الانقسام بين أحرار الشام و«النصرة» يربك المشهد العسكري بشمال سوريا

قائد معارض: صلة الجبهة بـ«القاعدة» «أضر بالثورة»

الانقسام بين أحرار الشام و«النصرة» يربك المشهد العسكري بشمال سوريا
TT

الانقسام بين أحرار الشام و«النصرة» يربك المشهد العسكري بشمال سوريا

الانقسام بين أحرار الشام و«النصرة» يربك المشهد العسكري بشمال سوريا

أخفقت جهود زعيم جناح تنظيم «القاعدة» داخل سوريا خلال اجتماع أخير في إقناع الفصائل الإسلامية المتنافسة، على الاندماج في كيان واحد، بحسب كثير من المصادر المرتبطة بالجماعات المسلحة، وذكرت المصادر أن الأمر وصل إلى حد إبداء أبو محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة، استعداده تغيير اسم جماعته إذا وافقت الفصائل الأخرى، بما فيها تنظيم «أحرار الشام» القوي، على الاتفاق.
إلا أن الجولاني أوضح أن جبهة النصرة لن تقطع صلاتها بـ«القاعدة»، وستظل على ولائها لأيمن الظواهري، الذي تولى قيادة التنظيم خلفًا لأسامة بن لادن الذي قتلته قوات أميركية عام 2011.
الواضح أن هذا الاجتماع، الذي تقول المصادر لوكالة «رويترز» إنه عقد منذ 10 أيام، حمل وراءه كثيرا من التبعات المحتملة. وجدير بالذكر أن جبهة النصرة و«أحرار الشام» تعتبران الجماعتين الأقوى في شمال سوريا. وعندما تعاونا لفترة مؤقتة مع إسلاميين آخرين العام الماضي في ظل تحالف أطلق عليه «جيش الفتح»، سجلت الجماعات المسلحة واحدًا من أكبر إنجازاتها بسيطرتها إلى مدينة إدلب.
وعليه، تولد اعتقاد في بعض المسلحين بأن اندماج الجماعات المسلحة سيخلق خصمًا أقوى أمام تنظيم داعش، وقد يجذب دعمًا عسكريًا واعترافًا من قوى إقليمية ودولية، الأمر الذي تحتاجه هذه الجماعات بصورة ماسة. إلا أن قيادات الجماعات المعنية خرجوا من الاجتماع من دون اتفاق. وأفادت المصادر أن التوتر خيم على أجواء اللقاء، مع إلقاء جبهة النصرة اللوم على «أحرار الشام» في هذا الإخفاق.
وبعد أيام قلائل، دخل أعضاء من المجموعتين في صدام داخل مدينتي سلقين وحارم بمحافظة إدلب، قرب الحدود مع تركيا. وسقط كثير من القتلى من الجانبين، لكن سرعان ما اضطلعت جماعات مسلحة أخرى بدور الوساطة لوقف إطلاق النار.
وأفادت مصادر جهادية، بعضها من «أحرار الشام»، أن الأمر لا يعدو مسألة وقت قبل أن تندلع معركة أخرى بين الجانبين. وأضافت المصادر أن الانقسام بين الجانبين يزداد عمقًا، رغم استمرار جهود الوساطة. ومن بين العوامل التي ساعدت في احتواء الموقف احتمالات شن هجوم وشيك من جيش النظام والقوى المتحالفة معه على شمال غربي سوريا.
وقال مقاتل في إدلب قريب من الجماعتين: «الجو العام مشحون، ويمكن أن يتسبب فشل المبادرات في انفجار الموقف. ما حدث للتو نجح في تجنب اندلاع صراع شامل ومعركة كاملة، لكن من الصعب الجزم بما سيحدث بالمستقبل».
والمؤكد أن اندلاع حرب مباشرة بين جبهة النصرة و«أحرار الشام» سيزيد من تعقيد الصراع السوري المشتعل منذ خمسة سنوات، والذي تتنامى فيه الجماعات المسلحة تحت شعارات مختلفة وتتورط أحيانا في قتال بعضها البعض.
وتم استثناء جبهة النصرة و«داعش» المصنفتين كجماعتين إرهابيتين من جانب الأمم المتحدة، من محادثات جنيف، أما «أحرار الشام»، التي تطرح نفسها كقوة سورية قومية مقابل الآيديولوجية الجهادية العالمية لـ«القاعدة»، فانضمت للهيئة العليا للتفاوض مؤخرًا، لكن روسيا تعارض مشاركتها بالمحادثات.
والملاحظ أن مشاعر التشكك والريبة بين جبهة النصرة و«أحرار الشام» متبادلة، حيث تتهم الأولى غريمتها الإسلامية بأنها واجهة لتركيا، وأنها تسعى لتحقيق ليس «مصالح المسلمين» فحسب، وإنما كذلك أجندة أنقرة.
في المقابل، تضغط «أحرار الشام» وجماعتان أخريان على «جبهة النصرة» لقطع صلاتها بـ«القاعدة» كخطوة نحو دمجها تمامًا في النضال ضد الأسد.
في هذا الصدد، قال قائد بـ«أحرار الشام» بنبرة هيمن عليها الإحباط: «المشكلة تكمن في صلتهم بـ(القاعدة) ودلالات ذلك الآيديولوجية»، متهمًا الجماعة بـ«الإضرار بالثورة».
خلال الأسابيع القلائل الأولى بعد السيطرة على إدلب، العام الماضي، قسمت الجماعتان المسؤوليات والمناطق بينهما من دون مشكلات، إلا أنه تدريجيًا بدأت انقسامات في الظهور على السطح، مع تنامي قلق «أحرار الشام» وجماعات أخرى تجاه جبهة النصرة واتهامهم إياها بمحاولة الاستحواذ وتهميشهم.
من جهته، قال مقاتل من «أحرار الشام» في إدلب عبر شبكة الإنترنت: «لا يمكن لجبهة النصرة العمل مع آخرين، لأن لديهم مشروع هيمنة وليس لديهم قبول بالآخر».
الملاحظ أن بعض المسلحين يشتبهون في الأجندة طويلة الأمد لجبهة النصرة على مستوى المنطقة وعالميًا، ويتشككون في إعلانها أنه لا طموحات لديها فيما وراء لبنان وسوريا. وعن هذا، قال أحد المسلحين الإسلاميين المتحالفين مع «أحرار الشام»: «هذا هدف مؤقت، فبعد انتصارها وإقرار سيطرتها داخل سوريا، ستنتقل إلى الخطوة التالية، مما يتعارض مع هدف الثورة».
وأضاف: «سينضمون لحركة الجهاد العالمية، الأمر الذي يتعارض مع ثورتنا. إن ثورتنا تقتصر على سوريا».
على الأرض، تفرض جبهة النصرة قواعد إسلامية صارمة داخل القرى والمدن التي تتشارك في السلطة بها، حيث منعت النساء من وضع مساحيق تجميل أو الكشف عن شعورهن أو ارتداء ملابس ضيقة مثل الجينز، بجانب تطبيق سياسة فصل بين الرجال والنساء. وقد أسهمت هذه الخطوات في تأكيد هيمنتها، واستفزت في الوقت ذاته جماعات أخرى.
وقال مقاتل إسلامي آخر من جماعة متحالفة مع «أحرار الشام»: «لا توجد مجموعة على الأرض تعترض على إقامة حكومة إسلامية، لكن التنفيذ وأساليب التطبيق تختلف».
وشرح قائد عسكري محلي من فيلق إسلامي يتعاون بصورة وثيقة مع «أحرار الشام»: «سيكون من الصعب على جبهة النصرة فك ارتباطها بالقاعدة، وسيكون من الصعب علينا العمل معهم. إن الوضع صعب فعلاً، فالأمور جميعها متشابكة ومتداخلة».
* نيويورك تايمز



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.