أعلن المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أمس، تفاصيل خطته للحل الشامل في سوريا، كاشفا عن وثيقة من 12 بندا تحدد المبادئ الأساسية للحل تتضمن «عملية انتقالية سياسية» بكامل الصلاحيات، وتم تسليمها لوفدي النظام والمعارضة. وقال المبعوث الدولي إن «أحدا لم يعترض عليها».
ويحتوي ملخص للوثيقة على بنود تشمل إصلاح مؤسسات الدولة وفقا للمعايير الدولية، ورفض الإرهاب، وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم «2254» الذي يضمن انتقالا سياسيا. وتنص الوثيقة أيضا على إعادة بناء الجيش السوري على أساس وطني، وضمان قيام دولة ديمقراطية غير طائفية، والحفاظ على حقوق المرأة في التمثيل العادل.
وأعلن دي ميستورا أمس أنه سيدعو لجولة جديدة من المفاوضات تعقد في 9 أبريل (نيسان) المقبل، على الرغم من أن وفد نظام بشار الأسد أعلن في وقت سابق أنه لن يشارك في أي اجتماعات قبل الانتخابات البرلمانية التي دعا إليها النظام في 13 أبريل المقبل. وقالت المعارضة السورية إنها تعتقد أنه جرى الآن وضع أساس لمحادثات سلام جوهرية. وقالت بسمة قضماني، العضو بوفد المعارضة، بعدما اختتمت الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة محادثاتها مع مبعوث الأمم المتحدة: «نخرج من هذين الأسبوعين ولدينا شعور بأننا وضعنا على الأرجح الأساس لمحادثات جوهرية في الجولة التالية».
وقال دي ميستورا للصحافيين في مؤتمر صحافي عقده في ختام الجولة الراهنة من المحادثات غير المباشرة حول سوريا في مقر الأمم المتحدة في جنيف: «سنبدأ المحادثات والاجتماعات في الموعد الذي حددناه بأنفسنا والذي لا يمكن أن يتأخر عن التاسع أو العاشر من أبريل»، مضيفا أنه بإمكان الوفود التي لن يصل بعضها حتى منتصف الشهر المقبل، أن تنضم تباعا.
وأضاف ردا على سؤال حول طلب دمشق تأخير استئناف المفاوضات حتى إنجاز الانتخابات التشريعية في 13 أبريل: «الانتخابات الوحيدة التي أشعر أنني مخول بالتعليق عليها.. هي تلك الانتخابات التي ستشرف عليها الأمم المتحدة. وأي انتخابات أخرى لن أعلق عليها». ويحدد القرار الدولي رقم «2254» خريطة طريق تتضمن مفاوضات بين النظام والمعارضة، ووقفا لإطلاق النار، وتشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر، وتنظيم انتخابات خلال 18 شهرا.
وقال دي ميستورا للصحافيين إن «واحدة من أهم صفات المحادثات غير المباشرة أنها توفر مرونة إلى حد كبير» في إشارة إلى إمكانية وصول الوفود في مواعيد مختلفة. واختتم دي ميستورا أمس جولة من المحادثات غير المباشرة حول سوريا، تزامنا مع عقد وزير الخارجية الأميركي جون كيري لقاء مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو بهدف تقريب مواقف البلدين من تسوية النزاع السوري ومستقبل بشار الأسد الذي يعد أبرز نقاط الخلاف في مفاوضات جنيف.
من جهتها أعلنت المعارضة السورية أمس أنها تعتقد أنه «جرى الآن وضع أساس لمحادثات سلام جوهرية» عندما تلتقي أطراف الصراع مجددًا في أبريل (نيسان) المقبل، بما في ذلك المضي قدمًا بشأن قضية الانتقال السياسي الخلافية. وبالتزامن، أكدت نائب رئيس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» سميرة المسالمة أن وفد الشعب السوري أعد رؤية شاملة حول المرحلة الانتقالية في سوريا وعملية الانتقال السياسي، مؤكدة على ثوابت الثورة بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات.
تصريحات المسالمة، من جنيف، جاءت بعد الإعلان عن «وضع مبادئ أساسية» للجولة المقبلة من المفاوضات في جنيف، المزمع عقدها في أبريل المقبل، وسط معلومات عن أن الجولة المقبلة من المفاوضات «سيبحث فيها الطرفان جوهر الانتقال السياسي وليس المبادئ». وأشارت نائب رئيس «الائتلاف» إلى أن الوفد المفاوض تعامل بجدية مطلقة تجاه العملية التفاوضية، انطلاقًا من تحملها المسؤولية الكاملة تجاه الشعب السوري في تحقيق تطلعاته إلى الحرية ودولة الديمقراطية التي تنهي عهد الاستبداد والديكتاتورية.
وقالت المسالمة في تصريح خاص من جنيف إن رؤية وفد الثورة السورية «تؤهل الواقع السوري لوضع دستور جديد وإجراء انتخابات شاملة»، مؤكدة أن هذه الرؤية «تضعنا في الطريق الصحيح لبناء سوريا الجديدة التي تضمن حقوق متساوية للشعب السوري بمكوناته كافة». وأكدت أن «بعثة الهيئة العليا للمفاوضات استمدت قوتها من الحراك المدني الحقيقي الذي رافق فترة المفاوضات، وكان يعبر عن استمرار الثورة ودعمه للعملية التفاوضية التي تحقق العدالة الانتقالية ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب».
وفي السياق نفسه، رأى البعض في المعارضة أن ما تحقق يمثل تطورًا استراتيجيًا لجهة إحضار النظام للتفاوض على الانتقال السياسي، بعدما ظل رافضًا لهذه النقطة. ورأى القيادي في المعارضة عبد الباسط سيدا أن إحضار النظام إلى طاولة التفاوض على الانتقال السياسي «يؤكد أن هناك رغبة دولية لوضع قطار الحل السياسي على السكة، حيث بات هناك إطار مشترك، ونقاط عامة يمكن أن تمثل النقاط الأساسية في جدول أعمال جلسات المباحثات المقبلة». وأكد سيدا، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «من المبكر الحكم على نتائج المفاوضات»، لافتًا إلى أن «الخروج بهذه التوافقات والمبادئ العامة التي ستشكل محور المفاوضات، لا تزال في مرحلة العموميات»، مشددًا على أن «المفاوضات عادة تحتاج إلى جدية من الطرفين وإيمانهما بضرورة الوصول إلى حل، ولذلك يتوقف نجاح المفاوضات على موقف النظام في المرحلة المقبلة».
وأشار سيدا إلى أن النظام اليوم «على اطلاع بأن هناك رغبة دولية جادة أكثر من جنيف 2 لمحاولة إيجاد حل للأزمة، وخصوصًا بعد تفجيرات أوروبا وانتشار الإرهاب، وبات هناك رغبة عارمة بضرورة معالجة الوضع وإنهاء الصراع عن طريق الوصول إلى حل سياسي يرتقي إلى مستوى تطلعات الشعب السوري وآماله». وأضاف: «أمام هذه الوقائع الدولية، بات النظام يدرك أن أوراقه التي تحدث عنها حول وجود مؤامرة ضده، باتت مكشوفة كما يعرف أن وضعه بات أصعب».
حقًا، تضاعفت المؤشرات على أن الجولة المقبلة تحمل إشارات إيجابية، إذ أعلنت بسمة قضماني، عضو وفد المعارضة، بعدما اختتمت الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة محادثاتها مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص ستيفان دي ميستورا: «نخرج من هذين الأسبوعين ولدينا شعور بأننا وضعنا على الأرجح الأساس لمحادثات جوهرية في الجولة التالية». وأضافت: «لم نعقد مثل هذه المحادثات الجوهرية»، مشيرة إلى أن «دي ميستورا قدم وثيقة بناءة تتضمن فهمه لنقاط الالتقاء بين كل الأطراف».
من جهتها, عبرت مصادر دبلوماسية غربية رافقت محادثات جنيف حول سوريا طيلة فترة انعقادها عن «رضاها» عن النص الذي توصل إليه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا مع انتهاء الجولة الثانية، معتبرة أنه «يأتي على مجموعة من المبادئ» التي جمعها وتحظى بموافقة الطرفين، أي وفد النظام ووفد الهيئة العليا للمفاوضات. وكشفت هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن وفد الهيئة العليا «رفض» في آخر لقاء له مع المبعوث الدولي أن تنقل «ورقة بنود التسوية» إلى مجلس الأمن، وأن تعتبر مرجعية جدية للمفاوضات التي يريد الوفد أن تبدأ بأسرع وقت مشدّدة على أنها «ليست أكثر من إطار» ينصّ على المبادئ العامة وبالتالي لن «تكون لها أي قيمة قانونية ملزمة».
هذا، ورغم أن المبعوث الدولي أشار في مؤتمره الصحافي إلى أن «الورقة» تحظى بقبول الطرفين، فإن قول بشار الجعفري، رئيس وفد النظام، إنه «سينقل النص إلى دمشق» يثير بعض المخاوف لدى الدبلوماسيين الغربيين ولدى المعارضة من أن يكون ذلك «أول خطوة تراجعية» عن القبول بها.
من جانبه، حرص دي ميستورا في مؤتمر الصحافي النهائي مساء أمس على القول إن الورقة «تتضمن نقاطا جيدة للوصول إلى أرضية مشتركة»، مضيفا أنها «ليست وسيلة لقرار دولي جديد في مجلس الأمن بل هي مجرد فهمي للعملية السياسية وكيفية السير بها». وتضيف المصادر الغربية أن دي ميستورا «فهم أنه لن يكون بوسعه الذهاب أبعد مما ذهب إليه» في الخلاصات التي توصل إليها وأن هذه الورقة «ستشكل المنطلق الذي يرغب الانطلاق منه إلى الجولة القادمة آملا ألا يغرقه وفد النظام بموضوع المبادئ والمماطلة وإضاعة الوقت».
بيد أن المصادر المشار إليها أفادت أن للمعارضة وللأطراف الداعمة تحفظات على «نقطة أو نقطتين»، أحدها الفقرة الخاصة بعملية الانتقال السياسي التي دأب دي ميستورا على التركيز عليها منذ بداية انطلاق الجولة الثانية بحيث اعتبر أن تحقيق تقدم بشأنها هو «الضامن» للاستمرار في احترام وقف الهدنة التي بدأت في 27 فبراير (شباط) الماضي، ومن إيصال المساعدات الإنسانية خاصة للمناطق التي لم تصلها بعد. والحال، أن الوسيط الدولي اعتمد الغموض في صياغة الفقرة الخاصة بعملية الانتقال السياسي إذ لم يشر إلى «تشكيل هيئة انتقال سياسي بالتوافق وتتمتع بكافة الصلاحيات التنفيذية..». بل إنه اعتمد القول التالي، وفقا للترجمة العربية: طبقا لقرار مجلس الأمن 2254 يشمل الانتقال السياسي في سوريا آليات حكم ذات مصداقية وغير قائم على الطائفية، ويشمل جدولاً زمنيًا لإعداد دستور وتنظيم انتخابات حرة نزيهة. وبذلك يكون دي ميستورا قد «شق التفاحة نصفين» بحيث لم يرض أيًا من الطرفين تمامًا ولم يغظهما تمامًا.
من جهة ثانية، ترى المصادر الغربية أن المبعوث الدولي الذي «كان يراعي مواقف النظام في الفترة السابقة» التزم مواقف «أكثر حيادية» من خلال تركيزه على العملية التفاوضية ورفضه الحديث عن وجود وفود كثيرة من المعارضة رغم التقائه بـ«مجموعة موسكو» و«مجموعة القاهرة» و«المعارضة الداخلية» ناهيك عن «مجلس النساء السوريات» وشخصيات من المجتمع المدني السوري.
كذلك بيّن دي ميستورا، وفق المصادر نفسها عن «براعة دبلوماسية» حين لم يخضع لضغوط وفد النظام الذي طالب باستئناف المحادثات بعد الانتخابات البرلمانية التي يعدّ لها النظام السوري بينما أراد هو - أي دي ميستورا - بداية أن تستأنف في الثامن من أبريل (نيسان) القادم. وجاء «الإخراج» بأن قرر بدء المشاورات في التاسع من أبريل «بمن حضر» على أن تستأنف رسميا بعد وصول كل الأطراف.
يبقى السؤال الرئيسي الذي تطرحه هذه المصادر ويتناول «منهج» دي ميستورا الذي يتعين عليه أن يدخل في الجولة الثانية في صلب العملية وطرح الأسئلة الصعبة. وبالطبع، ستكون له الفرصة للتفكير في ذلك مع فريقه خلال الأسبوعين اللذين يفصلانه عن العودة إلى قصر الأمم في جنيف.