10 سنوات على حكم حماس (4 - 4): وجه مشرق للحياة في غزة لكنه قابل للاختفاء في «رمشة عين»

سكانها يتابعون كرة القدم.. ويقضون أوقاتًا ممتعة في المطاعم والفنادق وعلى شاطئ البحر

سلسلة من الفنادق والمنتجعات الفاخرة على شاطئ غزة الجميل
سلسلة من الفنادق والمنتجعات الفاخرة على شاطئ غزة الجميل
TT

10 سنوات على حكم حماس (4 - 4): وجه مشرق للحياة في غزة لكنه قابل للاختفاء في «رمشة عين»

سلسلة من الفنادق والمنتجعات الفاخرة على شاطئ غزة الجميل
سلسلة من الفنادق والمنتجعات الفاخرة على شاطئ غزة الجميل

مثل كل المدن الساحلية والسياحية الأخرى، يوجد في قطاع غزة ما يستحق الحياة، بالنسبة لكثيرين: عشاق على بحر الشاطئ، وعائلات تقضي أجمل الأوقات في مطاعم وفنادق فاخرة للغاية، وآخرون يحيون الحفلات الغنائية والراقصة، أو يلعبون كرة القدم، أو يمارسون رياضة أخرى.
صحيح أن الصورة النمطية عن غزة هي أنها بلد محاصر مليء بركام الحروب ومخلفاتها، مع عائلات ثكلى كثيرة، لكن جولة ليلية في القطاع بإمكانها أن تساعد على تغيير هذه الصورة.
إذ تفيض غزة بشواطئها الجميلة، والمطاعم والمقاهي والمنتجعات المنتشرة على تخومها، وملاعب كرة القدم والمحلات التي تعرض أفضل البضائع على الإطلاق أيضا، التي تبدو بمجموعها متنفسا كبيرا للغزيين الذين لا يستطيعون مغادرة القطاع.
يقول محمد نصر الدين (25 عامًا)، لـ«الشرق الأوسط»: «أقضي معظم وقتي في الليل في أفخم المطاعم والفنادق في غزة».
يصل محمد بسيارته الفارهة إلى فندق «الروتس» أو «البلوبيتش»، على ساحل بحر غزة، كي يدخن النرجيلة (الشيشة)، مع رفاقه. يدخل ويختار جلسة مطلة على البحر، ويطلب طعامه وقهوته والنرجيلة مثل أصدقائه، ويدفع ما مقداره مائة دولار ويغادر.
ويبدو هذه الرقم مهولا بالنسبة لكثير من الغزيين، لكنه يقول، إن ذلك هو متنفسه الوحيد في ظل إغلاق المعابر وعدم قدرته على السفر بحرية متى أراد. ويعقب على انتقادات يتعرض لها «أنا أنظر إلى حياتي بأنها طبيعية، ولا أهتم بالنظرة الطبقية في المجتمع».
صحيح أن كثيرين لا يستطيعون مجاراة محمد، لكن غالبية الشبان تقريبا يعيشون حياته مع فارق مهم يتعلق باختيار مكان أقل تكلفة.
ويقضي آلاف الشبان ليلهم في مقاهي قطاع غزة، يلعبون الورق (الشدة، الكوتشينة) ويدخنون النرجيلة، كما تتجمع الفتيات لقضاء سهرة ممتعه في أماكن مخصصة أو مقبولة. وتأخذ مباريات كرة القدم نصيب الأسد من اهتمام الشبان في القطاع عموما.
وتكتظ المقاهي والكافيهات عادة بالشبان الذين يتابعون مباريات كرة القدم وسط شغف كبير. وقال حسام مطر، أحد أصحاب المقاهي المنتشرة على شاطئ البحر، إن العشرات من الشبان يتابعون المباريات خصوصا الدوري الإسباني. ويشير مطر إلى أن المئات من الشبان يحضرون مباراة الكلاسيكو بين برشلونة وريال مدريد، أو مباريات دوري أبطال أوروبا، لما تمثله مبارياته من أهمية كبرى بالنسبة إليهم. ويضيف: «إنهم يأتون للترفيه عن أنفسهم، وفي الوقت ذاته يستمتعون بقضاء وقت جميل هنا».
وذكر مطر أن تكلفة مشاهدة المباراة تصل من اثنين إلى خمسة شيقلات فقط للفرد الواحد، أي ما يعادل أقل من (دولار ونصف الدولار فقط). مشيرا إلى أن التذكرة للفرد من دون تناول أي مشروب ساخن، فقط شيقلان، فيما تصل إلى خمسة في حال تناول أي مشروب.
وتضيف المباريات أجواء جميلة على السهرات الليلية للشبان على ساحل البحر أو داخل المدينة. ومن أجل ذلك، تتنافس المقاهي على تقديم شاشات أكبر وصورة أوضح وخدمة جيدة أثناء البث.
وقال شبان التقتهم «الشرق الأوسط»، إنهم يقضون اليوم كله قبل وبعد المباراة في جو مشحون وفيه كثير من المنافسة والتحدي والفرح بالفوز أو خيبة الأمل بالخسارة وسط مناكفات لا تتوقف. أما الذين يحبون الأجواء الهادئة ولا يملكون المال الكافي فيبحثون دائما عن البحر.
