معرض الكتاب الدولي في الرياض ينطلق غدًا تحت شعار «الكتاب ذاكرة لا تشيخ»

برعاية خادم الحرمين الشريفين.. و7 كتب تنال جائزة العام

السفير اليوناني لدى السعودية خلال حديثه في المؤتمر الصحافي الذي عقد أمس  عن مشاركة بلاده بمعرض 2016 وسعود الحازمي وكيل وزارة الإعلام («الشرق الأوسط»)
السفير اليوناني لدى السعودية خلال حديثه في المؤتمر الصحافي الذي عقد أمس عن مشاركة بلاده بمعرض 2016 وسعود الحازمي وكيل وزارة الإعلام («الشرق الأوسط»)
TT

معرض الكتاب الدولي في الرياض ينطلق غدًا تحت شعار «الكتاب ذاكرة لا تشيخ»

السفير اليوناني لدى السعودية خلال حديثه في المؤتمر الصحافي الذي عقد أمس  عن مشاركة بلاده بمعرض 2016 وسعود الحازمي وكيل وزارة الإعلام («الشرق الأوسط»)
السفير اليوناني لدى السعودية خلال حديثه في المؤتمر الصحافي الذي عقد أمس عن مشاركة بلاده بمعرض 2016 وسعود الحازمي وكيل وزارة الإعلام («الشرق الأوسط»)

تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ينطلق يوم غد معرض الرياض الدولي للكتاب في أرض المعارض حتى 19 من الشهر الحالي تحت شعار «الكتاب.. ذاكرة لا تشيخ».
وقال وكيل وزارة الثقافة والإعلام للإعلام الداخلي والشؤون الثقافية المكلف سعود الحازمي، بحضور السفير اليوناني خورنيز بوليخرونيو، ورؤساء اللجان العاملة بالمعرض، وحشد من وسائل الإعلام المختلفة، إن «المعرض سيدشنه وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي يوم غد نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز»، فيما تحل الجمهورية اليونانية ضيف شرف لهذا العام. وأضاف الحازمي، في مؤتمر صحافي أمس: «يعد المعرض منبرا للثقافة والمعرفة محليا وعربيا، ويأتي في صلب اهتمامات وزارة الثقافة والإعلام، وفقا لرؤية التحول الوطني الشاملة المقرة من القيادة، التي توليها الوزارة بقيادة الدكتور عادل الطريفي كامل العناية والأهمية بوصفها خريطة طريق يمكن من خلالها تلمس كثير من الحاجات والأهداف التي تصب في خدمة المواطن والمجتمع بكل شرائحه».
وحول ما يتعلق بجائزة الوزارة للكتاب التي يكرم الفائزون بها في حفل افتتاح المعرض، أكد الحازمي أنها تسند، ولأول مرة، إلى لجنة من خارج الوزارة تتولى تحكيم الكتب المتنافسة وإقرار الفائزين دون أي تدخل من الوزارة، حيث يرأسها عضو هيئة التدريس بـ«جامعة الملك سعود»، الدكتور عبد المحسن العقيلي، بعضوية نخبة من المحكمين والمهتمين بالكتابة والثقافة والتأليف.
كما كشف أن الوزارة لم تغفل حضور أبطال الوطن في جبهات العزة، وإخواننا الذين رحلوا من شهداء الوطن من خلال معرضي «ريشة الحزم» و«عدسة الحزم»، وفاء لهم وتكريما لذكراهم التي عطرت بدمائها وإخلاصها تراب هذه الأرض، لتلتقي أصالة الرياض وتضحيات جنود الوطن بثقافة الكتاب في مشهد حضاري يثري ذاكرة الحاضر، مبشرا بمستقبل واعد.
من جهته، أشار مدير عام المعرض، سعد المحارب، إلى أن الجانب الثقافي في المعرض تميز هذا العام باستيعابه لتنوع الطيف الثقافي السعودي، بدءا باختياره للأعضاء القائمين على اللجنة الثقافية، ومرورا بالفعاليات المقررة والمشاركين فيها التي تنوعت بين الفنون المسرحية والسينمائية والشعرية، ووصولا لاختياره رواد المسرح الوطني كمكرمين، في إشارة إلى قوة المسرح الثقافية باعتباره أبو الفنون.
إلى ذلك أشهرت في الرياض أمس، أسماء الكتب الفائزة بجائزة وزارة الثقافة والإعلام للكتاب 2016، التي بلغ عددها سبعة كتب، اعتمدها الدكتور عادل الطريفي، بعد اجتيازها جميع مراحل التحكيم والفرز وإجراءاته. ونالت الجائزة في هذا العام الكتب التالية: «(موسوعة ثقافة المجتمع المكي خلال قرن ونصف القرن) للمؤلف الدكتور إسماعيل بن السيد كتبخانة، و(ديوان أعمال شعرية) لجاسم محمد الصحيح، و(التنمية المستدامة.. مدخل تكاملي لمفاهيم الاستدامة وتطبيقاتها مع التركيز على العالم العربي) للمؤلف الدكتور عبد الله البريدي».
كما نالت كتب «(ناصر المنقور: أشواك السياسة وغربة السفارة) لمحمد السيف، و(علم النفس العصبي العيادي) لسعيد الزهراني، و(الجثة – صفر) للمؤلف فهد الحارثي، و(التغذية العلاجية) للمؤلف الدكتور عصام حسن عويضة» الجائزة لهذا العام.
وأكد سعد المحارب، مدير معرض الرياض الدولي للكتاب، أنه تم رفض كل دور النشر التي لها علاقة بجهات غير شرعية ومدرجة على لائحة الإرهاب، تطبيقًا للقرارات الصادرة من السعودية.
وأكد المحارب أنه تم النظر في نحو 1295 دار نشر، وتم قبول 504 دار نشر بعد تطبيق الاشتراطات والأنظمة عليها، ويشارك في المعرض نحو 55 جهة حكومية و980 عارضا، وإجمالي عدد الدول المشاركة في المعرض 28 دولة عربية، منها 11 دولة غير عربية، وتشكل دور النشر السعودية الغالبية الكبرى للدور المشاركة.
وسوف يتخلل البرنامج الثقافي لمعرض الكتاب الدولي، التعرف بضيف الشرف وهي دولة اليونان، وأثر الثقافة اليونانية في الأدب العربي، والعلاقات اليونانية العربية من منظور الفلسفة، كما يتم تسليط الضوء على تحديات المسرح السعودي، وتجارب شبابية في التأليف بالتعاون مع مؤسسة «مسك الخيري»، وعرض أفلام سينمائية قصيرة بالتعاون مع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون.
كما يشمل البرنامج الثقافي استعراضا لبعض أوراق الأمير سعود الفيصل من ذاكرته الدبلوماسية، واستعراض تجارب في إدارة المنصب، ودور الإعلام وجرائم الإرهاب، يقدمها اللواء منصور التركي المتحدث الأمني لوزارة الداخلية، والكاتب يوسف الديني، وكامل الخطي، كما سيتم التطرق إلى سبل تحصين الوحدة الوطنية.



البحث عن بطل

البحث عن بطل
TT

البحث عن بطل

البحث عن بطل

في كتاب «البحث عن منقذ» للباحث فالح مهدي شرح مفصّل عن الشعوب التي ترزح تحت نير الظلم والإذلال، وكيف تعلّق أمرُ خلاصها برقبة منقذ تستعير اسمه من أساطين الدّين، تنتظر عودته إلى الحياة عن طريق البعث أو النشور، كي يحقّق العدل الغائب عن وجه الأرض، ويعوّض ناسها ما فاتهم من عيشة هانئة مستقرّة. اكتسى هذا المخلّص عبر مراحل التاريخ بجلابيب أسماء عديدة، منها «كريشنا» المنتظر في الديانة الهندوسيّة، و«بوذيستاوا» أي «بوذا» المنتظر، و«ماهافيرا» المنتظر في الديانة الجاينيّة، و«زرادشت» المنتظر في المجوسيّة، وفي اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة لدينا المسيح المنتظر والمهدي المنتظر وإسماعيل المنتظر والسفياني المنتظر واليمانيّ المنتظر والقحطانيّ المنتظر.

تعود هذه الفكرة في الأصل إلى اعتقاد دينيّ قديم مفاده أن الشرّ لا يمكن مواجهته من خلال البشر الفانين؛ لأن كلّ ما يأتي به الشّيطان لا يُهزم بالفعل البدنيّ، ويحتاج الإنسان إلى الاستعانة بالقوى الإلهيّة. وعلى الجميع لهذا السبب المحافظة على تقاليد دينهم وتعاليمه؛ لكي يستعجلوا هذه القوى، وإلّا فهم يقضون حياتهم في حالة انتظار دائم.

هو ليس انتظار اللاشيء، حتماً، لكنّه انتظار من أجل حبّ الانتظار، يعيش المؤمن في ظلّه في حالة وجْد لا يفتُر، يكون الزمن فيه مجمّداً عند المستقبل الأزليّ واللانهائيّ. هل جرّبتم العيش دون حاضر أو ماضٍ؟ عندما تغيب الحيوات والانفعالات والمشاعر «الصعبة» أي الحقيقيّة من المرء، يحلّ اليأس التامّ والمُطلق، وهو أحد شروط تحقيق ما يُدعى بالنيرفانا لدى البوذيّين، الخطوة الأولى في سبيل عودة «بوذا» المنتظر إلى الظهور، ويختلف الأمر كثيراً أو قليلاً بالنسبة إلى بقيّة المخلّصين. ثم يغيب الماضي كذلك، وتختفي معه أحداثه، ويبقى الوقع الأهمّ هو ظهور المُنقذ في القادم من الأيّام والشهور والسنين، وربما حلّ الموعد والمرء نائم في قبره، ويستيقظ عندها ليجد العدل والإنصاف يعمّان الأرض، ويتمّ القصاص من الأشرار والمجرمين والمفسدين.

عندما يتوقّف الدماغ تنشط آلة الخيال، ردّ فعل طبيعيّ لحالة الفقد والحرمان والإذلال، لكنّه خاصّ ببني الإنسان، وهو بالأحرى عقل مرَضيّ مُشِلّ للنّفس والبدن يؤدّي بنا إلى الجنون وخراب الدّيار. الانتظار يولّد انتظاراً آخر، ولا يوجد شيء اسمه فوات الأوان. كما أنّ الخضوع يتبعه انحناءٌ تحت نير جديد. يقول ألبير كامو: «الأمل، عكس ما نظنّ، يُعادل الرُّضوخ. والحياة هي في عدم الرُّضوخ». من فكرة المُنقذ المنتظر جاء حُلم الشعوب المقهورة والضعيفة بالبطل المُرتجى، تبحث عنه كي تؤلّهه، ولن تُرفع إليه الأبصار إن كان حيّاً، وإذا كان ميّتاً تُعينهم ذكراه على تحمُّل الضَّيم الذي يكابدونه. في كلّ بلد ضعيف لا بدّ أن يكون هناك بطلٌ يلجأ إليه الفقراء والبُؤساء، يرسمون له الأساطير التي لا تحكي الواقع بطبيعة الحال، لكنّها تعكس حالة الضعف والخَوَر اللّذيْن يستلبان نفوس المؤمنين بمنقذهم، الذين يُغالون في تبجيله إلى درجة أنهم ربما راحوا يتطلّعون إلى صورته منقوشة على صفحة القمر، وهذا ما جرى حقّاً وفعلاً للعراقيين إِثْرَ مقتل عبد الكريم قاسم على أيدي انقلابيّي «8 شباط»، ثم قام هؤلاء برمي جثمانه في النهر، كي يتخلّصوا من حُبّ النّاس وتقديسهم، فانتقل هذان الفعلان إلى السماء، بعد أن لم يعثر مُريدوه على أثر له على الأرض، وصاروا يتطلّعون إلى صورته في اللّيالي القمراء، والبعض منهم تفيض عيونه بالدُّموع.

لا يُشترط في البطل أن يكون غائباً، أو لديه صفات هذه المرتبة الخارقة من القدسيّة والبطولة، بل يمكن أن يكون أحد الذين يعيشون بيننا، أو شخصاً غريباً وقَدَرِيّاً يُرفع إلى هذه المكانة عنوة، ولا يستطيع التراجع عنها لأنّ في ذلك خطراً يتهدّد حياته، فهي صارت أوّلاً وأخيراً بأيدي مريديه. هناك نوع من اشتباك مصائر يعيشه الطرفان: الجماهير تنظر إلى البطل على أنّه حامي ديارها وأرواحها من الخراب والفناء، والمنقذ يتطلّع بدوره إلى هؤلاء، في سبيل بقاء الصفات المبجّلة التي أسبغوها على شخصه.

فكرة البحث عن قائد مظفّر تتوّجه أكاليلُ المجد والغار قديمة لدى الإنسان، وجديدة أيضاً. الأرض تدور كلّ يوم، وفي كلّ سنة من أعمارنا، في شرقنا (السعيد) ثمّة بطل دَوْماً. عندما يغيب العدل في المجتمع يحتاج كلّ جيل إلى ابتكار مُنقذ جديد، من مزاياه أنّه ليس مخلّداً مثل رموز الأساطير الدينيّة، بل هو كائن حيّ له عمرٌ لا يتجاوز عمر البشر، يتمّ دفنه بعد فنائه ليولد بطلٌ جديد يعيش مع الأبناء إلى المحطّة الأخيرة، يترجّل بعدها تاركاً مقعده إلى مُنقذ أكثر جِدّة يواكب الرحلة مع الأحفاد؛ لأنّه لا طاقة لنا على العيش دون هؤلاء الفاتحين.

البطل في الحُلم يُقابله إنسان مهزوم ومأزوم في الواقع، هكذا هي القاعدة في علوم الاجتماع والطبّ والنفس، والفارق بين الاثنين كبير إلى درجة أن الناس يعيشون في ظلّ منقذهم في حال من الرِّقّ الجماعيّ، بكلّ ما في قوّة أنظمة الاسترقاق القديمة من سلطة القانون، وما كانت تحمل من أغلال اجتماعيّة وأخلاقيّة. وإن كان الأمر يحصل بصورة غير ظاهرة للعِيان، لكنّ شكل الحياة الأخير مطابق لذلك الناتج من حالة الاستعباد الجماعي الذي ودّعته البشريّة منذ قرون.

بالإضافة إلى العبوديّة، لا يمثّل البطل في هذا الزمان رمزاً قوميّاً يشدّ من أزر الجميع؛ لأننا نعيش في بلدان متعدّدة الأعراق والمعتقدات والأرومات، ولهذا السبب رحنا نبتكر أكثر من بطلٍ واحد: اثنين أو ثلاثة أو أكثر، يتحوّلون بمرور الوقت إلى أداة للفُرقة، تصيرُ بسبب التشاحن الدائم جزءاً من دمائنا، لتدور عجلة الحرب الأهليّة (الباردة) في البلاد، تدوم طويلاً لأن أسبابها باقية وتتقوّى مع السنين، ويوماً ما سوف تسخن حتماً وتتفجّر إلى هستيريا جماعيّة تستيقظ فيها نوازع الشرّ والتوحّش القديمة النائمة، ويتقاتل عندها الجميع ضدّ الجميع، ليصير الحلّ بتدخّل قوى أجنبيّة (استعماريّة) تُنقذ بقيّة الحياة والعِباد.

عندما تكون حياة الإنسان زهيدة - لأن الشعب عبارة عن مجموعة من الرّقيق - تُرتكبُ أقسى الجرائم بشاعةً. وعندما تكون الحريّة مبذولة، وتسود العدالة الجميع، عندها فقط يختلف وعي الأمة وسوف تجد مُنقذَها من داخلها لا من الغيب. يحتاج الجمهور آنذاك إلى بطل قدوة من نوعٍ ما يتطلّع إلى بلوغ مكانته الجميع، ويحقّق لهم هذه الفكرة الرسّام والموسيقيّ والشاعر والمهندس... مثلما يجري الآن في الأمم المتحضّرة. من هنا جاءت فكرة النجم في المجتمع المستقرّ الهانئ بعيشته، وليس للأمر علاقة بالمال ورأس المال، وغير ذلك من كلام يُضيّق على النفس ويصدّع القلب والرأس.