الرباط تلمح إلى إمكانية الانسحاب من المفاوضات بشأن الصحراء

ابن كيران: خضوع الأمم المتحدة لضغوط الخصوم سيدفع المغرب لاتخاذ ما تمليه مصالحه الاستراتيجية

الرباط تلمح إلى إمكانية الانسحاب من المفاوضات بشأن الصحراء
TT

الرباط تلمح إلى إمكانية الانسحاب من المفاوضات بشأن الصحراء

الرباط تلمح إلى إمكانية الانسحاب من المفاوضات بشأن الصحراء

قال عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية، إن مؤشرات إصرار الأمم المتحدة على الخضوع لضغوط الخصوم، ومحاولة جرّ ملف الصحراء إلى مناقشة حلول لا تحفظ الوحدة الترابية للمغرب، ستدفع بلاده إلى اتخاذ ما تمليه عليها مصالحها الاستراتيجية، وفي مقدمتها الوحدة الوطنية والترابية، «إذ لا شيء يعلو فوق قدسية الوطن، والـ40 سنة الماضية كفيلة بأن تعطي الدروس لمن هم في حاجة إليها».
​ودعا ابن كيران، الذي كان يتحدث أمس خلال جلسة عامة استثنائية عقدها البرلمان بمجلسيه لمناقشة التطورات الأخيرة لقضية الصحراء، إلى استحضار العبارات القوية التي تضمّنها الخطاب الملكي الأخير بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، والتي أكدت على عدم استعداد المغرب تقديم أي تنازلات جديدة بعد مقترح الحكم الذاتي، وكذا مضامين الرسالة الملكية الموجهة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمكالمة الهاتفية بين الملك محمد السادس وبان كي مون، التي تؤكد حرص المغرب على «ضرورة تجنب المقاربات المنحازة، والخيارات المحفوفة بالمخاطر»، في التعامل مع ملف الصحراء المغربية؛ وعلى «ضرورة الاحتفاظ بمعايير التفاوض كما تم تحديدها من طرف مجلس الأمن، والحفاظ على الإطار والآليات الحالية» لانخراط منظمة الأمم المتحدة في ملف الصحراء.
وذكر ابن كيران بأن الملك محمد السادس أكد على أن «أي ابتعاد عن هذا النهج سيكون بمثابة إجهاز على المسلسل الحالي، ويتضمن مخاطر بالنسبة لمجمل انخراط الأمم المتحدة في هذا الملف»، مضيفا أن «الأجدر بالأمين العام للأمم المتحدة أن يقدر مخاطر الإرهاب وعدم الاستقرار التي تحف بالمنطقة، وأن يعترف كما الدول العظمى بالنموذج الديمقراطي والفريد الذي يشكله المغرب، والذي يشكل مثالا يحتذى في المنطقة، بما يحققه من تزاوج بين تحقيق الأمن والاستقرار، وترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان، عوض تشجيع الكيانات الوهمية ومنطق التجزيء الذي لا يمكن أن يؤدي إلا لمزيد من عدم الاستقرار».
وأوضح ابن كيران أن التطورات الأخيرة تبين أن الأمين العام للأمم المتحدة «خرق الاتفاق مع الملك محمد السادس والالتزام بمضمون المكالمة الهاتفية، التي جرت بينهما، كما أضر بمبدأ الحياد الذي هو جوهر الأمم المتحدة، ومس كذلك بالقانون الدولي في هذا المجال، وهو ما ستكون له تبعات بالنسبة للموقف المغربي».
كما أعرب ابن كيران عن استغراب بلاده لكون «هذه التطورات تأتي مباشرة بعد المبادرة الملكية لإطلاق مسيرة خضراء جديدة لا تقل قوة عن الأولى، قوامها الجهوية الموسعة والمخطط التنموي الضخم الذي سيجعل الأقاليم الجنوبية (الصحراء) حالة استثنائية في المنطقة، وحلقة وصل كبرى بين بلادنا وبين أفريقيا، وفي وقت يقوي فيه المغرب أكثر فأكثر سياسته الأفريقية».
ونبه ابن كيران إلى أنه «بعد شهور قليلة من عودة الثقة بين المغرب والأمين العام للأمم المتحدة، يبدو أن الجانب الأممي لم يتراجع عن الخطوات التي شرع في تحضيرها منذ تعيين مبعوثه الشخصي في يناير (كانون الثاني) 2009. والتي أثارت ردود فعل قوية من جانب المغرب الذي طالب بضمانات بعدم الخروج عن الإطار، الذي ترسمه قرارات مجلس الأمن لتحركات الأمين العام ومبعوثه في ملف الصحراء».