ويجد حكيم المصري (33 عاما)، وهو متزوج وأب لأربعة أطفال، أن البحر وحده المتنفس الوحيد له ولعائلته لقضاء بعض الوقت من دون اكتراث لحسابات مالية يمكن أن ينظر إليها في حال قرر الذهاب مع عائلته لتناول طعام العشاء. وقال المصري، إنه يحاول إسعاد أطفاله قدر الإمكان بتوفير وجبة عشاء جاهزة، لكنها أقل سعرا من تلك التي تباع في الفنادق والمطاعم الفاخرة، ويحضر إلى البحر لقضاء وقت جميل مع عائلته من دون أن يتكلف مبالغ باهظة.
ويشير المصري، وهو صاحب محل صغير لبيع الملابس القديمة «البالة»، إلى أن أغلب العائلات الفقيرة تفضل الأماكن المفتوحة والعامة للترفيه عن نفسها، لأسباب كثيرة، منها عدم توفر المبالغ الباهظة التي يمكن أن تدفع في المطاعم، وأخرى منها تتعلق بالاختلاط الفاضح في بعض الأماكن.
ويضيف: «كثير من الناس في العالم العربي والعالم يعتقدون أنه لا توجد حياة في غزة، وأننا منغلقون على أنفسنا ولا نرغب في الحياة ونفضل الموت. لكن الحقيقة هي أننا شعب نرغب في الحرية ونسعد كثيرا بالترفيه عن أبنائنا وبناتنا، والحياة تزداد جمالا من يوم إلى آخر في غزة، بفعل حبنا للحياة رغم كل المآسي التي نعيش فيها». والاختلاط الذي أشار إليه المصري، حاولت حركة حماس في سنوات سابقة الحد منه ولا تزال، لكن كثيرين يعتقدون أنها محاولات إعلامية أكثر منها جدية.
وأصدرت حماس في سنوات حكمها كثيرا من القرارات التي تمنع السيدات من تدخين النرجيلة (الشيشة) على شاطئ البحر، أو إقامة الحفلات الراقصة والمختلطة، إلا أن تلك القرارات لم تكن للتطبيق الفعلي، كما يقول أبو خالد، المسؤول الإداري في أحد أشهر الفنادق الفخمة على شاطئ بحر غزة.
ويروي أبو خالد، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الفنادق والمطاعم والمقاهي في غزة تمتلئ بروادها دائما في الأيام الأولى من صرف رواتب موظفي السلطة الفلسطينية، وفي المناسبات، ويومي الخميس والجمعة اللذين يعدان من أهم الأيام وأكثرها نشاطا واستقبالا للزبائن».
ولفت أبو خالد، إلى أنه عمل على تنسيق حفلات غنائية راقصة في أجواء رومانسية لمدة 3 أيام متتالية في رأس السنة الميلادية، وحفلة واحدة ليلة «يوم الحب» (فالانتاين داي)، في الرابع عشر من شهر فبراير (شباط) الحالي. مشددا على أن الفندق الذي يعمل فيه بصعوبة بالغة، استطاع استيعاب الأعداد التي حضرت تلك الحفلات، على الرغم من الأسعار التي كانت تصل إلى ثمانين شيقلا للفرد، أي ما يعادل (21 دولارا) قابلة للزيادة، وفق ما يطلبه الزبائن من طعام ومشروب وغيره. ويعتقد أبو خالد، أن الناس في غزة مثل أي مكان آخر يحبون هذه الحياة.
ويشاركه الرأي حمادة عريف، أحد الإداريين في مطعم التايلاندي، وسط مدينة غزة، الذي يقول إن المطعم الذي يشرف على إدارته يستقبل المئات من المواطنين يوميا، مع وجود أقسام خاصة بالعائلات.
وقال عريف: «هناك إقبال كبير على قاعات المطعم في الأيام العادية وأيام المناسبات، وفي أوقات المباريات التي يحتشد الشبان لحضورها». وأضاف أنه «رغم الأوضاع الحياتية الصعبة في غزة، فإن هناك من يحرص على ممارسة حياته بشكل طبيعي».
ويعتقد عريف أن الغزيين يتطلعون فعلا إلى تغيير نمط حياتهم، ويسعون لذلك من خلال «اللمات» العائلية في المقاهي والمطاعم وعلى شاطئ البحر. وأردف: «الجميع يريد أن ينتقل من الواقع المأساوي الذي يعيشه بسبب الحصار والحروب وغيرها، إلى ما يمكن أن يحسن من حياته وعائلته». وتحافظ الصحافية صبا الجعفراوي على قضاء أوقات ممتعة مع صديقاتها وعائلتها للتخلص من ضغط العمل وتقول: «هذا الكم الكبير من المطاعم والمقاهي والفنادق والمنتجعات هو متنفس الناس».
وتجد جعفراوي أن «الإقبال له علاقة بالحصار والتضييق والخناق الذي تفرضه إسرائيل على غزة، وساعد في ذلك تدمير الأنفاق من قبل الجيش المصري على طول الحدود».
وتعتقد الجعفراوي، أن تجارة الأنفاق ساعدت على ظهور طبقة غنية جدا في غزة، إضافة إلى الأثرياء الموجودين أصلا، ويريدون أن يعيشوا بطريقة مختلفة. لكنها تحذر من أن هذا الوجه الآخر للحياة يمكن أن يتغير بسرعة في بلد محاصر، وتتغير فيه الظروف بـ«رمشة عين» بين هدنة وحرب.



المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

TT

المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

بعد 9 أشهر من الحرب التي شنها قائد «الجيش الوطني الليبي»، المشير خليفة حفتر، على العاصمة الليبية طرابلس، في 4 أبريل (نيسان) 2019، مدعوماً بمقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية، دفعت أنقرة بمرتزقة ينتمون لمجموعات سورية معارضة، أبرزها فصيل «السلطان مراد»، الذي غالبية عناصره من تركمان سوريا، إلى ليبيا. وبعد اقتتال دام 14 شهراً، نجحت القوات التابعة لحكومة فايز السراج، في إجبار قوات «الجيش الوطني» على التراجع خارج الحدود الإدارية لطرابلس.

وفي تحقيق لـ«الشرق الأوسط» تجري أحداثه بين ليبيا وسوريا والسودان وتشاد ومصر، تكشف شهادات موثقة، كيف انخرط مقاتلون من تلك البلدان في حرب ليست حربهم، لأسباب تتراوح بين «آيديولوجية قتالية»، أو «ترغيب مالي»، وكيف انتهى بعضهم محتجزين في قواعد عسكرية بليبيا، وأضحوا الحلقة الأضعف بعدما كان دورهم محورياً في بداية الصراع.

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد عناصر «المرتزقة السوريين» في طرابلس تجاوز 7 آلاف سابقاً، لكن فرّ منهم نحو 3 آلاف وتحولوا إلى لاجئين في شمال أفريقيا وأوروبا.

مرتزقة الحرب الليبية.. وقود المعارك وعبء الانتصارات والهزائم