ماركو روبيو.. «أوباما لاتيني»

أداؤه في ولاية آيوا أكد جدية فرصه في السباق إلى البيت الأبيض

ماركو روبيو.. «أوباما لاتيني»
TT

ماركو روبيو.. «أوباما لاتيني»

ماركو روبيو.. «أوباما لاتيني»

في مستهل العام الماضي، أعلن السيناتور ماركو روبيو، عضو مجلس الشيوخ الأميركي الجمهوري الشاب عن ولاية فلوريدا، ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية الأميركية باسم الحزب الجمهوري، ومن ثم بات أصغر مرشحي الحزب في السباق إلى البيت الأبيض. ومنذ اليوم الأول من عمر حملته فإنه ركز على أمرين: الأول، أنه ينتمي إلى جيل الشباب (43 سنة) بالمقارنة مع أقوى منافسيه الديمقراطيين هيلاري كلينتون (67 سنة) التي كانت أعلنت ترشحها قبله بأسبوع، وبمنافسه الجمهوري جيب بوش (62 سنة) الذي كان متوقعا أن يعلن ترشحه (وأعلنه بالفعل بعد شهر). والثاني، أنه يريد أن يقدم للشعب الأميركي خيارًا جديدًا بعيدا عن عائلتي بوش (دخلت البيت الأبيض مرتين) وكلينتون (دخلت البيت الأبيض مرة واحدة). والحقيقة، خلال السنوات الـ30 الأخيرة، حكمت العائلتان الولايات المتحدة لمدة 20 سنة.
من هو هذا الشاب اللاتيني الوسيم والمتحمس، الذي يوصف بأنه «أوباما اللاتيني»؟

ولد ماركو روبيو عام 1971، في مدينة ميامي بولاية فلوريدا من أبوين مهاجرين من كوبا، هما ماريو روبيو وأورياليس غارسيا. واللافت أنه خلال الحملة الانتخابية الحالية، اتهمه بعض منافسيه بأنه كذب عندما قال إن والديه هاجرا هربًا من حكومة الرئيس الشيوعي المتقاعد فيديل كاسترو. وأشار هؤلاء في حينه، إلى أن الوالدين هاجرا حقًا عام 1956 (قبل 4 سنوات من وصول كاسترو إلى الحكم)، لكن روبيو رد قائلا: «ليس مهمًا متى جاء والداي إلى أرض الحرية، ولكنهما على أي حال جاءا إلى أرض الحرية».
وفي الحقيقة ما كان الوالدان متعلمين. وبعد فترة قصيرة من العيش في ميامي انتقلا إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث عمل الوالد نادلاً في فندق «سامز تاون»، واشتغلت الوالدة عاملة نظافة في كازينو «إمبريال بالاس» في المدينة السياحية الشهيرة. وعندما ولد ماركو لم يكن والداه قد حصلا على الإقامة الدائمة (البطاقة الخضراء)، إلا أن الابن صار أميركيًا بسبب ولادته في أميركا، وفيما بعد حصل الوالدان على الإقامة الدائمة، ثم على الجنسية.
درس ماركو روبيو مرحلتي روضة الأطفال والمدرسة الابتدائية في لاس فيغاس. ومال نحو المسيحية منذ صغره، لأن والديه كانا كاثوليكيين محافظين، وكان يحضر معهما صلوات في الكنيسة الكاثوليكية. لكنه كان يصلي، أيضا، في كنائس المورمون (كنيسة عيسى المسيح لقديسي الأيام الأخيرة). ومرات كثيرة، سافر من ولاية نيفادا إلى ولاية يوتاه المجاورة، حيث المركز الرئيس للكنيسة المرمونية.
وعندما وصل ماركو إلى مرحلة المدرسة الثانوية، عادت العائلة إلى ميامي. وفي ميامي، حيث تعيش جالية كوبية أميركية كبيرة، تلقى تعليمه في ثانوية جنوب ميامي. واشتهر هناك بالفصاحة وإجادة الخطابة بالإضافة إلى الحماسة السياسية اليمينية في معارضة نظام كاسترو الشيوعي، ناهيك من النشاطات الرياضية إذ من نجوم المدرسة في رياضة كرة القدم.
درس في كلية تاركيو البروتستانتية في ولاية ميزوري بمنحة دراسية رياضية لمدة سنة واحدة، قبل أن يعود إلى فلوريدا، ويلتحق لفترة قصيرة بكلية سانتا فيه، يدرس في جامعة فلوريدا المرموقة حيث نال شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية. وبعد تخرجه، أكمل دراسته في كلية الحقوق بجامعة ميامي، وهي من كبريات الجامعات الأميركية الخاصة، ولقد تخرج فيها بإجازة في القانون بتفوق.
خلال سنوات الدراسة هذه، ترأس روبيو جمعيات ومنظمات لاتينية يمينية ناشطة في معارضة نظام كاسترو. وتطور نشاطه في عالم السياسة، فجاء إلى العاصمة واشنطن لينخرط بدورة تدريبية في الكونغرس في مكتب إليانا روس ليتنين، النائبة الجمهورية اليمينية الكوبية الأصل من فلوريدا، وكانت يومذاك رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب. وهناك في واشنطن زاد اهتمامه بالسياسة الأميركية الخارجية.
في عام 1998، عندما كان روبيو في السادسة والعشرين من العمر بعد سنتين فقط من تخرجه في كلية القانون وبدئه العمل في المحاماة، قرّر اقتحام المجال السياسي، وبالفعل، ترشح وفاز بعضوية مجلس بلدية غرب ميامي، وكان حينذاك أصغر أعضاء المجلس سنًا.
وفي عام 2000 (بعد سنتين)، ترشح وفاز بعضوية مجلس نواب ولاية فلوريدا، وهنا أيضًا كان أصغر أعضاء المجلس سنًا. وخلال سنة واحدة، أي عام 2001 صار نائبا لزعيم الغالبية الجمهورية في مجلس نواب فلوريدا، وفي العام التالي 2002 صار زعيمًا للغالبية. ثم، في عام 2005 صار رئيسًا للمجلس، بل وأول أميركي كوبي يصل إلى هذا المنصب الحساس.
غير أن طموح روبيو ما كان ليتوقف عند حدود فلوريدا. ذلك أنه في عام 2008، ترشح وفاز بعضوية مجلس النواب الأميركي وانتقل إلى الكونغرس في العاصمة واشنطن. ثم خطا خطوة أكبر وأهم خلال سنتين فقط، عندما، في عام 2010، ترشح وفاز بعضوية مجلس الشيوخ الأميركي. وها هو الآن، يخوض معركة أرفع منصب في الولايات المتحدة على الإطلاق.. رئاسة الجمهورية!
* روبيو ومنافسوه
شهدت معركة الترشيحات الحالية لمعركة الرئاسة الأميركية بروز أسماء جديدة على المسرح السياسي، إذ ترشح بالإضافة إلى روبيو 4 من الجمهوريين هم: 1 - السيناتور تيد كروز (من ولاية تكساس) وهو كوبي الأب، ومن قادة الجناح اليمينى في الحزب. ويتمتع بدعم منظمات مسيحية محافظة. 2 - السيناتور راند بول (ولاية كنتاكي)، وهو طبيب وسياسي، إبن طبيب وسياسي ومرشح رئاسي سابق هو رون بول، ويعد من قادة الجناح الليبرتاري (اليميني المتشدد) ولقد أعلن قبل أيام تجميد حملته الانتخابية وخروجه عمليًا من السباق. 3 - الدكتور بن كارسون، وهو طبيب جراح متخصص بجراحة الدماغ والجهاز العصبي، ويعد جديدا حتى على الحزب الجمهوري نفسه، ويحسب آيديولوجيًا على الجناح اليميني. 4 - دونالد ترامب، رجل الأعمال الملياردير.
إلا أن روبيو أصغر سنًا من هؤلاء كلهم، ولعله أقربهم إلى الأقليات العرقية (الأميركيون اللاتينيون والسود-الأفارقة الأميركيون والآسيويون). ولذا، منذ يوم ترشحه تنبه منافسوه لخطره عليهم، واتفقوا تلقائيًا على مهاجمته..
قالوا إنه كان قدم مشروع قانون في الكونغرس يعارض طرد المهاجرين غير القانونيين، ويسمح لهم بالحصول على إقامات مؤقتة. (لكنه، أخيرًا، غير رأيه). وقالوا إنه تغيب عن جلسات كثيرة من جلسات الكونغرس، وفي غمز واضح، قال بعضهم إنه «كسول» (إشارة إلى صورة نمطية للمكسيكيين والكوبيين). وقالوا إنه حوّل سبعة آلاف دولار من حساب حملته الانتخابية إلى حسابه الخاص (أعاد المبلغ بعد ضجة صحافية وسياسية).
* «التلميذ» و«الأستاذ»
يقود الهجوم على روبيو زميله، وابن ولايته، جيب بوش الحاكم سابق لولاية فلوريدا، وابن الرئيس جورج بوش الأب وشقيق الرئيس جورج بوش الابن. بل إن صحيفة «نيويورك تايمز» قالت إن بوش الابن هدد بجمع مائة مليون دولار لتدمير روبيو.
وفى مناظرة تلفزيونية جمعت عشرة مرشحين جمهوريين، شن جيب بوش هجومًا عنيفًا على روبيو، ولمّح إلى أنه تغيب عن ثلث جلسات الكونغرس، ثم سأله «لماذا لا تستقيل ليحل محلك سيناتور نشيط؟».
المفارقة هنا أن روبيو يعتبر نفسه من «تلاميذ» جيب بوش. وعندما ترشح لدخول الكونغرس أيده «أستاذه» بوش. ومن الواضح من واقع الحال أن «الأستاذ» يرى نفسه أحق برئاسة الجمهورية من «تلميذه»، ولكن رغم ذلك، في واحدة من المناظرات التلفزيونية، أثنى روبيو على جيب بوش بعد نقاش حاد، وقال له «كنت حاكمًا عظيمًا لفلوريدا».
وخلال السياق الانتخابي مع وجود عشرة مرشحين جمهوريين، كان ترامب يتربع على المقدمة، يليه كارسون، ثم كروز، ثم بول، ثم روبيو، ثم بوش. ولكن في الأسبوع الماضي، بعد التجمعات الترشيحية في ولاية آيوا، تقدم كروز على ترامب، وصعد روبيو إلى المرتبة الثالثة، وتأخر بوش إلى المرتبة السادسة، وانسحب بول. (انسحب، أيضا، ثلاثة آخرون كانوا في أسفل القائمة). ومن ثم، يرى محللون سياسيون يتابعون المعركة الانتخابية أنه إذا استمر نجم روبيو في الصعود، فإنه سيتمكن من التغلب على كروز وترامب، مع أن كل الاحتمالات تظل واردة بين اليوم وموعد الانتخابات الرئاسية في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
* روبيو وكلينتون
من جهة ثانية، خلال الأسبوع الماضي أيضًا، جاء في تحليل نشرته صحيفة «يو إس آيه توداي» أنه إذا نجح روبيو بأن يغدو مرشح الحزب الجمهوري، وكسبت هيلاري كلينتون ترشيح الحزب الديمقراطي «سيعيد التاريخ نفسه، لكن بصورة معاكسة، إذ ستشاهد كلينتون كابوسا لاتينيًا». القصد كان الإشارة إلى ما حدث في انتخابات عام 2008 عندما تفوّق الشاب الأسود المتحمس باراك أوباما على هيلاري في الانتخابات الترشيحية التمهيدية للحزب الديمقراطي، وظفره بترشيح الحزب، ثم فوزه برئاسة الجمهورية. وهذه المرة، يمكن أن يتفوق عليها الشاب اللاتيني المتحمس ماركو روبيو.
في الحالة الأولى، تحدّى شاب أسود متحمس ونشيط سيدة بيضاء تقليدية. وفي الحالة الثانية، سيتحدى شاب لاتيني متحمس ونشيط سيدة بيضاء تقليدية.. وعجوز. وأضافت الصحيفة، وكأنها تتعمد زيادة خوف كلينتون: «مثل أوباما، أمضى روبيو في مجلس الشيوخ فترة 4 فقط قبل أن يترشح لرئاسة الجمهورية».
* برنامجه الانتخابي
يجذب ماركو روبيو المتدينين المسيحيين، خاصة أنه مسيحي شديد التديّن سواءً كان تشدده مفتعلاً لخدمة أهدافه السياسية، أو صادقًا لإدراكه أهمية الدين في الحياة. وهو - كما سبق - يؤدي الصلاة في كنيسة كاثوليكية كل يوم أحد، وأحيانًا يزور كنيسة بروتستانتية يمينية، تتبع مذهب المعمدانيين الجنوبيين. ثم إنه كثيرًا من يتطرق في خطبه إلى «القيم المسيحية النبيلة»، ويشدد على أن الأميركيين «أبناء رب قوي وعظيم»، وأن «الولايات المتحدة هي الأمة الوحيدة العظيمة في التاريخ البشري». ويوم الأربعاء، عندما زار الرئيس أوباما مسجدًا أميركيًا لأول مرة، شن عليه روبيو هجومًا عنيفًا، غير أنه لم يقل إن أوباما «مسلم مستتر»، كما قال منافسه الجمهوري الملياردير المتطرف ترامب..
أما على صعيد برنامج روبيو الانتخابي، فإنه يجسد تفكيره اليميني المحافظ، ويشمل ما يلي:
أولا: تقوية النظام الرأسمالي، وتخفيض الضرائب لزيادة الاستثمارات.
ثانيا: تخفيض دور الحكومة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
ثالثا: دعم كيان العائلة، ومعارضة الإجهاض، ومعارضة زواج المثليين.
رابعا: مواجهة توسع روسيا، وقوة الصين العسكرية، والإرهاب.
وهكذا، تبدو أهداف روبيو مزيجًا من القيم العائلية والاجتماعية المحافظة في جانب، والقيم الرأسمالية المادية في الجانب الآخر. إنها مزيج من العاطفة في جانب، والفردية العقلانية في الجانب الآخر. ولهذا، بدا روبيو قادرا على كسب أصوات المهاجرين اللاتينيين بالتركيز على الجوانب الإنسانية، وعلى كسب أصوات البيض بالتركيز على الجوانب الرأسمالية.
حتى الآن، يظل اللاتينيون، مثل السود، يميلون نحو الحزب الديمقراطي. إلا أن استطلاع مركز «بيو» في واشنطن أشار أخيرًا إلى أن الناخبين اللاتينيين يفضلون التصويت لمرشح لاتيني بصرف النظر عن الحزب الذي ينتمي إليه. وحسب آخر تعداد للسكان، يشكل اللاتينيون (أي المتحدرون من أصول تنتمي لدول أميركا اللاتينية) نسبة 16 في المائة من الأميركيين. وخلال السنوات العشرين الأخيرة تفوقوا على السود (الأفارقة الأميركيون) الذين يشكلون نسبة 13 في المائة من الأميركيين. ثم إنهم يشكلون قوة ضخمة في أكبر ثلاث ولايات أميركية هي كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا، وفي حين أن كاليفورنيا تبدو محسومة للديمقراطيين، وتكساس التي يمثلها في مجلس الشيوخ تيد كروز محسومة للجمهوريين، فإن فلوريدا تعد ولاية محورية يطمح الحزبان الكبيران إلى انتزاع الفوز بها.
أحد ممثلي هذه الولاية في مجلس الشيوخ شاب طموح اسمه ماركو روبيو!



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».