الصحافة الإيرانية.. قراءة ما بين السطور

أجهزة الإعلام التي تطورت على أيدي الملالي يصعب إدراك فحواها بالطرق التقليدية

الصحافة الإيرانية.. قراءة ما بين السطور
TT

الصحافة الإيرانية.. قراءة ما بين السطور

الصحافة الإيرانية.. قراءة ما بين السطور

بعد فترة وجيزة من «تحرير» العراق في عام 2003، أقامت الاستخبارات المركزية الأميركية «محطة للتنصت» في دبي مع بعثة مرافقة لمراقبة البث الإذاعي والتلفزيوني الوارد من الجمهورية الإسلامية وقراءة الصحف الصادرة في إيران. ولخدمة هذا الغرض قاموا بتوظيف مجموعة من الصحافيين الشبان من داخل إيران نفسها، وعهدوا إليهم بالعمل بعد تلقيهم قدرا من التدريب على ذلك في لندن.
وما لم يعلمه الجانب الأميركي حينئذ أن الصحافيين الذين جندوهم للعمل في تلك المهام في الجمهورية الإسلامية كانت قد تشكلت ثقافتهم بالأساس على أن الصحافة تدور حول إخفاء الأمور أو كشفها فحسب. كما لم يعلم الجانب الأميركي كذلك أنه إذا ما أردت قراءة صحيفة «جمهوري إسلامي» الإيرانية، على سبيل المثال، بالطريقة نفسها التي تقرأ بها صحيفة «واشنطن بوست»، فسوف ينتهي بك الأمر إلى حيرة بالغة.
فالصحافة الإيرانية التي تطورت على أيدي الملالي يصعب إدراك فحواها بالطرق التقليدية المستخدمة في المجتمعات «الحرة» أو «غير الحرة».
ففي المجتمعات الحرة التي تبلغ فيها حرية الصحافة حد التقديس، رغم أنها حرية غير محترمة على الدوام، تنقسم الصحافة وفق الحساسيات السياسية والمصالح الاجتماعية الاقتصادية المعتبرة ضمن ثنائية اليمين واليسار الكلاسيكية.
وبالتالي، تعد صحيفة «نيويورك تايمز»، على سبيل المثال، بالنسبة لكثير من المواطنين الأميركيين صحيفة «تيار اليسار»، بسبب تأييدها المستمر للحزب الديمقراطي. ومع ذلك، وبالنسبة إلى مواطني أوروبا الغربية، فإن الصحيفة نفسها تعامل معاملة لسان حال التيار اليميني المعبر عن النخبة الرأسمالية الأميركية.
وعلى الطرف الآخر من الطيف، وخلال أيام التألق السوفياتية، لم يكن من الصعب معرفة أن صحيفة «البرافدا» هي لسان حال الحزب الشيوعي الحاكم في موسكو.
وعندما نتحدث عن الصحافة الإيرانية، رغم ذلك، فإن أيا من تلك القواعد الكلاسيكية يعد معتبرا أو معمولا به. لا يمكن توصيف إيران بأنها «مجتمع حر» إذا كان منتقدو النظام الحاكم، حتى من بين النخبة الحاكمة، يواجهون خطر الإعدام أو السجن على أقل تقدير. كما لا يمكننا اعتبار إيران مجتمعا شموليا مثل الاتحاد السوفياتي القديم أو كوبا اليوم. فليس هناك حكم الحزب الواحد، حيث لا وجود للأحزاب السياسية بالأساس في إيران، وبالتالي ليس هناك ما يُعرف بلسان حال اللجنة المركزية للحزب. بدلا من ذلك، لدينا ما يمكن للمرء وصفه بأنه نظام آيديولوجي تتصارع فيه كثير من الفصائل على السلطة تصارع كثير من سمك «الباراكودا» على التهام الطعم في بركة السمك.
