ظن عدد كبير من التونسيين أن الانتفاضة، التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، ستفتح الباب على تغيير يطال كل المشاكل التي يعاني منها المجتمع، وأهمها التفاوت في التنمية بين المناطق، والبنى التحتية المتهالكة والفقر والبطالة، لكن شيئا لم يتغير بعد خمس سنوات.
ولذلك يرى محللون أن استمرار المشاكل الاجتماعية شكل عاملا حاسما لعدم حدوث استقرار في البلاد، حيث شهدت مناطق داخلية خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي عدة احتجاجات اجتماعية على البطالة والفقر والفساد، كانت غير مسبوقة بحجمها منذ ثورة 2011. وقد بدأت الاحتجاجات في ولاية القصرين (وسط غرب) بعد وفاة الشاب العاطل عن العمل رضا اليحياوي (28 عاما) بصعقة كهربائية، نتيجة تسلقه عمود إنارة وتهديده بالانتحار، احتجاجا على سحب مسؤولين محليين اسمه من قائمة توظيف في القطاع العام.
وبعد ذلك عمت الاحتجاجات مناطق أخرى تعاني تهميشا منذ عقود، وتحولت في بعضها إلى أعمال عنف ومواجهات مع قوات الأمن، طالب خلالها المحتجون برحيل الحكومة، ما اضطر السلطات إلى فرض حظر تجوال ليلي في كامل البلاد، انطلقت منذ من 22 من يناير الماضي وحتى الثالث من فبراير (شباط) الماضي. وقد أعادت وفاة اليحياوي إلى الأذهان انتحار البائع المتجول محمد البوعزيزي بإحراق نفسه، احتجاجا على مصادرة شرطة البلدية لعربة الخضار التي كان يكسب منها رزقه.
وحول خيبة الأمل التي يشعر بها جل التونسيين بسبب التباطؤ في تنفيذ الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، يقول عبد الرحمن الهذيلي، رئيس «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» (غير حكومي): «لقد كنا نعتقد أن الملف الاجتماعي الذي أطاح ببن علي سيكون أولوية الطبقة السياسية، لكن كأن شيئا لم يحصل، ذلك أن المناطق الداخلية ما زالت تعاني من الفقر والبطالة، وضحية للتمييز» في التنمية، علما بأن أوضاع المناطق الداخلية تصنف منذ عقود على أنها أسوأ من تلك السائدة في الساحل، ولذلك نص الدستور التونسي الجديد، الذي صادق عليه البرلمان مطلع 2014. على «التمييز الإيجابي» لهذه المناطق.
ويقول الفصل 12 من الدستور إن «الدولة تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، والتوازن بين الجهات، استنادا إلى مؤشرات التنمية، واعتمادا على مبدأ التمييز الإيجابي» بين المناطق.
لكن معدل البطالة بلغ في مناطق الجنوب الغربي خلال العام الماضي 26.1 في المائة، مقابل معدل وطني بأكثر من 15 في المائة، وفق المعهد الوطني للإحصاء (حكومي). أما نسب الفقر في المناطق الداخلية فتعتبر أعلى بأربعة أضعاف من الساحل، وفق تقرير «الثورة غير المكتملة» الذي نشره البنك الدولي سنة 2014.
فيما يتجاوز معدل الفقر 30 في المائة في الوسط الغربي، الذي انطلقت منه موجة الاحتجاجات الأخيرة. كما تراجع النمو الاقتصادي في تونس إلى 0.8 في المائة في 2015.
وبعد هدوء موجة الاحتجاجات الأخيرة، دعا رئيس الحكومة الحبيب الصيد المواطنين إلى «الصبر»، قائلا إنه لا يملك «عصا سحرية» لتوفير وظائف لكل العاطلين عن العمل. أما الرئيس الباجي قائد السبسي فقد اعتبر الاحتجاجات أمرا «طبيعيا»، مقرا بأنه «لا كرامة من دون تشغيل.. فنحن لا نستطيع أن نقول لشخص ليس له ما يأكل: اصبر».
وفي هذا السياق، يؤكد سكان في المناطق الداخلية أنهم «سئموا» من كلام السلطات، التي يرون أنها لم تفعل شيئا لتنمية مناطقهم على الرغم من غناها بالمواد الأولية، كالفوسفات في قفصة، والمنتجات الزراعية في سيدي بوزيد. كما تحتوي هذه المناطق على «إمكانات ضخمة، لكنها فشلت في جذب الاستثمارات الأجنبية بسبب عدم وجود بنى تحتية، وخدمات اجتماعية جيدة»، بحسب ما يقول المحلل الاقتصادي كريم الطرابلسي، مضيفا أن المشكلة الرئيسية تكمن في «منوال التنمية الذي لم يتغير» منذ عقود، موضحا أنه «لم تكن هناك إصلاحات سياسية جريئة لتغيير الوضع جذريا في هذه المناطق».
من جهته، يرى عادل عقرباوي، الكاتب العام لولاية القصرين، ردا على هذه الانتقادات، أن المشكلة الكبرى تكمن في البيروقراطية، وبطء الإجراءات الإدارية ونقص الكوادر في المناطق، ويشير في هذا السياق إلى أن هناك مبادرات للقيام بمشاريع خاصة، لكن العدد الكبير من هذه المشاريع «يتجاوز قدرات المصالح الجهوية» (المناطقية).
ولذلك نبه الهذيلي من أن الوقت يضغط، و«إذا استمرت السلطات في هذه السياسة فسوف نتجه نحو الانفجار الاجتماعي».
وخلال السنوات الأخيرة أضيف تهديد المتطرفين إلى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المناطق الداخلية. ففي جبال القصرين (وسط غرب)، وجندوبة، والكاف (شمال غرب) الحدودية مع الجزائر، تتحصن «كتيبة عقبة بن نافع»، المجموعة المتطرفة الرئيسة في تونس، والمرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وقد أقدم عدد من المتطرفين في 13 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على ذبح راعي الأغنام مبروك السلطاني (16 عاما) داخل منطقة جبلية في سيدي بوزيد، بعد اتهامه بتزويد الجيش بمعلومات عن تحركاتهم مقابل أموال، في حادثة هزت الرأي العام. ولذلك حذر سكان القصرين خلال موجة الاحتجاجات الأخيرة من تحوّل الشبان العاطلين عن العمل إلى «هدف مفضل» للشبكات التي تجند عناصر للجماعات «الإرهابية».
وفي هذا السياق ذكر تقرير صادر عن «فريق عمل الأمم المتحدة حول استخدام المرتزقة» في 2015، أن أكثر من 5500 تونسي، تتراوح أعمار معظمهم بين 18 و35 عاما، انضموا إلى التنظيمات الجهادية في سوريا والعراق وليبيا، مشيرا إلى أن عدد المقاتلين التونسيين في هذه التنظيمات «هو بين الأعلى ضمن الأجانب الذين يسافرون للالتحاق بمناطق النزاع».
يقول كريم، وهو شاب عاطل عن العمل شارك في يناير الماضي في مظاهرات بالقصرين للمطالبة بالتنمية وتوفير وظائف: «نحن على درجة من اليأس قد تجعلنا نتبع حتى الشيطان للخروج من هذا البؤس».
تفاوت التنمية داخل المناطق.. أبرز الملفات المتفجرة في تونس
كان سببًا في اندلاع مظاهرات عنيفة.. ومطالبات برحيل الحكومة
تفاوت التنمية داخل المناطق.. أبرز الملفات المتفجرة في تونس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة