انطلاق أول هدنة من نوعها منذ اندلاع الأزمة في سوريا بين النظام والمعارضة

صبرا لـ {الشرق الأوسط} : استهداف داريا سيعني انهيار وقف إطلاق النار والمفاوضات

عناصر من الهلال الأحمر السوري ينقلون جثة أحد قتلى غارة روسية على مدينة دوما بريف دمشق (أ.ف.ب)
عناصر من الهلال الأحمر السوري ينقلون جثة أحد قتلى غارة روسية على مدينة دوما بريف دمشق (أ.ف.ب)
TT

انطلاق أول هدنة من نوعها منذ اندلاع الأزمة في سوريا بين النظام والمعارضة

عناصر من الهلال الأحمر السوري ينقلون جثة أحد قتلى غارة روسية على مدينة دوما بريف دمشق (أ.ف.ب)
عناصر من الهلال الأحمر السوري ينقلون جثة أحد قتلى غارة روسية على مدينة دوما بريف دمشق (أ.ف.ب)

انطلقت منتصف الليل أول هدنة من نوعها منذ عام 2011، تاريخ اندلاع الأزمة بين المعارضة والنظام السوري، على أن تكون الساعات القليلة المقبلة حاسمة لجهة إمكانية استمرار وقف إطلاق النار لأسبوعين، خصوصا أن طرفي النزاع لا يبدوان متفائلين جدا في هذا المجال. ومن المرجح أن ينعكس مسار الهدنة على عملية استئناف المفاوضات المرتقبة خلال أيام في جنيف، خصوصا في ظل ربط المعارضة مصير هذه المفاوضات بالتزام النظام بالهدنة وبالتحديد في منطقة داريا في ريف دمشق بعد ادعاء ضابط سوري في وقت سابق بأن الهدنة لن تشمل داريا لوجود جبهة النصرة فيها.
الهيئة العليا للمفاوضات المعارضة أعلنت أمس التزام 97 فصيلا مقاتلا بهدنة تستمر أسبوعين، لكنها شدّدت على أنّها ستتصدى للنظام وحلفائه في حال قرروا استغلال اتفاق وقف إطلاق النار لمواصلة الهجمات تحت ذريعة محاربة الإرهاب. وشددت الهيئة على ضرورة وضع آلية دولية تتضمن إطارًا زمنيًا واضحًا ومحددًا لسريان هذه الهدنة المؤقتة وانتهائها، وتحديد إجراءات فرض الامتثال وضمان عدم خرقها، وتخويل جهة محايدة للتحقق من تنفيذ شروطها ومتطلباتها من قبل جميع الأطراف، والإبلاغ عن أي خروقات وتحديد المسؤولين عنها.
وأكد رياض حجاب، المنسق العام للهيئة الالتزام بـ«الشفافية الكاملة» تجاه الشعب السوري، قائلا: «لسنا معنيين بأي صفقات خارجية تتم في منأى عنه، هدفنا من الهدنة هو إتاحة مجال تنفيذ البنود الإنسانية في قرار مجلس الأمن 2254، ولا بد أن تكون الالتزامات المفروضة في الهدنة متوازنة وشاملة وملزمة لجميع الأطراف، وأن تتم صياغتها بصورة واضحة ومحددة وفق آليات عمل لا يمكن الخلاف عليها مستقبلاً، وذلك من أجل ضمان نجاحها».
ومن جانبه، بدا جورج صبرا، نائب رئيس وفد المعارضة السورية المفاوض في جنيف، غير متفائل حيال استمرار الهدنة مطولا، معتبرا أن «لا أرضية مناسبة وصلبة لاستمرار وقف إطلاق النار خاصة في ظل وجود روسيا في موقع الخصم والحكم في الوقت عينه». وشدّد صبرا، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «استثناء داريا من الهدنة سيعني ضربة سريعة وقاسمة للهدنة ولاستئناف المفاوضات»، ورد سعي النظام لاستثناء داريا وحدها «لوقوعها على حدود دمشق ولأطماع تتعلق بأجندات التوطين».
في هذه الأثناء، ويُتابع الناشطون، كما المقاتلون في داريا، عن كثب تطور الأوضاع، وهم وبحسب عضو مجلس قيادة الثورة بريف دمشق إسماعيل الداراني، تلقوا تأكيدات من كل فصائل الجيش الحر بأن «أي طلقة ستطلق باتجاه داريا ستعني انهيار الهدنة على مستوى سوريا ككل». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الموقع الاستراتيجي للمدينة وكونها مطلة على مطار مزة آخر متنفس للنظام في المنطقة يجعله مصرا على السعي لإنهاء وضعه المتأزم فيها». وجزم الداراني بعدم وجود أي عناصر لجبهة النصرة في داريا، مشددا على أن «المقاتلين فيها هم معظمهم من أبناء المدنية وينقسمون ما بين منتمين للواء شهداء الإسلام والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام المعتدلين».
من جهة أخرى، يُنتظر أن تتكثف العمليات العسكرية على مواقع سيطرة «داعش» بالتزامن مع توقف الحملة الجوية الروسية على مواقع المعارضة، وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشددا على أن «سلاح الجو الروسي سيواصل عملياته ضد (داعش) والتنظيمات الإرهابية الأخرى أثناء الهدنة وبعدها». وأوضح بوتين في تصريحات بهيئة الرئاسة، أن العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش السوري وقوات الجو الروسية والتحالف بقيادة الولايات المتحدة لن تستهدف الجماعات التي تعلن جاهزيتها وقف القتال. ولفت بوتين إلى أن الاتفاق الروسي - الأميركي على وقف العمليات القتالية في سوريا هدفه «تحفيز التسوية السياسية للصراع»، واعتبر أن ذلك «أمر معقد، لكن لا طريق آخر سوى التسوية السياسية، ويجب توفير الظروف لحقن الدماء في أقرب وقت، وبعدها الشروع في حوار سوري - سوري بمشاركة كل القوى السياسية البناءة».
أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فقال إن هناك فرصة جيدة لتثبيت التحول الإيجابي الذي تم إحرازه في التسوية السورية، لكنه أكد أن لا أحد يمكن أن يضمن بنسبة مائة في المائة نجاح اتفاق الهدنة. وأوضح لافروف خلال مؤتمر صحافي عقده في أعقاب اجتماع وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، وأمين عام جامعة الدول العربية، نبيل العربي، أن «الاتفاق الذي تم التوصل إليه، وسيوافق عليه مجلس الأمن، لا يعني أنه سيتم تنفيذه تلقائيا، بل يجب أن تبذل جهود يومية لمتابعة التطبيق العملي لهذا الاتفاق على الأرض».
وفي حين قال السفير السوري لدى موسكو، رياض حداد، إن جيش بلاده «جاهز تماما لوقف إطلاق النار»، قال إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إن لدى أنقرة «بواعث قلق جادة» حيال اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، بسبب استمرار القتال وذلك قبل ساعات من سريان الاتفاق.
بدوره، استبق قائد جبهة النصرة أبو محمد الجولاني موعد انطلاق الهدنة، بتسجيل صوتي بثته وسائل إعلام تابعة للجبهة، اعتبر فيه أن هذه الهدنة التي تم الاتفاق عليها في سوريا بين الولايات المتحدة وروسيا «مؤامرة وبداية حل سياسي لإبقاء النظام السوري». ودعا الجولاني الفصائل السورية لرفض الهدنة، معتبرا أنها «خديعة من الغرب». وأضاف: «إذا انتصر العلويون والشيعة في سوريا فستمتد المعركة إلى الجزيرة العربية في أقل من عقد». ورجح «بقاء الأسد على رأس السلطة في سوريا بعد المرحلة الانتقالية».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».