يتحد زعماء الإقطاع الآيديولوجي في الجمهورية الإسلامية على حماية النظام الحاكم والحيلولة دون ظهور التعددية الحزبية في إيران. وليس من أحد في إيران مستعد للسماح للغرباء، الذين تصفهم اللغة الفارسية باسم «جاهير - خودي»، بالحصول على أي نصيب في عملية صناعة القرار السياسي في البلاد. ولكن «الغرباء» الداخليين لدينا يتمتعون بدرجة من الحرية لا يمكن تصورها في أكثر الأنظمة الشمولية الحالية مثل كوريا الشمالية أو زيمبابوي أو جمهورية الصين الشعبية. مع الأخذ في الاعتبار كذلك أساليب مثل «التقية»، و«الكتمان»، و«الاستتار»، و«الحيلة»، التي يمارسها ويعزز من وجودها الملالي عبر أكثر من 500 سنة من عمر الزمان، وسوف يكون للقارئ العادي ما يحتاجه من التدريب الخاص في قراءة الصحف الإيرانية على النحو الصادرة به تحت مظلة الآيديولوجية الخمينية.
يجب على القارئ الإيراني أن يتعلم قراءة ما بين السطور.
على سبيل المثال، انظروا إلى هذه السطور من صحيفة «رسالات» اليومية الإيرانية الصادرة الخميس الماضي: «كان العام (الإيراني) الذي يقترب من نهايته عاما من الركود، والبطالة، ونقص التحسينات في مناخ المشاريع والأعمال. ومع ذلك، يكمن الأمل في أن (الرئيس) حسن روحاني سوف يفي بوعوده خلال العام المتبقي من ولايته الرئاسية».
وفي اليوم نفسه خصصت صحيفة «كيهان»، التي تشتهر بنقل وجهات نظر المرشد الإيراني الأعلى، مقالتها الافتتاحية إلى ما زعمت بأنه «فشل سياسة روحاني الاقتصادية». ومضت الصحيفة في مزاعمها بالتكهن أن روحاني قد يضطر إلى «تسليم الرئاسة» خلال انتخابات العام المقبل.
وعرجت صحيفة «وطن امروز» اليومية على الموضوع نفسه في مقالتها الافتتاحية، حيث قالت إن «الميزانية العمومية الاقتصادية لحكومة الرئيس روحاني تتسم بالبساطة: فهي تعكس بوضوح حالة عدم التخطيط، والفوضى، وكثيرا من الزوايا الغامضة والمشبوهة».
يمكن للقارئ الإيراني العادي أن يلحظ على الفور أن الصحف الإيرانية الثلاث لا تستشهد إحداها بدليل واحد على الفشل الاقتصادي للرئيس حسن روحاني. والواضح أن الصحف الثلاث تحاول تهيئة الرأي العام الداخلي لمحاولة الإطاحة بالرجل من منصبه. والسبب؟ مرة أخرى، من خلال قراءة ما بين السطور، هو أن الملا المبتسم قد أدى الدور المفترض منه أن يؤديه من خلال المراوغة فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني بمساعدة إدارة أوباما في واشنطن.
ومن باب تمهيد الأجواء للإطاحة بروحاني إلى الكواليس الخلفية، فإن صحيفة «جاوان» اليومية الصادرة عن الحرس الثوري الإيراني، تخبر قراءها بأن «خريطة طريق الجمهورية الإسلامية خلال السنوات المقبلة» سوف يكشف عنها المرشد الأعلى علي خامنئي خلال خطاب عيد النيروز المقبل الذي يلقيه الرجل من داخل ضريح الإمام الرضا في مدينة مشهد.
وقراءة ما بين السطور بشأن تلك الرسالة يفيد بأن روحاني ليس إلا ممثلا يقوم بدور الرئيس، والسلطة الفعلية في أيدي المرشد الأعلى للبلاد.
والصحف اليومية التي يسيطر عليها الفصيل الموالي لرفسنجاني، الذي يعد روحاني أحد أهم أضلاعه، لا يمكنها مضارعة هذا التحليل علانية. وكل ما يمكنهم فعله هو تذكير الجميع بأن فصيل رفسنجاني - روحاني تعززت أصوله بنتائج الانتخابات الأخيرة التي منحت ذلك الفصيل مكانة رفيعة داخل مجلس الخبراء ومجلس الشورى الإسلامي الإيراني.
وهكذا، تنقل صحيفة «اعتماد» اليومية الموالية لرفسنجاني، على سبيل المثال، تحذير الرجل بأن تجاهل إرادة الشعب سوف تلقى عواقب وخيمة. لكن الصحيفة لم تخبر القارئ من الذي يتجاهل إرادة الشعب، أو ما تلك العواقب الوخيمة التي ينتظرها. وعلى القارئ قراءة ما بين السطور، لكي يدرك أن الرسالة موجهة إلى خامنئي ذاته، وتحمل التهديد بالاضطرابات الاجتماعية.
وبعيدا عن قراءة ما بين السطور، يحتاج القارئ الإيراني إلى أن يتعلم المفردات الخاصة لفك شفرات اللغة الصحافية. فعلى سبيل المثال، يجب على القارئ أن يتعلم أن عبارة «قادة الفتنة» تشير إلى الرئيس السابق محمد خاتمي ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي. وهناك حظر سياسي على ذكر أي منهما باسمه الشخصي في الصحف الإيرانية.
وأن عبارة «فتيان نيويورك» تشير إلى محمد نهاونديان كبير موظفي الرئاسة الإيرانية الموالي للرئيس روحاني، وتلميذه النجيب وزير الخارجية محمد جواد ظريف، وتقول التقارير الإخبارية المختلفة إن وزير الخارجية الإيراني، إلى جانب كثير من كبار المسؤولين الآخرين، لديهم حق الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأميركية.
وعلى الطرف الآخر من الطيف، فإن قراء صحيفة «إيران» اليومية، وهي الصحيفة الحكومية الرسمية والخاضعة حاليا لسيطرة الرئيس روحاني، تعلموا أن إشارة الرئيس إلى «الأثرياء الجدد»، و«الكاذببن المحترفين»، و«المنحرفين عن الطريق»، و«الباحثين عن المغامرة»، تعني تحديدا مختلف قادة الفصائل المتناحرة في الداخل الإيراني.
وفي حين أنه غير مسموح للصحف الإيرانية بتغطية القصص الإخبارية الرئيسية من تلقاء أنفسهم وبصورة مستقلة، فإنهم مخولون بتقديم الإصدارات المتنافسة التي تقدم ما هو أكثر قليلا من مجرد الرؤية الماثلة للقضايا ذات الحساسية والأهمية. على سبيل المثال، تمت تغطية الخلاف الدائر بين مختلف التيارات الإيرانية بشأن الاتفاق النووي الإيراني رغم عدم الاقتراب تماما من الاتفاق النووي نفسه!
ويصح الشيء نفسه على القضايا الرئيسية مثل السياسة الداخلية والخارجية، فعلى سبيل المثال، المعركة القائمة حول تعريف الجرائم السياسية، ومن أصدر أمر الإقامة الجبرية بحق موسوي ورئيس مجلس الشورى الأسبق مهدي كروبي، ومن قرر حظر أصوات النساء في الأماكن العامة، ولماذا تستمر إيران في تكبد هذا القدر من الخسائر والضحايا في سوريا من دون أي فائدة تعود على المصلحة القومية الإيرانية من جراء تلك الحرب، ولماذا تنفق إيران هذا الكم الهائل من الأموال على شراء نظم الأسلحة شبه البالية من روسيا.
ومن خلال قراءة ما بين السطور، فإن المهم بالنسبة للنخبة الإيرانية الحاكمة في طهران اليوم هو الاستمرار في سدة الحكم والسلطة لأطول فترة ممكنة، والحيلولة دون حصول المنافسين على قطعة أكبر من الكعكة.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.