وكان صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية المغربي، قد لمح إلى إمكانية انسحاب المغرب من المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بشأن الصحراء، وذلك على خلفية التجاوزات إلى سجلتها الرباط خلال الزيارة التي قام بها الأمين العام للأمم المتحدة إلى المنطقة، والتي شملت الجزائر وموريتانيا وبلدة بئر لحلو، الواقعة في المنطقة العازلة بين الصحراء والجزائر. وقال مزوار، الذي كان يتحدث مساء أول من أمس، خلال اجتماع مشترك للجنتي الخارجية بمجلسي النواب والمستشارين (البرلمان) إن «المغرب لن يقبل بمثل هذه التجاوزات التي ستكون لها تداعيات في الأسابيع المقبلة».
وكانت الحكومة المغربية قد احتجت بشدة الثلاثاء الماضي على تصريحات أدلى بها كي مون في الجزائر، حيث وصف استرجاع المغرب للصحراء بأنه «احتلال»، وعدت تصريحاته «غير ملائمة سياسيا، وغير مسبوقة في تاريخ أسلافه ومخالفة لقرارات مجلس الأمن، كما أنها مسيئة وتمس بمشاعر الشعب المغربي».
وفي هذا السياق، وردا على تساؤلات نواب البرلمان بشأن الخطوات التي سيتخذها المغرب على خلفية التطورات الأخيرة لملف الصحراء، قال مزوار إن «استعمال بان كي مون كلمة (احتلال) ولو أنه تراجع عنها بعد ذلك، مست شعور المغاربة، والمغرب بمقوماته وما هو معروف عنه دوليا. فهل تعتقدون أننا سنترك هذه المسألة تمر بسهولة ونعتبرها مسألة تافهة أو زلة لسان؟». وأجاب عن سؤاله قائلا: «في العلاقات الدولية الأمور لا تتم بهذا الشكل، وما يسمى بردود الفعل هي بمثابة وضع النقاط فوق الحروف حتى يعود كل طرف لإطاره»، مضيفا أنه «قد تكون فرصة لإعادة النظر في مجموعة من المسلمات التي مشينا فيها لأن المغرب عندما قبل أن يدرج ملف الصحراء في المسلسل الأممي، كان يعرف أنه لن يكون مسلسلا سهلا، ولو كانت الأمم المتحدة قادرة على حل النزاعات لعرفناها».
وبشأن المؤاخذات التي عبر عنها بعض النواب، لا سيما من فرق المعارضة، بكون تحركات المغرب بشأن قضية الصحراء عبارة عن ردود فعل، قال وزير الخارجية إن «الأمر لا يتعلق بردود أفعال بل بتفاعل مع قضية تعرف مدا وجزرا، ونحن اليوم في محطة جديدة تتطلب التعامل بكثير من الرزانة والمسؤولية»، مؤكدا أن «جواب المغرب سيكون في مستوى حجم المغرب وعدالة قضيته».
وعبر مزوار عن تفهمه لبعض المؤاخذات، إلا أنه نبه إلى أن «هناك إجحافا في حق الدبلوماسية المغربية»، مشيرا إلى أن أطر وزارة الخارجية يخوضون معارك يومية «لأن لدينا أعداء شرسين».
ووجه مزوار خطابه إلى النواب مطمئنا، وقال: «علينا ألا نعتبر أن هناك ضعفا أو خللا، فالمغرب يعي ما يفعل، وله ثوابته وضوابطه، والكل يعرف كيف يتعامل عندما يتعلق بقضايا تمس السيادة والبلد والمواطن». كما كشف مزوار أن المغرب تحرك قبل زيارة بان كي مون للمنطقة، وعقد لقاءات مع الدول الدائمة بمجلس الأمن و«حذرنا من الانزلاقات المحتملة».
وكشف مزوار أيضا أن انحياز بان كي مون للأطراف الأخرى اتضح حتى من خلال اختيار توقيت الزيارة، موضحا أن المغرب سبق أن اقترح شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 كموعد للزيارة، حيث قبلت الأمم المتحدة بذلك. إلا أنها تراجعت بذريعة أن أجندة الأمين العام لا تساعد ذلك.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.