مخيم قلنديا يتحول إلى ساحة حرب بعد محاصرة جنديين لـ6 ساعات

جيش الاحتلال يطبق «إجراء هنيبعل» للمرة الأولى في الضفة

سيارة مقلوبة في مخيم قلنديا للاجئين الذي شهد اشتباك سكانه مع قوات الاحتلال أمس (أ.ف.ب)
سيارة مقلوبة في مخيم قلنديا للاجئين الذي شهد اشتباك سكانه مع قوات الاحتلال أمس (أ.ف.ب)
TT

مخيم قلنديا يتحول إلى ساحة حرب بعد محاصرة جنديين لـ6 ساعات

سيارة مقلوبة في مخيم قلنديا للاجئين الذي شهد اشتباك سكانه مع قوات الاحتلال أمس (أ.ف.ب)
سيارة مقلوبة في مخيم قلنديا للاجئين الذي شهد اشتباك سكانه مع قوات الاحتلال أمس (أ.ف.ب)

تحول مخيم قلنديا للاجئين الفلسطينيين على مشارف مدينتي رام الله والقدس، إلى ساحة معركة حقيقية، شارك فيها مئات من جنود الاحتلال الإسرائيلي وقواته الخاصة وطائرة وعدد من الجرافات، في مواجهة عشرات الشبان الفلسطينيين الذين كانوا يحاصرون جنودا في المخيم، قالوا: إنهم دخلوه كمستعربين (قوات خاصة) لتنفيذ عمليات، وقال الإسرائيليون إنهم ضلوا الطريق.
بدأت الليلة القاسية والطويلة، في قلنديا المكتظ بالسكان، عندما اكتشف الشبان وجود سيارة عسكرية داخل المخيم، فهاجموها فورا، وأشعلوا فيها النيران، قبل أن يفر جنديان منها، وتبدأ مطاردتهما في أزقة المخيم الضيقة. وقال شاهد عيان لـ«الشرق الأوسط»، إن الشبان لاحظوا سيارة من نوع تويوتا تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، فهموا أنهم في مهمة خاصة، فهاجموا السيارة بسرعة قبل أن يطلق الجنود النار في الهواء ويلوذوا بالفرار.
وتابع: «يبدو أن الجنود أطلقوا نداء استغاثة، فوصلت تعزيزات ضخمة، وحاول المئات منهم اقتحام المخيم بمساعدة طائرة عسكرية وجرافات، فاندلعت مواجهات عنيفة للغاية استمرت لساعات».
ووجد الجنود الإسرائيليون، كما يبدو، صعوبة في اقتحام المخيم، نتيجة وجود مقاومين واجهوهم بالرصاص، وبسبب ضيق المداخل. واضطر الجيش الإسرائيلي للاستعانة بالطيران وبجرافات حربية لفتح طرقات وسط تبادل لإطلاق النار، مما خلف إصابات بين الطرفين.
وخلفت الجرافات أضرارا في جدران ومنازل، وفي البنية التحتية في خطوط الكهرباء والماء.
ونجح الجيش الإسرائيلي بعد 6 ساعات من الاشتباكات، في إنقاذ جندييه، لكنه قتل فلسطينيا وخلف 18 إصابة، فيما أصيب 4 من جنوده على الأقل.
وأعلنت حركة فتح عن «استشهاد» الطالب في جامعة القدس، إياد سجدية، الذي أصيب برصاصة في رأسه. وشيع أبناء قلنديا جثمان سجدية أمس في جنازة مهيبة، هتفوا خلالها مطالبين بالانتقام.
وسجدية هو «الشهيد» الـ11 الذي يسقط في مخيم قلنديا، منذ بداية الهبة الجماهيرية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وكشفت مصادر إسرائيلية لاحقا، أن العنف الذي شهده مخيم قلنديا، كان ناتجا عن تطبيق الجيش الإسرائيلي إجراء «هنيبعل»، الذي يقضي باستخدام قوة نيران كبيرة لتحرير أي جنود مختطفين أو قتلهم مع خاطفيهم.
واستخدم الجيش الإسرائيلي هذا الإجراء سابقا في قطاع غزة ولبنان، لكنها المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك في الضفة الغربية.
وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، إن قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، قررت تطبيق إجراء «هنيبعل»، بعد أن أشعلت النيران في مركبة الجنديين. وكان الجيش الإسرائيلي، قد استخدم «إجراء هنيبعل» أول مرة، في عام 1986. من قبل يوسي بيليد قائد الجبهة الشمالية آنذاك، وغابي أشكنازي قائد فرع العمليّات، والمسؤول الكبير يعقوب عميدور، في محاولة لمنع أسر الطيار أرون أراد، الذي أسقطت طائرته في جنوب لبنان، وما زال مصيره مجهولا.
وفي عام 2000 كررت قيادة الجيش السيناريو نفسه مرة ثانية، وقصفت مناطق واسعة على طول الحدود الإسرائيلية - اللبنانية لإحباط أسر ثلاثة إسرائيليين على يد «حزب الله» اللبناني.
وفي 25 يونيو (حزيران) من عام 2006، اتبعت الإجراء عينه مجددا، عندما أسرت كتائب القسام الجندي غلعاد شاليط على حدود غزة. وبعدها بأسابيع قلائل، استخدمته مرة أخرى في جنوب لبنان بعد خطف «حزب الله» جنديين إسرائيليين.
وظل الإجراء طي الكتمان بقرار من الرقابة العسكرية، ولكن بعد عملية تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل في أكتوبر 2011 بدأ نقاش واسع في إسرائيل حول الثمن الذي تضطر الحكومة لدفعه مقابل كل جندي أسير.
وفي حرب غزة الأخيرة عام 2014. نفذ الجيش «إجراء هنيبعل» مرتين على الأقل، الأولى في حي الشجاعية، عندما اختطفت مجموعة من كتائب عز الدين القسام، الجندي أورون شاؤول، فارتكبت إسرائيل مذبحة في المحيط، وقتلت أكثر من 120 فلسطينيا، وهدمت البيوت على رؤوس أصحابها، وحولت المكان إلى أثر بعد عين. والثانية في رفح، عندما فقد جنود وحدة غيفعاتي الضابط هدار جودين، فأحرقت الوحدة أجزاء من رفح وخلفت كذلك أكثر من 130 قتيلا.
وينص إجراء هنيبعل، على أنه في حال اختطاف جنود، فإن أهم هدف يكون إحباط عملية الاختطاف حتى وإن نتجت عن ذلك إصابة المختطَف أو قتله.
ولا يعتقد أن إسرائيل استخدمت كل الصلاحيات تماما في قلنديا، وإلا كان سيخلف مجزرة. وفورا فتح الجيش الإسرائيلي تحقيقا في سبب دخول الجنديين إلى مُخيم اللاجئين. وأظهرت التحقيقات الأولية، أنهما قد دخلا بسبب خطأ في تطبيق المرور والملاحة الإسرائيلي «ويز»، الذي قادهم إلى المدخل الشمالي من مُخيم قلنديا، بينما كانا ذاهبين إلى مُعسكرهما في شمال غربي القدس.
وكتب الصحافي حاييم هار زهاف، أن سياسة شركة «ويز» التي تم تغييرها مؤخرًا وفق طلب جهات من اليمين الإسرائيلي هي السبب.
وكان التطبيق، يتضمن توجيهات لمنع السيارات من الدخول إلى طرقات تعد «خطيرة»، لكن جهات من اليمين المُتطرف لم تُعجبها هذه السياسة، واحتجوا للشركة، من زاوية أنه «من غير المناسب أبدا ألا يتمكن الإسرائيليون من التنقل بحرية في بلادهم». وطالب اليمين المتطرف الشركة، بتعديل التطبيق، حيث إن كل منطقة لم يتم تحديدها أنها تابعة للسلطة الفلسطينية، يستطيع الإسرائيليون التنقل فيها بحرية. فاستجابت شركة «ويز» لهذا الطلب. وهذا، على ما يبدو، ما أدى إلى دخول الجنديين إلى مخيم قلنديا.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».