«أطباء بلا حدود»: النظام الصحي في سوريا ينهار

رئيسة المنظمة قالت لـ «الشرق الأوسط» إنهم لم يتمكنوا من الحصول على ضمانات للعودة إلى الداخل

جوان ليو
جوان ليو
TT

«أطباء بلا حدود»: النظام الصحي في سوريا ينهار

جوان ليو
جوان ليو

اعتبرت الرئيسة الدولية لمنظمة «أطباء بلا حدود» جوان ليو أنه «لا يزال من المبكر جدًا الحديث عن نجاح الهدنة في سوريا، وبالتالي، عن انفراجات على الصعيد الإنساني»، لافتة إلى أنه «وعلى الرغم من التراجع الملحوظ في عدد الغارات الجوية وعمليات القصف منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار قبل أسبوع، إلا أن الهجمات العسكرية والعمليات القتالية لم تتوقف».
ليو أوضحت في حديث مع «الشرق الأوسط» أن الأيام الأخيرة شهد كذلك تراجعًا في تحركات المدنيين السوريين الفارين باتجاه الحدود وبالتحديد الشمالية مع تركيا، وذلك بعد هرب مئات الآلاف منهم الشهر الماضي من مناطق إدلب وحلب مع اشتداد حدة المواجهات وعمليات القصف. وقالت: «لكن هؤلاء النازحين لم يعودوا بعد إلى قراهم ومدنهم على الرغم من الهدنة وكأنهم ينتظرون ما إذا كانت ستصمد».
ورأت ليو أنه من المبكر أيضًا البحث بعودة طواقم «أطباء بلا حدود» إلى الداخل السوري بعدما كانت قد قررت المغادرة في عام 2014 في أعقاب اختطاف 5 موظفين تابعين لها شمال البلاد، وتابعت أنه «من الصعوبة جدا في مكان الحصول على ضمانات بموضوع سلامة العاملين، ونحن نعتقد أن 6 أيام من الهدنة غير كافية لاتخاذ قرار بهذا الشأن خصوصًا أننا لم ننجح طوال الفترة الماضية بعقد أي اتفاق يؤمن سلامة طواقمنا».
وحاليًا تدعم «أطباء بلا حدود» 153 مرفقًا طبيًا وفرقًا طبية سورية، وتحاول أن تؤمن مستلزماتها. وهي، بحسب ليو، على تواصل دائم مع الأطباء العاملين في المناطق المحاصرة، وكذلك أولئك الموجودون في مناطق سيطرة المعارضة بحيث يجري التواصل معهم عبر «سكايب» وبرامج أخرى لمناقشة حالات المرضى وسبل مساعدتهم.
وأشارت ليو إلى أن «التعامل مع الحرب السورية شكّل ولا يزال يشكل تحديًا كبيرًا أمام المنظمة التي اضطرت كما غيرها من المنظمات الإنسانية لإدخال تعديلات إلى طريقة عملها للتعاطي مع الوضع السوري الاستثنائي». ثم قالت: «نعتمد بالأساس على وجود فرقنا مباشرة على الأرض وعلى التنسيق مع المجتمعات المحلية، لكن وبما أننا اليوم غير قادرين على أن نكون موجودين داخل سوريا، فذلك يخلق تحديات كبيرة أمامنا كي نكون فاعلين».
جدير بالذكر أن الفرق الطبية التابعة للمنظمة قدمت منذ اندلاع الحرب في سوريا أكثر من 140 ألف استشارة طبية، معظمها تخص الإصابات البليغة والأمراض المزمنة المهددة للحياة، كما أجرت نحو 7 آلاف عملية جراحية، وساعدت أكثر من 1900 امرأة في وضع مواليدهن في ظروف آمنة. ولكن وبعد اختطاف 5 من العاملين فيها، اضطررت «أطباء بلا حدود» إلى تعليق وجودها في سوريا، لكنها واصلت أنشطتها الطبية في خمسة مستشفيات وعيادات مؤقتة في سوريا. كذلك واصلت برنامج الدعم المخصص لشبكات الأطباء السوريين. وهي تقدم الإمدادات الطبية والدعم التقني إلى 50 مستشفى و80 مركزًا صحيًا في سبع محافظات، تغطي المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة والحكومة على حد سواء.
وقالت ليو إنّها لا تستطيع تحديد الأسباب الأساسية التي تؤدي إلى موت المدنيين في سوريا، إلا أنها أشارت إلى أن سبعة آلاف قتلوا في العام 2015، و154 ألفًا جرحوا، 40 في المائة منهم من الأطفال والنساء. وأوضحت أن هذه الإحصائية تعتمد على المعطيات المستخلصة من 70 مرفقًا طبيًا تدعمها المنظمة. ثم لفتت ليو إلى أن «النظام الصحي في سوريا ينهار نتيجة النزاع الطويل الأمد» وتدمير عدد كبير من المرافق الصحية داخل البلاد، موضحة أن المدنيين هناك لم يعودوا يحصلون، ولو على الحد الأدنى من الوقاية من الأمراض والفيروسات بعدما صارت أرضهم خصبة لتكاثرها.
ثم تطرقت ليو للهجوم الأخير الذي تعرض له أحد المستشفيات التي تدعمها في معرة النعمان بريف محافظة إدلب، معتبرة أنه من الصعب التصديق بأن الهجوم لم يكن متعمدًا باعتبار أنه كان تسلسليًا فتم قصف المشفى، وبعد 40 دقيقة قُصف مجددا لاستهداف المسعفين، حتى إنه تم قصف الموقع الذي تم إخلاء المرضى إليه. وقالت: «طالبنا بوقت سابق بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لتحديد المسؤوليات، بهدف فهم ما حصل، والأهم تفادي تكراره مجددًا، باعتبار أنه ليس دورنا نحن كمنظمة دولية توجيه أصابع الاتهام». وكانت خمسة مرافق طبية ومدرستان في حلب وإدلب تعرضت خلال الشهر الماضي لقصف أدى إلى سقوط نحو خمسين قتيلاً. وكان مستشفى ترعاه «أطباء بلا حدود» في معرة النعمان في محافظة إدلب (شمال غرب) بين المراكز الطبية المستهدفة. وقد أسفر الهجوم عن مقتل تسعة من العاملين في مجال الرعاية الطبية و16 مريضًا وعن إصابة العشرات.
وفي حين رجّحت المنظمة أن تكون القوات النظامية السورية أو الروسية وراء الهجوم، اتهمت المعارضة الطيران الروسي بتنفيذ الاعتداء، بينما حمل نظام الأسد طيران التحالف الدولي المسؤولية. أما الخارجية الروسية فقالت إن الدول الغربية التي تحمّل روسيا مسؤولية ضرب مستشفيات في سوريا «ليس لديها أي دليل مباشر أو غير مباشر لإثبات مزاعمها».
وأفاد أحد التقارير الذي أصدرته المنظمة أخيرا بأن 63 مرفقًا طبيًا تدعمه «أطباء بلا حدود» تعرض لـ94 هجومًا جويًا وقصفًا مدفعيًا عام 2015، مما تسبب بدمار كامل لـ12 منها، وخلّف 81 قتيلاً وجريحًا في صفوف الموظفين. واعتبر التقرير أن الهجمات، التي يشتبه بأنها مزدوجة، «تتخطى العنف العشوائي مستخدمة الهجمات ضد عاملي الإنقاذ ومنهم فرق الاستجابة الطبية كوسيلة حرب».
ورأت ليو أنه من الصعوبة في مكان تحديد ما إذا كان المدنيون الموجودون داخل سوريا هم الأكثر معاناة أم أولئك الذين هربوا إلى البلدان المجاورة وأوروبا، لافتة إلى أن الخسارة الكبيرة هي القاسم المشترك بينهم. وأضافت: «المجموعة الأولى تتعرض يوميا للقتل جراء القصف وأعمال العنف، كما أن المجموعة الثانية تعامل بغياب أي ضوابط إنسانية في بلدان أوروبا التي يعتبر معظمها هؤلاء النازحون إرهابيين».
واستهجنت ليو كيف تسعى هذه الدول لإلقاء المسؤولية عن نفسها بإرسال الأموال على أن يتم معالجة الملف بعيدًا عنها، مشددة على أن «أزمة سوريا أزمة عالمية، وبالتالي تحتاج لالتفاتة كل دول العالم لحلها، فهي لا يمكن أن تكون مسؤولية دول الجوار والمنطقة وحدها». وأضافت: «ما يحصل معيب جدًا بحق الإنسانية، ولا نجد الكلمات لوصفه. النازحون على الحدود يحتمون من البرد بأوراق الشجر وليس لديهم الحد الأدنى من الماء والطعام».
وأوضحت ليو أن المنظمة التي ترأسها تقوم بجهود كبيرة لإيصال المساعدات لمئات آلاف الأشخاص اللاجئون على الحدود الشمالية كما الجنوبية لسوريا، الذين يرزحون تحت ظروف «مأساوية». واستذكرت أحد المواقف الذي أثّر بها عندما كانت على أحد شواطئ اليونان لاستقبال اللاجئين السوريين، لافتة إلى أنها سألت إحدى اللاجئات عن سبب المخاطرة بحياتها في البحر ومغادرة بلادها، فكان جوابها: «نحن نموت يوميًا في سوريا».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.