قبل ساعات قليلة من تقديم وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن لميزانيته الجديدة أمام مجلس العموم غدا الأربعاء، والتي أكد أوزبورن شخصيا أنها ستتضمن اقتطاعات وتخفيضات لبنود الإنفاق، خرج إلى النور أمس تقرير عن تنامي الثروات في بريطانيا منذ بداية الألفية، ليضع خطط أوزبورن والحكومة البريطانية أمام مزيد من الحرج.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه أوزبورن على أن التخفيضات «لن تكون كبيرة»، لا يزال الشارع البريطاني متوجسا من «طبيعة الاستقطاعات» و«الفئات المستهدفة»، خصوصا أن أغلب التوقعات تؤكد أن خفض الإنفاق سيطال لا محالة مصالح الطبقة الوسطى العاملة وما دونها، والتي تشكل أغلبية المجتمع البريطاني، كما أن التوقعات تصب في صالح تخفيض حدود الشرائح الضريبية، لتشمل الشرائح معدلات دخول أقل مع زيادة نسب الضريبة، وهو الأمر الذي يتوقع أن يكون له آثار سلبية كبرى على الحالة الاقتصادية للأسر البريطانية المتوسطة والفقيرة. ويهدف أوزبورن إلى سد جزء من عجز الموازنة، والتي تخطت حاجز الـ18 مليار جنيه إسترليني (نحو 25.79 مليار دولار)، وذلك عبر استقطاعات وخفض متوقع لبنود الإنفاق في الميزانية الجديدة يصل إلى نحو 4 مليارات جنيه إسترليني (5.73 مليار دولار).
وسعى وزير الخزانة البريطاني في معرض حديثه مع تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أول من أمس، إلى «طمأنة الشارع»، بالتأكيد على أن «تخفيضات الإنفاق الإضافية التي من المقرر أن يعلنها الأسبوع الحالي تبلغ نحو 0.5 في المائة فقط، أي ما يوازي 50 بنسا فقط لكل مائة جنيه إسترليني تنفقه الحكومة حتى نهاية العقد الحالي، وهو هدف قابل للتنفيذ»، مردفا: «أعتقد أن بوسعنا أن نحقق هذا الخفض.. ليس مبلغا كبيرا بالنسبة للإطار الأوسع للأمور».
لكن «رسائل أوزبورن» لم تنجح في بث كثير من الطمأنينة في قلوب البريطانيين، بينما تتعالى أصوات المعارضين لهذه السياسات والمطالبين عوضا عن ذلك بانتهاج سياسات أكثر انفتاحا على الأسواق.. بينما ترتكز دفاعات الوزير البريطاني على أن الشكل الحالي للاقتصاد العالمي، والذي يواجه أوضاعا هي الأسوأ على الإطلاق منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، بما يحتويه من ضغوط للتباطؤ، وتراجعات لحركة التجارة العالمية، ومخاوف من انهيار اقتصادي شامل، وأزمة المهاجرين التي تهدد أوروبا، والاستفتاء البريطاني الوشيك في الصيف المقبل على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي بما يحمله من عدم حسم حتى الآن.. كلها أمور «تحتم» على بريطانيا انتهاج سياسات مالية «أكثر تقشفا» و«عقلانية»، ولا تدع مجالا لـ«رفاهية» السياسات الناعمة كثيرة الإنفاق. ويرى أغلب المحللين البريطانيين والدوليين أن الحكومة البريطانية بالفعل في «ورطة حقيقية» أمام كل تلك المشكلات المتجمعة في الأفق، لكن بعضهم يعارض «سياسات أوزبورن» ذاتها، التي يرونها «قاتلة» لأبناء الطبقة الوسطى العاملة، بأكثر مما يعارضون ضرورة انتهاج أساليب مالية أكثر موائمة للظروف.
وأمس، صدر تقرير جديد لمنظمة أوكسفام البريطانية الشهيرة، التي تحظى بسمعة دولية جيدة وتنال تقاريرها صدى واسعا في بريطانيا، موضحا حجم تنامي الثروات في بريطانيا منذ بداية الألفية الثالثة، وهو ما مثل «ضربة جديدة» موجعة لدفاعات أوزبورن المالية، إذ أوضح التقرير تنامي ثروات فئة فائقي الغنى، التي يطلق عليها «فئة الواحد في المائة»، بنسبة تفوق 25 في المائة من مجمل النمو العام خلال تلك الفترة، بينما تزايدت ثروات الطبقات الأدنى، والتي تشمل نحو 30 مليون شخص من إجمالي تعداد سكاني يصل إلى نحو 64 مليونا، بنحو 7 في المائة فقط، عن ذات الفترة.
ويوضح التقرير أن هؤلاء الأثرياء استفادوا بنحو أكثر من تريليون جنيه إسترليني (نحو 1.43 تريليون دولار) من تزايد الثروة القومية البريطانية منذ عام 2000، والتي بلغت إجمالا 4 تريليونات جنيه إسترليني، أي أنهم حصلوا على نحو 25 في المائة من مجمل زيادة الثروة القومية، موضحا زيادة متوسط الثروات لكل من أفراد هذه الطبقة بنحو 1.5 مليون إسترليني خلال العام الماضي، في مقابل ارتفاع إجمالي الدخل في شريحة طبقة الـ10 في المائة الأفقر في بريطانيا من متوسط 1100 عام 2000، إلى 1600 جنيه فقط حتى عام 2015.
ويشير مارك غولدرينغ، الرئيس التنفيذي لـ«أوكسفام»، إلى أنه ليس من الجيد بحال أن تنجح فئة قليلة للغاية في الحصول «حصريا» على مميزات الرخاء والنمو في بريطانيا، بينما لا يتحصل الباقون على «الفتات»، داعيا إلى سياسات أكثر عدالة من شأنها أن تسفر عن «إفادة» أكثر تعادلا بين شرائح المجتمع.
وفي الوقت الذي يتجه فيه أوزبورن إلى مزيد من الاستقطاعات التي ستؤثر بشكل بالغ على الشرائح الأدنى من المجتمع، تحدت «أوكسفام» الوزير أن يتجرأ على إصدار تشريعات من شأنها أن تقلص من الثغرات التي ينجح عبرها كبار رجال المال في بريطانيا من التهرب الضريبي، عبر اللجوء إلى تأسيس كيانات اقتصادية خارج المملكة المتحدة، مشيرة إلى أن أثرياء بريطانيا يحتفظون في دول مثل برمودا وجزر كايمان، والتي توفر لهم ملاذات قليلة المخاطر والضرائب، بما يفوق 170 مليار جنيه إسترليني، وهو ما يتسبب في خسارة بريطانيا لضرائب تقدر بنحو 5 مليارات إسترليني سنويا.
ويرى الفريق المعارض لسياسات أوزبورن أن استعادة هذه المليارات وحدها كفيلة بحل العجز المالي لبريطانيا، من دون اللجوء إلى التقشف وتهديد ملايين الأسر التي تستفيد من بنود الإنفاق في الميزانية البريطانية.. أي أن بند الضرائب الضائعة سيغطي - ويفيض - عن الرقم الذي يستهدفه أوزبورن والحكومة، والذي يبلغ 4 مليارات جنيه إسترليني فقط.
«تقرير الثروة» يفاقم حرج حكومة بريطانيا قبل ساعات من «الموازنة»
«أوكسفام»: عائد سد ثغرات التهرب الضريبي أكبر من التضييق على الطبقة المتوسطة
«تقرير الثروة» يفاقم حرج حكومة بريطانيا قبل ساعات من «الموازنة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة