تونس تعلن حظر التجول الليلي.. وجلسة حكومية طارئة لتدارس الأزمة

رئيس الوزراء يؤكد السيطرة على الوضع.. والمرزوقي يدعو إلى انتخابات مبكرة

شبان عاطلون عن العمل خلال مشاركتهم في تظاهرة للمطالبة بالتشغيل والتنمية في العاصمة أمس (إ.ب.أ)
شبان عاطلون عن العمل خلال مشاركتهم في تظاهرة للمطالبة بالتشغيل والتنمية في العاصمة أمس (إ.ب.أ)
TT

تونس تعلن حظر التجول الليلي.. وجلسة حكومية طارئة لتدارس الأزمة

شبان عاطلون عن العمل خلال مشاركتهم في تظاهرة للمطالبة بالتشغيل والتنمية في العاصمة أمس (إ.ب.أ)
شبان عاطلون عن العمل خلال مشاركتهم في تظاهرة للمطالبة بالتشغيل والتنمية في العاصمة أمس (إ.ب.أ)

أعلنت تونس حظر التجول في كامل تراب الجمهورية، يبدأ من الثامنة ليلا إلى الخامسة صباحا، وذلك بداية من الليلة الماضية، في خطوة كانت منتظرة بسبب الانفلات الأمني الخطير الذي امتد من القصرين إلى بقية المدن، ووصل إلى الأحياء الشعبية القريبة من العاصمة، وأيضًا بسبب خوف السلطات من ازدياد تدهور الأوضاع الأمنية بعد انطلاق احتجاجات ليلية خرجت عن طابعها السلمي، وتبعتها عمليات نهب وتخريب للمؤسسات الحكومية والأملاك الخاصة.
وقالت وزارة الداخلية في بلاغ لها، إنه «نظرا لما شهدته البلاد من اعتداءات على الأملاك العامة والخاصة، وما بات يُشكله تواصل هذه الأعمال من مخاطر على أمن الوطن والمواطن، فإنه تقرر بداية من اليوم (أمس) إعلان حظر التجول بكامل تراب الجمهورية»، ودعت المواطنين إلى الالتزام بمقتضيات حظر التجول.
وكانت السلطات التونسية قد لجأت إلى هذا الإجراء بداية في ولاية (محافظة) القصرين، حيث انطلقت شرارة الاحتجاجات الاجتماعية، قبل أن تمتد إلى بقية البلاد بعد توسع رقعة الاحتجاجات.
وسينتهي إعلان حظر التجول، وفق خبراء أمنيين، عندما تنتهي المخاطر التي أدت إلى اتخاذ هذا القرار، وهو غير محدد المدة، على غرار إعلان حالة الطوارئ. ومن شأنه حسب نفس المصادر، تخفيض الضغوط المسلطة على قوات الأمن والجيش في مواجهة المحتجين، وهو ما سيساعدها في السيطرة على مظاهر الانفلات الأمني الذي عاشته عدة أحياء شعبية خلال الليلة قبل الماضية.
وتجددت أمس الاشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن في عدد من الولايات، ومن بينها سيدي بوزيد، وقفصة وبنزرت، وسليانة والقصرين، التي تجمع بها نحو 1500 عاطل عن العمل أمام مقر الولاية، مطالبين بمقابلة الوالي (المحافظ) لبسط مطالبهم من جديد. أما في مدينة قفصة فقد تواصل إقفال خدمات سكك الحديد لنقل المسافرين، ومادة الفوسفات الحيوية للاقتصاد.
وفي حي «البوكري»، الذي يعد أحد الأحياء الشعبية الفقيرة القريبة من العاصمة، أغلق صباح أمس عدد من المحتجين الطريق الرئيس الرابط بين المنيهلة والمركب التجاري، وحي التضامن وطالبوا بتمتيع العائلات المعوزة بمساكن اجتماعية، فيما ساد هدوء حذر معظم المدن التونسية الأخرى، التي عرفت احتجاجات قوية أول من أمس، وامتدت شرارتها لأول مرة إلى حي التضامن بالعاصمة خلال مواجهات ليلية مع قوات الأمن.
وأعلن رئيس الوزراء الحبيب الصيد أمس أن الوضع بات «تحت السيطرة»، وقال متحدثا في باريس عقب مأدبة غداء مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في قصر الإليزيه، إن «الهدوء يعود» إلى المدن، والوضع «تحت السيطرة حاليا». كما تحدث عن الاضطرابات التي انطلقت من القصرين بوسط البلاد، وامتدت إلى الكثير من المدن الأخرى، مؤكدا أنها «مشكلة اقتصادية، مشكلة طلبات وظائف»، ووعد في هذا الصدد باتخاذ «تدابير جديدة في إطار برنامج إنمائي». لكنه أكد في المقابل أنه «ليس لدينا عصا سحرية لإعطاء وظائف للجميع في نفس الوقت».
وعلى أثر هذه الاحتجاجات والمسيرات، أصبحت أنظار المتابعين تتجه إلى الاجتماع الوزاري الذي سيعقده رئيس الحكومة اليوم (السبت)، حيث ينتظر الكثير من المواطنين من الحكومة التركيز على قضية التشغيل ومحاولة تصحيح المسار الاجتماعي والاقتصادي، بعد النجاح النسبي الذي عرفه المسار السياسي.
وفي محاولة لخفض درجة التوتر الاجتماعي والأمني، دعا الصيد إلى ضبط النفس، وقال إن رجال الأمن تعاملوا مع الاحتجاجات برصانة، معتبرا أن الاحتجاجات الأخيرة خرجت عن طابعها السلمي، وأن الدولة مطالبة بأن تقوم بصلاحياتها وتنفذ الدستور الجديد، كما نفى نيته الاستقالة من منصبه تحت ضغط الاحتجاجات.
وفي غضون ذلك، دعا الرئيس السابق المنصف المرزوقي أمس إلى إجراء انتخابات مبكرة في البلاد، على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية التي ضربت عدة مدن منذ نحو أسبوع، معتبرا أن الحكومة الحالية فشلت ولا مستقبل لها. وصرح المرزوقي، الذي خسر انتخابات 2014 أمام الباجي قايد السبسي، والذي أطلق حزب (تونس الإرادة الجديد) بأن «الحكومة هي من أضعف الحكومات وليس لها مستقبل.. ورئيس الحكومة يتلقى الأوامر من رئيس الجمهورية»، مضيفا أن «التحالف الحالي في البرلمان فشل في حل المشكلات الاجتماعية.. ويجب تغيير المشهد السياسي الحالي عبر انتخابات تشريعية مبكرة».
ووفق المحلل السياسي جمال العرفاوي، فإن حكومة الصيد تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية كثيرة، ومهمتها تزداد تعقيدا بتنامي المخاطر الإرهابية وتحصن العشرات من المتطرفين على مقربة من مدينة القصرين (وسط غربي تونس)، وهي تنظيمات تسعى، على حد قوله، إلى استغلال الاحتجاجات للدعاية لفشل المسار السياسي في تونس، واستقطاب المزيد من الشباب الغاضب إلى صفوفها. واعتبر العرفاوي حزمة الإجراءات التي أعلنتها الحومة لفائدة القصرين مجرد مسكنات لن تنتهي إلى نتيجة، وقال إن الحل الأمثل هو البحث عن أسباب الأزمة، وإقرار حلول اجتماعية واقتصادية عاجلة. وبعد نحو ستة أيام من الاحتجاجات، أعدت وزارة الداخلية تقارير حول ما خلفته المواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، حيث أشارت في حصيلة أولية إلى إصابة 59 رجل أمن، وحرق سبع سيارات أمنية، ورشق مجموعة من المقار الأمنية بقنابل المولوتوف.
وفي السياق ذاته، قال العميد خليفة الشيباني، المكلف الإعلام والاتصال بالإدارة العامة للحرس الوطني، إن قوات الأمن اعتقلت 16 شخصا على خلفية أحداث عنف وتخريب وسرقة شهدها حي التضامن بولاية أريانة القريبة من العاصمة، مسجلا اقتحام عدد من المراكز الأمنية والمستودعات التابعة للبلدية والجمارك، وسرقة وتخريب محتويات عدد من الفضاءات التجارية والفروع البنكية بالمنطقة. وفي تفسيرها لما عرفته تونس من احتجاجات سلمية مطالبة بالتنمية والتشغيل قبل أن تتحول إلى احتجاجات عنيفة، نبهت بدرة قعلول، رئيسة مركز الدراسات الأمنية والاستراتيجي، إلى إمكانية وجود مخطّط فوضوي هدّام يستهدف الأمن القومي للبلاد، وكيان الدولة التونسية، على حد تعبيرها، واتهمت أطرافا سياسية لم تسمها بالإعداد الكامل لهذه الأرضية تحت شعار ما يسمى «ثورة الجياع»، أو «ثورة المهمّشين» وتحت راية التأجيج الاجتماعي، واستغلال وتوظيف ثغرات الحكومة، والحديث عن الفساد ونهب الثروات الوطنية. لكنها أشارت في المقابل إلى أن هذه «الاحتجاجات ستتواصل في حال عدم تمكن الحكومة من إيجاد حلول تنموية جذرية، ومباشرة تطبيقها، وإذا ما شعرت الحكومة بأنها عاجزة عن الوفاء بتعهداتها وجب عليها مصارحة الشعب بحقيقة الأوضاع في البلاد».
من ناحية أخرى، نجحت وحدة عسكرية بالمرتفعات المتاخمة لمدينة القصرين (وسط غربي تونس) في رصد مجموعة إرهابية، كانت بصدد التنقل بجبل سمامة، وداهمتها مما أجبرها على الانسحاب ودخول المرتفعات الجبلية الوعرة.
ووفق بلاغ لوزارة الدفاع التونسية، فقد خلفت وراءها دابتين محملتين بألغام مضادة للعربات وألغام مضادة للأشخاص جاهزة للاستعمال، ولغم حارق جاهز للاستعمال، وألغام حارقة في طور التحضير في أوعية بلاستيكية، بالإضافة إلى حزام ناسف. وأضافت الوزارة في ذات البلاغ بعثورها في نفس المنطقة على آثار دماء، مما يرجح وقوع إصابات في صفوف المجموعة الإرهابية بعد حصول اشتباكات بين التشكيلة العسكرية والعناصر الإرهابية.



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.