توقف القصف.. لكن سكان مدينة حلب يموتون من العطش

ازداد الوضع سوءًا بعدما دمرت غارة روسية في نوفمبر محطة ضخ مياه رئيسية

أطفال في مدينة حلب يسهمون في حمل المياه من الآبار إلى بيوتهم بعدما دمر قصف الطيران محطة المياه في المدينة (أ.ف.ب)
أطفال في مدينة حلب يسهمون في حمل المياه من الآبار إلى بيوتهم بعدما دمر قصف الطيران محطة المياه في المدينة (أ.ف.ب)
TT

توقف القصف.. لكن سكان مدينة حلب يموتون من العطش

أطفال في مدينة حلب يسهمون في حمل المياه من الآبار إلى بيوتهم بعدما دمر قصف الطيران محطة المياه في المدينة (أ.ف.ب)
أطفال في مدينة حلب يسهمون في حمل المياه من الآبار إلى بيوتهم بعدما دمر قصف الطيران محطة المياه في المدينة (أ.ف.ب)

يستمتع سكان مدينة حلب في شمال سوريا منذ أيام باتفاق الهدنة الذي أزال الخوف من الغارات والاشتباكات، لكنهم يعانون منذ أسابيع من شح حاد في المياه، فيبحثون عنها في آبار غير صالحة للشرب أو يدفعون ثمنها غاليًا.
ويقول أبو نضال (60 عامًا)، أحد سكان حي المغاير في شرق جلب الخاضعة لسيطرة الفصائل المقاتلة: «بات الوضع العام في المدينة جيدًا خلال الهدنة، كل شيء متوفر لدينا إلا.. المياه».
ويضيف، وهو يجلس على كرسي أمام منزله يحتسي كوبًا من الشاي: «اضطر للذهاب من حي إلى آخر بحثًا عن الآبار التي تكون نسبة الملوحة في مياهها أقل (...) فالمياه المعقمة التركية غالية الثمن ومعظم السكان لا يستطيعون شراءها».
وتضررت أنابيب المياه والمولدات الكهربائية التي تستخدم في ضخ المياه إلى الأحياء السكنية بسبب المعارك العنيفة التي شهدتها حلب منذ صيف 2012.
ويقول تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الوضع ازداد سوءا بعدما دمرت غارة روسية في نهاية نوفمبر محطة ضخ مياه رئيسية تحت سيطرة تنظيم داعش شرق مدينة حلب، مما حرم نحو 1.4 مليون نسمة من سكان المنطقة من المياه، وفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف). وتوجد محطة ضخ أخرى في حي سليمان الحلبي يصعب تشغيلها جراء النقص في الكهرباء والمحروقات.
ويقول سكان المدينة إنهم للمرة الأولى يعانون من أزمة انقطاع المياه بهذا الشكل منذ اندلاع النزاع قبل خمس سنوات. ولتأمين حاجاتهم، يبحثون عن آبار وخزانات توفر لهم المياه الضرورية للاستخدام المنزلي، ويلجأون إلى تعقيمها أو شراء زجاجات مياه للشرب.
وتجول سيارات محملة بخزانات مياه غير صالحة للشرب يتم سحبها من آبار جوفية، في شوارع المدينة، وتتنقل من حارة إلى أخرى لتغذي المنازل بكميات قليلة لا تكفيها.
وتقول جانة مرجة (21 عامًا) المقيمة حي السريان في الجهة الغربية من المدينة: «الذي يسير في شوارع حلب يرى سيارات (سوزوكي) تحمل خزانات وتتنقل بين الحارات». وتضيف: «بات السائقون كالأمراء في حلب لأن الجميع بحاجة إليهم».
وتعاني الأحياء الغربية في المدينة الواقعة تحت سيطرة قوات النظام بشكل أكبر من أزمة شح المياه نتيجة الكثافة السكانية فيها، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وتروي جانة أن هناك «مشهدًا شائعًا جدًا في حلب عبارة عن طوابير من السكان، أطفالاً ونساء ورجالًا، ينتظرون دورهم للحصول على مياه الشرب». وتتحدث عن مهنة جديدة هي «مهنة الانتظار، إذ يقوم بعض الأشخاص بحجز دور مقابل مبلغ معين».
وفي بستان القصر، أحد الأحياء الشرقية، يجاهد أبو عامر (38 عاما) لتأمين المياه لعائلته المؤلفة من ثلاثة أطفال. ويروي: «أومن المياه لمنزلي عبر أحد الخزانات القريبة منا والتي تعبأ عادة بمياه إحدى الآبار القريبة»، موضحا أن هذه المياه «غير صالحة للشرب».
وتستهلك عائلة أبو عامر حاليًا ربع الكمية التي كانت تستهلكها «قبل أن تنقطع المياه بشكل كامل منذ قرابة الشهرين». ويقول: «أحيانًا كانت تنقطع عنهم شهرًا كاملاً، أما هذه المرة فتعد الأطول منذ بدأت الحرب في حلب». وتتبع عائلة أبو عامر حاليًا سياسة التقنين، حتى إننا «باعدنا بين فترات الاستحمام».
أما بالنسبة إلى مياه الشرب، فيبدو الوضع أصعب، فإما يصار إلى تعقيم مياه الخزانات أو شراء زجاجات مصنعة في تركيا رغم أن سعرها تضاعف أخيرًا. ويقول أبو عامر: «سابقًا كنت أشتري 12 قنينة مياه مقابل 450 ليرة سورية، أما الآن فقد وصل سعرها إلى 900 ليرة سوريا»، أي نحو أربعة دولارات.
وتوضح روان ضامن (22 عامًا)، وهي طالبة جامعية في حي الموغامبو في الجهة الغربية، أن كلفة ألف لتر مياه غير صالحة للشرب بلغت 1350 ليرة سوريا. ويلجأ البعض، وفق ضامن، إلى شراء زجاجات المياه، وآخرون يقومون بغلي مياه الآبار ثم تبريدها لشربها أو يضعون فيها أقراص تعقيم. ويعاني الكثيرون من مشكلات صحية نتيجة شرب مياه الآبار.
ويتنهد أبو محمد (43 عامًا) الذي يضطر وعائلته المؤلفة من ستة أطفال إلى شرب مياه الآبار «ما تسبب لي ولأحد أطفالي بالتسمم، وأصبنا بالتهابات معوية وإسهال وقيء»، بحسب قوله. ويضاف إلى ذلك عدم وجود آبار أو خزانات قريبة من منزله، فيضطر إلى قطع مسافات طويلة للحصول على المياه.
وفي محاولة لإيجاد حلول، أنشأ ناشطون صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات على الهواتف الجوالة لتبادل المعلومات حول أماكن الآبار.
ويوضح فادي نصر الله، وهو مهندس معلوماتية، أن «الناس يتابعون صفحات على (فيسبوك) مخصصة للاطلاع على وضع مياه الشرب، ومثل هذه الأخبار تنتشر بسرعة عبر (واتس آب) والإنترنت بشكل عام».
ويستخدم السكان أيضًا تطبيقًا على الهواتف الجوالة طورته اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتحديد مكان أقرب بئر مياه إلى مكان وجودهم.
ويقول علي (29 عامًا): «قبل الحرب لم أكن أبالي بكمية المياه التي استهلكها، أما اليوم فأصبحت المياه مثل الذهب، وكأنها مياه مقدسة من زمزم».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.