاسم اللاتيني أيضا ويستخدم بكثرة في أميركا الشمالية للتدليل على ورق الكزبرة التي تستخدم بكثرة بدورها في المكسيك.
ومعنى كزبرة في معجم اللغة العربية المعاصرة كزبرة: «كسبرة؛ نبات عشبي من فصيلة الخيميات أو البقدونسيات، أوراقه وردية اللون أو بيض، أزهاره صغيرة القد، يستعمل تابلا وتضاف أوراقه إلى بعض المآكل، ويدخل في تركيب بعض المشروبات، كما يستعمل في الأدوية ضد الصداع والتشنج، وهو هاضم ومقو كزبرة خضراء. كزبرة بيرجبلية: نبات عشبي بري معمر من الطحالب. يكثر في الأماكن الرطبة الظليلة. وهو من النباتات الصحية، ويستعمل استعمال الشاي، لكنه يحث على النوم. كزبرة ثعلب: نبات عشبي طبي معمر، وقد يزرع فيؤكل ورقه في السلطة، وله طعم خاص».
وتقول الموسوعة الحرة: القزبر والقسبر أو الكزبرة أو الكسبرة أو التقدة، وهي نبات عشبي حولي يتبع الفصيلة الخيمية.
وتضم الفصيلة الخيمية عادة البقدونس والشبت والجزر والكمون واليانسون والطكرفس والكراويا والقزع. ومن أجناس هذه الفصيلة: الخلة – الدبيق – الكاشريس.
لا يعرف الكثير عن أصول الكزبرة، لكن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن تاريخ هذه النبتة الطيبة والبرية يعود إلى 5000 قبل الميلاد، وكان موطنها الأول غرب آسيا أو جنوب أوروبا وما يعرف بحوض البحر الأبيض المتوسط. وقد جاء ذكر الكزبرة بالكتابات السنسكريتية وكانت من المواد التي تترك في قبور الفراعنة وعثر على سلتين منها في قبر توت عنخ آمون.
وقد ذكر «بليني» أن أفضل أنواع الكزبرة التي ترد إلى إيطاليا كانت من مصر، ولقد ذكرت الكزبرة في بردية إيبرس 17 مرة وفي بردية برلين ثلاث مرات، وجاءت أيضا في بردية هيرست، والدليل على أهمية الكزبرة من الناحية العلاجية أنها ذكرت في سفر الخروج من التوراة.
ولطالما اعتقد الإغريق قديما أنها من النباتات التي تحسن القدرات الجنسية، وتحدث الطبيب ديوسكوريديس قديما كثيرا عن فوائدها الصحية.
وتم العثور على آثارها في اليونان في بيلوس في منطقة البيلوبونيس الشهيرة، وكانت تستخدم في القرن الثاني قبل الميلاد لاستخراج العطر وتستخدم حبوبها كبهارات للطبخ أوراقها أعشاب صحية وطبية.
اكتشف علماء الآثار بقايا الكزبرة في موقع أو كهف نحال حيمر قرب البحر الميت في فلسطين يعود تاريخها إلى ما قبل العصر الحجري الحديث أو في بداياته (بين 5500 و8500 قبل الميلاد).
ويقال إن الصينيين دأبوا على استخدام الكزبرة منذ مئات السنين في الطبخ، وقد وصلت إلى هناك أثناء حكم سلالة هان عام 202 قبل الميلاد. وككل الثقافات والحضارات والثقافات الأخرى. وقد انتشرت زراعة الكزبرة في الولايات المتحدة الأميركية وخصوصا في ماساتشوستس منذ بداية القرن السابع عشر، وكانت من أولى الأعشاب التي بدأت المستعمرات الأميركية بزراعتها في العالم الجديد. ومن أميركا جاءت الكزبرة إلى بريطانيا نهاية القرن السابع عشر.
وبدأ الفرنسيون لأول مرة بتقطير الكزبرة في القرن ذاته لاستخراج الكحول منها.
تحتوي الكزبرة مواد هامة ولهذا كان لها نصيب كبير في الاستخدامات الطبية منذ قديم الزمان، وأهم هذه المواد، مركباته اللينالو، الليمونين، الزيت الطيار، الزيوت الدهنية، والبورنيول وبارا سايمن، الفاباينين، الكافور، الجيرانيول، كومارينات، فلافونيدات، فثاليدات، بالإضافة إلى البوتاسيوم والكالسيوم والمغنسيوم والحديد وفيتامين سي. ومن ناحية هذه الاستخدامات الطبية التاريخية فقد قال أبقراط: «إن في الكزبرة حرارة وبرودة وهي تزيل روائح البصل والثوم إذا مضغت رطبة ويابسة».



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».