كيف غيرت وسائل التواصل الاجتماعي صناعة الموضة ؟

كلما زاد عدد المتابعين على «إنستغرام» و«تويتر» زادت العقود والعروض

أسابيع الموضة تحولت إلى مسرح مفتوح لما أصبح يعرف بـ«ستريت ستايل» يحاول فيه الضيوف ارتداء أزياء لافتة لجذب انتباه المصورين
أسابيع الموضة تحولت إلى مسرح مفتوح لما أصبح يعرف بـ«ستريت ستايل» يحاول فيه الضيوف ارتداء أزياء لافتة لجذب انتباه المصورين
TT

كيف غيرت وسائل التواصل الاجتماعي صناعة الموضة ؟

أسابيع الموضة تحولت إلى مسرح مفتوح لما أصبح يعرف بـ«ستريت ستايل» يحاول فيه الضيوف ارتداء أزياء لافتة لجذب انتباه المصورين
أسابيع الموضة تحولت إلى مسرح مفتوح لما أصبح يعرف بـ«ستريت ستايل» يحاول فيه الضيوف ارتداء أزياء لافتة لجذب انتباه المصورين

عندما استعاض كارل لاغرفيلد عن الديكور الضخم واللافت في «لوغران باليه» هذا الموسم، بديكور حميم، اشترط فيه أن يجلس كل ضيوف «شانيل» في الصف الأول، حل مشكلة عويصة تؤرق أوساط الموضة والعاملين فيها.
فمنذ بضع سنوات وأصوات محرري أزياء مجلات وصحف ورقية مهمة، تتعالى منددة بتراجعهم إلى المقاعد الخلفية لصالح فتيات صغيرات لا خبرة لهن ولا باع في مجال الصحافة أو النقد، برأيهم، لا لسبب سوى أنهن نشطات في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. صحيح أن لبعضهن مدونات ناجحة، لكن بعضهن الآخر دخلن على الخط، واكتسبن شعبية وأتباعا من أبناء جيلهن، سواء على «تويتر» أو «إنستغرام» ومؤخرا «سناب تشات»؛ فقط لأن مظهرهن لافت، الأمر الذي يغطي على تغطياتهن التي تفتقر إلى عمق التحليل، وتعتمد غالبًا على الصورة أولا وأخيرا.
لكن الملاحظ أن الصور التي ينشرنها على مواقعهن وحساباتهن أثبتت مع الأيام أنها أبلغ من الكلام في العالم الجديد للموضة. فهن يصلن إلى نسبة عالية من الناس في كل العالم، مما جعل بيوت الأزياء وشركات المنتجات المترفة على اختلافها، تتنبه إلى قوة تأثيرهن وجعلها تتودد إليهن، تارة بدعوتهن إلى عروضها المهمة ودفع كل مصاريفهن، وتارة بتشجيعهن على ارتداء تصاميمها، وتارة يصل الأمر إلى التعاقد معهن في حملات خاصة.
جورج كيرن، الرئيس التنفيذي في شركة «آي دبليو سي شافهاوزن» للساعات الفاخرة اعترف لـ«الشرق الأوسط» في إحدى المقابلات بأنه عندما يستضيف شخصيات مشهورة، فهو يعرف مسبقا أنها تتمتع بحسابات عالية تصل إلى الملايين في ثانية واحدة، موضحا أن صورة واحدة ينشرونها على «إنستغرام»، تتداول عالميا. وهذا، على حسب رأيه، يجعلهم سفراء من المستوى العالي. الشيء نفسه بالنسبة للموضة، إلى حد أن البعض يدافع قائلا: «إن فضلا كبيرا في ازدياد اهتمام الرجل بها وإقباله عليها، يعود إلى وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت الذي ثقفه في هذا المجال، وشجعته على معانقتها».
الآن وحتى بالنسبة للماركات التي كانت ترفض دخول عالم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، مثل «توم فورد»، تراجعت عن قرارها بعد أن تنبهت إلى دورها في زيادة المبيعات. فالمسألة لا تقتصر على فتح مجال للشراء من مواقعها الإلكترونية، بل أيضا فتح باب تفاعلي مع الزبائن، من جيل التكنولوجيا أولا والصورة ثانيا.
انطلاقا من هذه القناعة، كان لا بد من التفكير في استراتيجيات جديدة تتوافق مع متطلبات العصر وثقافته. ففي العقود الماضية كانت هذه الاستراتيجيات تعتمد على المجلات والصحف للوصول إلى زبائنها، وأغلب الأحيان كان الأمر يتم من خلال الإعلانات والحملات الموسمية، التي كانت تتكرر بالصيغة والتوقيت نفسهما في العديد من هذه الوسائل الورقية. لكن شتان بين الأمس واليوم، حيث أصبح كل شيء آنيا لا ينتظر الغد، وهو ما أثر على شخصية عروض الأزياء وصناعة الموضة عمومًا، وجعل البعض يفكر جديًا في توفير كل ما يعرض على منصات العرض اليوم للبيع في اليوم التالي، وهو ما كان مستحيلا ولا يخطر على بال أحد من قبل. فانتعاش وسائل التواصل الاجتماعي ووصولها إلى الجميع، جعل الكل ضيفا مكرما في هذه العروض حتى وإن لم يتحرك من مقعده أو يخرج من بيته. فبنقرة أو ضغطة زر، يدخل أي عرض أزياء ويتعرف على كل ما يجري فيه، وراء الكواليس وخارجها، لا سيما أن بعض بيوت الأزياء تقدمها بتأثيرات ثلاثية الأبعاد لتزيد من متعة التجربة.
من ناحية أخرى، فإن وسائل التواصل الاجتماعي، والبث المباشر، كشفت ما كان يعتبره المصممون سرا من أسرارهم لا يطلعون عليه سوى زبائنهم المهمين وباقة من وسائل الإعلام، بل كانوا في الماضي يشترطون على الضيوف والمحررين عدم نشر الصور إلا بعد مرور عدة أشهر، أي قبيل توفرها في المحلات ببضعة أسابيع فقط. الهدف كان المحافظة على خصوصيتها وسد الأبواب أمام أي إمكانية لتقليدها وطرحها قبلهم. الآن أصبحت تنشر في اليوم نفسه، ويتم تداول الصور على المواقع المختلفة، ولا يمر أسبوع أو أسبوعان حتى تطرحها بعض المحلات الشعبية. صحيح أن الجودة تختلف، وكذلك بعض التفاصيل، لكن مجرد توفرها يجعل العين تتعود عليها، مما يفقد الأصلية عنصر الحلم ويقتل الرغبة فيها.
ورغم أن التجارب أثبتت أن الزبون يميل عموما إلى الماركات التي تعود عليها وربطته بها علاقة حميمة، تبقى الحاجة ملحة للبحث عن طرق للحفاظ على ولاء هذا الزبون، وفي الوقت ذاته قراءة التحولات الاجتماعية والثقافية حتى لا يفقدوا نسبتهم من السوق.
ويشبه البعض العملية بماراثون وليس بسباق سريع، بمعنى أنه يحتاج إلى استراتيجيات بعيدة المدى، تركز على زيادة الوعي بتاريخها وحرفيتها ومبادئها في العمل من دون تجاهل نقطة مهمة، وهي أن التسوق عملية عاطفية. وربما كان هذا ممكنا بالنسبة للبيوت التي تتمتع بإمكانات عالية، بل يمكن القول إنه مكمن قوتها، وليس أدل على ذلك من دار «شانيل» التي تتحفنا دائما بعروض ضخمة وديكورات مبتكرة تتحول إلى حديث الساعة، لكن الأمر مختلف بالنسبة للمصممين الشباب، الذين ليست لهم إمكانيات إعلانية عالية، وبالتالي يعتمدون على فتيات «إنستغرام» والمدونات، وتشجيعهن، مما أصبح يُعرف بـ«موضة الشارع» للوصول إلى أكبر شريحة من الناس. فالعملية لا تحتاج منهم سوى تقديم تصاميمهم هدايا لهؤلاء على أمل أن يظهرن بها في المناسبات. وتنجح العملية أكثر عندما يلتقط لهن «الباباراتزي» صورا تُنشر في بعض المجلات، في زاوية «ستريت ستايل».
لكن من الخطأ القول إن المصممين الشباب وحدهم يقومون بهذه العملية؛ فقد تختلف الوسائل لكن النتيجة واحدة. فعندما خصصت دار «شانيل» مثلاً لكل ضيف من ضيوفها مقعدًا في الصف الأمامي، فإن الفكرة هي أن يشعر بأهميته ويعيش لحظات مهمة تترسخ في ذاكرته وتتحول مع الوقت إلى لحظات تاريخية.
وربما تكون «بيربري» من أكثر بيوت الأزياء اقتحاما لمجال التكنولوجيا، بل يمكن القول إنها رائدة فيه، سواء من خلال بث عروضها مباشرة بأبعاد ثلاثية، أو من خلال توفير بعض منتجاتها مباشرة بعد العرض، وأخيرا وليس آخرا باستعانتها ببروكلين بيكام، البالغ من العمر 16 عاما، لتصوير حملتها الترويجية لعطرها الرجالي الأخير، في سابقة غير معهودة. فهو غير متخصص في مجال التصوير، لكنه يملك ما لا يملكه المتخصصون المخضرمون، وهو حسابه العالي على «إنستغرام»، الذي يقدر بـ5.9 مليون متابع.
غني عن القول إن الأمر أثار استنكار العديد من المصورين المتخصصين، لكن الواضح أن الدار لم تتخذ قرارها اعتباطا، فبروكلين بيكام، حسب رأي كريستوفر بايلي، مصمم دار «بيربري» ورئيسها التنفيذي، يتمتع بعين قوية وقدرة على التقاط صور جيدة مناسبة للنشر على «إنستغرام»، الذي أصبح وسيلة مهمة للتواصل مع الجيل الجديد. غني عن القول إن هذا الجيل الجديد متشبع بثقافة تلفزيون الواقع، وشريحة كبيرة منه تعتبر كيم كارداشيان وأخواتها قدوات يُحتذى بهن، لما حققنه من شهرة وثروة، من كيم كارداشيان إلى أختها العارضة كندل جينر، التي لم تكن لتحقق كل هذه الشهرة وتكتسح عروض الأزياء وتحصل على عقود مع شركات تجميل عالمية، مثل «إيستي لودر»، لو لم تكن منتسبة للعائلة ولها حساب عال.

حساب عارضات اليوم على «إنستغرام» يحدد حسابهن البنكي

* في أسبوع باريس الأخير، استعان العديد من المصممين بعارضات سوبر، مثل كيندل جينر، وجيجي حديد، ولارا ستون، وغيرهن في عروضهم، في صورة أعادت إلى الأذهان صور عارضات الثمانينات والتسعينات السوبر، مثل ناعومي كامبل، وسيندي كروفورد، وكايت موس، وليندا إيفانجليستا، وغيرهن، مع فرق شاسع بين عارضات الأمس اللاتي كان نجاحهن يُقاس بما يحصلن عليه من أجور وبعدد الأغلفة التي يتصدرنها ويسهمن في بيعها، وعارضات اليوم اللاتي تقاس أهميتهن بنشاطهن على وسائل التواصل الاجتماعي، وعدد أتباعهن على «إنستغرام» أو «تويتر»، فكلما كان لهن أتباع كثر، انهالت العروض والعقود عليهن من كل صوب. فتغريدة واحدة منهن تصل إلى مليون شخص أو أكثر، كما يكون لها مفعول السحر على المبيعات. لهذا ليس غريبا أن تظهر كيندل جينر في معظم العروض، بالنظر إلى أن عدد المتابعين لها على «إنستغرام» يصل إلى 51.1 مليون، بحكم انتمائها لعائلة كيم كارداشيان. أما صديقتها جيجي حديد، فيصل عدد متابعيها إلى 14.6 مليون. تأتي في المرتبة الثالثة أدريانا ليما، بحساب يُقدر بـ6.9 مليون متابع، تليها إيرينا شايك، بـ5.2 مليون متابع، ثم إميلي راتاجكوسكي بـ5.1 مليون متابع.
أما بيلا حديد، الأخت الصغرى لجيجي حديد، فعدد متابعيها يصل إلى 3 ملايين، بحكم أنها أقل شهرة من أختها، ولم تدخل مجال عروض الأزياء إلا مؤخرًا.
من العارضات السوبر نذكر أيضا لارا ستون، التي على الرغم من أن عدد متابعيها لا يتعدى 439 ألف متابع، فإنها تحقق أرباحًا سنوية تُقدّر بـ5 ملايين دولار أميركي بفضل تعاقداتها مع كل من «كالفين كلاين» و«لوريال»، أي أكثر من إميلي راتاجكوسكي، التي تتمتع بـ5.1 مليون متابع، لكن أرباحها السنوية تقدر بـ353 ألف دولار أميركي فقط.



عزة فهمي... تحمل عشقها للغة الضاد والتاريخ العربي إلى الرياض

TT

عزة فهمي... تحمل عشقها للغة الضاد والتاريخ العربي إلى الرياض

(عزة فهمي)
(عزة فهمي)

في ليلة دافئة من ليالي مدينة الرياض وقبل نهاية عام 2024 بأشهر قليلة، سطعت النجوم لتنافس بريق حضور تتقدمه يسرا وهند صبري وفاطمة البنوي إلى جانب باقة من الشخصيات المبدعة والمؤثرة في مجالات الفن والترف والجمال. المناسبة كانت افتتاح أول محل رئيسي لنجمة أخرى هي عزة فهمي.

فنانة تعتز بكل ما هو عربي أصيل وتُروجه للعالم في أجمل حالاته. فهي ترى الجمال في مشربيات البيوت القديمة وفي غموض الفراعنة كما في قصور المماليك وأشعار الشعراء وأغاني أم كلثوم وتفتُّح الورود وأجنحة الطيور. أي كل شيء يتحرك لتلتقطه عيناها. تختزل كل هذا في حليٍّ تحكي ألف قصة وقصة بخط عربي واضح، يزيد من جماله توظيفها فيه للفضة والذهب والأحجار الكريمة. كانت أول من فعل ذلك في العالم العربي لتتحول إلى مدرسة.

عزة فهمي مع النجمة يسرا في محلها الجديد بالرياض (عزة فهمي)

رباعيات صلاح جاهين

تقول إن فترة السبعينات من القرن الماضي كانت حقبة مهمة في تكوينها الفني. كان شعراء من أمثال عبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وصلاح جاهين ضمن دائرة أصدقائها إلى جانب فنانين من مجالات أخرى مثل النحت والتصوير والسينما. تتذكر أن أول بيت شعر استعملته كان للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، وكان على سلسلة مفاتيح. أتبعته بمجموعة لرباعيات صلاح جاهين، لقيت صدى كبيراً، وفق ما تقول: «كانت هذه الرباعيات تلخص فلسفة الدنيا كلها. كل شخص كان بيلاقي نفسه في رباعية معينة، وهو ما أشعرني كم أنا محظوظة أني من هذه البقعة من العالم لما تحتويه من كنوز ثقافية فنية قديمة وحديثة على حد سواء».

عقد من مجموعة «ثريا» مستوحى من الطراز العثماني تتوسطه كلمة «سعادة»... (عزة فهمي)

حب مصر

هذا التفنن السردي الذي تصبه في مجوهراتها، ورثت جانباً كبيراً منه عن والدها، الذي تقول إنه «كان قارئاً نهماً وعاشقاً للثقافة العربية على وجه الخصوص... منه تعلمت أن أحب مصر، شعبها، وعمارتها، وأرضها».

ومع كل هذا الحب لمصر، كان توسعها خارجها مسألة وقت فقط. فمن ورشة صغيرة في حلوان ثم في «بولاق الدكرور» المنطقة الشعبية المواجهة للمهندسين بالقاهرة، بدأت تصاميمها تنتشر وتشد انتباه العالم، لا سيما بعد أن تزينت بها مثيلات لايدي غاغا وغلين كلوز وناعومي كامبل وقبلهن يسرا وسعاد حسني وأسمهان ونعيمة عاكف وسامية جمال وغيرهن كثيرات، فضلاً عن استقبال متاحف مثل «السميسونيان» في واشنطن إبداعاتها.

بادلتها لغة الضاد الحب ذاته، إذ لمست تصاميمها وتراً حساساً لدى كل امرأة تفهم الشعر وتسمع أغاني الحب، وتريد أن تتزين بهويتها أو فقط أن تجعل من مجوهراتها مفتاحاً لأحاديث ممتعة في سهراتها الطويلة.

بداية الشغف

تتذكر عزة أن الطريق لم يكن معبَّداً بالورود، لكنه كان واضحاً أمامها. شعرت منذ الصبا أن حسها الفني لا يضاهيه سوى طموحها الكبير للتميز، لهذا استقالت من عملها الحكومي لتتفرغ لممارسة فنها. ولكي تُتقنه ويأتي بالمستوى المطلوب، استعانت في البداية بـ«معلمي» خان الخليلي. تتعلم منهم وتتعامل معهم. لكن حتى هؤلاء، أدركت بعد وقت أن طموحاتها تفوق إمكاناتهم وتقنياتهم. ما كان يدور في خيالها من أفكار وصور تريد أن تجسدها في قلادات أو أساور أو أقراط وخواتم كان جديداً عليهم. تقول في مذكراتها «أحلام لا تنتهي»: «كان أمل حياتي أن أدرس في الكلية الملكية لفنون الحلي والمجوهرات بلندن حتى أصقل موهبتي وأتمرس في تنفيذ أفكاري وترتيب تلك الصور التي تتراكم في خيالي بشكل متسارع».

سوار من مجموعة «ثريا» مستوحى من الطراز العثماني تتوسطه كلمة «سعادة»... (عزة فهمي)

تحقق الحلم وتعلمت في عاصمة الضباب فنون التصميم وتطبيق النظريات بشكل علمي وتقني. والأهم تعلمت كيف تنفذ التصاميم بنفسها، وهذا يعني أنها تحررت من أسْر الاعتماد على الغير. تشير في مذكراتها: «حينها فقط، شعرت أني أستطيع تنفيذ تصميمات معقَّدة وجديدة وأنا في غاية السعادة».

من تلميذة إلى معلمة

كانت دراستها ثم تخرجها نقطة تحول مهمة في مسيرتها، إذ منحتها القدرة والثقة على التعامل مع الحرفيين بندية. تقول: «قبل لندن كنت عندما أطلب منهم أحياناً تنفيذ رسمة معقدة بعض الشيء يأتيني ردهم: مينفعش يا باشمهندسة». يُسهبون في تبرير الأسباب، فيُفحمونها، لتقف مكتوفة اليد. لكن بعد لندن تغيَّر كل شيء؛ «أصبحت لديّ الثقة في أن أردّ عليهم، وأنا متسلحة بقدرتي على تنفيذها بنفسي». كانت تقوم بذلك على مرآهم لـ«أبرهن لهم أن كل شيء ممكن». وهكذا تحولت التلميذة إلى معلمة، وتغير لقبها لدى الحرفيين من «باشمنهدسة» إلى «الأسطى المعلم».

أقراط أذن من مجموعة «حكايات النيل» مكتوب عليها كلمة «الوصال» للتعبير عن الحب الأبديّ (عزة فهمي)

تتحسر على تلك الأيام وهي تقول كم أنها تفتقد العمل بيدها: «لقد أخذتني مشاغل الحياة وأصبحت مجرد مصممة لا منفِّذة». ثم تستطرد قائلةً بنظرة رضا إنها كسبت نفسها في المقابل.

في دردشة حميمة معها على ضفاف نهر النيل منذ نحو عام تقريباً، ذكرت لي أنها الآن أكثر هدوءاً وتصالحاً مع نفسها، إذ باتت ترى العالم من منظور مفعم بالسكينة والإيجابية، بعد أن ابتعدت عن توترات الحياة وضغوطها. تنصحني باليوغا التأملية وهي تعدِّد لي محاسنها وتأثيراتها، وتقول إنها لا تستغني عنها أبداً. بل تؤكد أن سفرها لممارستها والتمرس فيها في أماكن مختلفة من العالم، بات تقليداً سنوياً لا تحيد عنه.

كلامها عن هذا الهدوء النفسي والروحي الذي ارتقت إليه، لا يُشعرك بأنه خفف الشعلة الإبداعية بداخلها ولا تعصبها لعروبتها. لا تزال «الأسطى المعلم» حتى بعد أن سلَّمت جانباً كبيراً من أمور عملها لابنتيها، فاطمة وأمينة غالي.

فاطمة، وهي كبرى بناتها، تقوم منذ سنوات بدور الرئيس التنفيذي لما تتمتع به من دراية بإدارة الأعمال وتعرف تماماً ما تحتاج إليه علامة «عزة فهمي» من تطوير من دون المساس بجيناتها.

أمينة غالي ابنة عزة فهمي مع ضيفاتها في الرياض (عزة فهمي)

أما أمينة غالي، صغرى بناتها، فالتحقت بالعمل مع والدتها في عام 2005. رافقتها كظلها لثلاث سنوات تقريباً، تتعلم منها كل صغيرة وكبيرة وتتشرب منها مبادئ الدار وأسسها قبل أن تصبح المديرة الفنية حالياً. لكنّ فاطمة وأمينة تعترفان بأن والدتهما لا تزال القائد الذي لا يقبل بأنصاف الحلول. أما عزة فتقول بنبرة فخر إنهما إضافة رائعة لها «نحن من جيلين مختلفين لكن يكمل بعضنا بعضاً بشكل متناغم».

الهوية العربية... خط أحمر

ما يُثلج الصدر في هذه المسيرة، إلى جانب أن عزة لا تزال تمسك بكثير من خيوط الدار بيد فنانة وأم، أنها لا تتهاون في أي شيء يرتبط بما هو عربي أو مصري، من ثقافة وفنون وتقاليد وتاريخ. ربما الآن أكثر من أي وقت سابق نظراً إلى توسعها في مناطق مختلفة من العالم.

افتتاح أول متجر رئيسي لعزّة فهمي في المملكة العربية السعودية حدث يعزّزها جسراً يربط بين التراث والفخامة (عزة فهمي)

لا تُنكر أن وجودها في لندن لسنوات، في «بيرلنغتون أركايد» بمنطقة «مايفير»، كان محطة رئيسية لعلامتها، إلا أن افتتاح أول محل رئيسي في مركز المملكة التجاري بمدينة الرياض، له نكهة أخرى. فهو إنجاز استراتيجي تعتز به، نظراً للشعبية التي تحظى بها في المنطقة منذ عقود. فلها فيها زبونات مخلصات قدَّرن فنّها منذ السبعينات. تشرح أن هذه الخطوة هي ثمرة لشراكة عمرها 14 عاماً تقريباً مع شركة «عطّار المتحدة»، التي فهمت جينات «عزة فهمي» واقتنعت بها، وهو الأمر الذي يتجلى في كل تفصيلة من تفاصيل ديكورات المحل، من الألوان والنقشات إلى الثريات مروراً بطاولات العرض والقطع المعروضة عليها بكل حب.

احترم مصممو ديكور المحل الجديد أن تصاميمها بمثابة جسر يجمع العراقة بالأصالة (عزة فهمي)

فالمحل يتنفس جيناتها وفلسفتها إلى جانب الفخامة التي يفرضها المكان ومدينة الرياض. ما يُحسب لمصممي الديكور استيعابهم أن المتجر سيكون بمثابة جسر يربط بين التراث والفخامة، وهذا ما جعل تصميمه يتعدى كونه مجرّد مساحة أنيقة وشاسعة لعرض الحليّ والمجوهرات الرفيعة، بل جاء امتداداً لرؤية عزّة والتزامها بالحرفية بوصفها تراثاً ثقافياً عابراً للأجيال.

كلمة «حب» التي تظهر في كثير من القطع المنزلية كما في قطع مجوهرات مثلاً لم تأتِ من فراغ، فهي تعكس شخصيتها وأسلوبها في التصميم على حد سواء. هي التي تكرر دائماً أنها لا تستطيع أن تقوم بأي شيء لا تحبه «لأنني أعرف مسبقاً أنه لن يكون جيداً وسيفتقر إلى شيء مهم».

قلادة من مجموعة «حكايات النيل» التقى فيها الآرت ديكو مع التراث المصري (عزة فهمي)

بالإضافة إلى الأهمية الاستراتيجية لافتتاح محل رئيسي في الرياض، فإن الافتتاح نفسه لم يكن مجرد مناسبة اجتماعية تضم نجوم المجتمع والفن والمال والأعمال فحسب. كان احتفالاً برحلة عزّة فهمي على مدى 55 عاماً، متتبعاً أهم محطاتها الإبداعية من خلال مجموعات أيقونية وأخرى جديدة مثل مجموعة «حكايات النيل» التي عُرضت أول مرة في يوم الافتتاح، وقالت عزة فهمي إنها تُجسد قصصاً ملهمة من التراث المصري الأصيل، تجمع الماضي بالحاضر. كل قطعة منها تحاكي لوحة فنية في ظاهرها، وتسرد حكاية من حكايات الحب الأبديّ في مضمونها وكلماتها.