الحصار على صنعاء يفرض انسحاب المتمردين من تعز

المقاومة رصدت تراجع وحدات عسكرية لميليشيا الحوثي وصالح

الحصار على صنعاء يفرض انسحاب المتمردين من تعز
TT

الحصار على صنعاء يفرض انسحاب المتمردين من تعز

الحصار على صنعاء يفرض انسحاب المتمردين من تعز

رصد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في اليمن انسحابا كبيرا وفي أوقات متفرقة من يوم امس، لوحدات عسكرية تابعة لميليشيا الحوثيين وحليفهم الحرس الجمهوري الموالي لعلي صالح، من المناطق المتاخمة لتعز والتي حولتها الميليشيا لمعسكرات وقواعد رئيسية لشنّ هجماتها على المدينة في الفترة السابقة.
وفي حين لم تتضح أسباب الانسحاب، أرجعت مصادر عسكرية رفيعة هذا الانسحاب، لعدة عوامل أبرزها الحصار المفروض على قيادات هذه الميليشيا والحرس الجمهوري في صنعاء، وحجة، وصعدة، مما دفع هذه القيادات لإصدار أوامرها للقيادات الميدانية بتغيير مسارها والتوجه إلى العاصمة المحاصرة من الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، إضافة إلى أن الميليشيا التي تحاصر تعز ترزح تحت ضغط كبير مع نقص الإمدادات العسكرية، بعد أن قطعت المقاومة الشعبية خطوط الإمداد.
وكانت الميليشيا فرضت حصارا على مدينة تعز، ومنعت كل الجهات الإغاثية خلال الأشهر الماضية من تقديم المساعدات الطبية والإنسانية للمواطنين في داخل المدينة، قبل عملية تطويق العاصمة صنعاء، إلا أن هذا الإصرار الحوثي على ضرب تعز وحصارها لفترة مقبلة يبدو أنه تراجع مع ضعف القدرات العسكرية التي تعاني منها الميليشيا وما صدر لها من أوامر.
وقال العميد عبد الله الصبيحي، قائد اللواء 15 ميكا، وقائد القطاع الشمالي الشرقي في عدن، لـ«الشرق الأوسط»، إن القوات اليمنية تحرز تقدما على كل الجبهات وحررت العديد من المناطق التي كانت تسيطر عليها الميليشيا، لافتا إلى أن قوات الميليشيا والحرس الجمهوري بدأت تتراجع من مواقعها المتاخمة لتعز، ورُصد تحريك الآليات باتجاه الشمال للمدينة.
وأضاف العميد الصبيحي أن العديد من السيناريوهات العسكرية متاحة أمام الجيش الوطني، في هذه اللحظة، والتي تتمثل في ضرب هذه الوحدات التي انسحبت من مواقعها بالتنسيق مع طيران التحالف العربي، لوقف أي عملية إمداد قد تصل للعاصمة اليمنية، إضافة إلى إمكانية تسريع عملية اقتحام وتحرير المدينة في هذه الأثناء بالتزامن مع التحرك للميليشيا من الجبهات الجنوبية للعاصمة.
من جهته، أكد عبد الله غلاب، رئيس المركز الإعلامي للمجلس العسكري في تعز، لـ«الشرق الأوسط»، أن المعلومات التي رصدت تشير إلى تراجع وانسحاب للميليشيا من مواقع متعددة والتي تطوق المدينة، مرجعا أسباب هذا التراجع بحسب ما تم رصده للحصار المفروض على العاصمة صنعاء من قبل الجيش الوطني.
وأشار غلاب إلى أن المعلومات الأولية تشير إلى أن قيادات من الميليشيا تحركت باتجاه صنعاء برفقتها أفراد تابعين لما يعرف بـ«أنصار الله»، فيما تُرك العديد من الأفراد غير الموالين والذين انخرطوا ضمن صفوف الميليشيا مقابل الأموال على الجبهة بأسلحتهم البسيطة، الأمر الذي دفعهم لطلب الانضمام إلى المقاومة الشعبية مقابل الصفح عنهم، خاصة أن غالبيتهم من المدنيين البسطاء وذوي الدخل المحدود.
في سياق متصل، ذكرت مصادر عسكرية أن الجيش والمقاومة الشعبية في مديرية نهم يكثفان عملياتهما العسكرية بضرب معاقل الحوثيين في نقيل بن غيلان، وأن هناك تقدما ملحوظا للجيش في هذا الاتجاه بعد أن استخدمت الأسلحة الثقيلة، إضافة إلى أن هناك حالات فرار لأفراد ميليشيا الحوثيين والحرس الجمهوري تسجل يوميا، في هذه الجبهات القريبة من صنعاء.
ويبدو أن عمليات الاستهداف السريع التي تنفذها المقاومة الشعبية باتت تشكل هاجسا كبيرا على الميليشيا في صدّ هذه الهجمات التي تنفذ بشكل عاجل وخاطف، خاصة بعد أن قامت المقاومة خلال الأيام الماضية بتنفيذ أكثر من 20 عملية سريعة استهدفت مواقع تجمع الميليشيا أو نقاط التفتيش التي فرضها الحوثيون في مديريات مختلفة.
هذه العمليات دفعت المقاومة الشعبية في المديريات الأخرى إلى انتهاجها، ومنها ما نفذ أمس من المقاومة في شبوة بعد أن نفذت هجومين منفصلين على مواقع لميليشيات الحوثي في مديرية بيحان استهدف، أولهما نقطة أمنية للميليشيا في منطقة الحزم، والآخر نقطة الشعبة بوادي النحر، في المقابل قامت المقاومة في إقليم تهامة بضرب نقطة لميليشيا الحوثي في «أبو دوار» بمديرية مستبأ بمحافظة حجة بصاروخ «لو»، مما نتج عنه عشرات القتلى من أفراد الميليشيا والحرس الجمهوري.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.