«إنكم لا تقدمون أنفسكم للعالم بالشكل الصحيح»، عبارة طالما سمعتها من أجانب غربيين بالدرجة الأولى، وإشارتهم إلى صورتنا الإعلامية في الخارج وما نفعله لتصحيحها، ولا أقول لتحسينها. بحكم تخصصي في الآداب الغربية ثم عملي في مجلس الشورى السعودي حاليًا، يتاح لي أن ألتقي أولئك الأجانب سواء في المملكة أو خارجها، ومع تزايد الهجمة الإعلامية على المملكة في السنوات الأخيرة – فهي هجمات قديمة ومألوفة على مدى عقود وليس سنوات – فإن كثيرًا ممن ألتقي بهم يرددون نقطتين أساسيتين: الأولى أن من يأتي إلى المملكة يجد صورة مختلفة تمامًا عن تلك الشائعة في الإعلام الغربي، والثانية أنكم أيها السعوديون مقصرون في إيصال صوتكم إلى العالم بالصورة المقنعة.
هاتان النقطتان تنطويان دون شك على مودة وربما مجاملة، مثلما تنطويان على نقد، لكنه أيضًا نقد منطلق من مودة. ومع أن كثيرًا من السعوديين ينقسمون بين مُبالغ في الثناء على الذات وكاره لها، فإن الأجانب وإن جاملوا أو لم يجاملوا سيكونون في منطقة وسطى بين هذه وتلك، لا سيما حين يتحدث إليك الإنسان عن قرب وكأنه يسرّ إليك بما يصعب إعلانه على الجميع: في السعودية أشياء رائعة، يقول لك أحدهم، وعلى الرغم من المشكلات التي تعيشون فإن ثمة إيجابيات كثيرة هنا وعلى كل المستويات لا يعرفها الآخرون عنكم، وأنتم مقصرون في التعريف بها. ثم ينتهي الحوار عند السؤال الملح دائمًا: لماذا تتشدد السعودية في السماح للأجانب بالدخول إليها؟
لقد ثبت المرة تلو الأخرى أن من النادر أن يأتي أحد إلى المملكة ويخرج بالصورة النمطية السيئة التي تشيع في الإعلام الغربي، ولعل السماح بحضور الإعلاميين من مختلف الدول لتغطية الانتخابات البلدية أوضح دليل، فلم يكن البعض بحاجة إلى التزلف – كما يحتاج موظف لدى شركة سعودية مثلاً – حين يتحدث عن طيبة الناس وكرمهم ومنجزات التنمية ودهشته لما شاهد. والحديث هنا ليس عن عمالة تأتي وتقيم وإنما عن مثقفين ومفكرين وإعلاميين معروفين يعودون إلى بلادهم وهم يعلمون أن مصداقيتهم عند مستمعيهم وقرائهم ستنهار لو تزلفوا إلى أحد.
لكنننا مع ذلك نجحف في حق أنفسنا حين لا نسمح لأولئك أن يأتوا متى شاءوا، لا سيما من دول قطعت شوطًا طويلاً في الحضارة وأقوى منا اقتصاديًا وبعضها من القوى الكبرى، فلو جاءوا سياحا لعادوا ولو شاهدوا لنقلوا ولو سهلنا لهم لشكروا. كما أننا نجحف في حق أنفسنا حين نقصر في رسالتنا الثقافية إلى العالم فنحد من وصولها والتعريف بها. إن أولئك حين يتعرفون على بعض وجوه الثقافة في المملكة، أن لدينا أدبًا رفيعًا وأن لدينا مسرحًا، وإن كان مضيقًا عليه، وسينما تزدهر رغم رفض افتتاح دور عرض لها، وأن لدينا مفكرين وعلماء وجامعات ومراكز أبحاث بعضها الأفضل في العالم العربي، إلى غير ذلك، سيروننا من زاوية أكثر إشراقًا.
الرسالة الثقافية تحديدًا هي رسالتنا الأضعف إلى العالم على الرغم من أن منتجنا الثقافي على مختلف الصعد هو اليوم من بين الأبرز على مستوى العالم العربي. مثقفونا يدعون للمؤتمرات وروائيونا يفوزون بالجوائز وتترجم أعمالهم، وشعراؤنا يدعون إلى مهرجانات الشعر العالمية، ومسرحيونا يفوزون في كل مكان، وتشكيليونا ممن يفتخر بهم في البيناليات والمعارض الشخصية الدولية، والأفلام السعودية تشاهد في كل مكان، إلى غير ذلك من وجوه مشرقة نقصر في دعمها وإبرازها للعالم.
إحدى المشكلات الرئيسية في تقديم الصورة الإعلامية للعالم هي المبالغة في إبراز الإيجابيات من خلال تعداد المنجزات، وهذه سياسة قلما تكون مقنعة للعالم. ذلك أن الناس تعرف قصور البشر ومدى التحديات التي تواجه أي مجتمع، فحين نبرز منجزاتنا فقط فإننا نجازف بصدقية الرسالة، فإذا كانت الصورة التي ينشرها الإعلام الخارجي سلبية ومجحفة في تهميش الإيجابي فإن مكافحتها لا تكون بصورة مغرقة في الإيجابي ومنكرة للسلبي، وإنما بصورة معتدلة تعترف بالتحديات والقصور وهي تبرز الإيجابي والمشرق. وهذه الصورة المركبة، الصورة التي يمتزج فيها الإنجاز بالمشكلات، هي ما يمكن أن يلتقطه الإعلامي بكاميرته ولقاءاته والسائح بعينيه وزياراته حين نتيح لهم زيارة البلاد والتجوال الحر فيها. دعوتهم وترتيب زيارات لهم لن تؤدي الغرض لأنهم سيشعرون أنهم مدينون لنا بصور إيجابية، فنحن نثقل أعناقهم بالمعروف ونتوقع منهم ألا يشيروا إلى مشكلاتنا.
لندعهم يأتوا إلينا مثلما نذهب إليهم. وليكن ذلك التعامل مع دول بعينها، دول متحضرة أهلها ليسوا بحاجة إلى العمل ولا يأتون لفعل ما لا نقبل. لنتِح لهم رؤية كنوز الآثار في بلادنا وجمال مصايفنا ووجوه التنمية الكثيرة في بلادنا. ليلتقوا بالناس، بالمسؤولين، بالعلماء والفنانين، ليروا الحياة بأنفسهم ودون توجيه مسبق ومفروض. ولن ينتج عن ذلك انطباع جيد فحسب، بل انتعاش اقتصادي أيضًا نحن بحاجة إليه الآن مع الحاجة إلى تنويع مصادر الدخل، وأنا متأكد أن رئيس هيئة السياحة والتراث الوطني حريص على ذلك.
الوجه الآخر لصورة أكثر إقناعا هي أن نعمل على إيصال منتجنا الثقافي للعالم، وهذا لا يكون من خلال الاشتراك في معارض دولية تعرّف فقط بالمطبوعات الحكومية وما تنتجه مؤسسات الدولة. المنجزات العلمية والأدبية السعودية والمنجز الفني من تشكيل وسينما ومسرح وموسيقى يصل العالم الآن عن طريق مهرجانات ومعارض وندوات ومؤتمرات ودور نشر، لكن بطريقة غير منظمة ومتفرقة ولا تؤدي الغرض المطلوب. فلمَ لا تضطلع وزارة الثقافة والإعلام بلم تلك الجهود أو نماذج منها في نشاط موحد يبرزه أمام العالم؟ ينبغي أن يكون ذلك داخليًا في معرض دائم للثقافة السعودية يراه الزوار، وكذلك في معرض متنقل. فهل نتطلع من خلال وزيرنا المثقف حاليًا إلى بعض ما يخفف المأساة؟
الثقافة والسياحة.. صورة السعوديين أمام العالم
إحدى المشكلات الرئيسية في تقديم الصورة الإعلامية هي المبالغة في إبراز الإيجابيات
الثقافة والسياحة.. صورة السعوديين أمام العالم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة