هناك لعبة تتعلق بكرة القدم تدور حول وضعك قائمة بالعبارات التي يستحيل أن يسمعها أي شخص في العلن. على سبيل المثال، خلال السنوات التي شهدت تفاقم حالة العته لدى بول سكولز داخل مانشستر يونايتد، كان من المستحيل أن يجرؤ أي شخص على طرح سؤال من عينة «بول شولز يبالغ في ردود أفعاله، أليس كذلك؟» أما السبب وراء ذلك، فهو أن مجرد كتابة مثل تلك العبارة كان من المحتمل أن يفجر حالة عارمة من الغضب الجماهيري واضطرابات وأعمال شغب، وقد يصدر بحقك في نهاية الأمر حكمٌ بالإعدام شنقًا!
ومن بين الأمثلة الأخرى المثيرة في إطار لعبة العبارات التي يستحيل التفوه بها، التعليق على أحداث المواجهة في دوري أبطال أوروبا بين تشيلسي وباريس سان جيرمان الذي هيمن على الملعب، وإن كانت نتيجة مباراة الذهاب 2 / 1 لصالحه ستثير لديه بعض القلق، خصوصً أنه أحد المرشحين بقوة لحصد لقب البطولة.
خلال اللقاء، سجل زلاتان إبراهيموفيتش هدفًا، وشارك في صنع آخر سجله المهاجم إدينسون كافاني، ونجح في خلق اختلاف كبير في مواجهة خط دفاع تشيلسي. وكما هو متوقع في المباريات الحاسمة التي يودع فيها المهزوم البطولة بأكملها في مجموع مباراتي الذهاب والإياب، قدم إبراهيموفيتش أفضل ما لديه أمام الخصم الإنجليزي على نحو أثار في الأذهان ذكريات أدائه المتألق في صفوف برشلونة أمام آرسنال على ملعب الإمارات منذ ستة سنوات.
ومع ذلك، فإنه مع تحطم هجمات باريس سان جيرمان على حواجز أمواج تشيلسي، ظهرت أفضل مهارات إبراهيموفيتش - اللمسات الرائعة وأسلوب أداء الفريق ككل من خلال تحركاته - هذه الهجمات التي قابلها دفاع تشيلسي بقوة هي أقل احتمالاً لأن تؤثر في الأندية الأقوى داخل أوروبا على غرار ما تفعل في الدفاعات المرتعشة لأندية الدوري الفرنسي الممتاز. بيد أن المفارقة تتجلى في أن هذه المواهب ذات الطابع المغناطيسي لدى اللاعب قد تشكل عائقًا أمام أقرانه بالفريق الذين يتمتعون بمهارات قيمة على أصعدة أخرى مغايرة. إلا أن هذا لا يعني أننا ننفي ذكاء إبراهيموفيتش الواضح وقدرته على التألق خلال لحظات معينة يتفوق خلالها أداؤه، متجاوزًا قدرات البشر العاديين، فرغم ما سبق يظل إبراهيموفيتش واحدًا من نخبة اللاعبين الأوروبيين، شارك في الفوز بـ12 بطولة دوري ممتاز مع ستة أندية مختلفة، ولديه شهية لا تشبع تجاه القتال على الكرة داخل الملعب. موجز القول، إنه لاعب يستمتع المرء بمشاهدة أدائه داخل الملعب.
في الوقت ذاته، يعتبر إبراهيموفيتش لاعب كرة قدم من الطراز الأول يملك مهارات استثنائية، لكن يمكن للكاريزما الهائلة التي يتميز بها أن تلقي بظلالها عليها، خاصة داخل فرنسا، حيث يمثل أهمية كبيرة لناديه داخل بطولتي الدوري الفرنسي الممتاز ودوري أبطال أوروبا. يذكر أن صحيفة «أوج ورد لين فرانس» اليومية أغدقت كالعادة بالثناء والمديح على إسهامات إبراهيموفيتش داخل باريس سان جيرمان باعتبارها «أثبتت للجميع أن هذا اللاعب بإمكانه الاضطلاع بدور حاسم في المباريات الحاسمة». وهي ملحوظة مثيرة للاهتمام، لأنه عند النظر إلى الصورة العامة من زاوية أخرى نجد أن تلك هي المرة التي يحقق فيها إبراهيموفيتش ذلك الإنجاز. قبل ليلة الثلاثاء، جاء سجل إبراهيموفيتش في صفوف باريس سان جيرمان أمام مجموعة من الأندية الكبرى، هي ريال مدريد وبرشلونة وتشيلسي وبورتو وفالنسيا، على النحو التالي: شارك في 10 مباريات، فاز خلالها مرة واحدة، وسجل ثلاثة أهداف.
وكانت ليلة الثلاثاء المرة الأولى لإبراهيموفيتش على امتداد ثلاثة مواسم ونصف قضاها بفرنسا، التي يشارك خلالها ويسجل هدفًا في إطار فوز ناديه أمام خصم قوي، سواء بدور المجموعات أو الأدوار التالية لدوري أبطال أوروبا. حتى اليوم، يتمثل إجمالي ما سجله في هذه البطولة في مشاركته في 79 مباراة سجل خلالها 38 هدفًا في دور المجموعات، مقارنة بـ37 مشاركة في الأدوار التالية أي ادوار الذهاب والإياب سجل خلالها 8 أهداف. وربما لا يروق هذا الحديث إلى عاشقي إبراهيموفيتش المتحمسين له، على عكس المراقبين المحايدين. ومع ذلك، يبدو من هذه الأرقام أن هناك خطب ما.
من المؤسف أن مجتمع كرة القدم الإنجليزية اعتاد النظر باستخفاف إلى باريس سان جيرمان، والاستهزاء منه باعتباره مجرد كيان مصطنع وأداة تسويقية في يد قطر التي تغدق ثروتها التي تجنيها من الغاز الطبيعي على نادٍ يخلو من أي روح.
ومع ذلك، جاءت صفقة ضم إبراهيموفيتش بمثابة نجاح كبير بكل المقاييس - فها هو لاعب يملك مهارات استثنائية يطلق له العنان للازدهار والتألق في أحضان بطولة دوري ممتاز، ونادٍ يتميزان بكرم الضيافة وحفاوة الاستقبال. حال انتقاله لمكان آخر، ربما لم يكن ليعدو مجرد لاعب من الطراز الأول يتقدم به العمر. أما داخل باريس سان جيرمان، يقف إبراهيموفيتش بمثابة سلطان أوحد لا ينافسه أحد داخل مملكته.
ورغم كل الإشادات والمكانة المتميزة التي أغدقها النادي على إبراهيموفيتش على مدار السنوات الأربع الماضية، تبقى هناك أسئلة مشروعة تفرض نفسها بشأنه، خاصة عند النظر لمسألة أن هدف باريس سان جيرمان ليس مجرد التأهل لبطولة دوري أبطال أوروبا، وإنما الفوز بها. وتكمن المفارقة المرتبطة بإبراهيموفيتش في أنه رغم كونه أفضل لاعب في صفوف باريس سان جيرمان ويملك مهارات تفوق البشر، فإنه على ما يبدو يتسبب أحيانا في تراجع الزخم داخل صفوف فريقه. وقد يحمل هذا الأمر أهمية أقل داخل الدوري الفرنسي الممتاز، حيث بمقدور إبراهيموفيتش الشعور بالاطمئنان تجاه أن مكانته المهيمنة تسمح له ببعض الأخطاء.
أمام تشيلسي، كانت هناك لحظات أبدى خلالها باريس سان جيرمان مستوى متفوقًا من الترابط واللعب الجماعي، لكن الحقيقة تظل أنه كان بإمكانه تسجيل مزيد من الأهداف. وجاء الهدفان اللذان أحرزهما الفريق من تدخلات مباشرة من جانب لوكاس وأنخيل دي ماريا. أما إبراهيموفيتش، فجاءت تفاعلاته داخل الملعب أقل من المعتاد، حيث لمس الكرة 59 مرة فقط. وظهر خلال المباراة مرتين على الأقل وهو يشكو من الرقابة اللصيقة الروتينية التي يفرضها عليه غاري كاهيل. ولم يبد أنه يعدو كثيرًا بأرجاء الملعب. إلا أن هذا أمر متوقع بطبيعة الحال، بالنظر إلى أن زلاتان يبلغ 34 عامًا داخل فريق يتحمل فيه اللاعبون الآخرون مهمة الجري الشاق. ومن بين تسعة مهاجمين شاركوا لما يزيد على 520 دقيقة خلال هذا الموسم من دوري أبطال أوروبا، فإن إبراهيموفيتش صاحب النسبة الأقل من الجري داخل الملعب - وبفارق ليس بالضئيل. ومع ذلك، ظل محتفظًا بموهبته على تحطيم تشيلسي في الشوط الثاني بمجرد أن سنح أمامه الوقت والمساحة الكافيين.
خلال المباراة واجه تشيلسي مشكلات واضحة في الإبداع والمضي قدمًا والإقدام على الخطوة التالية، وهي مشكلات تفاقمت مع أفول نجم العصر الذهبي الذي كان من أبنائه إبراهيموفيتش نفسه. ومن حسن حظ تشيلسي، عجز باريس سان جيرمان عن تحويل استحواذه على الكرة إلى هزيمة ثقيلة لغريمه أو الهيمنة على وسط الملعب، على غرار ما فعل خلال لقاء التعادل بهدفين بين الجانبين العام الماضي. أما أفضل ما حققه باريس سان جيرمان في هذه المباراة هو نجاحه في تحقيق هذا التعادل على ملعب ستامفورد بريدج وإخراجه تشيلسي من دور الـ16 وتأهله لدور الثمانية بعد أن كان الفريقان تعادلا 1 - 1 في مباراة الذهاب بباريس. وسيبقى إبراهيموفيتش محط اهتمام فرنسا بأسرها حتى تحسم مسألة تجديد تعاقده مع الفريق. وبعد ذلك، سيكون من المثير معاينة كيف سيشرع مالكو النادي في بناء فريق قادر ليس فقط على تقديم أداء مثير وساحر، وإنما كذلك هزيمة أعتى أبطال القارة الأوروبية.
إبراهيموفيتش في سان جيرمان.. سلطان لا ينافسه أحد داخل مملكته
سيبقى اللاعب محط اهتمام فرنسا بأسرها حتى تحسم مسألة تجديد تعاقده مع الفريق الباريسي
إبراهيموفيتش في سان جيرمان.. سلطان لا ينافسه أحد داخل مملكته
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة