في مستهل العام الماضي، أعلن السيناتور ماركو روبيو، عضو مجلس الشيوخ الأميركي الجمهوري الشاب عن ولاية فلوريدا، ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية الأميركية باسم الحزب الجمهوري، ومن ثم بات أصغر مرشحي الحزب في السباق إلى البيت الأبيض. ومنذ اليوم الأول من عمر حملته فإنه ركز على أمرين: الأول، أنه ينتمي إلى جيل الشباب (43 سنة) بالمقارنة مع أقوى منافسيه الديمقراطيين هيلاري كلينتون (67 سنة) التي كانت أعلنت ترشحها قبله بأسبوع، وبمنافسه الجمهوري جيب بوش (62 سنة) الذي كان متوقعا أن يعلن ترشحه (وأعلنه بالفعل بعد شهر). والثاني، أنه يريد أن يقدم للشعب الأميركي خيارًا جديدًا بعيدا عن عائلتي بوش (دخلت البيت الأبيض مرتين) وكلينتون (دخلت البيت الأبيض مرة واحدة). والحقيقة، خلال السنوات الـ30 الأخيرة، حكمت العائلتان الولايات المتحدة لمدة 20 سنة.
من هو هذا الشاب اللاتيني الوسيم والمتحمس، الذي يوصف بأنه «أوباما اللاتيني»؟
ولد ماركو روبيو عام 1971، في مدينة ميامي بولاية فلوريدا من أبوين مهاجرين من كوبا، هما ماريو روبيو وأورياليس غارسيا. واللافت أنه خلال الحملة الانتخابية الحالية، اتهمه بعض منافسيه بأنه كذب عندما قال إن والديه هاجرا هربًا من حكومة الرئيس الشيوعي المتقاعد فيديل كاسترو. وأشار هؤلاء في حينه، إلى أن الوالدين هاجرا حقًا عام 1956 (قبل 4 سنوات من وصول كاسترو إلى الحكم)، لكن روبيو رد قائلا: «ليس مهمًا متى جاء والداي إلى أرض الحرية، ولكنهما على أي حال جاءا إلى أرض الحرية».
وفي الحقيقة ما كان الوالدان متعلمين. وبعد فترة قصيرة من العيش في ميامي انتقلا إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث عمل الوالد نادلاً في فندق «سامز تاون»، واشتغلت الوالدة عاملة نظافة في كازينو «إمبريال بالاس» في المدينة السياحية الشهيرة. وعندما ولد ماركو لم يكن والداه قد حصلا على الإقامة الدائمة (البطاقة الخضراء)، إلا أن الابن صار أميركيًا بسبب ولادته في أميركا، وفيما بعد حصل الوالدان على الإقامة الدائمة، ثم على الجنسية.
درس ماركو روبيو مرحلتي روضة الأطفال والمدرسة الابتدائية في لاس فيغاس. ومال نحو المسيحية منذ صغره، لأن والديه كانا كاثوليكيين محافظين، وكان يحضر معهما صلوات في الكنيسة الكاثوليكية. لكنه كان يصلي، أيضا، في كنائس المورمون (كنيسة عيسى المسيح لقديسي الأيام الأخيرة). ومرات كثيرة، سافر من ولاية نيفادا إلى ولاية يوتاه المجاورة، حيث المركز الرئيس للكنيسة المرمونية.
وعندما وصل ماركو إلى مرحلة المدرسة الثانوية، عادت العائلة إلى ميامي. وفي ميامي، حيث تعيش جالية كوبية أميركية كبيرة، تلقى تعليمه في ثانوية جنوب ميامي. واشتهر هناك بالفصاحة وإجادة الخطابة بالإضافة إلى الحماسة السياسية اليمينية في معارضة نظام كاسترو الشيوعي، ناهيك من النشاطات الرياضية إذ من نجوم المدرسة في رياضة كرة القدم.
درس في كلية تاركيو البروتستانتية في ولاية ميزوري بمنحة دراسية رياضية لمدة سنة واحدة، قبل أن يعود إلى فلوريدا، ويلتحق لفترة قصيرة بكلية سانتا فيه، يدرس في جامعة فلوريدا المرموقة حيث نال شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية. وبعد تخرجه، أكمل دراسته في كلية الحقوق بجامعة ميامي، وهي من كبريات الجامعات الأميركية الخاصة، ولقد تخرج فيها بإجازة في القانون بتفوق.
خلال سنوات الدراسة هذه، ترأس روبيو جمعيات ومنظمات لاتينية يمينية ناشطة في معارضة نظام كاسترو. وتطور نشاطه في عالم السياسة، فجاء إلى العاصمة واشنطن لينخرط بدورة تدريبية في الكونغرس في مكتب إليانا روس ليتنين، النائبة الجمهورية اليمينية الكوبية الأصل من فلوريدا، وكانت يومذاك رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب. وهناك في واشنطن زاد اهتمامه بالسياسة الأميركية الخارجية.
في عام 1998، عندما كان روبيو في السادسة والعشرين من العمر بعد سنتين فقط من تخرجه في كلية القانون وبدئه العمل في المحاماة، قرّر اقتحام المجال السياسي، وبالفعل، ترشح وفاز بعضوية مجلس بلدية غرب ميامي، وكان حينذاك أصغر أعضاء المجلس سنًا.
وفي عام 2000 (بعد سنتين)، ترشح وفاز بعضوية مجلس نواب ولاية فلوريدا، وهنا أيضًا كان أصغر أعضاء المجلس سنًا. وخلال سنة واحدة، أي عام 2001 صار نائبا لزعيم الغالبية الجمهورية في مجلس نواب فلوريدا، وفي العام التالي 2002 صار زعيمًا للغالبية. ثم، في عام 2005 صار رئيسًا للمجلس، بل وأول أميركي كوبي يصل إلى هذا المنصب الحساس.
غير أن طموح روبيو ما كان ليتوقف عند حدود فلوريدا. ذلك أنه في عام 2008، ترشح وفاز بعضوية مجلس النواب الأميركي وانتقل إلى الكونغرس في العاصمة واشنطن. ثم خطا خطوة أكبر وأهم خلال سنتين فقط، عندما، في عام 2010، ترشح وفاز بعضوية مجلس الشيوخ الأميركي. وها هو الآن، يخوض معركة أرفع منصب في الولايات المتحدة على الإطلاق.. رئاسة الجمهورية!
* روبيو ومنافسوه
شهدت معركة الترشيحات الحالية لمعركة الرئاسة الأميركية بروز أسماء جديدة على المسرح السياسي، إذ ترشح بالإضافة إلى روبيو 4 من الجمهوريين هم: 1 - السيناتور تيد كروز (من ولاية تكساس) وهو كوبي الأب، ومن قادة الجناح اليمينى في الحزب. ويتمتع بدعم منظمات مسيحية محافظة. 2 - السيناتور راند بول (ولاية كنتاكي)، وهو طبيب وسياسي، إبن طبيب وسياسي ومرشح رئاسي سابق هو رون بول، ويعد من قادة الجناح الليبرتاري (اليميني المتشدد) ولقد أعلن قبل أيام تجميد حملته الانتخابية وخروجه عمليًا من السباق. 3 - الدكتور بن كارسون، وهو طبيب جراح متخصص بجراحة الدماغ والجهاز العصبي، ويعد جديدا حتى على الحزب الجمهوري نفسه، ويحسب آيديولوجيًا على الجناح اليميني. 4 - دونالد ترامب، رجل الأعمال الملياردير.
إلا أن روبيو أصغر سنًا من هؤلاء كلهم، ولعله أقربهم إلى الأقليات العرقية (الأميركيون اللاتينيون والسود-الأفارقة الأميركيون والآسيويون). ولذا، منذ يوم ترشحه تنبه منافسوه لخطره عليهم، واتفقوا تلقائيًا على مهاجمته..
قالوا إنه كان قدم مشروع قانون في الكونغرس يعارض طرد المهاجرين غير القانونيين، ويسمح لهم بالحصول على إقامات مؤقتة. (لكنه، أخيرًا، غير رأيه). وقالوا إنه تغيب عن جلسات كثيرة من جلسات الكونغرس، وفي غمز واضح، قال بعضهم إنه «كسول» (إشارة إلى صورة نمطية للمكسيكيين والكوبيين). وقالوا إنه حوّل سبعة آلاف دولار من حساب حملته الانتخابية إلى حسابه الخاص (أعاد المبلغ بعد ضجة صحافية وسياسية).
* «التلميذ» و«الأستاذ»
يقود الهجوم على روبيو زميله، وابن ولايته، جيب بوش الحاكم سابق لولاية فلوريدا، وابن الرئيس جورج بوش الأب وشقيق الرئيس جورج بوش الابن. بل إن صحيفة «نيويورك تايمز» قالت إن بوش الابن هدد بجمع مائة مليون دولار لتدمير روبيو.
وفى مناظرة تلفزيونية جمعت عشرة مرشحين جمهوريين، شن جيب بوش هجومًا عنيفًا على روبيو، ولمّح إلى أنه تغيب عن ثلث جلسات الكونغرس، ثم سأله «لماذا لا تستقيل ليحل محلك سيناتور نشيط؟».
المفارقة هنا أن روبيو يعتبر نفسه من «تلاميذ» جيب بوش. وعندما ترشح لدخول الكونغرس أيده «أستاذه» بوش. ومن الواضح من واقع الحال أن «الأستاذ» يرى نفسه أحق برئاسة الجمهورية من «تلميذه»، ولكن رغم ذلك، في واحدة من المناظرات التلفزيونية، أثنى روبيو على جيب بوش بعد نقاش حاد، وقال له «كنت حاكمًا عظيمًا لفلوريدا».
وخلال السياق الانتخابي مع وجود عشرة مرشحين جمهوريين، كان ترامب يتربع على المقدمة، يليه كارسون، ثم كروز، ثم بول، ثم روبيو، ثم بوش. ولكن في الأسبوع الماضي، بعد التجمعات الترشيحية في ولاية آيوا، تقدم كروز على ترامب، وصعد روبيو إلى المرتبة الثالثة، وتأخر بوش إلى المرتبة السادسة، وانسحب بول. (انسحب، أيضا، ثلاثة آخرون كانوا في أسفل القائمة). ومن ثم، يرى محللون سياسيون يتابعون المعركة الانتخابية أنه إذا استمر نجم روبيو في الصعود، فإنه سيتمكن من التغلب على كروز وترامب، مع أن كل الاحتمالات تظل واردة بين اليوم وموعد الانتخابات الرئاسية في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
* روبيو وكلينتون
من جهة ثانية، خلال الأسبوع الماضي أيضًا، جاء في تحليل نشرته صحيفة «يو إس آيه توداي» أنه إذا نجح روبيو بأن يغدو مرشح الحزب الجمهوري، وكسبت هيلاري كلينتون ترشيح الحزب الديمقراطي «سيعيد التاريخ نفسه، لكن بصورة معاكسة، إذ ستشاهد كلينتون كابوسا لاتينيًا». القصد كان الإشارة إلى ما حدث في انتخابات عام 2008 عندما تفوّق الشاب الأسود المتحمس باراك أوباما على هيلاري في الانتخابات الترشيحية التمهيدية للحزب الديمقراطي، وظفره بترشيح الحزب، ثم فوزه برئاسة الجمهورية. وهذه المرة، يمكن أن يتفوق عليها الشاب اللاتيني المتحمس ماركو روبيو.
في الحالة الأولى، تحدّى شاب أسود متحمس ونشيط سيدة بيضاء تقليدية. وفي الحالة الثانية، سيتحدى شاب لاتيني متحمس ونشيط سيدة بيضاء تقليدية.. وعجوز. وأضافت الصحيفة، وكأنها تتعمد زيادة خوف كلينتون: «مثل أوباما، أمضى روبيو في مجلس الشيوخ فترة 4 فقط قبل أن يترشح لرئاسة الجمهورية».
* برنامجه الانتخابي
يجذب ماركو روبيو المتدينين المسيحيين، خاصة أنه مسيحي شديد التديّن سواءً كان تشدده مفتعلاً لخدمة أهدافه السياسية، أو صادقًا لإدراكه أهمية الدين في الحياة. وهو - كما سبق - يؤدي الصلاة في كنيسة كاثوليكية كل يوم أحد، وأحيانًا يزور كنيسة بروتستانتية يمينية، تتبع مذهب المعمدانيين الجنوبيين. ثم إنه كثيرًا من يتطرق في خطبه إلى «القيم المسيحية النبيلة»، ويشدد على أن الأميركيين «أبناء رب قوي وعظيم»، وأن «الولايات المتحدة هي الأمة الوحيدة العظيمة في التاريخ البشري». ويوم الأربعاء، عندما زار الرئيس أوباما مسجدًا أميركيًا لأول مرة، شن عليه روبيو هجومًا عنيفًا، غير أنه لم يقل إن أوباما «مسلم مستتر»، كما قال منافسه الجمهوري الملياردير المتطرف ترامب..
أما على صعيد برنامج روبيو الانتخابي، فإنه يجسد تفكيره اليميني المحافظ، ويشمل ما يلي:
أولا: تقوية النظام الرأسمالي، وتخفيض الضرائب لزيادة الاستثمارات.
ثانيا: تخفيض دور الحكومة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
ثالثا: دعم كيان العائلة، ومعارضة الإجهاض، ومعارضة زواج المثليين.
رابعا: مواجهة توسع روسيا، وقوة الصين العسكرية، والإرهاب.
وهكذا، تبدو أهداف روبيو مزيجًا من القيم العائلية والاجتماعية المحافظة في جانب، والقيم الرأسمالية المادية في الجانب الآخر. إنها مزيج من العاطفة في جانب، والفردية العقلانية في الجانب الآخر. ولهذا، بدا روبيو قادرا على كسب أصوات المهاجرين اللاتينيين بالتركيز على الجوانب الإنسانية، وعلى كسب أصوات البيض بالتركيز على الجوانب الرأسمالية.
حتى الآن، يظل اللاتينيون، مثل السود، يميلون نحو الحزب الديمقراطي. إلا أن استطلاع مركز «بيو» في واشنطن أشار أخيرًا إلى أن الناخبين اللاتينيين يفضلون التصويت لمرشح لاتيني بصرف النظر عن الحزب الذي ينتمي إليه. وحسب آخر تعداد للسكان، يشكل اللاتينيون (أي المتحدرون من أصول تنتمي لدول أميركا اللاتينية) نسبة 16 في المائة من الأميركيين. وخلال السنوات العشرين الأخيرة تفوقوا على السود (الأفارقة الأميركيون) الذين يشكلون نسبة 13 في المائة من الأميركيين. ثم إنهم يشكلون قوة ضخمة في أكبر ثلاث ولايات أميركية هي كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا، وفي حين أن كاليفورنيا تبدو محسومة للديمقراطيين، وتكساس التي يمثلها في مجلس الشيوخ تيد كروز محسومة للجمهوريين، فإن فلوريدا تعد ولاية محورية يطمح الحزبان الكبيران إلى انتزاع الفوز بها.
أحد ممثلي هذه الولاية في مجلس الشيوخ شاب طموح اسمه ماركو روبيو!