تشهد الجزائر أسوأ فتراتها الاقتصادية منذ بداية الألفية الثالثة، حتى أصبحت في خضم أزمة اقتصادية ناتجة بصورة كبيرة عن الانهيار الكبير في أسعار النفط العالمية، في وقت تعتمد فيه الجزائر بصورة مفرطة على العائدات النفطية. وتتضح معالم الأزمة الاقتصادية في البلاد بالارتفاع المستمر في عجز الموازنة، الناتج عن ارتفاع العجز التجاري في البلاد ليناهز ملياري دولار أميركي؛ والذي نتج عن التراجع الكبير في حجم الصادرات التي لم يعد عائدها يكفي لتأمين الواردات التي تحتاج إليها الأسواق المحلية.
ووفقًا لما نشرته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، أول من أمس السبت، ارتفع عجز الميزان التجاري للجزائر إلى 1.875 مليار دولار خلال يناير (كانون الثاني) الماضي مقابل عجز بلغ 1.857 مليار دولار خلال الشهر نفسه من العام الماضي.
وكشفت مديرية الجمارك الجزائرية عن تراجع قيمة الصادرات بنحو 25.04 في المائة إلى 1.931 مليار دولار في يناير الماضي، مقابل 2.576 مليار دولار في يناير من عام 2015.
وتراجعت صادرات المحروقات - التي مثلت 94.92 في المائة من إجمالي الصادرات - 23.72 في المائة، إلى 1.933 مليار دولار، متأثرة بتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية. كما انخفضت الواردات 14.4 في المائة إلى 3.806 مليار دولار، مقابل 4.423 مليار دولار في الشهر المقارن من العام الماضي.
ويبدو أن الوضع الاقتصادي الجزائري أصبح أسوأ من أي وقت مضى، إذ تسبب انهيار أسعار النفط بأكثر من 70 في المائة منذ يونيو (حزيران) 2014. إلى فقدان الخزانة العامة الجزائرية أكثر من ثلثي إيراداتها، ونصف احتياطها النقدي، ما دفع الحكومة لاتخاذ إجراءات تقشفية لتقليص عجز الميزان التجاري، الذي بلغ 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015.
وسبق أن أعلنت وزارة المالية الجزائرية عن تسجيل الميزان التجاري عجزًا قدره 13.71 مليار دولار في عام 2015. مقابل فائض بلغ 4.3 مليار دولار في عام 2014.
ووفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة «دبليو بي بي» العالمية، ومقرها لندن، حول جودة الدول في مجال قابليتها للاستثمار وإقامة المستثمرين وعائلاتهم، تتذيل الجزائر الدول التي شملها التقرير الذي يرصد مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. إذ جاءت في المرتبة ما قبل الأخيرة قبل إيران، والتي تقاسمت الترتيب (60) معها مع تفاوت بسيط في بعض المجالات.
وأشار تقرير للبنك الدولي صدر في يناير الماضي إلى وجود 9 ملايين شخص تحت خط الفقر في الجزائر، وأرجع البنك السبب في ارتفاع نسبة الفقر إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وانعدام فرص العمل، مما أثر على دخول الأفراد ومن ثم على مستوى المعيشة.
ونتيجة مباشرة لأزمة النفط العالمية، انخفضت أرباح الطاقة في الجزائر بنسبة 50 في المائة إلى 34 مليار دولار في عام 2015، ووفقًا لتقديرات البنك الدولي فإنه يمكن أن تنخفض إلى 26 مليار دولار في عام 2016.
وللسيطرة على العجز في الموازنة، أعلنت الحكومة إجراءات تقشفية خلال ميزانية 2016. التي تم التوقيع عليها في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تمثلت في تقليص النفقات بنحو 10 في المائة وإلغاء مشاريع استثمارية في البنية التحتية ورفع الدعم عن السلع الأساسية. كما تشمل الميزانية أيضًا زيادة في ضرائب الدخل والضرائب على الأراضي والممتلكات وتكاليف بعض الخدمات، مثل رسوم تسجيل المركبات وجوازات السفر البيومترية، فضلاً عن الزيادة في فواتير الكهرباء والوقود.
وهذه الإجراءات التقشفية لم تلق قبولاً لدى الشعب الجزائري، مما أدى بالكثير من المواطنين للاحتجاج في مسيرات بالشوارع.
* الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»