في وقت تواصل فيه الحكومة المصرية جهودها للحفاظ على احتياطيها النقدي من العملة الأجنبية المتمثلة في الدولار الأميركي، تشهد مصر ظاهرة ازدياد الفجوة الدولارية بين سعر الصرف الرسمي الذي يبلغ 7.83 جنيه للدولار، وسعر التعامل في السوق الموازية، والذي تجاوز 9.15 جنيه للمرة الأولى، ليصل حجم فجوة التضخم إلى ما يفوق نحو 15 في المائة من السعر الأصلي.
ووسط الطلب المتزايد على الدولار من قبل المستثمرين، وفي ظل إجراءات البنك المركزي المصري للحفاظ على العملة الأجنبية، والتي وضع بموجبها الكثير من القيود على التعاملات خلال الأشهر الماضية إضافة إلى «ربط تسعير الدولار» في البنوك الرسمية عند رقم 7.83 جنيه، انتعشت السوق الموازية بشكل كبير نتيجة عدم توافر الدولار بالبنوك، أو وضع حدود للصرف. وواصل الدولار صعوده أمام الجنيه المصري، ليتخطى الدولار سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) للمرة الأولى أيضًا في السوق المصرية منذ مطلع الألفية حين صعدت قيمة اليورو عالميا لتتجاوز سعر الدولار، حيث بلغ سعر الصرف الرسمي للأخير 8.75 جنيه أمس في البنوك المصرية، بينما لم يكسر حاجز 9 جنيهات في السوق الموازية، والتي توقف فيها عند رقم 8.95 في محال الصرافة أمس.
ويسمح البنك المركزي المصري لشركات الصرافة بتداول العملات الأجنبية بفارق سعري 15 قرشا أعلى أو أقل من السعر الرسمي كـ«هامش ربح»، لكن أغلب السوق الموازية لا تلتزم بهذا الإجراء، خاصة في حال التعامل مع الزبائن من دون إصدار «فواتير رسمية».
وهبطت احتياطات مصر من الدولار الأميركي بشكل بالغ خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، حيث كانت تبلغ 36 مليار دولار قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، بينما أشارت آخر أرقام صادرة عن البنك المركزي في شهر يناير الماضي إلى أنها تبلغ 16.4 مليار دولار فقط.
وتتمثل موارد مصر من الدولار بشكل رئيسي في ثلاثة محاور، وهي إيرادات قناة السويس، والسياحة، وتحويلات المصريين بالخارج. وبينما تجمدت إيرادات قناة السويس - أو انخفضت قليلا - خلال العام الماضي نتيجة تباطؤ حركة التجارة العالمية، شهدت حركة السياحة ضربة موجعة منذ حادثة انفجار طائرة ركاب روسية فوق شبه جزيرة سيناء في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لتشهد السيولة الدولارية القادمة من هذا المحور انهيارا بالغا.
أما العامل الثالث المتمثل في التحويلات من الخارج، فيؤكد مصرفيون مصريون أنه يواجه حرجا بالغا بدوره نتيجة القيود التي تفرضها البنوك على حركات السحب اليومي والشهري في مصر، أو كذلك على التحويلات بين الحسابات البنكية الداخلية في مصر، ما جعل الاتجاه الأكبر للتحويلات يتجه بصورة كبيرة إلى الشركات العالمية الخاصة لتحويل الأموال على غرار «ويسترن يونيون».
كما يفاقم المحور الثالث لنقص التحويلات، وخصوصا القادمة من الدول العربية، التي تعاني من أزمات سياسية واقتصادية مثل ليبيا والعراق، والتي يعمل كان يعمل بها مئات الألوف من المصريين الذين عادوا لمصر وفقدوا وظائفهم وفقدت الدولة تحويلاتهم.
وفي غضون ذلك، أعلنت عدد من البنوك الحكومية المصرية أول من أمس عن وضع حد جديد للسحب النقدي ببطاقاتها الائتمانية خارج مصر، نتيجة ما قالت إنه «رصد استخدام بعض الأفراد لكروت الدفع (خصم وائتمان) في عمليات الاتجار في السلع عند التعامل بها خارج البلاد». وقال البنك الأهلي المصري - أكبر البنوك الحكومية في مصر - إنه خفض منح «الكاش» بالدولار للعملاء عند السفر للخارج من 3000 دولار إلى 2000 دولار فقط شهريا، إضافة إلى زيادة «عمولة» استخدام كروت الدفع بالخارج من 2 في المائة إلى 3.5 في المائة.
كما أصدر البنك المركزي بالأمس قرارا يقضي بحظر استخدام الدولار في المعاملات التجارية شراء وبيعا في مجال السلع والخدمات داخل نطاق مصر، سواء من خلال التعامل المباشر أو باستخدام ماكينات الدفع الآلي والبطاقات الائتمانية.
وعن أسباب فجوة الدولار التي تشهدها مصر، يرى تامر عادل، رئيس قسم التعاملات الدولية ببنك مصر إيران أن هناك أسباب عدة أدت لزيادة الفجوة بين السعرين الرسمي وغير الرسمي في الآونة الأخيرة بدرجة ملحوظة.
قائلا لـ«الشرق الأوسط»، إن «من بين هذه الأسباب رفع سقف الإيداع النقدي اليومي من العملات الأجنبية من 50 ألف دولار إلى 250 ألف دولار، لتغطية واردات السلع الأساسية، مما خلق طلبا كبير على الدولار أكبر من الموجود في البنوك، وهو ما أتاح بدوره المجال للسوق الموازية لتلبية الطلب ورفع السعر».
وأضاف الخبير المصرفي، أن «البنك المركزي المصري قام ببعض الإجراءات مؤخرًا لتقليل الطلب على العملة الأجنبية كزيادة الجمارك على بعض السلع المستوردة، بالإضافة لكونها محاولة جيدة لتشجيع الصناعات المحلية وزيادة قدرتها على المنافسة مع المنتجات المستوردة». ويرى أن هذه الإجراءات ليست كافية في الواقع العملي لتقليل الطلب على العملة الأجنبية، ويجب أن توفر الحكومة مناخًا أفضل لجذب الاستثمارات الأجنبية للداخل، كتسهيل الإجراءات التنفيذية وتقليل البيروقراطية ومنح المزيد من حوافز الاستثمار كالحوافز الضريبية وتفعيل مبدأ الشباك الواحد بشكل أكثر جذبًا للاستثمارات، ومنح تسهيلات ضريبية وحل المنازعات التجارية بسرعة وكفاءة.
من جانبه، يرى الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي المصري، أن انخفاض الصادرات المصرية إلى الخارج بنسبة 22 في المائة خلال الشهور التسعة الأخيرة أسهم بشكل كبير في تفاقم الأزمة، كما أن تصريحات المسؤولين الحكوميين في مصر مسؤولة بدرجة ما عن خلق الفجوة الحالية في سعر الدولار والتي قد تخلق حالة من الطلب الإضافي على العملات الأجنبية.
وقال عبده لـ«الشرق الأوسط»: «على سبيل المثال، تصريحات وزارة المالية الأخيرة عن اعتماد موازنة العام المقبل لسعر مرتفع للدولار أمام الجنية المصري عند 8.25 دولار لكل جنيه، خلقت طلبا إضافي على الدولار، مما تسبب في وصول سعره في السوق الموازية لأكثر من 9 جنيهات وعشرة قروش. بالإضافة لتأثير قرار مضاعفة الحد الأقصى للإيداع النقدي بالدولار خمسة أضعاف ليصل إلى 250 ألف دولار يوميًا في خلق مزيد من الطلب».
وعن الحلول الواجب اتباعها لتقيل الفجوة السعرية، قال عبده: «يجب على الدولة أن تصدر تصريحات تبث الثقة في نفوس المستثمرين حتى تقلل من المضاربة على العملات في السوق الموازية، بالإضافة إلى استغلال وجود برلمان في إصدار تشريعات سريعة من شأنها تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي تشجيع الصادرات وفرص الحصول على العملات الأجنبية».
«الفجوة الدولارية» في مصر تتجاوز 15%
العملة الأميركية تتجاوز سعر اليورو في السوق الموازية للمرة الأولى
«الفجوة الدولارية» في مصر تتجاوز 15%
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة