عاطلون يقتحمون ولاية القصرين.. ونقابات الأمن تهدد بمهاجمة قصر قرطاج

توسع رقعة الاحتجاجات لتشمل عددًا من المدن التونسية

شبان عاطلون عن العمل في مواجهة مع قوات الأمن خلال الاحتجاجات التي عرفتها مدينة القصرين أمس (رويترز)
شبان عاطلون عن العمل في مواجهة مع قوات الأمن خلال الاحتجاجات التي عرفتها مدينة القصرين أمس (رويترز)
TT

عاطلون يقتحمون ولاية القصرين.. ونقابات الأمن تهدد بمهاجمة قصر قرطاج

شبان عاطلون عن العمل في مواجهة مع قوات الأمن خلال الاحتجاجات التي عرفتها مدينة القصرين أمس (رويترز)
شبان عاطلون عن العمل في مواجهة مع قوات الأمن خلال الاحتجاجات التي عرفتها مدينة القصرين أمس (رويترز)

على أثر اقتحام نحو 700 عاطل عن العمل مقر ولاية القصرين (وسط غربي تونس) أمس، للمطالبة بالتنمية والتشغيل، قال الشاذلي بوعلاق، والي (محافظ) القصرين، في تصريح إعلامي، إنه اتفق مع مئات العاطلين المرابطين أمام مبنى الولاية على التفاوض مع عشرة عاطلين كل مرة وعلى مراحل، إلا أنهم اقتحموا المقر، مما حول جنباته إلى فوضى عارمة.
وحافظت قوات الأمن والجيش على حيادها، ولم تتدخل على الرغم من متابعتها الدقيقة كل التطورات، وقال بلحسن الوسلاتي، المتحدث باسم وزارة الدفاع، إن قوات عسكرية إضافية توجهت إلى المنطقة خوفًا من تسلل عناصر إرهابية بين المحتجين لمحاولة استغلال الأوضاع الأمنية المتردية، وتنفيذ أجندتها الرامية إلى إثارة البلبلة والفوضى، واستغلال غضب السكان من أجل الدعاية لأفكارها المتشددة.
وتأتي هذه الموجة الحادة من الاحتجاجات داخل المنطقة نفسها التي مثلت منعرجا لثورة 2011، بعد أيام قليلة من احتفال المواطنين بالذكرى الخامسة لهذه الثورة، حيث عرفت القصرين لليوم الرابع على التوالي احتجاجات اجتماعية، إثر وفاة الشاب رضا اليحياوي (26 سنة) الجمعة الماضي صعقا بالكهرباء. وتحولت الاحتجاجات إلى مواجهات مع قوات الأمن والجيش، بقيادة شبان عاطلين عن العمل، مما أدى إلى فرض حظر التجول في كامل ولاية القصرين من السادسة مساء إلى الخامسة صباحا.
إلا أن هذا الإجراء لم يمنع من تجدد الاحتجاجات أمس في مدينة القصرين (مركز الولاية)، لتمتد إلى مدينتي تالة وفريانة المجاورتين، حيث نفذ عاطلون عن العمل في مدينة قفصة، القريبة من القصرين، وقفة تضامنية مع الشباب المحتج. وقد خلفت هذه الاحتجاجات نحو عشرين إصابة بين المحتجين، وإصابة ثلاثة من رجال الأمن، واثنين من قوات العسكر بإصابات خفيفة.
وبسبب هذا الوضع الأمني المتردي أصبحت السلطات المحلية والمركزية تتخوف من امتداد نيران الاحتجاجات إلى مناطق أخرى، بما يؤشر - حسب بعض المتابعين للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لسكان المنطقة وبقية الجهات التونسية - على إمكانية اندلاع «ثورة جديدة»، خصوصًا بعد فشل التدخلات الحكومية في تغيير حياة المواطنين.
وساند النواب الممثلون للجهة في البرلمان تلك التحركات، مما دفع محمد الناصر، رئيس البرلمان، إلى تشكيل لجنة برلمانية مكونة من سبعة نواب، لزيارة المنطقة بهدف تشخيص الوضع الاجتماعي، ومحاولة إيجاد حلول مجدية وعاجلة.
وفي السياق ذاته، أعلن عمر المحمدي، رئيس نقابة العمال في القصرين، مساندة الاحتجاجات وتبنيها، وقال إنها مجرد «تحركات تلقائية لا تقف وراءها أي منظمة أو حزب سياسي، بل واقع التهميش والفقر هو الذي أدى إلى مثل هذه الانتفاضة».
ولم ينجح القرار العاجل الذي اتخذه الحبيب الصيد، رئيس الحكومة، بإقالة أحد المسؤولين في الولاية (معتمد أول) من منصبه، واتهامه بالفساد والضلوع في عمليات تزوير قائمة الشبان المقدمة حديثا إلى رئاسة الجمهورية ووزارة التربية، قصد منح ظائف لـ79 شابًا، في إخماد فتيل الاحتجاجات الشبابية، التي تواصلت لليوم الرابع على التوالي، في ظل ظروف أمنية واجتماعية قاسية، ساهمت فيها قساوة الطبيعة وارتفاع مستوى الثلوج في زيادة التوتر الاجتماعي وإحساس المواطنين بحدة التفاوت بين الجهات.
واحتج أول من أمس نحو ألف شاب عاطل عن العمل أمام مقر محافظة القصرين، مطالبين بالحصول على وظائف، ومقابلة محافظ الجهة لعرض شواغلهم الاجتماعية والاقتصادية، ومحاسبة المسؤولين المخطئين في حال ثبوت إدانتهم. وقد تدخلت قوات الأمن في البداية، لضمان الطابع السلمي للاحتجاجات، قبل أن تستعمل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، بعد رشق مقر الولاية بالحجارة.
ووفق أحدث الإحصائيات المقدمة حول البطالة في تونس، فإن نسبتها أصبحت تقدر بنحو 16 في المائة على المستوى الوطني، إلا أنها ترتفع إلى 30 في المائة، وربما أكثر في بعض مناطق البلاد على غرار القصرين.
وبدأت بوادر التوتر منذ الأحد الماضي بعد أن رشق محتجون مقرا أمنيا بالحجارة. إلا أن قوات الأمن تلقت أوامر بعدم التدخل خشية تفشي الاحتجاجات، كما أشعلوا إطارات مطاطية، إثر تشييع سكان المدينة لجنازة شاب توفي صعقا بالكهرباء بعد اتهامه السلطات الجهوية بشطب اسمه من لائحة الشبان المقترحين للعمل بوظائف حكومية. وتزامنت هذه الاحتجاجات مع حمل قوات الأمن بمختلف تشكيلاتها للشارة الحمراء، وتنظيم وقفة احتجاجية أمس أمام قصر الحكومة، في وقت تقود فيه النقابات الأمنية اعتصامات مفتوحة في مختلف المراكز الأمنية، وبهذا الخصوص أعلن رياض الرزقي، القيادي في نقابة قوات الأمن الداخلي، عن «وقفة احتجاجية تجمعهم أمام مقر الحكومة في العاصمة التونسية، لكن في حالة فشل المفاوضات مع السلطات، فإن تنظيم مسيرة حاشدة من القصبة إلى قصر قرطاج، والدخول في اعتصام مفتوح هناك سيمثل الحل المقبل»، مشيرا إلى أن موعد هذه المسيرة الأمنية سيكون في 25 من يناير (كانون الثاني) الحالي.
من جهته، أعلن حسين العباسي، رئيس نقابة العمال، عن دعم تحركات قوات الأمن للمطالبة بتحقيق منافع اجتماعية ومادية بقوله: «لا يمكن تحقيق الأمن دون توفير حقوق الأمنيين»، ودعا إلى الحوار مع الهياكل النقابية الممثلة للأمنيين. بينما تطالب قوات الأمن بالمساواة في الرواتب مع مؤسسات أخرى حاملة للسلاح ومع قطاع الوظيفة العمومية.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.