تكاد طهران أن تكون العاصمة الوحيدة في العالم التي لم تصدر الصحف فيها في إجازة رأس السنة (النوروز) على مدى أكثر من أسبوعين، فيما شهدت الساحة الداخلية تدهورا خطيرا على مستوى الأزمة السياسية والصراع بين أجنحة السلطة.
وبعد عودة الصحف الإيرانية من «الغيبوبة» المؤقتة، خيمت أبرز الأحداث الداخلية خلال الأسبوعين الماضيين على الصفحات الأولى، وتقاسم الأخوان العدوان، المرشد الأعلى علي خامنئي، وخصمه الشرس هذه الأيام، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الصفحات الأولى، في أفضيلة واضحة لخامنئي.
من المتوقع أن تواصل الصحف الإصلاحية، على زخم أجواء التنافس الانتخابي، للحفاظ على مكانتها التي تحققت في المرحلة الأولى من الانتخابات، وأن تستمر بالأسلوب ذاته الذي منحها الفوز على المنافسين في انتزاع بعض المقاعد من التيار المسيطر على البرلمان الحالي. وتجري الانتخابات في المرحلة الحاسمة في 29 من أبريل (نيسان) لحسم مصير أكثر من 45 مقعدا برلمانيا.
وشهدت وسائل الإعلام الإيرانية، وفي مقدمتها الصحف، نشاطا لافتا في الفترة التي سبقت الانتخابات، وانقسمت الصحف الإيرانية بين مؤيد لاتجاهات حكومة روحاني، وأخرى معارضة له تحت تأثير سلسلة خطابات لخامنئي. وبما أن الصحف ووكالات الأنباء في إيران تتأثر بالجهات السياسية الراعية لها، تعدّ الصحف المنابر الإعلامية للتعبير عن نفسها والدفاع عن سياستها الداخلية، ورؤيتها في الاقتصاد والسياسة الخارجية وأمن البلد، كما تشهد تلك الصحف فيما بينها مزاودة على ما تعدّه قيم الثورة والالتزام بمبادئها. ووفق ما تقدم، ساهمت وسائل الإعلام في دخول البلاد إلى الأجواء الانتخابية مبكرا. وللصحف في إيران تأثيرها فی تطورات الانتخابات، بحسب تصريح الصحافي إحسان محرابي لـ«الشرق الأوسط». وبلغ التأثیر ذروته في زمن رئاسة محمد خاتمي، منذ 1997.
وينوه محرابي إلى أن الصحف الإيرانية «عادة، ذات تأثير في تطورات الانتخابات». ويتابع محرابي أن تأثير الصحف في المشهد السياسي الإيراني وصل إلى مستوى أن قدم رؤساء تحرير الصحف الإصلاحية أنفسهم لانتخابات البرلمان السادس في قائمة انتخابية واحدة وحصدوا أصواتا أكثر من الإصلاحيين.
ويضيف محرابي، أنه «منذ تسوماني وقف الإصدار الذي ضرب الصحف الإيرانية في 2009، فقدت الصحف الجديدة تأثيرها إلى حد كبير، ولم تعد مؤثرة في الانتخابات مثل السابق. وفي الجهة المقابلة للصحف الإصلاحية، تصطف الصحف المدعومة بصورة مباشرة وغير مباشرة من خامنئي، وتقوم بأدوار مختلفة».
من جانبه، المحلل السياسي والصحافي رضا حقيقت نجاد، في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» يقدم قراءة مختلفة من وسائل الإعلام في بلاده، إذ قال: «نحن في انتخابات هذا العام كان لدينا تنافس جاد بين وسائل الإعلام الحديثة ووسائل الإعلام الكلاسيكية، المعسكر الأصولي. وبشكل أساسي كان التركيز في المنابر الكلاسيكية مثل الإذاعة والتلفزيون، الذي باختيارهم حصرا، وكذلك الصحف المهمة ولكن التيار الإصلاحي اعتمد على غرفة التواصل وشبكات التواصل الاجتماعية، وكذلك القنوات الفضائية الناطقة بالفارسية التي تستقر خارج إيران. في الواقع، وفي المجموع، ما حدث أن التيار الإصلاحي تمكن من إدارة مجموعة إعلامية كبيرة بمساعدة شبكات (تيليغرام) و(فيسبوك) و(تويتر) والقنوات الفضائية، وكان أكثر نجاحا من منافسيه في توجيه رسالته إلى الشعب».
وتابع حقيقت نجاد، إن التيار الإصلاحي «لم ينجح في توجيه رسالته فحسب، بل نجح في تعبئة أنصاره وتشجيعهم، وبخاصة في طهران على المشاركة في الانتخابات بصورة فاعلة. من هذا الجانب يمكننا القول إن التيار الإصلاحي كان أكثر نجاحا في توظيف وسائل الإعلام في هذه الانتخابات، والتيار الأصولي أخفق في توظيف وسائل التواصل الحديثة، وعلى مستوى الخطاب كان تقليديا ويفتقر للتأثير، ولهذا السبب انهزم في السباق الإعلامي».
وعن اختلاف تأثير الصحف في الانتخابات الأخيرة التي جرت في 26 فبراير (شباط) الماضي، استطرد محرابي قائلا: «إن شبكات التواصل الاجتماعي كانت أكثر تأثيرا من الصحف الإيرانية، وأن الصحف وجدت شريكا أو منافسا لها في أيام الانتخابات». وعلى ضوء ذلك، فإن الصحف كانت تعبر عن وجهة النظر الرسمية والتقارير المعتمدة لدى الدوائر الرسمية، بينما شبكات التواصل الاجتماعي تكفلت بنشر التقارير غير الرسمية، وكان لها دور كبير في تشكيل حملات دعم لمرشحين، أو ضدهم في العالم المجازي (الإنترنت).
وتوقع محرابي، أن يساعد الانتصار الانتخابي الذي حققه الائتلاف المقرب من الحكومة على العمل بوعودها الاقتصادية، والتقدم في السياسة الخارجية، إلا أنه لم يتوقع أي تغيير يذكر في التعامل مع الصحافة في إيران، لأن التصدي للصحف وقمعها بيد الأجهزة التابعة لخامنئي، التي لا تتأثر بالانتخابات، ولا تشهد المناصب فيها تغييرا.
وفي إشارة إلى تأثير القنوات الفضائية الناطقة بالفارسية خارج إيران، والتي تدعم بصورة مباشرة الحكومة الإيرانية، وتكاد أن تكون من منابرها الأساسية والمدافعة عن خطابها على المستوى الداخلي والخارجي، يؤكد حقيقت نجاد، أنه «يجب أن نضع في الحسبان، أنه في مدينة مثل طهران، تظهر الإحصاءات ما بين 60 إلى 70 في المائة من الشعب لديهم أقمار صناعية، وكذلك الإحصاءات تقول إن 25 مليون إيراني يستخدمون شبكة (تيليغرام)، وعلى الرغم من الحجب، الإيرانيون يستخدمون (تويتر) و(فيسبوك) إلى حد ما، وهذا وفّر أرضية إعلامية خصبة للإصلاحيين في الواقع مكّنتهم تلعب دور المكمل، وإلى جانب وسائل الإعلام الأخرى تحولت إلى عنصر فاعل في الانتخابات، كذلك يمكننا أن نعدّ الانتخابات انتخابات وسائل الإعلام».
وبشأن أداء الصحف في المعسكرين الإصلاحي والأصولي، يشرح حقيقت نجاد، أن «صحف كلا التيارين قدمت كل ما تستطيع تقديمه، وإلى حد بعيد، قامت بتغطية النشاط الانتخابي، لكن نقطة ضعف التيار الأصولي كانت واضحة، وسببها الخلافات الداخلية، وأنهم في اتجاهاتهم افتقدوا الوحدة، بعض صحفهم ترعاها المؤسسات الحكومية الكبيرة، ولا يمكنها الدخول بصورة مباشرة في الانتخابات، لكن الصحف التي كانت نشطة بين الأصوليين، بحسب تقربها من قائمة المرشحين الأصوليين، كانت تتغير طبيعة تغطيتهم».
وفي السياق نفسه، يتابع حقيقت نجاد، إن «بين الصحف الإصلاحية نوعا من الانسجام في السلوك الإعلامي بتأثير من الأوضاع السياسية حاولت بصورة كاملة وبتنسيق أن تغطي جوانب النشاط الانتخابي كافة للمعسكر الإصلاحي، ويمكن القول، كانت أكثر انسجاما من غيرها في هذا الخصوص، ولا بد من القول، إن نجاح الإصلاحيين تحقق في حالتين، الأولى قسم مهم من طاقاتهم الإعلامية هاجرت إلى خارج إيران، أو في المعتقلات، أو يواجهون قيودا في ممارسة النشاط الصحافي، والأخرى أنهم قاموا بدورهم في وضع الإنترنت محجوبة، ويمكن أن نقول نجاحهم كان مضاعفا لهذه الأسباب».
الصحف الإيرانية المحرك الرئيسي في الانتخابات
الأحداث الداخلية خيَّمت على الصفحات الأولى بعد غيبة أسبوعين
الصحف الإيرانية المحرك الرئيسي في الانتخابات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة