{الشرق الأوسط} في السلط: خفض المساعدات فاقم المأساة.. والعواصف الثلجية أكملت البقية

85 % من اللاجئين السوريين خارج المخيمات الأردنية تحت خط الفقر

منزل أبو رأفت في ضواحي مدينة السلط حيث يعيش وعائلته من دون تدفئة وأثاث (خاص بـ {الشرق الأوسط})
منزل أبو رأفت في ضواحي مدينة السلط حيث يعيش وعائلته من دون تدفئة وأثاث (خاص بـ {الشرق الأوسط})
TT

{الشرق الأوسط} في السلط: خفض المساعدات فاقم المأساة.. والعواصف الثلجية أكملت البقية

منزل أبو رأفت في ضواحي مدينة السلط حيث يعيش وعائلته من دون تدفئة وأثاث (خاص بـ {الشرق الأوسط})
منزل أبو رأفت في ضواحي مدينة السلط حيث يعيش وعائلته من دون تدفئة وأثاث (خاص بـ {الشرق الأوسط})

محمد الذي يبلغ من العمر أربع سنوات كان أكثر حظا من إيلان كردي، فقد أنقذه الهروب المبكر لعائلته من جحيم الحرب في سوريا، وتحديدا حين نجا من قصف قرب مطار كويرس العسكري عام 2012. محمد الذي ولد في الأردن، يلعب تارة بشال أمه، وأخرى بهاتف والده الجوال، ويبتسم، ثم يتقلب على الأرض، دون أن يعرف أن حياة جديدة كتبت له بعيدا عن حياة الحرب والتشريد. الطفل الذي سيكبر، هو ابن لـ«أبو جاسم»، أب يعول 7، ويعيشون حاليا بضواحي مدينة السلط الأردنية على بعد ثلاثين كيلومترا من العاصمة عمّان.
مستقبل الطفل قد يتغيّر للأفضل، لكن الحياة الجديدة أثرّت على مصطلحاته، فبدأ يكتسب لهجة جديدة، حسب ما يقول والده، وما شاهدته «الشرق الأوسط» لدى زيارتها لبيوت اللاجئين السوريين الذي اختاروا التنازل عن حياة المخيمات وما تقدمه من مزايا ومساعدات، من أجل الحصول على حرية التحرك، والغذاء، وتقرير المصير. عائلة أبو جاسم واحدة من مئات آلاف العائلات السورية الموجودة في الأردن في محافظات المملكة المختلفة وخارج مخيمات اللجوء. ويعيش 85 في المائة منها تحت خط الفقر. ومع غياب المساعدات وحظر تصاريح العمل، يصبح توفير أبسط الاحتياجات كالغذاء والكساء والإيجار الشهري المتواضع تحديا يوميا.
وبحسب تقرير أعدته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالتعاون مع منظمة الإغاثة والتنمية الدولية، بأن ثلثي اللاجئين السوريين في الأردن يعيشون تحت خط الفقر الوطني، كما يعيش واحد من أصل 6 لاجئين في فقر مدقع، ويعيش الفرد الواحد بأقل من 40 دولارا في الشهر. واستنادا إلى التقرير، المبني على بيانات تم جمعها سنة 2014 خلال زيارات منزلية لنحو 150 ألف لاجئ سوري يعيشون خارج المخيمات في الأردن، فإن أكثر من نصف المنازل التي تمت زيارتها كانت تعاني من انعدام وسائل التدفئة، بينما افتقر ربع المنازل للكهرباء.
«الشرق الأوسط» زارت مدينة السلط الأردنية وتابعت الوضع الميداني للاجئين السوريين ممن يعيشون خارج المخيمات.
عائلة أبو جاسم المؤلفة من سبعة أشخاص - الأب والأم وخمسة أولاد أكبرهم في العشرين من عمره وأصغرهم لم يتعد الرابعة، تمكنت من الفرار إلى الأردن بعد سقوط قذيفة على مزرعتهم في ريف حلب على مقربة من مطار كويرس العسكري وبعد ارتفاع القصف حدة وعمليات التمشيط في المنطقة عام 2012.
واستقرت العائلة في ضواحي مدينة السلط التابعة لمحافظة البلقاء شمال غربي العاصمة عمان وذلك لرخص إيجارات المنازل فيها. وتقطن العائلة اليوم في بيت من غرفتين ومطبخ إيجاره 75 دينارا شهريا. وعند زيارة المنزل الذي افتقر لأثاث وتدفئة، قال لنا أبو جاسم، إنه اختار العيش خارج المخيم رغم انقطاع المساعدات لأن المخيم يقيض حريته وحرية عائلته، مع أن أصدقاءه في المخيم أكدوا له أن «المعاملة جيدة هناك». وأشار إلى أن العائلة لا تتلقى إلا مساعدات غذائية بقيمة 150 دينارا في الشهر. ويضطر جاسم إلى قطع مسافات شاسعة لشراء خضراوات بأدنى الأسعار لإطعام العائلة على هذا الميزانية المحدودة.
ولافتقار أبو جاسم وأولاده لتصريحات عمل، يفشل رب الأسرة من جني دخل شهري ويصبح حتى إيجار المنزل الزهيد تحديا للعائلة. وقال جاسم إنه يضطر للعمل أحيانا في الورشات وفي تحميل طلبيات المحلات المجاورة، بأجور متواضعة جدا، فيما يكمل إخوانه دراستهم. أما أم جاسم، فروت قصة معاناتها الصحية، إذ تحتاج الأربعينية إلى شبكة قلب بمبلغ 1500 دينار وتأمل السفر لأوروبا أو كندا مع عائلتها يوما ما لتلقي العلاج وبدء حياة جديدة.
وعلى مقربة من منزل عائلة أبو جاسم المتواضع، يعيش الدرعاوي أبو رأفت مع زوجته وبناته في منزل بارد من غير أثاث ولا سجاد وبنوافذ تفتقر للعزل، منذ مطلع عام 2013 بعدما تهدم منزلهم في سوريا. وروى أبو رأفت قصة وصولة إلى السلط، بقوله: «جلست وعائلتي لمدة ثلاثة أيام في مخيم الزعتري حتى كفلني صديقي الأردني وأجرني هذا المنزل». واستطرد: «تعاني اثنتان من بناتي من مرض الصرع، وظروف المخيم لا تلائم وضعهما الصحي المرتبك».
ومع انخفاض الدعم، خصوصا بعد أن اضطر برنامج الأغذية العالمي في الأردن إلى تخفيض أو وقف قيمة المساعدات التي يقدمها البرنامج لصالح اللاجئين السوريين الذين يقطنون خارج مخيمات اللجوء السوري في المملكة تعيش عائلة أبو رأفت حياة تقشف ويحاول رب العائلة العمل أحيانا، ولكن يسكنه خوف من أن يتم القبض عليه لعدم امتلاكه تصريح عمل. واستطاعت ابنتا أبو جاسم الحصول على دعم طبي من الهيئة الطبية الدولية التي تؤمن بدورها الأدوية والعناية لهما. وأخيرا تأمل الزوجة بالعودة إلى سوريا يوما ما إذ تقول: «الناس هنا خير وبركة، ولن نترك الأردن على أمل العودة إلى درعا وإعادة افتتاح محل الألبسة الذي كنا نديره».
رسميا، أكد مدير إدارة شؤون اللاجئين السوريين في الأردن العميد وضاح الحمود أن الأردن سيبدأ بإصدار بطاقات ممغنطة للاجئين السوريين المقيمين خارج المخيمات، من أجل تسهيل تقديم الخدمات لهم، وأيضًا تحديد مراكز إقامتهم. وبين الحمود أنه من أهم أهداف إصدار البطاقة الممغنطة هو تسهيل عملية التنقل داخل المملكة والحصول على المساعدات والخدمات التي تقدم له من الأردن، خصوصا التعليم والصحة أو المقدمة من المنظمات الدولية. وأشار إلى أن البطاقة الجديدة تحقق للدولة تحديد هوية اللاجئين وأماكن توزيعهم وأماكن إقامتهم للوصول إليهم من أجل تقديم المساعدات أو الخدمات.
ومع خفض المساعدات للاجئين ليكون وضعهم مأساويا أكمل ما تبقى العواصف الثلجية التي ضربت الأردن وسوريا في ظل إنساني متردٍ للكثير من العائلات التي هربت من براثن الحرب.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.